الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريقة النقشبندية العلية

دروس وخطب فقة حديث توحيد سيرة تصوف اسلامى اداب و سلوك احزاب و اوراد كتب مجانية تعليم طب بديل واعشاب بخور اسرة وطفولة اكلات قصص واشعار
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
عدد الزوار عند الاقسام

.: عدد زوار منتدى الطريقة النقشبندية العلية

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» علاج مجرب "اصدق شيخ ومعالج مغربي لسحر المحبة وجلب الحبيب والتهييج " العلاج عن بعد والدفع علي النتيجة والكشف الروحاني مجاني
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:02 pm من طرف ام سطام

» الشيخ المغربي الصادق "القاطي العبدري" اصدق شيخ ومعالج روحاني مغربي من بعد الدفع بعد النتيجة والكشف مجاني
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:00 pm من طرف ام سطام

» اصدق شيخ لعلاج السحر والمس والحسد عن بعد مجرب
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:20 am من طرف ام سطام

» جوهرة عجيبة من أسرار الشريف اسماعيل النقشبندى
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:14 am من طرف ام سطام

» هديتي اليكم افضل شيخ مغربي مجرب لعلاج السحر والمس صادق
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:05 am من طرف ام سطام

» علاج الكبد الدهني - اعشاب للقضاء على دهون الكبد - اعشاب للمحافظه على الكبد
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:14 pm من طرف زاشيائيل

» الحزب الكبير الأول لسيدى أحمد البدوى قدس الله سره
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:02 pm من طرف زاشيائيل

» النفاق والمجاملة والفارق بينهما
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالخميس مايو 13, 2021 9:24 am من طرف ابوعمارياسر

» حكم من مات وعليه صيام أو كفارة
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالخميس مايو 13, 2021 8:50 am من طرف ابوعمارياسر

» البحر المسجور
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:59 am من طرف صبحى0

» الحفظ أثناء النوم
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:54 am من طرف صبحى0

» دور القرآن في علاج الأمراض
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:47 am من طرف صبحى0

» الفرق بين ( العشي والإبكار ) وبين ( العشي والإشراق )
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:40 am من طرف صبحى0

» التحذير من خطر التكفير
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء أغسطس 12, 2020 5:17 pm من طرف عاشق الصوفية

» وصية نبوية عظيمة
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالجمعة يناير 31, 2020 12:59 am من طرف ابوعمارياسر

» معاني الكبير في القرآن الكريم
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأحد نوفمبر 17, 2019 5:56 pm من طرف ابوعمارياسر

» تحميل ابحاث مجلة الشريعة
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:34 am من طرف ابوعمارياسر

» الامام أحمد المقري التلمساني
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:29 am من طرف ابوعمارياسر

» قصيدة مترجمة رائعة في مدح الرسول
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:20 am من طرف ابوعمارياسر

» رائعة من كتاب الاتقان في علوم القرآن
سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:16 am من طرف ابوعمارياسر

المواضيع الأكثر نشاطاً
عرف بنفسك
كيف تتلذذ بالصلاة
كتاب الغيبة
كتاب السير والمساعي في أحزاب وأوراد السيد الغوث الكبير الرفاعي
ديوان الحلاج
خلفاءالشريف اسماعيل قدس الله أسرارهم
ديوان ابن دريد
ما هي الطريقة النقشبندية
مكتبة الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلى
فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث النبوية
مواضيع مماثلة
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     سلطان العلماء العز بن عبد السلام

    اذهب الى الأسفل 
    4 مشترك
    كاتب الموضوعرسالة
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 8:51 pm

    العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء


    تنبأ لنفسه أنه سيعيش ثلاثا وثمانين عاما، فكان الأمر كما قال!..

    زاره صديق ذات صباح فقال له: «رأيتك في المنام تنشد:


    وأخرى رمى فيها الزمان فشلت *** وكنت كذي رجلين رجل صحيحة





    فسكت ساعة ثم قال: أعيش ثلاثا وثمانين عاما، فإن هذا الشعر لكثير عزة ولا نسبة بيني وبينه غير السن، فهو شيعي وأنا سني، وهو قصير وأنا لست بصير وقد عاش ثلاثا وثمانين سن فسأعيش كما عاش إن شاء الله.

    ولد في دمشق عام577هـ، وتوفي بالقاهرة عام 660هـ، ودفن بسفح المقطم.

    وحين بلغ الثانية والستين، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير: فقد ترك دمشق ماضيا وهاجر الى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وشرع في تأليف الكتب. فوضع كل مصنفاته فيها، وما كان من قبل قد كتب شيئا يعتد به، ذلك أنه كان ينفق كل وقته في التدريس والخطابة والوعظ.. وفي القاهرة جمع الى هذه الأعباء مسؤولية الكتابة، فصنف كتبا في الفقه والتفسير والأصول والتصوف. وصاول الحكام!.

    أطلق عليه أبوه اسم العز عز الدين عبد العزيز.. ولكنه عندما كبر اشتهر باسم عز الدين وباسم العز، وقلما كان يناديه الناس عبد العزيز.

    وقد فتح العز بن عبد السلام عينيه على حياة الحرمان... كان أبوه عبد السلام فقيرا جهد الفقر وكان يجوب الأسواق بحثا عن عمل.

    وحين شب الطفل صحبه أبوه ليساعده في بعض الأعمال الشاقة كإصلاح الطرق وحمل الأمتعة، وتنظيف ما أمام محلات التجار..

    وكان أبوه عبد السلام يأخذه الى الجامع الأموي اذا حان وقت الصلاة، ورآه أحد شيوخ المسجد، فأعجب به ودعا له.

    مات أبوه فلم يجد في نفسه القوة على القيام بالأعمال الشاقة التي كان يؤديها أبوه، ولم يجد الصبي مكانا يأوي اليه، فذهب الى ذلك الشيخ يلتمس عنده المساعدة في الحصول على عمل يقتات منه ومكان يبيت فيه.

    وتوسط له الشيخ فألحقوا الصبي بالجامع الأموي، يساعد الكبار في أعمال النظافة، وفي حراسة نعال المصلين وأهل الحلقات التي يتكرونها عند أحد أبواب الجامع، وسمحوا له بأن ينام الليل في زاوية بأحد دهاليز الجامع، على الرخام.

    وكان الصبي يعايش مرائي الغنى والمتاع خلف أسوار القصور بحدائقها الفيحاء في دمشق، ويشاهد الجياد الفارهة على صهواتها رجال تنعكس الشمس على خوذاتهم، وملابسهم الزاهية وسيوفهم المرصعة بالذهب، ويتأمل حاله وثوبه الذي تقتحمه العيون، ومضجعه البارد على رخام زاوية في المسجد، ثم يتساءل في أغوار نفسه كيف يعيش في بلد واحد رجال ونساء كهؤلاء الغارقين في النعيم، والذين يسقطون من الحرمان، ويقتاتون بالأسى والأحلام؟!

    على أنه صرف همه الى ما يقوله الشيوخ في الحلقات… كان يتناهى الى سمعه وهو على باب المسجد يحرس النعال كلام يثير خياله، ويلهب أشواقه الى دنيا أخرى لا يجوع فيها ولا يعرى!

    وتسلل الى إحدى الحلقات ذات يوم، ودس جسده النحيل الصغير بين الطلبة الكبار. ورآه شيخ الحلقة، فنهره، وسأله كيف يسمع لنفسه أن يجلس بثوب ممزق في مجلس للعلم ينبغي على الطالب فيه أن يأخذ زينته..؟!

    وجرى الصبي الى باب المسجد، وتكور على نفسه يبكي!. حتى اذا حان خروج الشيوخ والطلاب، رآه الشيخ الذي الحقه بالجامع وهو الفخر ابن عساكر صاحب حلقة الفقه الشافعي، وسأله الشيخ عما يبكيه، روى له ما كان من أمره، فطيب الشيخ خاطره، ووعده أن يتعهده، وسيحضر الحلقات عندما يبلغ الشباب. ومن يدري!؟ فربما أصبح هذا الصبي نفسه شيخا لحلقة في هذا الجامع ذات يوم!..

    وضحك الصبي، والتمعت عينان، والتحمت نظراته الجدران الى آفاق المستقبل، ورأى نفسه طالب علم، ثم شيخا لحلقة، فأوشك ان يثبت من الفخر، وقبل يد الشيخ، وسأله متى يبدأ التعليم، فقد جاوز سن الطلب؟!.. وقال له الشيخ الفخر بن عساكر، أنه سيبدأ من الغد.

    حتى إذا كان الغد، أخذه الشيخ الى مكتب ملحق بالمسجد وأوصى بأن يتعلم القراءة والكتابة والخط وأن يحفظ القرآن، وتعهد الشيخ بنفقة الصبي.

    وأقبل العز على المكتب في شغف عظيم، وحفظ القرآن، وأتقن القراءة والكتابة والخط الحسن، وعوض ما فاته من سنوات الدرس

    وكان كلما لقي شيخه على باب الجامع سأله عن حاله، فيسمعه الصبي ما حفظ من القرآن، ويطلعه على مما يكتب في لوح الصفيح من الآيات الكريمة.

    وأعجب الشيخ ابن عساكر بما يبدو على العز من مخايل النجابة والذكاء، وحسن ترتيله للقرآن، وأعجب بصفة خاصة ببشاشة الصبي على الرغم من فقره الطاحن.!

    ومرت أعوام، واطمأن الشيخ فخر الدين الى أن الصبي قد أتقن حفظ القرآن وجوده، والى أنه قد أصبح يحذق القراءة والكتابة بخط جميل، فبشره الشيخ بأنه سيضم الى الطلاب الذين يحضرون حلقته، ودفع اليه بما يعينه على شراء ثوب صالح لحضور حلقات العلم.

    وأمضى الصبي ليلته يحلم بالمستقبل!

    إنه الآن ليثب الى مرحلة الشباب، وهو في حاجة الى عمل يكفل له دفء المسكن والثوب اللائق والطعام الطيب..! هو في حاجة الى مال يوفر له شراء أدوات التحصيل من دفاتر وأقلام وأوراق ومحبرة، وما يلزم من كتب.

    وتحرج أن يكلم الشيخ ليساعده في الحصول على عمل آخر يحصل منه على أجر أكبر ويوفر له ما ينبغي لطالب العلم!.. لقد منعه الحياء!..

    وقبل أن تنتهي ليلته استيقظ فجأة!." اهـ


    ويحدثنا السبكي في طبقات الشافعية عن تلك الليلة فيقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في كلاسة «زاوية» من جامع دمشق، فبات فيها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد الى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج، فطلع غمي عليه من شدة البرد.. ثم سمع النداء: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال: بل العمل لأنه يهدي الى العلم».

    وأصبح الفتى عز الدين، روى لشيخه ابن عساكر ما كان من أمر تلك الليلة. وقال الشيخ له: «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك ان تهب نفسك للعلم».

    وأعطاه الشيخ كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي، وأعطاه أسبوعين مهلة ليحسن قراءته واستيعابه. وعاد العز الى شيخ بعد ثلاثة أيام وقد استوعب الكتاب وحظه عن ظهر قلب!

    وضمه الشيخ الى حلقته، ونظم له حضور حلقات أخرى في اللغة وآدابها، وفي الحديث وأصول الفقه. ونصحه أن يتقن علوم اللغة من نحو وصرف وأن يحفظ الشعر ويدرسه ليحسن فهم نصوص القرآن.

    ولزم عز الدين شيخه ابن عساكر، وتعلم منه الفقه الشافعي، وكان الشيخ زاهدا ورعا واسع المعرفة كثير الصدقات، خطيبا، لاذعا، وهو في الوقت نفسه شديد الحياء، وكان مرحا متألق الظرف، فتأثر تلميذه عز الدين ونقل عنه كثيرا من خصاله وسجاياه.

    من الحق أن عز الدين لزم شيخه ابن عساكر وتأثر به، ولكنه لم يلتزم نصحه فيما يطلب من علوم. فتاق الى التزود بمعارف عصره جميعا. وكانت أفكار اليونان والمصريين القدماء والهنود والفارسيين قد نقلت الى اللغة العربية.. وكان المسلمون قد تفوقوا في علوم الطبيعة والطب والكيمياء والرياضيات والفلك، وتعاطوا الفلسفة فاراد عز الدين أن ينهل من هذا كله..

