الحكمة الحادية والعشرون
طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ. وَطَلَبُكَ لَـهُ غَيْبَةُ مِنْكَ عَنْهُ. وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ لِقِلَّةِ حَيَائِكَ مِنْهُ. وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ بُعْدِكَ عَنْهُ
لا حول ولا قوة إلا بالله. تبرأ من حَوْلِـه وقوته فوصل إلى مرحلة الرضا والتسليم، ورأى كل شئ فى الكون بفعل الله لأنه لا إله إلا هو فَرَضِىَ بما كان فلم يقنط ولم يحزن على ما فاته ولم يَتَشَوَّف إلى غير مراد الله فى كونه. وعلى ذلك فإذا دعا الله دعاه محض عبادة } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { (غافر60). إذن ] الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ [ ، ولفظ " هـو " يُسَمُّوه ضمير الفصل. يقولون: " فَصْلٌ فِيهِ لاَ فَصْلٌ بِـهِ "، يعنى: الدعاء العبادة. وينبغى أن نؤكد هنا على أن " هـذا " هو الخبر لذلك المبتدأ. فقالوا: قد يتوهم المتوهم أن الخبر لم يأت بعد. مثل قولـه تعالى } ذَلِكَ الْكِتَابُ { (البقرة2) فيقول: أين الخبر؟ فنقول له } لاَ رَيْبَ فِيهِ { (البقرة2). لكن عندما يرى أن " ذَلِكَ " مبتدأ، ولفظ " الْكِتَابُ " خبره فنقول: ذَلِكَ هـو الْكِتَابُ. ونضع " هـو " لكى يبين أن المعرفة التالية لذلك المبتدأ إنما هى خبر وليست صفة لـه. فجاء بضمير الفصل. وضمير الفصل يقوم بشىء آخر وهو الحصر والقصر. فيقول الدعاء هـو العبادة. فإذا مـا دَعَوْتَ رَبَّكَ دعوته متعبدا وليس متشوفا. فطالب الدنيا أو طالب الآخرة إنما طلبه للدنيا وطلبه للآخرة حجاب. فإذا رُفِعَ الحجاب شعرت بحلاوة الإيمان وبحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قلبك. طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ إذا لم يكن على صفة العبادة. فهناك فرق بين أن تقول: يا رب أنا أريد هذه! وبين أنك تقول: يا الله أريد هذا ولا أقولها بلسانى إلا عبادة لك. يعنى ليس هناك تشوفا فى نفسك للمطلوب، بل انتهى تَشَوُّفِكَ ولم يبق فيك إلا الرضا بما أراده الله. فإذا أخر ربنا عليك المطلوب فتسعد وتصبح فرحانا، وتقول الحمد لله لقد أديت ما عَلَىّ فقد حمدت الله ولم أتشوف، فلا أحزن إذا ما تأخر الطلب. أما الثانى يتململ ويقول: يا رب لقد دعوتك فلماذا لم تستجب لى! وهذا فيه اعتراض. ولكن التسليم المطلق أن تجعل لَهَجَكَ بالدعاء عبادة. هل فكرت فى قول سيدنا رسول الله وهو يرشدك ] الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ [، أى اجعله عبادة ولا تجعله طلبا ولا تشوفا. ومن الذى يستطيع هذا؟ كلنا متمسكين بالدنيا..مكلبشين فيها كلبشة الكلب فى العظمة. أى والله مكلبشين فيها كلبشة بحيث أننا نحزن على المفقود ونفرح بالموجود. ولذلك فإن دعاء الصالحين هو: ] اللهم اجعل الدنيا فى أيدينا ولا تجعلها فى قلوبنا [ فدعاء الصالحين أنهم لا يحزنون على المفقود ولا يفرحون بالموجود. هم لا يتركون الدنيا بل يحصلونها لله، فإن فقدوها لا يحزنوا، ويقولون وما المشكلة، إننا لا نهتم فهى ليست لنا. إنها مِلْك الله يعطيها من يشاء. طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ ..يعنى هات..اعطنى..إنما هو اتهام لـه لأنه يعلم حاجتك وسوف يقضيها. ألا تعلم أنه على كل شئ قدير وأن بكل شئ عليم وَطَلَبُكَ لَـهُ غَيْبَةُ مِنْكَ عَنْهُ فاللهم وَصلنى إليك..إذن معنى ذلك أنك لم تصل بعد وأنك غائب. وهذا كلام عال جدا. وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ سبحانه وتعالى وليست لـه. فتطلب مثلا أن يشفى ابنك أو ينجحه أو يسدد ديون فلان لِقِلَّةِ حَيَائِكَ مِنْهُ فلو كان عندك حياء لقلت: اللهم افعل الخير كلـه وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ فهى مصيبة. فمن غيره مصيبة لِوُجُودِ بُعْدِكَ عَنْهُ فأنت بعيد جدا ولا بد عليك أن تسير فى الطريق حتى تستقيم لك الأمور مع الله.
