مقامات النفس
يقول السيد محمود ابو الفيض المنوفي :
« مقامات النفس سبعة :
الأول : مقام ظلمات الأغيار ، وتسمى النفس فيه : الأمارة .
الثاني : مقام حدوث الأنوار ، وتسمى النفس فيه : اللوامة .
الثالث : مقام درك الأسرار في الخير والشر ، وتسمى النفس فيه:الملهمة .
الرابع : مقام التوازن النفسي ، وتسمى النفس فيه : مطمئنة .
الخامسة : مقام نيل الوصال ، وتسمى النفس فيه : راضية .
السادسة : مقام تجلي المواهب الإلهية ، وتسمى النفس فيه : مرضية .
السابعة : مقام تجلي الأسماء والصفات الإلهية على القلب ، وتسمى النفس فيه :
كاملة »
ويقول الشيخ سليمان بن يونس الخلوتي : « إن علماء الصوفية قسموا النفوس إلى سبع ، وبالحقيقة أنها نفس واحدة لكن تسمى باعتبار صفاتها المختلفة بأسمائها ، وهذه النفس هي النفس الناطقة ، وتسمى باللطيفة الربانية ، فكلما اتصفت بصفة سميت لأجل اتصافها بها باسم من هذه الأسماء »
ويقول الشيخ أحمد الصاوي : « النفوس سبع بحسب أوصافها وإلا فهي واحدة :الأولى : النفس الأمارة بالسوء : وهي التي لا تأمر صاحبها بخير ، فإذا جاهدها صاحبها وخالفها في شهواتها حتى أذعنت لإتباع الحق وسكنت تحت الأمر التكليفي ولكنها تغلب صاحبها في أكثر أحوالها ثم ترجع إليه باللوم على ما وقع ، وسميت : لوامة وهي الثانية .
فإذا أخذ في المجاهدة والكد حتى مالت إلى عالم القدس واستنارت بحيث ألهمت فجورها وتقواها سميت : ملهمة وهي الثالثة ، وعلامتها أن يعرف صاحبها دسائسها الخفية الدقيقة من الرياء والعجب وغير ذلك .
فإذا لزم المجاهدة حتى زالت عنها الشهوات وتبدلت الصفات المذمومة بالمحمودة وتخلق بأخلاق الجمالية من الرأفة والرحمة واللطف والكرم والود سميت : مطمئنة وهي الرابعة ، وهذا المقام هو مبدأ الوصول إلى الله تعالى ولكنها لا تخلو من دسائس خفية جداً كالشرك الخفي وحب الرياسة ، إلا أنها لخفائها ودقتها لا يدركها إلا أهلها الذين نور الله بصائرهم , لأن ظاهرها الصلاح والاتصاف بالصفات الحميدة من الكرم والحلم والتوكل والزهد والورع والشكر والصبر والتسليم والرضا بالقضاء مع انكشاف بعض أسرار وانخراق بعض عادات وظهور بعض كرامات ، فلربما ظن صاحبها أنه الإمام الأعظم وإن مقامه هو المقام الأفخم ، وهذا من جملة الدسائس .
فإذا أدركته العناية الإلهية ، واستند إلى شيخه بالكلية ، ولازم المجاهدة ، حتى تمكن من الصفات المحمودة ، وانقطع عنه عرق الرياء ، وصارت نفسه ذليلة ، واستوى عند المدح والذم ، ودخلت في مقام الفناء ورضيت بكل ما يقع في الكون من غير اعتراض أصلاً
سميت : راضية هي الخامسة ولكن رؤية الفناء والإخلاص ربما أوقع في شيء من الإعجاب ، فيرجع به القهقرى فليستعذ من ذلك ،مع مداومة الذكر والالتجاء إلى الله ، وملاحظة أنه لا يتم له الخلاص إلا بمدد الشيخ .
فإذا فنى عن الفناء ، وخلص من رؤية الخلاص ، تجلى عليها بالرضا ، وعفا عن كل ما مضى ، وتبدلت سيئآتها حسنات ، وانفتحت لها أبواب الأذواق والتجليات ، فصارت غريقة في بحار التوحيد ، وآنستها بلابل الأسرار بالتغريد ، ولذا سميت : مرضية , لأنها بعنايات الله مرعية ، وهي السادسة .