    وكانت فلسفة الإشراق التي جاء بها السهروردي الى دمشق وحلب تعيش، وتصك أعداء تلك الفلسفة الذين نجحوا من قبل في الايقاع بالسهروردي، فأغروا به صلاح الدين. وكان ابنه الظاهر يحمي السهروردي في قصره بحلب... فأمر صلاح الدين ابنه الظاهر أن يسجن السهروردي حتى يهلك في سجنه صبرا وجوعا وعطشا، ولكن الظاهر بن صلاح الدين امتنع، فارسل إليه أبوه يخيره بين إحدى اثنتين: إما قتل السهروردي أو العزل!

    وأذعن صاحب حلب لأمر أبيه صلاح الدين وجاء بالسهروردي وخصومه، وأمرهم ان يناظروه قبل أن يقضي في أمره.

    كان السهروردي شيعيا، وصلاح الدين يحارب الشيعة ويضربهم في كل مكان... وكان السهروردي ينادي بأن العلم لم يخل من الحكمة ومن شخص قائم بها عنده الحجج والبينات، وهذا الشخص هو الإمام وهو خليفة الله في أرضه، وهو واجب الإتباع، فهو معصوم يوحى إليه لكن على نحو آخر غير الأنبياء والرسل!

    وكان السهروردي يذهب الى أن النور أساس كل الموجودات، ويعتمد على الآية الكريمة: (الله نور السموات والأرض). وقد استفاد بحكمة اخناتون الذي نادى بالتوحيد في مصر القديمة، واعتبر النور والشمس بالذات سبب وجود كل الكائنات الحية. كما استفاد الرجل بأفكار أفلاطون في المثل واراء زاردشت الفارسي. ولكنه رد كل أفكاره الى القرآن الكريم.. واحسن الاستشهاد بآياته.." اهـ


    ولم يعرف أحد لماذا ثار فقهاء دمشق على السهروردي، واتهموه بالشعوبية وهي الدعوة الى تغليب الفرس على العرب، ثم اتهموه بالكفر!... وعلى الرغم من ان الظاهر بن صلاح الدين كان سنيا كأبيه، فقد بسط حمايته على السهروردي معجبا بأفكاره الصوفية وبفكرة الإشراق، والفيض الإلهي الذي تشرق به قلوب الصالحين فيحصلون المعرفة الذوقية مع المعرفة العقلية.

    ومهما يكن من أمر فقد جمع الظاهر بن صلاح الدين خصوم السهروردي من الفقهاء... وبدت المناظرة أو المحكمة التي صدر فيها سلفا أمر صلاح الدين بقتل السهروردي حكيم الإشراق!!

    سأله خصومه: «الله قادر على أن يخلق ما يشاء؟!»

    قال السهرودي: «نعم». فسألوه: «ونبي الإسلام أليس هو خاتم الأنبياء؟.»

    قال: «بلى». قالوا: «الا يستطيع إله هكذا أن يبعث نبيا بعد نبي الإسلام؟.»

    كان السؤال مصيدة للرجل!

    قال السهروردي بعد لحظة: «ختمت النبوة ولكن الولاية قائمة».

    وأخذوه برأيه في الولاية.. فهو يرى أن ولي الله وهو الإمام المعصوم قطب الأقطاب خليفة الله في الارض يجب أن يكون من نسل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ... وهذا النظر يحكم بعدم شرعية الخلفاء والملوك إلا إذا كانوا من نسل الرسول (صلى الله عليه وسلم)... أي من ابناء علي وفاطمة رضي الله عنهما... وصلاح الدين نفسه ليس عربيا على الإطلاق فهو كردي الأصل.. وهكذا اضطر الظاهر بن صلاح الدين أن يودع السهروردي غيابة السجن ليموت فيه صبرا وجوعا!

    لقد وقعت الواقعة بالسهروردي بينما كان عز الدين بن عبد السلام صبيا في نحوه العاشرة من عمره، وزلزلت نهاية السهروردي الفاجعة نفس الصبي زلزالا شديدا، ولم يفارقه الحزن والعجب.. كيف يقضى على رجل بالموت لأنه قال رأيا يخالف فيه بعض الفقهاء، ولا يرضى عنه الحاكم!؟

    ولكن أفكار السهروردي في الإشراق قد ذاعت وملأت أماكن العلم، واصطك فيها الناس بين مستنكر ومعارض.. منهم من يرى القتيل شهيدا مات دفاعا عن تصوفه ومنهم من يراه كافرا!! حتى ظهر في دمشق رجل آخر تسمى باسم السهروردي، وأذاع أفكار السهروردي في الإشراق، ولكنه لم يعد يتحدث عن الإمامة والولاية، ولبس خرقة التصوف، ومضى في الطرقات يهتف بالناس: «الله نور السموات والأرض.» وأخذ يشرح أفكار السهروردي عن النور والفيض الإلهي..

    وتبعه قوم لبسوا خرق التصوف، وأطلقوا كلمات في الأسواق وندوات لعلم. كلمات مكثفة تحمل رموزا كثيرة..

    وبهر الشاب عز الدين بهؤلاء وأحوالهم.. وبهرته بصفة خاصة شخصية السهروردي الجديد، فلزمه على الرغم من نصيحة شيخه.. ولبس عز الدين خرقة التصوف عاما أو بعض عام ملتمسا علم الحقيقة على يد السهروردي الجديد، حتى إذا علم ما عنده، عاد الى أستاذه ابن عساكر يلتمس عنه علوم الشريعة من جديد..

    وسمع عز الدين أن في العراق شيخا عنده من علم الحديث ما ليس عند غيره في دمشق فحمل متاعه وزاده وزواده وسار الى بغداد، وجلس الى ذلك الشيخ وحفظ عنه الحديث.. ثم عاد من جيد الى دمشق." اهـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 8:54 pm

    كان صلاح الدين الأيوبي قد مات، وترك دولة شاسعة تقاسمها أخوته وأبناؤه وأبناء أخوته.. وما هي إلا سنوات حتى تقطعوا أمرهم، فتفرقوا وأصبح بأسهم بينهم شيدا.. وتمزقت دولة صلاح الدين الى دويلات تناحرت فيما بينها، مما أغرى التتار والصليبيين بالطمع في الاستيلاء على بعض أجزاء هذه الدولة الإسلامية الكبرى.

    وقد اسكت هؤلاء الحكام معارضيهم إما بالإرهاب والقمع أو بإغراقهم في المال أو بدفعهم الى الزهد والتصوف على نحو لم يعرفه السلف الصالح من الزهاد والمتصوفين. وكان هؤلاء جميعا من العلماء والفقهاء الذين يؤثرون في الأمة أبلغ تأثير!


    وعز الدين يرى كل هذا.. فيتقدم صفوف طلاب العلم تحت راية الإسلام وخلف قيادة بعض شيوخه من العلماء المقاومين.. وعرفه الشباب خطيبا يستثير الحمية.

    وكان الى هذا شديد الدأب على تحصيل العلم، مما أثار إعجاب شيوخه به.

    ولم يكد ينتهي من الدراسة على شيخه الفخر بن عساكر، وغيره من الشيوخ في جامع دمشق، حتى أجازوه للتدريس.

    وعين مدرسا بدمشق، يقرئ صغار الطلبة القرآن، ويعلمهم القراءة والكتابة.. ثم نقل الى مدرسة أعلى.. يعلم الطلاب الفقه وأصول الفقه على المذهب الشافعي. وهو المذهب السائد إذ ذاك في كل البلاد التي حكمها صلاح الدين.

    وهيأت له مهنة التدريس أجرا طيبا أصلح به حاله، فاستأجر بيتا لائقا وتزوج..

    وعرف الناس في ندوات دمشق شيخا متوسط الطول، يسخر مما يلقى، مرحا ضاحك السن، عيه مع ذلك وقاره، عذب الحديث، خفيض الصوت إذا تكلم، جهير الصوت إذا أنفعل أو خب، نظيف الثوب، لا يرد سائلا، فإذا لم يجد ما يتصدق به اقتطع جزءا من عمامته ودفع به الى سائله!

    وكان نحيلا يقتحم بنظراته المجهول كأنه يفتش وراء الغيب عن شيء ما..!

    لم يقتنع بما نال من علم، فتعود أن يغشى مكتبة الجامع الأموي يقرأ فيها كل ما يقع عليه من معارف، وقد كشفت له تأملاته ودراسته في آثار السلف أن كل المعارف الإنسانية تعين على فهم القرآن.. وكان يري أن يفسر القرآن، ولكنه شعر أن الوقت لم يحن بعد، وأن عليه أن يستوعب الكثير من العلوم حتى يجسر على العمل بالتفسير وهو مطمئن الضمير!

    ودرس خلافات المتقدمين حول الفلسفة، وكان الإمام الغزالي قد هاجم الفلسفة من قبل، ولكن هذا لم يصرف كل العلماء عن دراسة الفلسفة، فهاهو ذا السهروردي المقتول الذي فتن عز الدين بآرائه قد خلف ميراثا سخيا من الفكر وفق فيه بين الفلسفة والدين.

    واستوعب العز كل ما تركه السلف في علم الكلام. العلم الذي يتكلم عن الله وصفاته وأسمائه. ومن اسلف من هاجم هذا العلم ونبذه واعتبره بدعة فاسدة، ومنهم من عالجه وتعمق فيه وأضاف إليه، واعتبره علم اصول الدين.

    والخلاف بين العلماء حول هذا الأمر قديم يرجع الى نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة، حين ظهر المعتزلة وأخضعوا كل شيء للعقل، وتحدثوا في القضاء والقدر والجبر والاختيار وصفات الله تعالى، واعتمدوا في كل آرائهم على الأدلة العقلية. ونبذهم أهل السنة ورفضوهم واعتمدوا على ما تركه السلف منذ عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وعصر الصحابة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ومن بعدهم عصر التابعين. وذهب أهل السنة الى رفض الكلام في كل هذه الأمور، لأن أسلافهم لم يتكلموا فيها بل إن منهم من نهى عن الاقتراب منها.." اهـ

    واتهم أهل السنة مفكري المعتزلة بالزيغ والضلال، واتهمهم المعتزلة بالجمود وانعكس هذا على قواعد استنباط الأحكام واصول الفقه، فمن تأثروا بالنظر العقلي اعتمدوا على الرأي في الاستنباط، وتمسك آخرون بالنصوص، وحدها، ولم يعدلوا عنها الى الرأي إن لم يجدوا الحكم في النصوص كما صنع أهل الرأي ودعاة إعمال العقل، بل آثروا الصمت. ومن أهل السنة من أخذ بظاهر النص وحده، ومنهم من تأول النص ليستنبط الحكم إن لم يسعفه الظاهر.

    وانتقلت كل هذه الأفكار بصراعاتها على أمواج الزمن من جيل الى جيل. حتى أتيح لأهل السنة مفكر كان من قبل من كبار مفكري المعتزلة ثم هجرهم، مستخدما أدواتهم في التفكير والاستنباط، اعتمد على البراهين العقلية في مناصرة آراء أهل السنة والنصوص.

    حدث هذا في القرن الرابع الهجري.

    وهذا الفقيه هو الاشعري الذي ألف الكتب على مذاهب أهل السنة ورد على المعتزلة في كل مقولات علم الكلام «حتى دخلوا في أقماع السمسم».

    وكان المعتزلة قد ذهبوا الى أن العقل هو أساس الحكم بالقبح واحسن، وتبين الحلال والحرام، وذهبوا في تفسير الآية الكريمة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). الى أن الرسول ليس هو النبي الذي يرسله الله، ولكنه العقل.

    واتهمهم أهل السنة بالكفر، ورفضوا أن يتكلموا في العقائد بالأدلة العقلية، وهاجموا المنطق والفلسفة، حتى جاء الأشعري، فاستعان بالمنطق والفلسفة في الكلام عن العقائد، ودافع عن السنة بأدلة المعتزلة. لم يعتمد على النصوص وحدها في كلامه عن العقائد، وإنما أعمل العقل، ليناور المعتزلة بأسلحتهم.