الحكمة الثانية والعشرون
مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَـهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ
يعنى شريط السينما الذى قلت لكم عنه سابقا. فلقد خلقنا الله، ومازال يخلقنا. وما من نَفَسٍ يخرج أو من نَفَسٍ يدخل إلا بقدر الله. ولو أنـه قطع عنا إمداد الخلق لفنينا. سوف نقفل مثل السينما. لو قطع الله إمداد الخلق فقط عن السماوات والأرض، وترك الملائكة خارج السماوات تتفرج، فلن يجدوا أمامهم شيئا..لا المسجد الأزهر..ولا نحن..ولا الأرض ولا السماوات ولا الشمس..ولا أى شئ. فإذا قطع الإمداد سبحانه فتضيع وتذهب. هل معنى ذلك أننى أُخْلَقُ خلقا جديدا كل يوم؟ نعم. هل كل يوم؟. هل كل لحظة؟ أبدا. هل كل ثانية، والثانية هى اللحظة؟ هل كل فيمتو ثانية؟. لا بل أقل من ذلك: ] اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك [ ، ومعنى لا أقل من ذلك هو أن ذلك شئ غير متناهى. إذن فنحن وميض متتالى..فلو انقطع عنى الإمداد فلن أموت.. لأنه عندما أموت يكون جسدى موجود، ولكننى قطع الإمداد معناه أن أَفْنَى وَيَفْنَـى معى الكون. فينبهك الشيخ ويخفف ذلك الأمر عليك حتى لا يضيع عقلك فينقلها لك فى صورة بسيطة مَا مِنْ نَفَسٍ وفى الحقيقة هو أقل من ذلك بكثير مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَـهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ.
الحكمة الثالثة والعشرون
لاَ تَتَرَقَّبَ فَرَاغَ الأَغْيَار : فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه فِيمَا هُوَ مُقِيمُكَ فِيهِ
فكلما ينبهك أحد ويقول لك صلى أو تزكى أو انجد نفسك، فتقول انْتَظِر حتى أفرغ، فالشواغل والمشاغل كثيرة. إن هذه الشواغل والمشاعل لن تنتهى. يقول لك: اذكر الله. فيرد: أنا مشغول جدا. إذن متى يأتيك هذا الفراغ؟ الإجابة:عندما يُرْدِيك. يرديك تعنى يميتك. إذن فمتى يأتيك الفراغ!. وكان أحد مشايخنا رحمه الله يقول:" لقد انشغلنا انشغالا يمكن أن نقول لعزرائيل عندما يأتينا شرعا حقيقة ليس لدينا وقت (مش فاضيين) "، وهذا من شدة الانشغال..فليس لدينا فراغ. فكيف تنتظر إذن الفراغ إذا كان الأمر كذلك؟ أنت مشغول، وهذا لا ينفع يا اخوانى، ولا يجدى، فلابد أن نبادر إلى الله وَنَفِرّ إليه. لاَ تَتَرَقَّبَ فَرَاغَ الأَغْيَار. وما هى هذه الأغيار؟ هى جمع غَيْر. وَمَنْ هَذا الْغَيْر؟ إنـه غير الله. ومن غير الله؟. إنه الكون كله. ولقد أسموه السِّوَى، وكذلك أسموه الغير. فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه. يجعلك منشغلا بالدنيا ولا تتذكر ربك أبدا. وعندما تقوم بأداء عملين أو ثلاثة سواء زكيت أو صليت أو ذكرت تكون فرحا بنفسك مثل الديك الجركسى بالرغم من أنـه هو الذى وفقك إلى ذلك وخلق فيك فعل الطاعة فما كان منك إلا أن يجب عليك بذلك الحمد والشكر. فإذا حمدته وشكرته فلابد عليك من الحمد مرة ثانية والشكر مرة ثانية على أن وفقك على أن حمدته وشكرته. ولن ننتهى بذلك فنقول ] لا نحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك [ . فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه فِيمَا هُوَ مُقِيمُكَ فِيهِ. طلب منا العبادة..وطلب منا العمارة..وطلب منا تزكية النفس. وَسُئِل بعض العارفين متى يستريح الفقير؟ الفقير إلى الله شأنه شأن محتاج إلى الله دائما فهو مع الله دائما لا ينساه. الفقير إلى الله دائما فى السير إلى الله. تجد الفقير لو أن الغنى- غنى الدنيا وفقير الدنيا - يعطيه شئ كل يوم فتجده ملازما لـه كل يوم. أرأيت كيف فهو يشحت .وهذا يشحت من الله فهو يقف على باب الله. وعندما يشحت من الله ووجد النعمة فلا يريد أن يذهب..واقف دائما. سُئِل بعض العارفين متى يستريح الفقير من هذه الوقفة؟ فقال: إذا لم يرى وقتا غير الوقت الذى هو فيه. يستريح عندما يتلذذ بفعل الله فيه فيكون مرتاحا ومبسوطا. وإذا قلت له أن يذهب ويغادر فيرد عليك: وكيف أمشى أين أذهب!.
الحكمة الرابعة والعشرون
لاَ تَسْتَغْرِبْ وُقُوعِ الأَكْدَار مَا دُمْتَ فِى هَذِهِ الدَّار
فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَت إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ وَصْفِهَا وَواَجِبُ نَعْتِهَا
وهذه الدار دار تكليف وابتلاء وامتحان. حتى قال البعض: اللهم أخرجنا من دار الْبَلاء بِلا بَلاء. فهذه دار البلاء أصلا. وعندما تأتى الأكدار..من ضيق..من أزمة..من مرض..من سقوط فى امتحان لا قدر الله - أنجح الله الطلاب - لا تحزن فهذا شأن هذه الدار. أنها كبوة فربوة فحبوة فنبوة. فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَت إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ فهذا هو شأنها كلها. كلها كدر. إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ وَصْفِهَا وَواَجِبُ نَعْتِهَا. فما اسمها؟ الدنيا وهذه الدنيا من الدِّنو ومن الدناءة. فإذا كان هذا هو اسمها..دنيا..فكيف تريدها أن تكون دائمة لك أو خالية من الأكدار..صافية من المنغصات..فالدنيا معناها أنها دنيئة.. وعندما يكون الشخص دنيئا، فماذا تنتظر منه؟ هل تنتظر منه الأخلاق العالية الصفات الباهرة. فهذا هو عملها.
