{قل هو الله أحد}
قل,
أمر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل
هو عبارة عن الحقيقة الأحدية الصرفة
أي : الذات من حيث هي بلا اعتبار صفة لا يعرفها إلا هو,
والله
بدل منه وهو اسم الذات مع جميع الصفات دال بالإبدال على أن صفاته تعالى ليست بزائدة على ذاته بل هي عين الذات لا فرق إلا بالاعتبار العقلي
ولهذا سميت سورة (الإخلاص)
لأن الإخلاص تمحيص الحقيقة الأحدية عن شائبة الكثرة
, كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
" كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه "
, لشهادة كل صفة أناه غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ,
وإياه عنى من قال: صفاته تعالى لا هو ولا غيره ,
أي: لا هو باعتبار العقل ولا غيره بحسب الحقيقة .
وأحد:
خبر المبتدأ,
والفرق بين الأحد والواحد أن الأحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها
أي : الحقيقة المحضة التي هي منبع العين الكافوري بل العين الكافوري نفسه
وهو الوجود من حيث هو وجود بلا قيد عموم خصوص وشرط عروض ولا عروض ,
والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهي الحضرة الأسمائية لكون الاسم هو الذات مع الصفة
فعبر عن الحقيقة المحضة الغير المعلومة إلا له بـ " هو " ,
وأبدل عنها الذات مع جميع الصفات دلالة على أنها عين الذات وحدها في الحقيق
ة وأخبر عنها بالأحدية ليدلّ على أن الكثرة الاعتبارية ليست بشيء في الحقيقة
وما أبطلت أحديته وما أثرت في وحدته ,
بل الحضرة الواحدية هي بعينها الحضرة أحدية بحسب الحقيقة كتوهم القطرات في البحر مثلاً .
{ اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ }
{الله الصمد}
أي: الذات في الحضرة الواحدية بحسب اعتبار الأسماء هو السند المطلق لكل الأشياء
لافتقار كل ممكن إليه وكونه به فهو الغني المطلق المحتاج إليه كل شيء
كما قال: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} [ محمد ]
ولما كان كل ما سواه موجوداً بوجوده ليس بشيء في نفسه
لأن الإمكان اللازم للماهية لا يقتضي الوجود فلا يجانسه ولا يماثله شيء في الوجود .
{لم يلد}
إذ معلولاته ليست موجودة معه بل به فهي به هي وبنفسها ليست شيئاً
{ولم يولد}
لصمديته المطلقة ,
فلم يكن محتاجاً في الوجود إلى شيء
ولما كانت هويته الأحدية غير قابلة للكثرة والانقسام
ولم يمكن مقارنة الوحدة الذاتية لغيرها إذ ما عدا الوجود المطلق ليس إلا العدم المحض فلا يكافئه أحد .
{ولم يكن له كفواً أحد}
إذ لا يكافىء العدم الصرف الوجود المحض , ولهذا سميت سورة الأساس ,
إذ اساس الدين على التوحيد بل أساس الوجود .
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد "
وهو معنى صمديته .
---
تفسير القاشاني المنسوب لإبن عربي