    وقد أعجب العز بهذا كله، واعتنق عقيدة الأشعري، كما أعتنقها من قبل أكثر المستنيرين من أهل السنة والرأي مهما تختلف مذاهبهم الفقهية.

    أعجب العز عز الدين بمحاولات المعتزلة والأشاعرة وتوفر على دراستها في مكتبة الجامع الأموي.

    ولقد عجبته بصفة خاصة مناظرة بين الأشعري والجبائي أحد أئمة المعتزلة، «عن ثلاثة أخوة ماتوا: الأكبر منهم مؤمن بر تقي، الأوسط كافر فاسق شقي، والأصغر مات على الصغر لم يبلغ الحلم.

    قال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات،وأما الكافر ففي الدركات ـ بناء على أن ثواب المطيع وعقاب العاصي واجب على الله تعالى عن المعتزلة ـ وأما الصغير فمن أهل السلامة لا يثاب ولا يعاقب.

    فقال الأشعري: فإن طلب الصغير درجات أخيه الأكبر في الجنة؟

    الجبائي: يقول الله تعالى الدرجات ثمرة الطاعات.

    الأشعري: إن قال الصغير ليس مني النقص والتقصير. فإنك إن أبقيتني الى أن أكبر لأطعتك ودخلت الجنة.

    الجبائي: يقول الباري تعالى قد كنت أعلم منك أنك لو بقيت لعصيت ودخلت في درجات الجحيم. فإن الأصلح لك أن تموت صغيرا.

    الاشعري: فإن قال العاصي المقيم في العذاب الأليم مناديا من بين دركات النار واطباق الجحيم: يا إله العالمين! يا أرحم الراحمين! لم راعيت مصلحة أخي دوني وأنت تعلم أن الأصلح لي أن أموت صغيرا ولا أصير في السعي أسيرا؟ فما يقول الرب؟

    فبهت الجبائي في الحال وانقطع عن الجدال».

    وعن دور الأشعري في الفكر الديني، كتب المغفور له الإمام الشيخ مصطفى عبد الرزاق: «أخذت الفلسفة توجه أهل الفرق الى الاعتماد على العقل. فلما أخذ الأشعري في مناضلة المبتدعة بالعقل حفاظا للسنة، جاء أنصار مذهبه من بعده يبتون عقائدهم بالعقل تدعيما لها ومنعا لإثارة الشبهة حولها. ووضعوا الأدلة العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار».

    وإذن فمذهب الأشعري مقرر لمذاهب السلف ولكنه يناضل عنها بالأدلة العقلية لا بالنصوص وحدها. وهو رأي وسط بين مذهب المعتزلة الذين نفوا التجسيم عن الله تعالى ومذهب غلاة الحنابلة الذين آمنوا بالتجسيم كما يدل ظاهر النص.

    ولقد شاعت عقيدة الأشعري فاجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنيفية وفضلاء الحنابلة... كما قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيما بعد.

    وكان صلاح الدين قد اعتنق المذهب الشافعي وعقيدة الأشعري فألزم بهما الناس." اهـ

    غير أن الذين جاءوا من بعده تفرقوا: فظل بعضهم شافعيا على رأي صلاح الدين، واعتنق بعضهم غير ذلك من المذاهب، وإن ظلوا جميعا على رأي الأشعري إلا قليلا!

    وكان الملك الكامل حاكم مصر وهو ابن العادل شقيق صلاح الدين أوسعهم أفقا وأشدهم احتفالا بالعلم والعلماء، حتى لقد جلس وهو ملك مصر الى الشيوخ ليتعلم منهم في الحلقات ثم تقدم لنيل إجازة علمية كما يتقدم غيره من الطلاب، ونجح فيها! وتعود أن يعقد مجلس العلماء في مساء كل خميس، وفتح المدارس والمكاتب وأغدق على أهل الفقه والعلم.. وكف عن اضطهاد أصحاب المذاهب الأخرى كما كان يصنع عمه صلاح الدين. وعين قضاة من كل المذاهب بدلا من القاضي الشافعي الذي اكتفى به أبوه.. ولقد نافسه في تشجيع العلماء أخوه عيسى، فكافأ المؤلفين حتى وضعوا في عهد الملك الكامل كتابا من أضخم كتب الفقه الحنفي وهو كتاب (التذكرة).

    وقد أرسل العز بن عبد السلام الى الملك الكامل وأخيه عيسى كتاب شكر على ما يصنعان للعلم والعلماء، فأرسلا اليه ردا جميلا. وبعث الملك الكامل الى أخيه صاحب دمشق ـ الملك الاشرف ـ يستوصيه خيرا بالعالم الشاب عز الدين بن عبد السلام.

    وكان عز الدين قد جذب إليه عديدا من الطلاب أحبوا دروسه التي كان يرصعها بما حفظ من طرائف الحكمة وروائع الشعر مما كان ييسر على الطلاب صعوبة الفقه.

    وقصده الناس يستفتونه فلم يبخل عليهم بالرأي، ولم يعد يتقيد بالمذهب الشافعي الذي كان يعتنقه من قبل، بل كان يبحث في كل المذاهب عن إجابات لما يرد إليه من أسئلة، فإن لم يجد حاول أن يجتهد رأيه.

    وكان شديد الحرج في فتياه. يفكر طويلا قبل الإجابة، ويظل يفكر بعدها وينقب حتى يطمئن أنه على الصواب. ولقد أصدر فتيا ذات مرة، ثم طفق يفكر بعدها فيما قال، وعاد الى كتب السلف عسى أن يجد فيها ما يسانده، فاكتشف أنه أخطأ ولم يكن يعرف صاحب المسألة الذي استفتاه، فأطلق عددا من تلاميذه في الأسواق والطرقات والمساجد ينادون في الناس: «من صدرت له فتيا بالأمس من العز عز الدين بن عبد إسلام فلا يعمل بها فهي خطأ، وليعد الى الشيخ ليفتيه بالرأي من جديد بالصواب».

    شاع ذكر الشيخ في اقطار المسلمين، ولم يكن قد ألف كتابا بعد ولكن هاهو ذا شاب عالم فقيه زاهد أمين، يتحر م المذاهب الفقهية في عصر شاع فيه التقليد للائمة الأربعة، كل جماعة تتعصب لمذهب ولا تعدوه حتى إن وجدت الجواب الصحيح عند غيره من المذاهب، وكل حزب بما لديهم فرحون! فإذا صدرت الفتيا من أحدهم فلا رجعة فيها حتى إن تبين الخطأ..

    وعز الدين لا يتفرغ للعلم والتدريس والفتيا فحسب، ولكنه يتحرك في الأسواق يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في رحمة وحكمة وموعظة حسنة، ويشدد النكير على الظالمين من التجار الذين يبخسون الناس أشياءهم، وعلى جباة المكوس، والمرتشين والجائرين ممن يلون أمرا من أمور المسلمين.

    من أجل ذلك أحبه الناس: المظلومون والفقراء خاصة، وطلاب العلم الذين يجاهدون من أجل مستقبل أفضل. وخافه الجائرون من الحكام، أما العادلون منهم فقد حاولوا أن يقربوه، ولكنه كان بطبعه لا يحب الاقتراب من السلطان...

    وضاق به بعض الفقهاء المقلدين ممن ينافقون الحكام.. ذلك أنه احتل مكانة لا يؤهلها له عمره فهون بعد في الخمسين، وأنه يعتمد على مكانته هذه، فيسلق المقلدين والجامدين والمرتشين والمرتزقة الفقهاء بألسنة حداد ويطالب المسلمين ألا يتعبوهم حتى لا يفسدوا عليهم دينهم!

    وفي أحد الدروس وجه أحد الطلاب الى الشيخ عز الدين سؤالا عن حكم الدين في العلماء الذين يسكتون عن الظلم، وهم بعد ذلك يتصدرون بعض الحلقات في الجامع الأموي يعلمون ويفتون؟!

    فأفتى الشيخ عز الدين بأن السكوت عن المنكر منكر..، وعلماء المسلمين هم أولى الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تخلوا عما أطاعوا الله والرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ، وإن كان سكوتهم طمعا في الأموال والهدايا والمناصب أو حرصا فإثمهم مضاعف. وقد قال الله تعالى: (فلتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وهؤلاء هم العلماء، فإن لم يفعلوا فهم العصاة، والعياذ بالله!...

    وسأل طالب آخر: ألمثل هؤلاء طاعة؟! فقال الشيخ: لا طاعة لهم...

    ورأى ذلك النفر من العلماء في كلام الشيخ عز الدين تحريضا للطلاب وللعامة عليهم وعى السلطان نفسه!.." اهـ

    وتوجه أحد طلاب الحلقات في الجامع الأموي الى شيخ حلقة يسأله عن حكم الدين في العلماء الذين يتقاضون من الحكام أموالا وهدايا ثمنا سكوتهم عن فساد هؤلاء الحكام؟.

    وسأله طالب آخر عن رأي الدين في العلماء الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر!. وغضب الشيخ غضبا شديدا وسب الطالبين سبا عنيفا، وطردهما من الحلقة طردا غليظا وحرم عليهما د*** الجامع، وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالسوء وأنذر أن يوقع به العقاب حتى لا يفتن الشباب!

    فأعلن سائر الطلاب سخطهم لمقالة الشيخ وفعلته، فسبهم جميعا، وانسحب من الحلقة وهو يصبح إن ابن عبد السلام قد افسد العامة والطلاب!

    وانصرف الرجل فاجتمع ببعض شيوخ الحلقات من المتصلين بالسلطان وذهبوا جميعا إليه، فطالبوه أن يردع الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأن ينزل به عقاب من يثير الفتنة، ولكن الحاكم طيب خاطرهم، وكساهم حللا فاخرة وأغدق عليهم الهدايا وصررا من المال، وطلب منهم أن يمهلوه في أمر الشيخ عز الدين هذا..!

    ولكنهم عادوا يطالبون بأن يمنع عز الدين من الفتيا والتدريس والمشي في الأسواق.

    غير أن السلطان الاشرف لم يستجب لهم، فالشيخ على أية حال لا يدرس في الجامع الأموي، ولكن في مدرسة صغيرة قليلة الخطر!.. ليردوا هم في الجامع الأموي على آرائه.

    ولكنهم ما زالوا بالحاكم يغرونه بالشيخ عز الدين حتى صرح لهم بأنه لا يستطيع أن يسيء الى عز الدين، فالملك الكامل حاكم مصر يحب عز الدين، ويوصي به خيرا، فإن نال سلطانهم من عز الدين فسيغضب له الملك الكامل ولا طاقة له بغضب أخيه الأكبر!

    ولم يهدأ كيد الخصوم عن الشيخ عز الدين، وظلوا يتربصون به.

    وحاولوا أن يغروا به الطلاب والعامة وأن يسفهوا لهم آراءه، ولكن حملتهم عليه وشدة عز الدين في نقد ذلك النفر من العلماء، مكنت له في قلوب أهل دمشق، وزادته مكانة في قلب الملك الكامل. فارسل الملك الكامل إلى أخيه الأشرف، يطالبه بأن يحسن صلة الشيخ عز الدين، وأن يعينه شيخ حلقة في الجامع الأموي، لتعم الفائدة من علمه.

    أما الصلة فقد ردها الشيخ عز الدين شاكرا، وأما منصبه في الجامع الأموي، فقد فرح به، لأنه يتيح له الاتصال بعدد أكبر من الطلاب هم أنضج عقلا وأكبر سنا من طلاب المدرسة التي يعلم بها.

    وكان منصب شيخ حلقة في الجامع الأموي هو أكبر منصب علمي في دمشق.

    وتقدم الشيخ عز الدين، بوجه النحيل الباسم، في ثياب بسيطة نظيفة، فاختار الزاوية الغزالية حيث كان الإمام الغزالي يعتكف منذ أجيال، وبدأ يدرس للطلاب علوم الدين.. وتواد عليه الطلاب حتى ضاقت بهم الحلقة، وأقفرت سائر الحلقات من طلابها. وكان يلقي أكثر من درس في النهار والليل في الحديث والفقه والأصول.. غير متقيد بمذهب من المذاهب الأربعة.