الحكمة الخامسة والعشرون
مَا تَوَقَّفَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِرَبِّكَ وَلَا تَيَسَّرَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِنَفْسِكَ
يعنى إذا توكلت على الله حق توكله وطلبت منه سبحانه وتعالى لـه فإنك تصل بذلك إلى مرادك ويطابق ما فى نفسك ما هو مرادٌ لله فترضى وتجد نفسك عبدا ربانيا إذا قلت للشئ كن فيكون لا باعتبار ذاتك فإن ذاتك فانية إنما باعتبار موافقتك للحق سبحانه وتعالى مع الرضى التام والتسليم الأتم والتوكل والثقة بما عند الله سبحانه وتعالى حتى وكأنك ترى ما فى الكون إنما هو مرادك أنت. والأمر ليس كذلك فما القلب عندك إلا مَجْلَى لصفات الله سبحانه وتعالى يظهر فيها إذا ما رفعت الْحُجُبَ عنه فتتلألأ الأنوار وتنكشف الأسرار ويهدأ البال ويَصْلُحُ الحال فالحمد لله رب العالمين.
الحكمة الحادية والعشرون
طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ. وَطَلَبُكَ لَـهُ غَيْبَةُ مِنْكَ عَنْهُ. وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ لِقِلَّةِ حَيَائِكَ مِنْهُ. وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ بُعْدِكَ عَنْهُ
لا حول ولا قوة إلا بالله. تبرأ من حَوْلِـه وقوته فوصل إلى مرحلة الرضا والتسليم، ورأى كُلَّ شئ فى الكون بفعل الله لأنه لا إله إلا هو فَرَضِىَ بما كان فلم يقنط ولم يحزن على ما فاته ولم يَتَشَوَّف إلى غير مراد الله فى كَوْنِه. وعلى ذلك فإذا دعا الله دعاه مَحْض عبادة } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { (غافر60). إذن ] الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ [ ، ولفظ " هـو " يُسَمُّوه ضمير الفصل. يقولون: " فَصْلٌ فِيهِ لاَ فَصْلٌ بِـهِ "، يعنى: الدعاء العبادة. وينبغى أن نؤكد هنا على أن " هـذا " هو الخبر لذلك المبتدأ. فقالوا: قد يتوهم المتوهم أن الخبر لم يأت بعد. مثل قولـه تعالى } ذَلِكَ الْكِتَابُ { (البقرة2) فيقول: أين الخبر؟ فنقول له } لاَ رَيْبَ فِيهِ { (البقرة2). لكن عندما يرى أن " ذَلِكَ " مبتدأ، ولفظ " الْكِتَابُ " خبره فنقول: ذَلِكَ هـو الْكِتَابُ. ونضع " هـو " لكى يبين أن المعرفة التالية لذلك المبتدأ إنما هى خبر وليست صفة لـه. فجاء بضمير الفصل. وضمير الفصل يقوم بشىء آخر وهو الحصر والقصر. فيقول الدعاء هـو العبادة. فإذا مـا دَعَوْتَ رَبَّكَ دعوته متعبدا وليس مُتَشَوِّفًا. فطالب الدنيا أو طالب الآخرة إنما طلبه للدنيا وطلبه للآخرة حجاب. فإذا رُفِعَ الحجاب شعرت بحلاوة الإيمان وبحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قلبك. طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ إذا لم يكن على صفة العبادة. فهناك فرق بين أن تقول: يا رب أنا أريد هذه! وبين أنك تقول: يا الله أريد هذا ولا أقولها بلسانى إلا عبادة لك. يعنى ليس هناك تشوفا فى نفسك للمطلوب، بل انتهى تَشَوُّفِكَ ولم يبق فيك إلا الرضا بما أراده الله. فإذا أخر ربنا عليك المطلوب فتسعد وتصبح فرحانا، وتقول الحمد لله لقد أديت ما عَلَىّ فقد حمدت الله ولم أتشوف، فلا أحزن إذا ما تأخر الطلب. أما الثانى يتململ ويقول: يا رب لقد دعوتك فلماذا لم تستجب لى! وهذا فيه اعتراض. ولكن التسليم المطلق أن تجعل لَهَجَكَ بالدعاء عبادة. هل فكرت فى قول سيدنا رسول الله وهو يرشدك ] الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ [، أى اجعله عبادة ولا تجعله طلبا ولا تشوفا. ومن الذى يستطيع هذا؟ كلنا متمسكين بالدنيا..مكلبشين فيها كلبشة الكلب فى العظمة. أى والله مكلبشين فيها كلبشة بحيث أننا نحزن على المفقود ونفرح بالموجود. ولذلك فإن دعاء الصالحين هو: ] اللهم اجعل الدنيا فى أيدينا ولا تجعلها فى قلوبنا [ فدعاء الصالحين أنهم لا يحزنون على المفقود ولا يفرحون بالموجود. هم لا يتركون الدنيا بل يحصلونها لله، فإن فقدوها لا يحزنوا، ويقولون وما المشكلة، إننا لا نهتم فهى ليست لنا. إنها مِلْك الله يعطيها من يشاء. طَلَبُكَ مِنْهُ : اتِّهَامٌ لَـهُ ..يعنى هات..اعطنى..إنما هو اتهام لـه لأنه يعلم حاجتك وسوف يقضيها. ألا تعلم أنه على كل شئ قدير وأن بكل شئ عليم وَطَلَبُكَ لَـهُ غَيْبَةُ مِنْكَ عَنْهُ فاللهم وَصلنى إليك..إذن معنى ذلك أنك لم تصل بعد وأنك غائب. وهذا كلام عال جدا. وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ سبحانه وتعالى وليست لـه. فتطلب مثلا أن يشفى ابنك أو ينجحه أو يسدد ديون فلان لِقِلَّةِ حَيَائِكَ مِنْهُ فلو كان عندك حياء لقلت: اللهم افعل الخير كلـه وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ فهى مصيبة. فمن غيره مصيبة لِوُجُودِ بُعْدِكَ عَنْهُ فأنت بعيد جدا ولا بد عليك أن تسير فى الطريق حتى تستقيم لك الأمور مع الله.
