يستمد علم التصوف قواعده وأسسه وخصاله ومبادئه من الكتاب والسنة الشريفة وأحوال الصالحين وفتوحات العارفين واجتهادات العلماء العاملين بما يوافق الكتاب والسنة والآثار الثابتة والوصايا فهو لا يخرج عن هذا بغض النظر عن كل ما ادخل فيه من البدع فهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام
التصوف مبني على الكتاب والسنة
وعبارات أئمة الصوفية تؤكد على أنه لا تصوف إلا بـموافقة الكتاب والسنة، ومن ذلك ما قاله إمام الصوفية سيد الطائفة الإمام الجنيد- (ت 297) رحمه الله-: "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام"(2) وقال: "من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة"(3).
وقال ذو النون الـمصري: "من علامات الـمحبة لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته"(5).
استمداد علم التصوف
يستمد علم التصوف قواعده وأسسه وخصاله ومبادئه من الكتاب والسنة الشريفة وأحوال الصالحين وفتوحات العارفين واجتهادات العلماء العاملين بما يوافق الكتاب والسنة والآثار الثابتة والوصايا فهو لا يخرج عن هذا بغض النظر عن كل ما ادخل فيه من البدع فهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام
قال الإمام الجنيد (297 هـ):" علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة "اهـ، "
وقال الإمام سهل التُّسْتَرِيّ (283 هـ):" أصولنا .. التمسكُ بكتاب الله تعالى، والاقتداء بِسُنّة رسوله "اهـ
وقال إبراهيم النصر آباذي (369 هـ):" أصل التصوف: ملازمة الكتاب والسنة، وترك الأهواء والبدع، وتعظيم حرمات المشايخ .. "اهـ
وقال الإمام ابو يزيد البسطامي (180 - 261 هـ):" لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند: الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة "اهـ
ويقول الأمام مالك رحمة الله تعالى :) من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق )
وهذا هو الأمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول : ( أصول طريق التصوف خمسة : تقوى الله في السر والعلانية , إتباع السنة في الأقوال والأفعال , الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار , الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير , الرجوع إلى الله في السراء والضراء )
فهذا هو سلطان الأولياء والعارفين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يقول :كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة , طر إلى الحق عزَّوجلَّ بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية .ويقول كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل
وقال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : أصول طريقتنا ـ أي منهج الصوفية ـ سبعة : التمسك بالكتاب , والاقتداء بالسنة , وأكل الحلال , وكف الأذى , وتجنب المعاصي , لزوم التوبة , وأداء الحقوق
وقد أثر عن السري السقطي رحمه الله تعالى أنه كان يقول: التصوف اسم لثلاثة معاني هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعة ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله ويقول : المتصوف لا يتكلم بباطن علم ينقضه علية ظاهر الكتاب والسنَّة .
وهذا الشيخ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر باذي رحمه الله يقول: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الهواء والبدع , وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق , وحسن صحبة الرفقاء , والقيام بخدمتهم , واستعمال الأخلاق الجميلة ,والمداومة على الأوراد , وترك ارتكاب الرخص والتأويلات , وما ضل احدٌ ف بهذا الطريق إلا بفساد الابتداء يؤثر في الانتهاء , طبقات الصوفية ص 488
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى أنه يقول : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي رحمة الله : إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك أنَّ الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي تبين إن الاستقامة على الشريعة المطهرة هي أفضل من أي كرامة .
وقال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله : من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه .
وقال أبو حفص احد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال .
وتحدث الأمام أحمد ابن تيمية رحمة الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال : ( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض , وإبراهيم بن أدهم , وأبي سليمان الدارني , ومعروف الكرخي , والسري السقطي , والجنيد بن محمد , وغيرهم من المتقدمين , مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني, والشيخ حماد , والشيخ أبي البيان , وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين , بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت . وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف , وهذا كثير من كلامهم ) . الجزء العاشر من مجموع فتاويه
واختم بقول سيدي الشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه : ( طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا ) وفي هذا القدر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقة التصوف والصوفية . فإن كان هذا هو التصوف فأي علم اشرف من هذا العلم والله أعلم .