    وشرع يفتي كلما استفتاه أحد، ويشرح عقيدة الأشعري في أصول الدين، وأدلته العقلية على صحة مذهب أهل السنة. ويأخذ الطلاب بإتقان علوم اللغة ليفهموا نصوص الشريعة.

    وغاظ التفاف الناس حوله وانصرافهم عن سواه، كثيرا من خصومه، فعادوا يحاولون الإيقاع به، ولكنهم خشوا أن يردهم سلطان دمشق حرصا على إرضاء أخيه سلطان مصر!

    أما الشيخ عز الدين فلم يكن ليبالي بهم، بل مضى في طريقه، يقرأ ويدرس ويفتي، وقد اطمأنت به الحياة.. فالراتب الذي يأخذه من المسجد الأموي راتب كبير يكفيه لحياة موفورة.

    وخاطبته زوجته في أن يغير المسكن الضيق الذي كان قد استأجره وهو مدرس في مدرسة صغيرة!.

    لقد ضاق بهم المسكن بعد أن انجبا أولادا. وقال لها إنه يعرف أن المسكن الضيق هو الجحيم الأصغر كما قال الإمام علي كرم الله وجهه، وهو يتمنى أن يغيره، ولكن لا سبيل...! وعادت الزوجة تلح عليه، وكان حانيا عليها شديد البر بها، وتمنت لو أنه اشترى بيتا فسيحا يحيط به بستان جميل، فهو بعد أستاذ وشيخ حلقة بالجامع الأموي، وينبغي أن يتخذ له سكنا مريحا يليق به، ويتسع لأهله وبنيه، ولضيوفه الذين يتوافدون عليه ملتمسين عنده العلم، والفتيا بعد أن يفرغ من الحلقات...

    ووعدها خيرا، غير أنه لم يستطع، فقد كان ينفق عن سعة على أهل بيته، ويحسن إكرام ضيوفه، ويتصدق بما بقي، ولا يدخر شيئا على الإطلاق. "اهـ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 9:09 pm

    ثم اصابت دمشق أزمة، فهبطت الأسعار وقل المال، وأعنت الناس عنتا شديدا... وصارت البيوت الواسعة بما حولها من البساتين تباع بثمن قليل.

    فجاءته امرأته وطلبت منه مرة أخرى أن يشتري بيتا واسعا بحديقة وجمعت مصاغا لها وقالت: اشتر لنا بهذا بستانا.

    فأخذ المصاغ وباعه، وتصدق بثمنه.

    فلم عاد الى زوجته استقبلته فرحة: يا سيدي... اشتريت لنا بستانا!

    – نعم، بستانا في الجنة.! إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمن المصاغ.

    – جزاك الله خيرا.

    وكان الناس يتسامعون بفضل الشيخ عز الدين فيزداد مكانة واحتراما، ولقد علم الأشراف صاحب دمشق بكثرة صدقاته، فطلبه، وحاول أن يقدم إليه مالا ليتصدق به ولكنه رد السلطان، وافتاه أنه من الخير أن يتصدق السلطان نفسه بالمال!..

    وقارن السلطان الأشرف بين هذا الرجل يرفض عطاياه الخفية، وبين الآخرين الذين يرتشون ويجهرون بالإلحاح في طلب المزيد من الهدايا والأموال والمناصب!!.

    ودخل السلطان الأشرف إكبار خارق لعز الدين، وأدرك أن أخاه الكامل ملك مصر على حق، فمثل هذا الشيخ جدير بالاحترام. وإن له هيبة!

    ولاحظ السلطان الأشرف أن الشيخ عز الدين لا يطلب مقابلته على خلاف الآخرين، وكانت سيطرة عز الدين على قلوب الشباب وسائر الناس تقوى يوما بعد يوم، وهو لا ينفك يهاجم خصومه من الفقهاء لجمودهم وتمسحهم أصحاب السلطان، ولا يكف عن نقد أحكام الحكام.

    ورأى الأشرف أن من الحكمة أن يصطنع الشيخ لنفسه ويدنيه من القصر فأخذ يمدح الشيخ عز الدين في كل مكان، ويطلبه لمجالسته يتثاقل عنه الشيخ الى حلقات الدرس ومجالس الفتيا، ولا يبادله مدحا بمدح.

    وانتهز خصومه الفرصة، فزعموا للسلطان الأشرف أن عز الدين قد غره حب الناس له والتفاف الشباب حوله، فسولت له نفسه الأمارة بالسوء ان يتعالى على الجميع حتى على السلطان نفسه!

    وفي الحق أن السلطان الأشرف، كان يشعر بحرج لموقف الشيخ عز الدين منه، وكان يحس في أغوار نفسه أن الشيخ لا يضمر له من الاحترام ما يجب على المحكوم للحاكم!!....

    وكان في حاشية السلطان نفر من فقهاء الحنابلة المتشددين المضيقين، وكان الشيخ عز الدين ينكر عليهم غلظتهم مع مخالفيهم، ويتهمهم بالحمق والجمود وفساد الرأي، وبالإساءة الى صاحب المذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان فقيها جليلا عميق النظر واسع الأفق رائع الحكمة.. والذي ترك تراثا عظيما يحمل كل طاقات التجديد.

    ولكن هذا النفر من فقهاء الحنابلة، كانوا قد خالطوا السلطان الأشرف منذ كان حدثا صغيرا، وصاغوا عقله على رأيهم الجامد المتحجر حتى «اختلط هذا بلحم السلطان ودمه وصار يعتقد أن مخالفه كافر حلال دمه».

    وقد أتاحت لهم منزلتهم عند السلطان، ونفوذهم عليه، أن يصنعوا في البلاد كما يشاءون، فكانوا إذا خلوا بمخالفيهم من الشافعية أو الأشعرية آذوهم وضربوهم!

    وما كان ليغمض لهم جفن وهم يرون السلطان الاشرف يخطب ود الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

    وغدوا الى السلطان ليوقعوا بالشيخ عز الدين، قبل أن يتقارب الرجلان، فزعموا للسلطان أن العز عز الدين يخالف السلف ويقول في القرآن قولا عظيما.. ويخطئ من يقول في القرآن بالحرف والصوت، وأنه يعتنق رأي الأشعري: أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق!!.. وهذا كله كفر!!

    وكان الأشرف قليل الحظ من الثقافة وعلوم الدين والاطلاع على آثار السلف.. فما تعلم إلا ما علمه ذلك النفر المحيطين به من أراذل فقهاء الحنابلة الذين ينافقونه!

    ولم يصدق السلطان أول الأمر أن الشيخ عز الدين يقول هذا وهو العالم الورع عظيم التقوى.. وزجرهم السلطان.. ولكنهم وعدوا السلطان أن يقدموا له الدليل الحاسم.

    وأجمعوا أمرهم، وجاءوا عز الدين عبد السلام فقدموا إليه ورقة فيها فتيا بأن القرآن حرف وصوت، وطلبوا من الشيخ ان يكتب رأيه في هذه الفتيا، وكان قد علم بكيدهم وهم لا يشعرون!

    قال لهم الشيخ عز الدين: «هذه فتيا كتبت امتحانا لي. والله لا أكتب فيها إلا ما هو الحق.». "اهـ

    وبدأ الكتابة بتسفيه الفتيا، وتأكيد أن الإمام أحمد بن حنبل لا يعتقد أن القرآن حرف وصوت، وقولهم هذا إنما هو جهل فاضح برأي الإمام أحمد..

    واستطرد الشيخ عز الدين فكتب أن الإمام أحمد بن حنبل بريء من كل ما يدعون. وأن فضلاء الحنابلة أبرياء منهم. وكذلك سائر السلف: «فهم لا يقولون بالحرف والصوت. فالإمام أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء السلف الصالح، لا يعتقدون أن وصف الله القديم القائم بذاته هو عين لفظ اللافظين ومداد الكاتبين. مع أن لفظ الله قديم، وهذه الأشكال والألفاظ حادثة بضرورة العقل وصريح النقل. قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) والعجب ممن يقول إن القرآن مركب من حرف وصوت ثم يزعم أنه في المصحف!! وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه!! وإنما أتى القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وسخافة العقل وبلادة الذهن فإن لفظ القرآن، يطلق في الشعر واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، والقراءة غير المقروءة، لأن القراءة حاثة والقرآن قديم هؤلاء القوم يذمون الأشعري لقوله أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق. وقول الأشعري كلام أنزل الله معناه في كتابه: فإن الشبع والري والإحراق حوادث انفرد الرب بخلقها. فليس الخبز هو الذي يخلق الشبع، ولم يخلق الماء الري، ولم تخلق النار الإحراق، وإن كانت أسبابا في ذلك. فالحق هو المسبب دون السبب كما قال تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، فقد نفى أن يكون رسوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] خالقا للرمي وإن كان سببا فيه.»...

    وعندما ظفروا بجواب الشيخ تمايلوا من الفرح، وأيقنوا أنها القاضية عليه!

    وأوحوا الى السلطان أن يدعوا جميع الفقهاء والعلماء الى سماطه على الإفطار ـ وكان الوقت رمضان ـ ففعل، وذهبوا بما كتبه الشيخ عز الدين الى السلطان الأشرف فانفجر سخطه على الشيخ..! سخط عنيف هائل ينبع من أعماق نفس امتلأت بالحب والإكبار لشخص رفضت فيه كل الوشايات والأقاويل، ثم إذ بها تكتشف بغتة أن هذا الآخر، كان يخدعها ويسخر منها، ويظن بها الغفلة!!.. واختلط غضبه على الشيخ بضيقه المتراكم من سيرة الشيخ معه، فهو كلما أدناه ابتعد، وكلما قربه هجر، وكلما تألفه نفر..!

    وعلى سماط الإفطار، ظلت صيحة السلطان تندد بالشيخ عز الدين: «صح عندي ما قالوه عنه!. هذا رجل كنا نعتقد أنه متوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر بعد الاختبار أنه من الفجار.. لا.. بل من الكفار»!..

    ولم يستطع أحد من الفقهاء أو العلماء أن يرد على السلطان الأشرف.. وظل صوته يدوي بالوعيد في بهو الطعام بقصره السلطان.. وضيوفه يمضغون طعام الإفطار على مهل، ويزدردون المضض، وقلوبهم تدق!!

    ما من صوت واحد يرتفع إلا أنفاس تلهث، وصراخ السلطان يتصاعد كحيوان جريح يوشك أن ينقض ليفترس، بكل ضراوة الألم والإهانة وغريزة البقاء!!

    وبعد لأي تجرأ أحد الفقهاء فقال في تذلل: «السلطان أولى بالصفح والعفو ولاسيما في مثل هذا الشهر، شهر رمضان». فلم يرد السلطان، وهمهم آخر ملتمسا مغفرة السلطان..!

    ولم يرد السلطان.. وانصرف الفقهاء والعلماء، وكان معهم على مائدة الإفطار، عدد من العلماء والفقهاء من كل الأقطار.

    وتناقل العلماء والفقهاء ما حدث، ولاموا أنفسهم على الصمت في حضرة السلطان، وهم يعلون أنه على الباطل، وأن الشيخ عز الدين على الحق الذي يؤمنون به هم أنفسهم!.

    وتحفز الطلاب والمعجبون!

    ما عسى أن يصنع السلطان بشيخهم عز الدين؟!

    أيتهم السلطان الأشرف وهو جاهل بأصول الدين، شيخهم العالم الورع التقي بالفجر والكفر؟!!.. أتراه ينزل به عقاب الفجار والكفار وهم ينظرون!!

    واشتعل التوتر في دمشق. وأصبح الناس وما من شيخ من الذين حضروا المأدبة بالأمس، يستطيع أن يمشي في الأسواق!

    احتشد الطلاب حول باب الشيخ عز الدين، وتعهدوا أن يمنعوه إذا حاول السلطان أن ينزل به أي مكروه." اهـ

    ولاذ اراذل شيوخ الحنابلة من حاشية السلطان بالقصر، غير أن شيخ المالكية عمرو بن الحاجب عذبه صمته وصمت الفقهاء الآخرين أمام السلطان، فركب بغلته وأخذ يطوف المدينة، حتى جمع العلماء في الجامع الأموي بعد صلاة العصر وانقض عليهم يعنفهم: «العجب أنكم كلكم على الحق وغيركم على الباطل، وما فيكم من نطق بالحق. وسكتم وما انتصرتم لله تعالى والشريعة المطهرة.

    ولما تكلم متكلم منكم قال: السلطان أولى بالعفو والصفح ولا سيما في مثل هذا الشهر!! وهذا غلط يوهم الذنب، إن العفو والصفح لا يكون إلا عن جرم وذنب.. أما كنتم سلكتم طريق التلطف بإعلام السلطان بأن ما قاله عبد السلام مذهبكم ومذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك، ولم يخالفهم فيه إلا طائفة مخذولة ينفون مذهبهم ويدسونه على تخوف الى من يستضعفون علمه وعقله، ومنهم السلطان الأشرف؟! لقد قال الله تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون).

    ولام ابن الحاجب نفسه لانه سكت، واعلن الندم والتوبة.. ثم اقترح عليهم أن يكتبوا فتيا بموافقة الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

    وكتبوا الفتيا ووقعوها، وذهبوا الى بيت العز عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام، وخاضوا اليه زحام الناس الذين رابطوا عند بيته.

    وقبل أن يتدافع الناس لإدانتهم على موقفهم أعلن ابن الحاجب، أنهم جاءوا الشيخ بفتيا موقعة منهم توافق رأيه. وهذا هو اعتذارهم له عما فرط أمام السلطان في حق الشريعة وحق ابن عبد السلام.

    وفرح الشيخ بموقف ابن الحاجب ومن معه من العلماء والفقهاء.

    فأرسل الشيخ الى السلطان يعلمه بفتيا الشيوخ، وأنهم «إذا كانوا قد سكتوا ولم يعلنوا رأيهم على سماط الإفطار بالأمس، فما ذلك إلا لأن السلطان لم يمكنهم من الكلام لما ظهر من حدة غضبه»!

    وأنهى رسالته طالبا من السلطان أن يعقد مجلسا للشافعية والحنابلة يحضره المالكية والحنفية وغيرهم من العلماء لتدور المناظرة أمام الجميع بينه وبين خصومه من فقهاء رجال الحاشية!

    ثم ختم رسالته الى السلطان بقوله: «والذي نعتقده في السلطان أنه إذا ظهر له الحق رجع إليه! وأنه يعاقب من موه بالباطل عليه، وهو أولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل. فإنه عزر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيرا بليغا رادعا، وبدع بهم وأهانهم.»

    وذهب ابن الحاجب الى السلطان وسلمه الرسالة، ولم يقرأها السلطان أمامه، ووعده السلطان خيرا وودعه خير وداع...

    وعندما خلا السلطان الأشرف الى رجال حاشيته من الفقهاء الحنابلة وقرأوا الرسالة أوجسوا خيفة من مجلس المناظرة الذي اقترحه الشيخ عز الدين، فما كانوا يطيقون مواجهته أمام سائر الفقهاء والعلماء.. وأجمعوا على ألا تكون مناظرة، ثم وسوسوا في صدر السلطان ألا يقبل عقد المناظرة، فقد يهينه ابن عبد السلام!

    وكتبوا ردا فوقعه السلطان. واستدعى رسولا يحمل الرسالة الى الشيخ عز الدين ليأتي في الوقت برده.

    وفض الشيخ رسالة السلطان وقرأها بصوت مرتفع ليسمعها ضيوفه.

    «بسم الله الرحمن الرحيم. وصل إلي ما التمسه الفقيه ابن عبد السلام أصلحه الله من عقد مجلس وجمع المفتين والعلماء، وقد وقفنا على خطه وما أفتى به، وعلمنا من عقيدته ما أغنى عن الاجتماع به. ونحن نتبع ما عليه الخلفاء الراشدون الذين قال (صلى الله عليه وسلم) في حقهم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكل مسلم يغلب هواه، ويتبع الحق، ويتخلص من البدع، اللهم إلا إن كنت تدعي الاجتهاد، فعليك أن تثبت ليكون الجواب على قدر الدعوى، ولتكون صاحب مذهب خامس. وأما ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي تغمده الله برحمته، فذلك الحال أنا أعلم به منك، وما كان له سببه إلا فتح باب السلامة لأمر ديني:... " اهـ

    ومع هذا لقد ورد في الحديث: (الفتنة نائمة لعن الله مثيرها). ومن تعرض إلى إثارتها قاتلناه مما يخلصنا من الله تعالى، وما يعضده كتاب الله تعالى، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) .»

    وعندما فرغ الشيخ من قراءة الرسالة طواها وقال للرسول: «قد وصلت وقرأتها وفهمت ما فيها فاذهب بسلام». فرد الرسول: «لقد تقدمت الأوامر السلطانية بإحضار جوابها.»

    والطلاب ومؤيدون الشيخ ما زالوا خارج الدار ينتظرون ما يكون، وقد استبد بهم التوتر والقلق منذ دخل رسول السلطان!

    وفي داخل الدار يجلس مع الشيخ ابنه عبد اللطيف وبعض الأصدقاء، وأحد العلماء الفضلاء ممن يغشون مجالس السلطان، وقد أقبل يتوسط بين السلطان والشيخ.. ولكنه لم يكد يسمع الرسالة حتى تغير لونه وأيقن أنه لا جدوى من وساطته، ودخل في نفسه أن الشيخ يعجز عن الجواب، وأنه هالك لا محالة!

    غير أن الشيخ كتب للسلطان مترسلا بلا توقف وهو يقرأ ما يكتبه: «بسم الله الرحمن الرحيم. (فوربك نسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). أما بعد. حمدا لله الذي جلت قدرته وعلت كلمته. فإن الله تعالى قال لأحب خلقه إليه وأكرمهم عليه: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون). وقد أنزل الله كتبه ورسله لنصائح خلقه. فالسعيد من قبل نصائحه وحفظ وصياه. وأما طلب المجلس وجمع العلماء فما حملني إلا النصح للسلطان وعامة المسلمين، وقد أديت ما علي في ذلك. والفتيا التي وقعت في هذه القضية يوافق عليها علماء المسلمين من الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنابلة، وما يخالف في ذلك إلا رعاع لا يعبأ بهم! وأما ما ذكر من أمر الاجتهاد والمذهب الخامس فأصول الدين ليس فيها مذاهب، إن الأصل واحد، والخلاف في الفروع. والحمد لله وحده. وصلى الله على سيدنا محمد وآل وصحبه وسلم..»

    وختم الرسالة بتوقيعه وطواها وسلمها رسول السلطان.

    وقال له العالم الذي جاء للوساطة بينه وبين السلطان: لو أن هذه الرسالة التي وصلت إليك وصلت الى قس بن ساعدة لعجز عن الجواب، وعدم الصواب، ولكن هذا تأييد من الله.

    وتليت الرسالة على السلطان، فألقوا في روعه أن الشيخ يتحداه محتميا بالعامة والطلاب وسائر العلماء! فلينزل بالشيخ عقاب الفجار والكفار!

    ولكن السلطان لم يستطع فقد وجد كل العلماء حتى فضلاء الحنابلة يؤيدون الشيخ! فما يقف مع السلطان إلا بعض رجال الحاشية من فقهاء الحنابلة وهم الذين أسماهم الشيخ في رسالته: الرعاع، والجهال، واتهمهم بالبلادة والإساءة الى الإمام أحمد بن حنبل!

    وفكر السلطان مليا، ثم استدعى وزيره واسمه خليل ليشاوره في الأمر، وكان الرجل من الذين يحبون الشيخ عز الدين ويحترمونه. وما زال الوزير يحاور السلطان ويوضح له سوء عاقبة البطش بالشيخ حتى هدأ السلطان.

    وذهب خليل وزير السلطان الى الشيخ العز يبلغه أمر السلطان: «ألا يفتي وألا يجتمع بأحد، وأن يلزم بيته».

    وحاول الوزير خليل أن يهون على الشيخ عز الدين. فهذا العقاب أخف مما كان معدا له.

    غير أن عز الدين ابتدره باسما: «إن هذا العقاب من نعم الله الجزيلة علي، الموجبة للشكر على الدوام.

    أما الفتيا فإني كنت والله متبرما منها، وأعتقد أن المفتي على شفير جهنم ومن سعادتي لزومي لبيتي وتفرغي لعبادة ربي، والسعيد من لزم بيته، وبكى على خطئه، واشتغل بطاعة الله.»

    وأراد الشيخ أن يقدم هدية للرسول شكرا على هذه الرسالة السارة، فلم يجد سجادة صغيرة.

    ولما عاد خليل يروي للسلطان ما قاله الشيخ عز الدين قال السلطان محنقا: «قولوا لي ما أفعل به؟!... هذا رجل يرى العقوبة نعمة. اتركوه. بينا وبينه الله.» .. " اهـ

    على أن الذين أحاطوا بدار الشيخ العز عز الدين لحراسته أنكروا ليه طاعته لأمر السلطان، وكلموه في ذلك فقال لهم إن مصلحة قيام الشرع تقتضي وجود السلطان، ومتى وجد وجبت طاعته وإلا تعطلت الأحكام!! ولكن لا طاعة للسلطان إذا خان عهد الله وأهدر مصالح المسلمين وأمر بمعصية الخالق. أما فيما عدا ذلك فالطاعة واجبة.

    وعجب له محبوه،

    فأمرهم بالحسنى أن ينصرفوا الى شؤونهم ويدعوه وشأنه، فسيعتكف للعبادة.. أما وجودهم حول الدار فسيتيح لأعدائه أن يتهموه بإثارة الفتنة!

    غير أنهم انصرفوا الى الزاوية الغزالية التي كان يدرس بها، وأقسموا الا يستمعوا لشيخ غيره.!

    وجلسوا في حلقته الفارغة متربصين! ولم يجيء إليهم أستاذ غيره يعلمهم مكانه!!

    على أن سائر العلماء والفقهاء أضمروا السخط على ما أصاب الشيخ، ولكنهم رضوا به لأنهم كانوا يتوقعون عقابا أشد ودعوا الناس الى الصبر. وقضاء أخف من قضاء!!

    أما الشيخ جمال الدين الخضيري شيخ الحنفية فما كان ليستطيع على ما جرى صبرا..! وكان عالما ورعا فاضلا صاحب نفوذ على قلوب الناس جميعا، وكان السلطان يحسب له ألف حساب!

    وما هي إلا ثلاثة أيام قضاها عز الدين في بيته، ممتثلا للأمر السلطاني، ممتنعا عن لقاء من سعوا الى لقائه، حتى كان الشيخ الخضيري يركب حماره الى السلطان، ومعه ابن الحاجب شيخ المالكية. ولم يكد السلطان يعلم أن الشيخ الخضيري شيخ الحنفية قادم اليه حتى أمر كبير وزرائه وكبار حاشيته أن يستقبلوا الشيخ خارج القصر، وأن يدخلوا القصر راكبا حماره تكريما له.

    ودخل الشيخ ساحة القصر، فاستقبله السلطان وأنزله بنفسه عن حماره، وأدخل القصر وأجلسه الى جواره وهش له، وجلس ابن الحجاب وفي يده ورقة فيها توقيع العلماء على تأييد موقف الشيخ عز الدين بن عبد السلام..

    وحين أذن لصلاة المغرب وبسطت المائدة للإفطار، أم الشيخ الخضيري السلطان والحاضرين في الصلاة!

    وبعد الصلاة دار الشراب عليهم وهم جلوس قبل أن ينتقلوا لمائدة الطعام. وكان الحاضرون هم حاشية السلطان من أراذل فقهاء الحنابلة أعداء العزيز بن عبد السلام..

    وقدم السلطان للشيخ قدح للشراب، فنحاه بإشارة غاضبة قائلا: «ما جئت الى طعامك ولا الى شرابك».

    فقال السلطان: «يرسم الشيخ ونحن نمتثل لمرسومه.»

    الشيخ: «إيش بينك وبين ابن عبد السلام؟.. هذا رجل لو كان في الهند أو في أقصى الدنيا كان ينبغي على السلطان أن يسعى في حلوله في بلاده، ويفخر به على سائر الملوك.»

