** فضل التواضع **
إن للتواضع فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم ، فهو نعمةٌ عظيمة ، وَمِنَّةٌ جسيمة ، نعمة كبرى، ومنحة عظمى ، شأنه عظيم، ونفعه عميم، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد ، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة ، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، وهو من أشرف العبادات و أجلّ الطاعات والتواضع يزيد الحكمة بنص السنة الصحيحة ، وكفى بذلك فضلاً فإنه من يؤتى الحكمة فقد أُوتيَ خيراً كثيراً ، والتواضع خلق حميد، وجوهر لطيف يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير وهو من أخصّ خصال المؤمنين المتّقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شِيَم الصالحين المخبتين. التواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع ابتسامة ثغر وبشاشة وجه ولطافة خلق وحسن معاملة، بتمامه وصفائه يتميّز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود والصادق من الكاذب ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ، إن المتواضع يبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، كريم الطبع، جميل العشرة ، طلق الوجه، باسم الثغر رقيق القلب، متواضعا من غير ذلة، جواداً من غير سرف .
نعم.. فاقد التواضع عديم الإحساس، بعيد المشاعر، إلى الشقاوة أقرب وعن السعادة أبعد، لا يستحضر أن موطئ قدمه قد وطأه قبله آلاف الأقدام، وأن من بعده في الانتظار، فاقد التواضع لا عقل له، لأنه بعجبه وأنفته يرفع الخسيس، ويخفض النفيس، كالبحر الخضم تسهل فيه الجواهر والدرر، ويطفو فوقه الخشاش والحشاش. فاقد التواضع قائده الكبر وأستاذه العجب، فهو قبيح النفس ثقيل الطباع يرى لنفسه الفضل على غيره.
إن التواضع لله تعالى خُلُق يتولّد من قلب عالم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله. إن التواضع هو انكسارالقلب للرب جل وعلا وخفض الجناح والذل والرحمة للعباد، فلا يرى المتواضع له على أحد فضلاً ولا يرى له عند أحد حقاً، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قبله. فما أجمل التواضع، به يزول الكِبَرُ، وينشرح الصدر، ويعم الإيثار، وتزول القسوة والأنانية والتشفّي وحب الذات .
والكتاب والسنة طافحان بما يحث على التواضع وخفض الجناح وهاك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في ذلك .
قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63 ] أي سكينة ووقارا متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين .
قال الحسن: علماء حلماء .
وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين و الهون بالضم: الهوان فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان والمضموم صفة أهل الكفران وجزاؤهم من الله النيران .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [ المائدة: 54 ] لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة على تضمينا لمعاني هذه الأفعال فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول فالمؤمن ذلول كما في الحديث: "المؤمن كالجمل الذلول والمنافق والفاسق ذليل وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق: الكذاب والنمام والبخيل والجبار" وقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} هو من عزة القوة والمنعة والغلبة قال عطاء رضي الله عنه: للمؤمنين كالوالد لولده وعلى الكافرين كالسبع على فريستهكما قال في الآية الأخرى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [ الفتح: 29 ] وهذا عكس حال من قيل فيهم:
كبر علينا وجبنا عن عدوكم لبئست الخلتان الكبر والجبن
قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة: الشعراء - الآية: 215]
وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد ، ودرر الفرائد .
(حديث عِياضِ بن حمار في صحيح مسلم) أن النبي صل الله عليه وسلم قال : إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ما نقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .
(حديث أنس في الصحيحين) أنه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم وقال : كان النبي صل الله عليه وسلم يفعله .
(حديث الأسود بن يزيد في صحيح البخاري) قال سُئلت عائشةُ رضي الله تعالى عنها ما كان يصنع النبي صل الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، قال أصحابه وأنت ؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط َ لأهل مكة.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صل الله عليه وسلم قال : لو دُعِيتُ إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت و لو أُهْدِيَ إليَّ ذراعٍ أو كُرَاعٍ لقبلت .
(حديث أنس في صحيح البخاري) قال : كانت ناقةٌ لرسول الله صل الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تُسبق ، فجاء أعرابي على قَعُودٍ له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين فقالوا : سُبقت العضباء ! قال رسول الله صل الله عليه وسلم : إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد مَلك فإذا تواضع قيل للمَلك ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك : دَعْ حكمته .
أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبو جعفر الحذاء، قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: أخذت بيد سفيان بن عيينة في هذا الوادي فقلت له: إن كنت تظن أنه بقى على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما تظن.
أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن ابن المبارك قال : إذا عرف الرجل قدر نفسه يصير عند نفسه أذل من الكلب.
أورد ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى في كتابه التواضع والخمول عنعائشة رضي الله تعالى عنها قالت إنكم لتغفلون أفضل العبادة التواضع .
أورد ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى في كتابه التواضع والخمول عنعون بن عبد الله قال كان يقال من كان في صورة حسنة وموضع لا يشينه ووسع عليه في الرزق ثم تواضع لله عز وجل كان من خالص الله عز وجل
( تنبيه ) : التواضع تواضعان أحدهما محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم والتواضع المذموم هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه ، فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها