{ وَالضُّحَى * وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
أقسم بالنور والظلمة الصرفة القارة على حالها الذين هما أصل الوجود الإنساني وجماع الكونين
على ان ربك ما تركك ترك مودّع في عالم النور وحضرة القدس
مع بقاء المحبة والشوق في مقام الصفات محجوباً عن الذات,
فإنّ المودع لا بدّ له من محبة وشوق
{و ما قلى}
أي: وما قلاك في عالم الظلمة والوقوف مع الكون بلا محبة وشوق
في مقام النفس محجوباً عن الربّ وصفاته وأفعاله ترك قالٍ مبغض
وذلك أن المحبوب الذي يسبق كشفه اجتهاده إذا كوشف بالتوحيد الذاتي ورفع غطاؤه ليعش
ردّ إلى الحجاب وسدّ طريقه إلى حضرة تجلي الذات
ليشتدّ شوقه ويلطف سرّه وتذوب أنائيته بنار الشوق
ثم فتح طريقه ورفع حجابه بالكلية وكوشف بالحق الصرف ليكون ذوقه أتم وكشفه أكمل,
وكان صلى الله عليه وسلم في هذا الاحتجاب يصعد الجبال ليرى بنفسه فذا نفدت طاقته رفع الحجاب ونزل.
{ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى *
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فََاوَى * وَوَجَدَكَ ضَآلا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَآِئلا فَأَغْنَى *
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّآِئلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
{و للآخرة}
أي: وللحالة الآخرة التي هي التجلي بعد الاحتجاب واشتداد الشوق
{خير لك من}
الحالة
{الأولى}
لأمنك في الحالة الثانية عن التلوين بوجود البقية ظهور الأنائية
{ولسوف يعطيك ربّك}
الوجود الحقاني لهداية الخلق والدعو إلى الحق بعد هذا الفناء الصرف
{فترضى}
به حيث ما رضيت بالوجود البشري والرضا لا يكون إلا حال الوجود.
{ألم يجدك يتيماً}
منفرداً محجوباً بصفات النفس عن نور أبيك الحقيقي الذي هو روح القدس منقطعاً عنه ضائعاً
{فآوى}
أي: فأولئك إلى جنابه وربّاك في حجر تربيته وتأديبه وكفلك أباك ليعلمك ويزكيك
{ووجدك ضالاً}
عن التوحيد الذاتي عند كونك في عالم أبيك محتجباً بالصفات عن الذات فهداك بنفسه إلى عين الذات
{و وجدك عائلاً}
فقيراً عديماً فانياً فيه بالفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين
الذي هو الفناء المحض بعد الفقر الذي هو فخره
أي: فناء الصفات
كما قال: " الفقر فخري "
فأغناك بما أعطاك من الوجود الموهوب الموصوف بصفات الكمال الحقانيّ المتخلق بالأخلاق الربانية,
فإذا تم كمالك فتخلق بأخلاقي وافعل بعبادي ما فعلت بك لتكون عبداً شكوراً أي: قائماً بشكر نعمتي.
{فأما اليتيم}
أي: المنفرد المنكسر القلب, المنقطع عن نور القدس, المحتجب بحجاب النفس
{فلا تقهر}
والطف به بالمداراة والرفق وآوه إلى نفسك بالدعو بالحكمة والموعظة الحسنة كما آوتيك
{وأمّا السائل}
أي: المستعدّ المحجوب الضالّ عن طريق مقصده الطالب إياه
{فلا تنهر}
ولا تمنعه عن السؤال واهده كما هديتكم
{وأما بنعمة ربّك}
من العلم والحكمة الفائض عليك في مقام البقاء
{فحدّث}
بتعليم الناس وإغنائهم بالخير الحقيقي كما أغنيتك ,
والله تعالى أعلم.
تفسير القاشاني المنسوب لإبن عربي