    السلطان: «عندي خطه باعتقاده في فتيا، وخط أيضا في رقعة جواب رقعة سيرتها إليه. فيقف الشيخ عليهما ويكون الحكم بيني وبينه».

    فلما قرأ الشيخ الخضيري رسالتي عز الدين بن عبد إسلام رد الورقتين للسلطان وقال: «هذا اعتقاد المسلمين وشعار الصالحين، وكل ما فيهما صحيح ومن خالف ما فيهما وذهب الى ما قاله الخصم من إثبات الحرف واصوت فهو حمار!».

    ويهب الجميع فالشيخ يتهم السلطان بأنه حمار.. وريع السلطان من حدة الشيخ الخضيري، ونظر الى ابن الحاجب المالكي، فقدم إليه ورقة يؤيد فيها العلماء رأي ابن عبد السلام! ونظر الى الحاشية من فقهاء الحنابلة فوجدهم قد اسودت وجوههم وعراهم الأضطراب. فقال السلطان الأشرف: «نحن نستغفر الله مما جرى، ونستدرك الفارط في حقه!.. والله لأجعلن ابن عبد السلام أغنى العلماء.»

    وقاموا الى الإفطار، ثم أرسل السلطان الى الشيخ عز الدين، فترضاه وأجلسه الى جواره وسأله أن يطلب ما شاء ترضية له، فلم يطب عز الدين شيئا. ولكن السلطان ظل يستعتبه ويسترضيه، حتى رضي الشيخ وعاد اليه مرحه... وانزوى الأراذل من خصومه، وأذن للعشاء فأمهم الشيخ عز الدين لصلاة العشاء استجابة لدعوة الخضيري وابن الحاجب.

    وقبل أن ينفض المجلس أمر السلطان ألا يخوض أحد في الكلام في أمر الخلاف مرة أخرى.

    وفي اليوم التالي عاد الشيخ عز الدين الى الزاوية الغزالية بالجامع الأموي يدرس ويفتي، واستقبله محبوه هاتفين... «الله أكبر... الله أكبر... ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا».

    وعلم الملك الكامل سلطان مصر بما كان، فأرسل يسأل العز ويبدي استعداده لنصرته،... فشكره الشيخ ولم يحك له ما جرى... " اهـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 9:14 pm

    وجاء الملك الكامل سلطان مصر، لزيارة أخيه الملك الأشرف سلطان دمشق. وسأل الملك أخاه عما حدث من خلاف بين الشافعية وبعض الحنابلة فقال الأشرف أنه قد أمر الفريقين بأن يكفا عن الكلام سدا لباب الخصام.

    فقال الملك الكامل ناهرا أخاه الأصغر: «والله مليح..! ما هذه إلا سياسة وسلطنة..!! تساوي بين أهل الحق وأهل الباطل، وتمنع أهل الحق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ كأن الطريق أن تمكن أهل السنة من أن يلحنوا بحججهم، وأن يظهروا دين الله تعالى، وأن تشنق من هؤلاء المبتدعة عشرين نفسا ليرتدع غيرهم، وأن تمكن الموحدين من إرشاد المسلمين وأن يبينوا لهم طريق المؤمنين».. وذاب الملك الأشرف خجلا، وظل يعتذر عما بدر منه. فاتهمه أخوه الأكبر بالجهل، ونصحه أن يجلس الى الشيخ عز الدين ليعلمه أصول الدين، وما زال به حتى أقنعه بصحة رأي الأشعرية وفساد رأي حاشيته. وأوصاه بعز الدين خيرا فأرسل الأشرف في استدعائه. وأخذ الملك الكامل يتلطف مع عز الدين أمام أخيه الملك الأشرف، ويسأله أن يتمنى عليه ما يشاء، وعز الدين يشكره ويحمد الله إليه ولا يطلب شيئا..

    ووقع الأشرف مرسوما بتعيين الشيخ عز الدين خطيبا للجامع الأموي ليزيد النفع بعلمه.

    وقال الأشرف لأخيه الكامل: «لقد غلطنا في حق الشيخ عز الدين ابن عبد السلام غلطة عظيمة. ولكني أترضاه ولن أعمل إلا بفتاويه.»

    اقتنى السلطان الأشرف رسالة كتبها الشيخ عن مقاصد الصلاة، فكانت تقرأ عليه في اليوم ثلاث مرات، ولا يدخل عنده أحد إلا طلب منه أن يقرأها لينفعه الله بها. وكان يقول لبعض خاصته: «انسخوا وطرزوا بها مجالسكم.»

    اطمأن الكامل الى أن أخاه الأشرف قد أصلح عقيدته، وأبعد عن حاشيته الفقهاء المتملقين المنافقين البلداء المرتشين من أراذل الحنابلة.

    وأصبح له مجلس اسبوعي من فضلاء الحنابلة وعلماء المذاهب الأخرى يتدارسون فيه الفقه وأصول الدين.

    وجاءه الشيخ عز الدين مستجيبا لدعوته، وكان من قبل لا يجيبه، فاقترح عز الدين أن يرفع السلطان الضرائب التي تثقل الصناع والتجار والفقراء، وان يعوضها بضرائب على الأغنياء، واقترح عليه أن يغلق المواخير والحانات ودور الفساد، فاستجاب السلطان الأشرف من فوره لما طلبه الشيخ.

    أشار الكامل على أخيه الأشرف أن يعين عز الدين قاضيا للقضاة ليصلح له أمور الرعية، فتردد الأشرف، على الرغم من أن إشارة أخيه الأكبر كانت أمرا بالقياس إليه.!

    وقال الأشرف أنه يخشى من عناد عز الدين وشدته إذا و تولى أمر القضاء وأصبحت أحكامه واجبة النفاذ!!.. فضحك الملك الكامل، وامر أخاه ألا يثق بأحد من العلماء إلا هؤلاء الذين يأخذون الكتاب بقوة، الأشداء الأتقياء الورعين الذين لا يخافون في الله لومة لائم. لأن هؤلاء هم أعمدة الأمة ومنارات العدل، وهم أحرى بأن يجعلوا السلطان قويا وفاضلا ومحبوبا عند الرعية، وهم على أية حال خير من الفقهاء والعلماء الضعاف المستخزين المنافقين طلاب المنافع الذين يذهبون بجلاء الملك ويزورون بهيبة الدين!! .. " اهـ

    وروى الكامل لأخيه قصته مع قاض مصري ورع شديد في الحق. ذلك أن الملك الكامل وهو الملك المهاب الصالح، كان قد هفا قلبه الى مغنية قاهرية بارعة الجمال ذات صوت لم يسمع أعذب منه اسمها عجيبة. وكانت عجيبة تذهب الى الملك، فتغني له ولخاصته حتى قبيل الفجر، على قرع الدف، ورنة عود تتقن العزف عليه. فعرضت امام القاضي دعوى كان أحد طرفيها رجل من خاصة الملك يسمع معه الى غناء عجيبة وجواريها. وأراد الملك أن يشهد في تلك القضية. فرفض وقال للكامل: «السلطان يأمر ولا يشهد.» ولكن الملك الكامل لم يقتنع برأي القاضي، وعاد يطلب مه أن يؤدي الشهادة، وكرر القاضي الإعتذار، وأدرك الكامل أن القاضي لا يقبل شهادته، فسأله: «أريد أن أشهد. أتقبلني أم لا؟» فقال القاضي: «لا . ما أقبلك، وعجيبة المغنية تطلع اليك كل ليلة، وتنزل ثاني يوم بكرة تتمايل سكرا على أيدي الجواري.»

    فغضب الكامل وقال له: يا كنواج «وهي شتمة فارسية» فقال القاضي: «ما في الشريعة يا كنواج! اشهدوا على أني عزلت نفسي.» ومضى ينشد في الناس:



    وليت القضاء وليت القضاء *** لم يك شيئا توليته

    وقد ساقني لقضاء القضاء *** وما كنت قبل تمنيته




    وفكر الملك فيما عسى أن يقول الناس عن سبب عزل القاضي. فأرسل اليه يترضاه، وعل عن طلب الشهادة. ولم يعد يستقبل المغنية ولا يقيم مجالس طرب. وسار في رعيته منذ ذلك اليوم سيرة تقية فاضلة، وهكذا أصبح وعظة ورع قاض حازم عادل، فأصبح الملك باتعاظه مهابا محبوبا.

    روى الملك الكامل لأخيه الأصغر الملك الأشرف هذه الحكاية، واقنعه أن وجود عالم فاضل عادل قوي الى جوار الملك إنما هو أقوم للسلطان والرعية جميعا.

    ولكن السلطان الأشرف وعد بتعيين الشيخ عز الدين قاضيا للقضاة، ثم تراخى.

    وأراد الملك الكامل أن يؤكد لأخويه الأشرف والصالح إسماعيل، ما للشيخ العز من مكانة وتقدير. فدعاه في حضورهما وبالغ في حسن استقباله، وأجلسه الى جواره وأخذ يستفتيه. وكلما أفتى الشيخ أبدى الملك إعجابه بالفتيا، وسأله الرضى والدعاء. ثم قال له مشيرا الى أصغر الأخوة الصالح إسماعيل: «إن هذا له غرام برمي البندق، فهل يجوز له ذلك؟» فقال الشيخ: «بل يحرم عليه. فإن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نهى عنه لأنه يفقأ العين ويكسر العظم ويحرم عليه» والبندق كور صغيرة من الرصاص أو الحجر تستعمل في الصيد.

    وعاد الملك الكامل الى القاهرة، ومرض الملك الأشرف، فأناب عنه ولي عهده الصالح إسماعيل. وكان الشيخ عز الدين كما تعود من قبل لا يغشى مجالس السلطان ولا يزوره، ولكنه عاده في المرض، فبلغ التأثر من نفس السلطان أعظم مبلغ حتى بكى، وسأله الشيخ أن يعفو عنه لما فرط منه في حقه، فدعا له الشيخ وأمر السلطان ولي العهد الصالح إسماعيل ألا يستفتي غير الشيخ عز الدين وأن يستهدي بآرائه.

    غير أن الصالح إسماعيل، لم يقرب الشيخ ولم يدعه إليه.. ففتيا الشيخ بتحريم الرمي بالبندق آلمته!

    على أنه أهر هذه الفتيا منذ أصبح سلطانا، وجمع حوله خصوم الشيخ من الأراذل والبلداء الذين ينتحلون الفقه الحنبلي ويشوهونه!. " اهـ

    وأقصى الصالح إسماعيل عن الفضلاء من العلماء الحنابلة، وانصرف الى الهو، وأعاد ما أبطله أخوه من المنكرات: ففرض على التجار والصناع وارباب الحرف والفقراء كثيرا من المكوس والضرائب التي كان أخوه الأشرف قد رفعا عنهم!

    وأحاط به النخاسون الكبار وأغنياء تجار الرقيق فأعاد فتح الحانات والمواخير!.

    وأحيا كل المفاسد والبدع التي كان أخوه الأشرف قد أماتها استجابة لطلب الشيخ عز الدين..!

    وكان الصليبيون الفرنجة والتتار الطامعون في الاستيلاء على أرض العرب قد عرفوا ولع الصالح إسماعيل بالنفائس وبالتحف الفاخرة والخمر الغالية والجواري الحسان، فطفقوا يقدمون إليه الهدايا النادرة، حتى بادلهم الهدايا ونشأت بينه وبينهم ألفة ومودة.. ولقد دسوا اليه من الجواري الحسان من أصبحن عيونا عليه، فكن لا يبرحن مجالسه في اللهو أو الجد ويطلعن على كل أسراره، وهو بهن سعيد!

    وفسد الأمر في دمشق، فارسل أهل الغيرة فيها يشكون الملك الصالح إسماعيل الى أخيه الأكبر الملك العادل سلطان مصر. فسار على رأس جيش الى دمشق، وأبطل المفاسد ورفع المكوس والضرائب الظالمة عن كاهل الصناع وأرباب الحرف والفقراء والتجار، وعين الشيخ العز عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام قاضيا، صونا للعدل، وحفظا للشريعة، وضمانا لصلاح الأمر، وأذعن الأشرف لأمر أخيه الأكبر.