الحكمة الثانية والعشرون
مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَـهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ
يعنى شريط السينما الذى قلت لكم عنه سابقا. فلقد خلقنا الله، ومازال يخلقنا. وما من نَفَسٍ يخرج أو من نَفَسٍ يدخل إلا بقدر الله. ولو أنـه قطع عنا إمداد الخلق لفنينا. سوف نقفل مثل السينما. لو قطع الله إمداد الخلق فقط عن السماوات والأرض، وترك الملائكة خارج السماوات تتفرج، فلن يجدوا أمامهم شيئا..لا المسجد الأزهر..ولا نحن..ولا الأرض ولا السماوات ولا الشمس..ولا أى شئ. فإذا قطع الإمداد سبحانه فتضيع وتذهب. هل معنى ذلك أننى أُخْلَقُ خلقا جديدا كل يوم؟ نعم. هل كل يوم؟. هل كل لحظة؟ أبدا. هل كل ثانية، والثانية هى اللحظة؟ هل كل فيمتو ثانية؟. لا بل أقل من ذلك: ] اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك [ ، ومعنى لا أقل من ذلك هو أن ذلك شئ غير متناهى. إذن فنحن وميض متتالى..فلو انقطع عنى الإمداد فلن أموت.. لأنه عندما أموت يكون جسدى موجود، ولكننى قطع الإمداد معناه أن أَفْنَى وَيَفْنَـى معى الْكَوْن. فينبهك الشيخ ويخفف ذلك الأمر عليك حتى لا يضيع عقلك فينقلها لك فى صورة بسيطة مَا مِنْ نَفَسٍ وفى الحقيقة هو أقل من ذلك بكثير مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَـهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ.
الحكمة الثالثة والعشرون
لاَ تَتَرَقَّبَ فَرَاغَ الأَغْيَار : فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه فِيمَا هُوَ مُقِيمُكَ فِيهِ
فكلما ينبهك أحد ويقول لك صلى أو تزكى أو انجد نفسك، فتقول انْتَظِر حتى أفرغ، فالشواغل والمشاغل كثيرة. إن هذه الشواغل والمشاعل لن تنتهى. يقول لك: اذكر الله. فيرد: أنا مشغول جدا. إذن متى يأتيك هذا الفراغ؟ الإجابة:عندما يُرْدِيك. يرديك تعنى يميتك. إذن فمتى يأتيك الفراغ!. وكان أحد مشايخنا رحمه الله يقول:" لقد انشغلنا انشغالا يمكن أن نقول لعزرائيل عندما يأتينا شرعا حقيقة ليس لدينا وقت (مش فاضيين) "، وهذا من شدة الانشغال..فليس لدينا فراغ. فكيف تنتظر إذن الفراغ إذا كان الأمر كذلك؟ أنت مشغول، وهذا لا ينفع يا اخوانى، ولا يجدى، فلابد أن نبادر إلى الله وَنَفِرّ إليه. لاَ تَتَرَقَّبَ فَرَاغَ الأَغْيَار. وما هى هذه الأغيار؟ هى جمع غَيْر. وَمَنْ هَذا الْغَيْر؟ إنـه غَيْر الله. وَمَنْ غَيْرُ الله؟. إِنَّـهُ الْكَوْن كُلّه. ولقد أسموه السِّوَى، وكذلك أسموه الغير. فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه. يجعلك منشغلا بالدنيا ولا تتذكر ربك أبدا. وعندما تقوم بأداء عملين أو ثلاثة سواء زكيت أو صليت أو ذكرت تكون فرحا بنفسك مثل الديك الجركسى بالرغم من أنـه هو الذى وفقك إلى ذلك وخلق فيك فعل الطاعة فما كان منك إلا أن يجب عليك بذلك الحمد والشكر. فإذا حمدته وشكرته فلابد عليك من الحمد مرة ثانية والشكر مرة ثانية على أن وفقك على أن حمدته وشكرته. ولن ننتهى بذلك فنقول ] لا نحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك [ . فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ المُرَاقَبَةِ لَـه فِيمَا هُوَ مُقِيمُكَ فِيهِ. طلب منا العبادة..وطلب منا العمارة..وطلب منا تزكية النفس. وَسُئِل بعض العارفين متى يستريح الفقير؟ الفقير إلى الله شأنه شأن محتاج إلى الله دائما فهو مع الله دائما لا ينساه. الفقير إلى الله دائما فى السير إلى الله. تجد الفقير لو أن الغنى- غنى الدنيا وفقير الدنيا - يعطيه شئ كل يوم فتجده ملازما لـه كل يوم. أرأيت كيف؟ فهو يشحت. وهذا يشحت من الله فهو يقف على باب الله. وعندما يشحت من الله ووجد النعمة فلا يريد أن يذهب..واقف دائما. سُئِل بعض العارفين متى يستريح الفقير من هذه الوقفة؟ فقال: إذا لم يرى وقتا غير الوقت الذى هو فيه. يستريح عندما يتلذذ بفعل الله فيه فيكون مرتاحا ومبسوطا. وإذا قلت له أن يذهب ويغادر فيرد عليك: وكيف أمشى أين أذهب!.