إلا أن صاحب الهمة العلية لا يرضى بالوقوف عند هذه المقامات وإن كانت سنية ، بل يسير من الفناء إلى البقاء ، ويطلب وصل الوصل بتمام اللقاء ، فتناديه حقائق الأكوان : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، وأن إلى ربك المنتهى . فإذا سار إلى منازل الأبطال ، وخلف الدنيا وراء ظهره ، ناداه ربه بأحسن مقال : ( يَا أَيَّتــُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً .فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ، فيدخلها ربها عباد الإحسان ، ويخلع عنها خلع الرضوان ، ويدخلها جنات الشهود ، ويجلسها في مقعد صدق عند الملك المعبود . وفي هذا المقام قد تمت المجاهدة والمكابدة , لأن صفات الكمال صارت لها طبعاً وسجية ، وتسمى النفس فيه : بالكاملة ، وهي السابعة ، وهي أعظم النفوس قدراً ، وأكملها فخراً مع ذلك لا ينقطع ترقيها أبداً , لأن الكامل يقبل الكمال ، فلم تزل تترقى حتى تشهد الحق تعالى قبل الأكوان »
يقول الشيخ أحمد بن سليمان النقشبندي :
« قطع صفات النفس السبع في بعض الطرق : بالتنقل في الأسماء السبعة بتوجه الشيخ للمريد كطريقة الشيخ الأكبر .
وفي بعضها : بنظر الشيخ للمريد نظر نخبة ، كطريقة سيدي أحمد البدوي .
وفي بعضها : بفيض العلم بالمحاذاة التامة الصحيحة ، كالطريقة الخالدية ، فيمتلئ المريد علما بالمحاذاة ، وإن لم يسمع ما يقوله الشيخ »
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : « النفس تسمى في الاصطلاح على خمسة أضرب : نفس حيوانية ، ونفس أمارة ، ونفس ملهمة ، ونفس لوامة ، ونفس مطمئنة ، وكلها أسماء الروح ، إذ ليس حقيقة النفس إلا الروح ، وليس حقيقة الروح إلا الحق فافهم .
فالنفس الحيوانية : تطلق على الروح باعتبار تدبيرها البدن فقط ، وأما الفلسفيون فالنفس الحيوانية عندهم هي الدم الجاري في العروق وليس هذا بمذهبنا .
ثم النفس الأمارة : تسمى به باعتبار ما يأتيه من المقتضيات الطبيعية الشهوانية بالانهماك في الملاذ الحيوانية وعدم المبالات بالأوامر النواهي .
ثم النفس الملهمة : تسمى به باعتبار ما يلهمها الله تعالى به من الخير ، فكل ما تفعله النفس من الخير هو بالإلهام الإلهي ، وكل ما تفعله من الشر هو بالاقتضاء الطبيعي ، وذلك الاقتضاء منها بمثابة الأمر لها بالفعل ، فكأنها هي الأمارة لنفسها بفعل تلك المقتضيات، فلهذا سميت أمارة ،وللإلهام الإلهي سميت ملهمة .
ثم النفس اللوامة : سميت به باعتبار أخذها في الرجوع والإقلاع ، فكأنها تلوم نفسها على الخوض في تلك المهالك ، فلهذا سميت لوامة .
ثم النفس المطمئنة : سميت به باعتبار سكونها إلى الحق واطمئنانها به وذلك إذا قطعت الأفعال المذمومة رأسا والخواطر المذمومة مطلقا ، فإنه متى لم تنقطع عنها الخواطر المذمومة لا تسمى مطمئنة ، بل هي لوامة ، ثم إذا انقطعت الخواطر المذمومة مطلقا تسمى : مطمئنة ، ثم إذا ظهر على جسدها الآثار الروحية من طي الأرض وعلم الغيب وأمثال ذلك فليس لها اسم إلا : الروح »
يقول الشيخ أحمد الدردير : « قوله النفوس سبع أي عند السادة الخلوتية ، وأما عند السادة الشاذلية ، فثلاث : أمارة ولوامة ومطمئنة ، فادخلوا الملهمة في اللوامة ، وادخلوا الراضية والمرضية والكاملة في المطمئنة ، ووجه ذلك أن النفس اللوامة إذا كثر منها اللوم صارت عيوبها بين عينها ، فاشتغلت بها عن غيرها ، وهي الملهمة . وإن المطمئنة إذا ترقت في الكمالات رضيت بما قضاه الله وقدره ، فجوزيت بالرضا من خالقها . فإذا زاد ترقيها كملت : فهذه مطمئنة وزيادة فلا خلاف بينهم »
في مقامات : النفس ، القلب ، السر
يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني « مقام النفس في الباب ، ومقام القلب في الحضرة ، ومقام السر في المخدع قائم بين يدي الحق سبحانه يلقن القلب ، والقلب يلقن النفس المطمئنة ، والنفس تملي على اللسان ، واللسان يملي على الخلق »