    وكان على الشيخ عز الدين، أن يضع على رأسه أكبر عمامة في الدولة: عمامة قاضي القضاة، صاحب أكبر منصب ونفوذ.. الرجل الذي يلزم بأحكامه كل أولياء الأمر حتى السلطان نفسه!

    ورأى الشيخ عز الدين أن يتحلل من التقاليد، فطرح العمامة كبيرها وصغيرها، ووضع على رأسه طاقية من لباد مصر وهي غطاء الرأس الذي لا يستعمله الا فقراء الناس في مصر والشام. وكان من قبل عندما عين خطيبا لجامع الأموي، قد طرح الرداء الأسود الذي ألف خطباء الجامع ارتداءه، وعدل عن صعود المنبر بالسيف وعن ترصيع الخطبة بالسجع.

    هاهو ذا الشيخ عز الدين، يجمع كل وسائل النفوذ وأدواته: فهو خطيب الجامع الأموي، وأكبر المفتين، وهو شيخ حلقة، يقنع الناس بوضوح الدليل ونصاعة البرهان وقوة الحجة، ثم هو الى كل ذلك قاضي القضاة، فعلى رجال الدولة تنفيذ ما يقضي به، وإلا أثموا شرعا، واختل ميزان الأمور، فتهرأت الدولة!

    والشيخ يجد ويصطنع الاجتهاد في دروس الفقه والأصول بالزاوية الغزالية في الجامع الأموي، وينشط في قضائه وفتاويه لاستنباط الأحكام من القرآن والسنة وإجماع الصحابة، والقياس الصحيح وتحري مصالح الأمة التي هي مقصد الشريعة، حتى لقد صح عند الشيخ ابن الحاجب المالكي وهو واحد من أفقه علماء دمشق أن يقول: «لم نعرف منذ الأئمة الأربعة من هو أفقه من الغزالي، إلا الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام».

    وظل الشيخ عز الدين يعمل على إماتة البدع، وإحياء السنن في كل ما يصدر من أحكام، وما يلقي من دروس وخطب، وما ينشئ من فتاوي. وقال: «طوبى لمن ولي أمرا من أمور المسلمين، فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن».. " اهـ

    ".وكان الصالح إسماعيل عندما أحس أن أخاه سيعزله، قد لاذ بالشيخ عز الدين معلنا التوبة، متعهدا بحسن السيرة إن هو بقي على عرش دمشق.

    وما زال بالشيخ يستعطفه ويستشفعه والشيخ يشترط عليه شروطا حتى قبل الشيخ أن يتوسط له، وضمنه الشيخ عند الملك الكامل فأبقاه سلطانا على دمشق.

    ولكنه لم يكد يستقر على العرش حتى عزل الشيخ عز الدين عن منصب قاضي القضاة.. فقد مات الملك الكامل!!

    وخلف الملك الكامل على ملك مصر ابن له، ولكه أساء السيرة في الناس، وخضع لحاشية من الجواري والمماليك والعلماء، وغلبه الضعف، ولعبت به الأهواء، فوثب عليه أخوه نجم الدين وهو رجل صارم وتولى ملك مصر باسم الملك الصالح نجم الدين أيوب.

    ما بحر التتار والصليبيون يراقبون في يقظة كل ما يجري في دولة صلاح الدين التي حولها ورثته من الأبناء وأبناء الأخوة ضياعا خاصة لهم، فوهنت وتداعت وتمزقت! فطمع التتتار في العراق، وخطط الصليبيون للاسيتلاء على مصر والشام وفلسطين، وبصفة خاصة بيت المقدس!.. واضمحلت برقة والجزيرة العربية..

    وحصن الملك الصالح نجم الدين أيوب أبواب مصر وسد ثغورها بعسكر كثيف ودعم فيها القلاع، وأرسل الى عمه الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، يطالبه بأخذ العدة لمواجهة ما عسى أن يفعله الصليبيون الفرنج، ولكن إسماعيل كان مشغولا بمراسلتهم وتبادل الهدايا معهم، والاستمتاع بأموالهم وجواريهم.. فأنفذ الملك الصالح نجم الدين أيوب حملة الى الشام ليضمها الى مصر.

    وهرع إسماعيل سلطان دمشق الى الفرنج، فحالفهم وفتح لهم دمشق ليشتروا منها السلاح، وكان سلاح دمشق معروفا بأنه أمضى سلاح ـ ومضى الى سائر أمراء الشام ليضمهم الى صفه ضد ابن أخيه ملك مصر، فحالفه صاحب حمص..

    واضطرب الناس في دمشق مذ رأوا الصليبيين يدخلونهم ويتجولون في أسواقها يشترون السلاح. وترك الشيخ عز الدين حلقته في الجامع الأموي، ومضى يخوض في الشعب المتزاحم في الطرقات ويفتيهم أن بيع السلاح للفرنجة حرام، وكل بيع لهم حرام. فمن ارتكب من ذلك شيئا فقد خان الله والرسول ولا ذمة ولا عهد له، ودمه مهدر، وماله مباح!...

    ومضى الشيخ ابن الحاجب المالكي يفتي بمثل ذلك. وطفق الشيخان يحرضان التجار على الامتناع عن البيع للفرنجة، ويحرضان الناس على قتال من يبيعهم السلاح فأصبح الفرنجة وهم لا يجدون من يتعامل معه من تجار دمشق، وحتى الذين تعاملوا معهم من قبل آثروا العافية ورفضوا التعامل بعد..!

    وغدت دمشق ذات صباح تتناقل أنباء ما صنعه سلطانها مع الفرنج، فقد جيش معهم الجيوش، وقرروا أن يسيروا معا الى مصر ليكسروا الحملة التي انفذها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأن يوصلوا الزحف فيستولوا على مصر كلها.

    وفي مقابل مساعدة الفرنج لسلطان دمشق، نزل لهم عن صيدا وقلعة الشقيف وبعض مدن فلسطين واقتسم معهم مدنا أخرى...!!

    وعندما تحققت هذه الأنباء، وقف الشيخ عز الدين يخطب الجمعة فأعلن خيانة سلطان دمشق ومن والاه من أمراء الشام. وختم خطبته داعيا:

    «اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد تعز فيه أولياءك، وتذل فيه أعداءك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك».

    وهدرت حناجر المصلين: «آمين..! آمين!.

    والتقى الشيخ عز الدين بالشيخ ابن الحاجب، فأصدر فتيا بخيانة السلطان وبخلع طاعته. " اهـ

    ولم يطلبا من أحد التوقيع معهما على الفتيا حفظا لسائر العلماء من أن يؤذيهم السلطان.. إذ كان قد أنذر مخالفيه بعذاب عظيم، ووعد مؤيديه بحسن الجائزة ووفرة المال وعلو الشأن.! على أن الخطباء والعلماء امتنعوا عن الدعاء للسلطان من على المنابر بعد خطبة الجمعة. وهكذا تجاهلوا وجوده..!

    وأرسل بعض حاشية السلطان اليه وهو غائب عن دمشق بما كان من أمر الشيخ العز والشيخ ابن الحاجب، فأمر بسجنهما وأمر حاشيته من أراذل الحنابلة بإسقاط شأنهما في عيون الرعية.

    وسجن الشيخان، وأصدر بعض هؤلاء الأراذل فتيا ضد الشيخين واتهموا كليهما بإثارة الفتنة، وطالبوا الرعية بإطاعة السلطان لأن معصيته خروج على الشرع، وهو أدرى فيما يأخذ وما يدع بمصالح المسلمين.! واتهموا الشيخين بالغرض والحسد وسوء النية والحقد على السلطان: فأما الشيخ عز الدين فلأن السلطان عزله عن منصب قاضي القضاة،وأما الشيخ ابن الحاجب فلأنه طمع في المنصب ولم ينله.!!!! فكلاهما موتور لأنه حرم من المنصب الكبير والراتب الوفير.!

    ولم يكن أي الشيخين يملك الدفاع عن نفسه في السجن، ولكن الناس لم يصدقوا، واشتعل غضبهم على السلطان وحاشيته، ومضوا يسألون في الأمر شيوخهم، ايد الشيوخ بمن فيهم الحنابلة، رأي الشيخين، لم يشذ عنهم أحد، إلا البلداء منتحلوا الفقه الحنبلي من أراذل حاشية السلطان!

    وعاد السلطان الى دمشق بجيش كبير، فوجد عددا ضخما من الناس يحيطون بالسجن ويحاولون تحرير العز وابن الحاجب من وراء الأسوار، فأمر بإطلاقهم، وملأ طرقات دمشق بالعسكر، وبث الجواسيس في كل مكان حتى المساجد!

    وهدأت الثورة عن السلطان، فأمر بإقالة العز من كل مناصبه، من التدريس والخطابة، وأمره «بملازمة داره، وألا يفتي، ولايجتمع بأحد البتة».

    وتقدم أحد العلماء من أصدقاء السلطان والعز معا فاستأذن للعز «في صلاة الجمعة ـ وكان العز لا يترك صلاة الجمعة ـ وفي أن يعبر إليه طبيب أو مزين إذا احتاج إليهما، وأن يعبر الى الحمام، فأذن له السلطان».

    وكان العز في معتقله بداره يقرأ القرآن ويكرر تلاوة قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).

    فأرسل الى السلطان صديقهما المشترك، وهو ذات الصديق الذي حاول أن يصلح بينه وبين السلطان الأشرف خلال فتنة الحنابلة. ارسل العز هذا الصديق الى السلطان ليأذن له بمغادرة دمشق ومملكته جميعا.

    وأطربت السلطان فكرة الخلاص من الشيخ ولكنه لم يستجب لطلبه بسهولة، وذهب الوسيط وعاد مرات في ذات اليوم، والسلطان يتشدد ويلين ويشترط ويتنازل، حتى أذن آخر الليل للشيخ بالهجرة، على أن ينهض من فوره فيكون خارج دمشق قبل الفجر!!

    ورشق السلطان جنوده وبث عيونه في كل الطرقات المؤدية الى دار الشيخ والى خارج دمشق تحرزا من معرفة الناس بهجرته والاحتشاد لوداعه.

    وأحضر الصديق للشيخ بعض الدواب، فحمل عليها أهله وكتبه، وركب في الطريق الى القاهرة.

    ولقي الشيخ في سفره هذا نصبا وكثيرا من الخطوب. فقد مر ببلاد يحكمها حلفاء للسلطان من أمراء بني أيوب، وبلاد أخرى يحكمها أنصار لملك مصر نجم الدين أيوب.

    كابد الشيخ في رحلته صنوفا من الإنكار والتهديد، وألوانا من الحفاوة والترحيب. وهو لا يفتأ كلما اجتمع بأحد م الخصوم والأنصار قائما يدعو الى الجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الفرنج وحلفائهم من الأمراء المسلمين، منكرا موقف صاحب دمشق ومن والاه من الأمراء، ودور منتحلي الفقه، مزريا بصمت الصامتين عن هذا كله، متهما إياهم بالبلادة والخور والنذالة!

    ويصف ابنه الشيخ عبد اللطيف ما كان من أمر أبيه: «انتزع منها (دمشق) الى بيت المقدس، فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق،وأخذه وأقام عنده بنابلس مدة، وجرت له معه خطوب، ثم انتقل الى بيت المقدس حيث أقام مدة. ثم جاء الملك الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص ـ حليف اسماعيل ضد نجم الدين أيوب ـ، وملوك الفرنجة بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس، يقصدون الديار المصرية، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله وقال له: تدفع منديلي الى الشيخ، وتتطلف به غاية التلطف، وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على أحسن حال، فإن وافقك فتدخل به علي، وإن خالفك فاعتقله في خيمة الى جانب خيمتي، فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ثم قال له: «بينك وبين أن تعود الى مناصبك ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير». فقال الشيخ: «والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده..! يا قوم أنتم في واد وأنا في واد. والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به». فقال: «قد رسم لي أن توافق على ما يطب منك وإلا اعتقلتك». فقال الشيخ: «افعلوا ما بدا لكم». فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان. وكان الشيخ يقرأ القرآن والسلطان يسمعه فقال يوما لملوك الفرنج: «تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن». قالوا: «نعم». قال: «هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره تسليمي لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه، ثم أخرجته فجاء الى القدس، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم». فقالت ملوك الفرنج: «لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها».