الحكمة الرابعة والعشرون
لاَ تَسْتَغْرِبْ وُقُوعِ الأَكْدَار مَا دُمْتَ فِى هَذِهِ الدَّار
فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَت إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ وَصْفِهَا وَواَجِبُ نَعْتِهَا
وهذه الدار دار تكليف وابتلاء وامتحان. حتى قال البعض: اللهم أخرجنا من دار (البلا بلا بلا) الْبَلاء بِلا بَلاء. فهذه دار البلاء أصلا. وعندما تأتى الأكدار..من ضيق..من أزمة..من مرض..من سقوط فى امتحان لا قدر الله - أنجح الله الطلاب - لا تحزن فهذا شأن هذه الدار. أنها كبوة فربوة فحبوة فنبوة. فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَت إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ فهذا هو شأنها كلها. كلها كدر. إلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌ وَصْفِهَا وَواَجِبُ نَعْتِهَا. فما اسمها؟ الدنيا. وهذه الدنيا من الدِّنو ومن الدناءة. فإذا كان هذا هو اسمها..دنيا..فكيف تريدها أن تكون دائمة لك أو خالية من الأكدار..صافية من المنغصات..فالدنيا معناها أنها دنيئة.. وعندما يكون الشخص دنيئا، فماذا تنتظر منه؟ هل تنتظر منه الأخلاق العالية أو الصفات الباهرة. فهذا هو عملها.
الحكمة الخامسة والعشرون
مَا تَوَقَّفَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِرَبِّكَ، وَلَا تَيَسَّرَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِنَفْسِكَ
يعنى إذا توكلت على الله حق توكله وطلبت منه سبحانه وتعالى لـه فإنك تصل بذلك إلى مرادك ويطابق ما فى نفسك ما هو مرادٌ لله فترضى وتجد نفسك عبدا ربانيا إذا قلت للشئ كن فيكون لا باعتبار ذاتك فإن ذاتك فانية إنما باعتبار موافقتك للحق سبحانه وتعالى مع الرضى التام والتسليم الأتم والتوكل والثقة بما عند الله سبحانه وتعالى حتى وكأنك ترى ما فى الكون إنما هو مرادك أنت. والأمر ليس كذلك فما القلب عندك إلا مَجْلَى لصفات الله سبحانه وتعالى يظهر فيها إذا ما رفعت الْحُجُبَ عنه فتتلألأ الأنوار وتنكشف الأسرار ويهدأ البال ويَصْلُحُ الحال، فالحمد لله رب العالمين.
الحكمة السادسة والعشرون
مِنْ عَلاَمَاتِ النُّجْحِ فِى النِّهَايَاتِ: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ فِى الْبِدَايَاتِ
يعنى ما بُنِىَ على حقٍ دامَ واتصل، وما بُنِىَ على الباطل انهدم وانفصل. وإذا بدت البدايات صحيحة كانت النهايات على غاية النُّجْح والقَبول من عند الله. فكيف تكونُ البدايات؟ وما النهايات؟ البدايات هى الالتزام بالشرع الشريف، فما من واحدٍ من أهلِ الله تعالى إلا وأمرَ بما أمرَ اللهُ به ونهى عما نهى الله عنه: أمرَ بالمعروف وَنَهَى عن المنكر، ولم يعكس فيأمر بمنكر أو ينه عن معروف. تصحيح البدايات أن تلتزم بهمةٍ بما أمرك الله به، وأن تنته عما نهاكَ اللهُ عنه، أى أن تلتزم معالم الشرع الشريف الذى ما أنزله الله للعالمين عبثا وإنما جعله سببا لخيرهم ولحسن معاشهم وارتياشهم ولحسن معادهم ورجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. والالتزام بالشرع الشريف يبدأ بالطهارة فإنها مُقَدِّمَةُ الصلاة، والصلاة عماد الدين وذُرْوَةُ سَنَامِه وأعلى الأمر وخيرُ موضوع والفرق بيننا وبين الكافرين والمشركين. لا يسجد أحد على وجه الأرض لربه إلا المسلمون ولا يتوجهون إليه بتلك العبادة إلا هم. فهم خير العابدين جَمَعُوا فى تلك العبادة ما عليهم الملائكة الكرام فى الملأ الأعلى، فمنهم راكع ومنهم ساجد ومنهم قائم ومنهم تالٍ ومنهم ذاكر ومنهم من يصلى على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من يتوجه ومنهم من يتعلق ومنهم من يخشع، فجمع المسلم بين ذلك كله فى صلاته فتوجه إلى القبلة طاهرا خاشعا وسجد لربه. راكعا قائما..مصليا ذاكرا..تاليا مسبحا، فجمع بين أنواع العبادات التى كانت عليها الملائكة ولا زالت فى الملأ الأعلى. تصحيح البدايات بآداء الزكوات وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يقبل الله ذلك كُلَّهُ إلا بِحُبِّ النبى صلى الله عليه وسلم وَحُبِّ آل بيته. فإن حب النبى المصطفى والحبيب المجتبى وحب آل بيته من أركان الإيمان. لا يقبل الله عدلا ولا صرفا ممن لم يُدْخِلُ حُبَّ النبى قَلْبَه. فإذا دخل حب النبى قلبك فاعلم أنك على الخير وأنك مختوم لك بالسعادة. وإذا كان على غير ذلك فهذا هو الخذلان المبين ويجب عليك أن ترحل مما أنت فيه إلى رضوان الله بأن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يتم حبه صلى الله عليه وسلم إلا بحب أهل بيته. قال صلى الله عليه وآله وسلم ] تَرَكْتُ فِيكُم مَا إِنْ تَمَسَّكْتُم بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِى أَبَدًا كِتَابَ الله وَعِتْرَةَ أَهْلِ بَيْتِى [ ، ترك فينا كتاب الله نهتدى به، وترك فينا عترة أهل بيته نحبهم بحبه ونوقرهم بتوقيره ونُبْتَلى فيهم ببلوتنا..ونُكَلَّفُ فيهم بتكليفنا لله..فينبغى علينا أن نصبر عليهم وألا نغتابهم وأن نقوم بهم وألا نجعلهم يحتاجون إلى الناس وأن نعتقد فيهم حسن الخاتمة وأن نتألم لمن عصى الله منهم وأن نرده ردا جميلا وأن نبكى عليه بكاءنا على أولادنا وآباءنا وأن نُحِبُّهُم أكثرَ من حب أهالينا. لا يقبل الله صرفا ولا عدلا إلا بحب النبى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.ومن حبه حب آل البيت الكرام. من أجل أن الطهارة كانت أول البدايات قالت السيدة نفيسة لما مات الإمام الشافعى رضى الله تعالى عنه وكان إمامَ الدنيا وناصرَ السنة وكان من أهل البيت الذين يَحْرُمَ عليهم طَلَبُ الزكاة، بنو هاشم وبنو المطلب، وهو كان من بنى المطلب، وكان الإمام الأَجَّل. قالت: رَحِمَهُ اللهُ كان يحسن الوضوء فإذا أحسن الوضوء فقد صحح البدايات..ومن صحح البدايات أَنْجَحَ الله لـه النهايات. فأشارت بالبداية إلى النهاية. بعض الناس القاصرين يظنون أنه يحسن الوضوء أى كأن وضوءه على درجة ضعيفة وبعلم قليل يادوبك هِه. لا! بل كان يحسن الوضوء هو شئ آخر. كان يحسن الوضوء أى أنه كان على علمٍ وإخلاص، وكان على الطريقة المحمودة، وكان على الشرع الذى أمرنا أن نتمسك به، فصار إمامَ الدنيا نَذْكُرُهُ إلى يومنا هذا. وهو صاحبُ مِصْرِنَا هذا لأنه مدفونٌ فيها. ولذلك شاع مذهبه هنا وأصبحت مِصْر من أركانِ المذهبِ الشافعى عَبْرَ التاريخ. كان رَحِمَهُ اللهُ يحسن الوضوء فترحمها حكمة وذِكْرُهَا للبدايات حكمة. وفيها إشارة إلى ما معنا اليوم أن نجح النهايات إنما يكون بتصحيح البدايات مِنْ عَلاَمَاتِ النُّجْحِ فِى النِّهَايَاتِ الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ فِى الْبِدَايَاتِ ومنها قَوْلُهُم ما بُنِىَ على بَاطِلٍ فهو باطل أى وما بنى على الصحيح فإنه يصح. وإذا تركت العود يَنْبُت يَعْوَّج فإذا أقمته استقام. فإذا أقمته فى بداياته نجح فى الإقامة فى نهاياته. وكذلك من تَرَبَّى على مثل هذه الأخلاق صغيرا فإنك تُوَقِّره كبيرا.
الحكمة السابعة والعشرون
مَنْ أَشْرَقَتْ بِدَايَتَهُ..أَشْرَقَتْ نِهَايَتَهُ
فاللهُ كريم. والكريمُ إذا وهب ما سلب. فإذا قد حافظ عليك الله فى بداياتك وَعَصَمَكَ فى شبابك كان ذلك علامة ودِلالة على أنك سَيُخْتَمُ لكَ بخير. أما إذا كانت البدايات ليست مشرقة بل مظلمة بأن كانت عاملة ناصبة ونعوذ بالله. } قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً { (الكهف103-104)، وهناك بعض الناس على هذا الحال بالفعل، ] وَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَـهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَالْعَطَشْ [ سيدنا رسول الله يقول لنا هذا. رُبَّ عابد ليس له من عبادته إلا النصب..إلا التعب. وبعضهم هناك فى الأديرة وهكذا إلى آخره وهم على غير الحق يعبدون الله بالليل والنهار ظانين أنهم على خير وهى عاملة (أى أنها تبذل مجهودا)..ناصبة (أى أنه تعبانة). } عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ* تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً* تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ { (الغاشية3-5)، تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية لأنها منحرفة عن الصراطِ المستقيم وعن العقيدة الصحيحة وعن مُرَادِ الله من كونه وعن توحيده وتفريده سبحانه وعن نسبة الألوهية لغيره إذن مَنْ أَشْرَقَتْ والإشراق بماذا يتم؟ وما الذى أشرق؟ الشمس! وما شمس الأمر؟ شَمْسُ الأَمْر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أضاءت الدنيا بوجوده. شمس الأمر أن تجعل رسول الله ديدنك وإمامك وأسوتك الحسنة. فإذا فعلت ذلك فقد أَشْرَقَت بداياتك. أما إذا تركت رسول الله وذهبت يُمْنَةً ويسرة فإنك لا تكون على الخير مهما عملت مَنْ أَشْرَقَتْ بِدَايَتَهُ..أَشْرَقَتْ نِهَايَاتَهُ.
الحكمة الثامنة والعشرون
مَا اسْتُودِعَ فِى غَيْبِ السَّرَائِرْ، ظَهَرَ فِى شِهَادَةِ الظَوَاهِرْ
على وشك يبان يا نداغ اللبان. فالشئ الذى يوجد بالداخل سوف يظهر بالخارج ولابد. لابد تعرفهم فى لحن القول فيجب أن تفلت كلمة من هنا أو هناك، وهكذا. ] خَيْرُكُم مَنْ إِذَا رَآهُ النَّاسُ ذَكَرُوا اللهَ [ هكذا يقول النبى عليه الصلاة والسلام. ينظر إليك فيتذكر الله، وفهناك ناس تنظر إليها تتذكر الشياطين فى الحال. ولكن هناك مَنْ إذا رأيته ذَكَرْت الله. وجهه منير وحلو. من أين لـه هذا. من طول القيام بالليل قال أهل الله: مَنْ طَالَ قِيَامُهُ بالليل أَنَارَ وَجْهُهُ فى النهار فهكذا يقول أهل الله. وذلك من الذكر، لأن القلب بيت الرب سبحانه وتعالى فمن عَمَّرَه بذكره أنارَ بـه وَجْهَهُ. فتجد المسلمين وجوههم منيرة، وتنظر إلى الآخرين ومع أنه أبيض ليس أسمر ولا قمحى لكنه أبيض شاهق ومع ذلك يشع ظلمة. فهناك فرق بين من يشع ظلمة ومن يشع نور. وهذا يأتى من الإيمان ويأتى من القلب الذى بالداخل، وينعكس على الظواهر. إذا خشعت القلوب خشعت الجوارح، إذا خشعت القلوب ظهر ذلك على جوارحه فيسمونه بالسَمْت. ويقول عليه سمت الصالحين. يعنى تنظر إليه تشعر وتعرف أنه صالح عليه سمت الصالحين. ويظهر ذلك فى النظر فتجد الولد منهم عينه تذهب هنا وهناك والننى يجرى يمينا ويسارا، حيران. لكن الآخر تجده رزين دفيان (دافئ) فهناك فرق بين الدفيان والحيران، فإذا كان قلبك دفيان فسوف يظهر ذلك على جوارحك، وإذا كان قلبك حيران فيظهر هذا على جوارحك. ونعوذ بالله من التعبان. فهُم ثلاثة: تعبان وحيران ودفيان فاللهم اجعلنا من صنف الدفيان، ولا تجعلنا من صنف التعبان ولا الحيران. إذن الشئ الذى بالداخل يظهر بالخارج. وكل إناء بما فيه ينضح والعوام هنا يقولون الكلام الذى بدأنا بـه على وشك يبان يا نداغ اللبان فأنت تمضغ اللبان فى فمك وتخفيها فلا تفتح شفايفك لكن سوف يظهر عليك وأنت تقوم بتحريك الفم. فانظر إلى الرجل وانظر إلى أثر هذا فى الناس. يعنى هم قالوا كل إناء ينضح بما فيه وإلى آخره من الحكمة مَا اسْتُودِعَ فِى غَيْبِ السَّرَائِرْ ظَهَرَ فِى شِهَادَةِ الظَوَاهِرْ الشئ المشاهد الخارجى الظاهر أمام الناس تتعلق بهذا. بعض الناس ينافق ويرائى ويحاور. وإنه لا ينفع ولا يعرف فهو يحاول قليلا وبعد ذلك يمل ولا يستطيع أن يُكْمِل ولا يعرف أن يستمر. لكن الثانى مستمر..دائما..تغيب عنه عشر سنين وترجع له تجده كما هو. لكن الشخص الأول الذى يمثل يمل ويغير ويصعد وينزل. قال دلائل الحب لا تخفى على أحد كحامل المسك لا يخفى إذا عبق يعنى من يضع المسك رائحته تفوح. فهل يعرف أن يمنع فوحانه! إنه سوف يظهر عليه مهما أخفى نفسه. لأن التقى الخفى محمود عند الله، لكن مهما اختفى إلا أنه يكون ظاهرا. رأيناهم كثيرا فى حياتنا. وكان منهم الشيخ عبد الرحمن حسن رحمه الله تعالى عاش وحيدا ومات وحيدا واشتغل بالعلم بالليل والنهار وكنت إذا رأيته رأيت الأنوار تتلألأ على صفة النبوة كأن الله قد أورثه نورا. وكان منهم الشيخ صالح الجعفرى الذى كان يجلس فى هذا المجلس رحمه الله ورضى عنه. كم نفع الله به الناس كان منيرا فى وجهه حُلْوًا فى منطقه عذبا فى كلامه محبا لرسول الله صلى الله عليه وآلـه وسلم ويوصى الناس بحبه ويُعَلِّم الناس حبه صلى الله عليه وآله وسلم. عاش على الخير ومات على الخير وهـا نحن نذكره بالذكرى الحسنة بعد ممات أولئك الأفاضل. من الذكرى الحسنة التى نذكر الناس عليها وهذا من رحمة الله بنا وبهم رضى الله تعالى عنهم.
الحكمة التاسعة والعشرون
شَتَّانْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَوْ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ. المُسْتَدِلُ بِهِ عَرَفَ الْحَقَّ لأَهْلِه وَأَثْبَتَ الأَمْرَ مِنْ وُجُودِ أَصْلِه. والاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ مِنْ عَدِمِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ: وَإِلاَّ فَمَتَى غَابَ حَتَّى يُسْتَدَلُ عَلَيْهِ، وَمَتَى بَعُدَ حَتَّى تَكُونَ الآثَارُ هِىَ الَّتِى تُوَصِلُ إِلَيْهِ
شَتَانْ أى هناك فرق كبير بَيْنَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَوْ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ. مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ يعنى خلاص كل ما أَنْ تقول له شئ يقول لك أنا فى أزمة فتقول له ولكن الله موجود يا أخى. هُوَ مؤمن بالله إيمانه لا يتزحزح ثم بعد ذلك تكلم بهذا الإيمان ومن يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ فهم أصحاب علم الكلام والتوحيد والرد على الشبهات وكذا. نعم ينبغى أن يكون هذا فى مقام جِدَال الكافرين لا فى استحضار الأدلة للمؤمنين فإن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أن يستدل عليه أحد فهو أظهر من كل الأكوان ومن الدليل. فما هو الدليل الذى يدل عليه، إذا كان هو الأصل. فأنت لا تعرف كيف تتصور الدنيا بدون الله..وأنت لا تعرف كيف تعيش بدون الله..وأنت لا تستطيع أن تشعر بوجودك بدون الله. إذن ما هذا الكلام الفارغ. فإذا قال أحد ما هو الدليل على وجوده، نقول له: أقم أنت الدليل على عدم وجوده، إذا كانت لديك القدرة. إنه موجود..سبحانه وتعالى بل هو واجب الوجود..بل هو الوجود الحق..سبحانه وتعالى. وكل ذلك باطلٌ..فَانٍ..حَادِث..لـه نهاية..وله بداية. أما الله الذى لا إله إلا هو خالق السماوات والأرض فهو } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { (الشورى11)، وهو } رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ { (الرعد16)، فإنه سبحانه } لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ { (الأنبياء23)، فهو } فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ { (البروج16)، } خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ { (الصافات96). شَتَانْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ فيقول لك: اتق الله يا أخى..الله موجود..اتق الله..لا تظلمنى..ويتكلم هكذا..فالله حقيقة لا تحتاج إلى كلام..فهو منطلق من الله. أما الآخر فيا حسرة عليه..إنه مازال يبحث عن الله..فليبحث..وليستمر باحثا..إنه حيران..وقد يكون تعبانا. شَتَانْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَوْ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ المُسْتَدِلُ بِهِ عَرَفَ الْحَقَّ لأَهْلِه..وهل هناك أوضح من ذلك..ولا يَصحُ فى الأفهامِ شئ إذا احتاج النهار إلى دليل.
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ وَيُنْكِرُ الْفَمُ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ
قطعا لا يَصحُ فى الأفهامِ شئ إذا احتاج النهار إلى دليل. المُسْتَدِلُ بِهِ عَرَفَ الْحَقَّ لأَهْلِه وَأَثْبَتَ الأَمْرَ مِنْ وُجُودِ أَصْلِه. أصل هذا الوجود هو الله. والاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ مِنْ عَدِمِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
يقولون إن الإمام الرازى أَلَّفَ كتابا فيه أَلْفَ دليل على وجود الله (والبعض ينسب ذلك إلى الآمدى..السيف الآمدى بدلا من الإمام الرازى)، أى أنه ذكر ألف دليل على وجود الله، فأقاموا لـه حفلة..وركب برزون (والبرزون فرس جميل مُزَيَّن) يدور به فى البلدة، وهى نيسابور (مثل الموالد التى نقوم بها، حفلة يعنى) احتفالا به فى نيسابور ( وهى حاليا من بلاد إيران)، فرأت ذلك امرأة عجوز فقالت: لماذا هذه الحفلة؟ فأجابوها إنها لأحد كبار العلماء لديهم..حُجَّة الإسلام..إمام الأئمة..فخر الدين..ألف كتبا أورد فيه ألف دليل على وجود الله. فقالت على الفور: أو كان عنده أَلْف شك!. هل كان عنده ألف مشكلة..ألف شك على وجود الله كيف يحضر لها ألف دليل يرد بها ليثبت وجود الله. فسمعها الإمام المؤلف وهى تقول ذلك، فقال: اللهم إيمانا كعجائز نيسابور. هذا هو الإيمان الصحيح. هل يحتاج الله إلى دليل. لقد قام الإمام بتأليف الكتاب ردا على المتحيرين والمخائبين، لكن فى نفس الوقت يطلب إيمانا كإيمان عجائز نيسابور الذين هم على الفطرة. أى أنه لم ينس نفسه. إذن هو اثنان: مؤمن بينه وبين الله لا يحتاج إلى أدلة..ولكنه سرد الأدلة للآخرين..للحائرين..لغيرنا. فإن الإيمان نعمة نحمد الله عليها. والاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ مِنْ عَدِمِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فمن يريد أن يستدل عليه لم يعرفه بعد. ولكن فيما عرفناه نحن؟ يا سلام! لقد عرفناه فى الرحمة..وعرفناه فى النعمة..وعرفناه فى استجابة الدعاء..وعرفناه باللطف الجارى بنا..وعرفناه برفع المصائب عنا..وعرفناه فى كل لحظة وفى كل نَفَس..فى كل خطرة وَإِلاَّ فَمَتَى غَابَ حَتَّى يُسْتَدَلُ عليه أنت تستدل على الغائب وهو غائب ولكنه قريب } فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ { (البقرة186) فلا تَقُل أن الله بعيد. وَمَتَى بَعُدَ حَتَّى تَكُونَ الآثَارُ هِىَ الَّتِى تُوَصِلُ إِلَيْهِ الله سبحانه وتعالى أظهر من الظهور..وأظهر من الأكون.