    ثم جاءت العساكر المصرية، ونصر الله الأمة المحمدية، وقتلوا عساكر الفرنج." اهـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 9:20 pm

    أطلق سراح الشيخ، فانطلق في طريقه الى القاهرة فدخلها عام 639هـ بعد عام كامل من الأهوال والخطوب في الطريق إليها..

    كان مقدم الشي عز الدين الى القاهرة يوما من أيام الزينة. فقد احتشد الناس الذين سمعوا به في أبهى ملابسهم، وأمر السلطان أمراءه وقادة الجيش أن يرتدوا حلل العيد، وخرج في أبهته على رأسهم يستقبلون الشيخ على الباب الشرقي للقاهرة، وقد أعدوا له الخيل المطهمة ليمتطيها هو وأهله وأبناؤه بدل المطابا المنهكة.

    وعجب الناس للشيخ عز الدين: هذا العالم الذي تحدى أمراء بني أيوب وملأ أطباق الأرض بآرائه وفتاواه، ليس ضخما ولا مخيفا بل هو نحيل خشن الثوب، وما على رأسه عمامة الفقهاء والعلماء بل اللبدة التي يرتديها العامة والفلاحون في مصر! إنه لشديد الحياء خفيف الصوت..!

    وسار الموكب يزف الشيخ بالتهليل والتكبير، والسلطان الى جواره ومن خلفه أمراء الدولة والأعيان والعلماء.

    وانتهى الموكب الى حديقة واسعة غناء فيحاء تتوسطها دار فسيحة.

    وودعه السلطان الملك لصالح نجم الدين أيوب قائلا: «هذه هي دارك يا شيخ عز الدين بن عبد السلام. وهي ليست هبة ومني ولا من بيت المال، ولكن أهل مصر اشتروها لك نفعهم الله بك، ونفع بك الإسلام والمسلمين أيها الإمام.»

    وتجولت الزوجة في الدار وهي لا تستطيع أن تغالب فرحها..!!.

    أخيرا هاهو ذا البستان التي حلمت أن تعيش فيه.. ولكنه أجمل مما حلمت به وأفسح. وهو بعد يقع على النيل!!.

    وفرح الجميع بالاثاث الفاخر، ورقائق الزجاج الملون، والمصابيح الجميلة المتناثرة.

    وشعر الشيخ أن هذا المكان الهادئ، يمكن أن يمنحه من صفاء الذهن وراحة البال ما يتيح له كتابة ما لم يستطع ان يكتبه في دمشق.

    استراح في البيت يوما وليلة.. ثم بدأ يستقبل الزوار.

    وتعرف على علماء مصر وفقهائها وشيوخها، وتبادلوا الرأي.

    وجاء رسول السلطان يبشره بصدور الأمر بتعيينه إماما وخطيبا لجامع عمرو. فأثنى الحاضرون على قرار السلطان. وكان جامع عمرو قد أصبح منذ عهد صلاح الدين بديلا للأزهر الذي عطل صلاح الدين التدريس فيه في حربه على الشيعة الذين بنوا الأزهر.

    وخلال زيارة رسول السلطان للشيخ العز بحضور عدد من الفقهاء والعلماء منهم شيوخ المذاهب الأربعة، قال الشيخ المنذري مفتي مصر للحاضرين: «كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين،وأما بعد حضوره فالفقه متعين فيه ولا يفتي أحد وهو بيننا». وهكذا أصبح الشيخ عز الدين مفتي مصر.

    وأراد السلطان أن يعينه قاضيا للقضاة على أن يختار الشيخ نوابا له.

    فطلب الشيخ أن يمهله بعض الوقت حتى يحسن التعرف على العلماء والقضاة وأحوال الناس في مصر. ولكن السلطان كان يلح عليه. وبعد فترة وجيزة قبل الشيخ منصب قاضي القضاة وعين نوابه بنفسه.

    ولم يكد يتولى المنصب حتى لاحظ أن امراء البلاد وقادة الجيش ليسوا من أهل مصر، وليسوا أحرارا على الإطلاق، بل هم مجلوبون، اشتراهم السلطان من بيت المال وهم صغار فتعلموا اللغة العربية وعلوم الدين، وفنون الفروسية والحرب والرياضيات، وعندما شبوا عينهم في مناصبهم. فهم أمراء مماليك أرقاء إذن، وليبس لهم حقوق الأحرار. ولهذا فليس لهم أن يتزوجوا بحرائر النساء ـ وكانوا قد تزوجوا من حرائر نساء مصر ـ وليس لهم أن يبيعوا أو يشتروا أو يتصرفوا إلا كما يتصرف العبيد!.

    وبدأ قاضي القضاة يطبق عليهم من أحكام الشريعة ما يطبق على العبيد!

    وبهت الملك مما صنعه الشيخ، فذهب إليه يسأله أن يعدل عما أخذ فيه، فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، إن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه.!

    وكان السلطان رجلا قوي الشكيمة، ولكنه لم يعرف ماذا يفعل بالأمر!..

    لقد أبطل الشيخ كل ما أبرمه الأمراء المماليك من عقود البيع والإجارة.. وحتى عقود الزواج!

    واضطرب الأمر بالمماليك: فالزوجات يهجرن فراش الزوجية، ويعاملن أزواجهم كالغرباء، والتجار يعودون في الصفات، والصبية يطاردون الأمراء المماليك بكل هيبتهم ويعيرونهم بأنهم عبيد!.. وكان الناس يذوقون الأهوال من صلف الأمراء!!." اهـ

    "وصف السيوطي في «حسن المحاضرة» تلك الحالة بقوله: «تصدى – الشيخ عز الدين – لبيع أمراء الدولة من الأتراك، وذكر أنه لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فعظم الخطب عندهم، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا (زواجا)، وتعطلت مصالحهم لذلك، وكان من جملتم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا اليه فقال الشيخ: «نعقد لكم مجلسا وننادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلين، فرفعوا الأمر الى السلطان، فبعث اليه فلم يرجع، فأرسل اليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب. وقال: «كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا». فركب بنفسه في جماعته، وجاء الى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج له ولد الشيخ رأى من نائب السلطان ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: «يا ولدي. أبوك أقل من ان يقتل في سبيل الله»، ثم خرج فحين وقع بصره على النائب، يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأله الشيخ أن يدعو له.

    وقال: «يا سيدي إيش تعمل»؟.

    – أنادي عليكم وأبيعكم ويحصل عتقكم بطريق شرعي.

    – فيم تصرف ثمننا؟

    – في مصالح المسلمين.

    – من يقبضه؟

    – أنا.

    انصرف نائب السلطان الى السلطان حيث كان جميع الأمراء قد اجتمعوا عنده، فروى لهم نائب السطان ما كان بينه وبين الشيخ.

    ولم يذعن السلطان، أرسل الى الشيخ من يتلطف له ويحاول صرفه عن بيع الأمراء، وأخبره الرسول بعد حوار طويل أن السلطان لم يسمح ببيع الأمراء، وأمر السلطان واجب، وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين! وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به. بل بالسلطان وحده!!.

    وأنكر الشيخ تخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها على حمار، ووضع اهله على حمير أخرى، وساق الحمير ماشيا!..

    الى أن يا شيخ!؟...

    قال: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!..

    فيم المقام بأرض يستضعف فيها أهل الشريعة، ويعتدى فيها على القضاء؟!

    وتجمع الناس وراءه.. وكلما سار في طريق تزاحم الناس عليه يحاولون منعه من الهجرة، فهو أمامهم في مواجهة مظالم الأمراء المماليك، فلكم عانى التجار والصناع وسائر الناس من صلفهم، وهاهم أولاء يرون فيهم يوما من أيام الانكسار على يد هذا الشيخ الجليل عز الدين بن عبد السلام!. فلماذا يتركهم الشيخ؟!. ولمن يكلهم؟!.. الى هؤلاء الأفراد العبيد المتغطرسين من جديد؟!

    أحاط الناس بموكب الشيخ وهم يتوسلن باكين ألا يتركهم، فقد عرفوا في قضائه قوة الانتصار للمظلوم، وهيبة العدالة، خلال تلك الأشهر القلائل التي ولي فيها المنصب..

    ولكن الشيخ مضى في طريقه لا يبالي..

    سار الشيخ أميالا خارج القاهرة والناس من ورائه يرجون ملحين ساخطين حتى امتلأت بهم الأرض الفضاء إذ لم يتخلف عن اللحاق به «امرأة ولا صبي ولا رجل ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأمثالهم.»

    وبدا أن هذه الجموع ستذهب في تحدي السلطان الى أبعد مدى!..

    ولئن هي رجعت بغير الشيخ لتثيرن الدنيا على السلطان حتى الذين هم تحت التراب!

    وعلم السلطان بما يجري، وقال له أحد ناصحيه: «تدارك ملكك وإلا ذهب بذهاب الشيخ».

    فأسرع السلطان الى فرس سريع فامتطاه على عجل وانطلق حتى أدرك الشيخ عز الدين، وشهد الناس من حوله وعاين سخطهم، فنزل عن فرسه، وتقدم متلطلفا معتذرا الى الشيخ عز الدين، وقال له: «لا تفارقنا. عد يا إمام واصنع ما بدا لك.».. وقدم للشيخ فرسا فامتطاه وعاد الشيخ.

    عاد الشيخ والناس يهللون من حوله ومن خفه.

    وجمع السلطان كل الأمراء في القلعة بأمر الشيخ، ثم عرضوا في مزاد ونادى الشيخ عليهم وغالى في ثمنهم. حتى إذا امتنع الحاضرون عن المزايدة في الثمن لارتفاعه الفاحش، تقدم السلطان فدع ثمنا أزيد من ماله الخاص لا من بيت المال، حتى اشترى جميع الأمراء المماليك واعتقهم لوجه اله، فأصبحوا أحرارا.

    وصحح الشيخ عقودهم بما فيها عقود الزواج.

    أما ما قبضه الشيخ من ثمنهم الفاحش فقد وزعه على الفقراء وأصحاب الحاجات وبصفة خاصة أهل العلم وطلابه، وأقام به مكاتب لتعليم القرآن والخط وعلوم اللغة.

    وازدادت مكانة الشيخ في قلوب الناس، وتزاحموا عليه وما كانوا يتركونه بعد صلاة الجمعة في جامع عمرو حتى يؤذن لصلاة العصر.

    أما السلطان، فقد أضمر أن يتخلص من الشيخ، فقد خافه على ملكه!.

    إن هذا الشيخ الخجول النحيل ليستطيع أن يحرك الناس ضده كيفما يشاء!

    على أن أمراء المماليك لم يعودوا بعد لصلفهم واستبدادهم بالناس كما كانوا من قبل بيعهم في المزاد!" اهـ

    واستمر عز الدين في القضاء حازما حاسما لا يخشى إلا الله ولا يأبه إلا بالحق، ولا يراعي إلا مصلحة الأمة. لقد تأتيه الدعوى من أحد الأفراد على أحد خواص السلطان، فيسوي بينهما في المجلس، ويتحرى العدل وحده.. ولكم أدان خواص السلطان!..

    لم يعد السلطان يتوقع منه مجاملة، وتمنى أن يزيحه من مكانه، ولكنه خشي غضب الناس!

    كان الملك الصالح نجم الدين أيوب، سلطانا قويا واسع الحيلة، ولكنه وجد نفسه مع الشيخ عز الدين بلا حيلة!

    وفي الحق أن الشيخ عز الدين، لم يجهر بعداء السلطان، ولا حتى بنقده، ولكنه مضى في طريقه: يفتي، ويخطب الجمعة في جامع عمرو، ويقضي بما يهديه اليه فهمه لنصوص الشريعة أو اجتهاده إن لم يجد حكما في النصوص، ثم يخلص الى بيته ليكتب.. ولكنه على انفساح بيته وهدوئه وجماله لم يكن يجد الوقت الكافي للكتابة، فالناس يتزاحمون حيث يكون، ومنهم من لح عليه بالزيارة..!

    ولم يشأ أن يتخذ حاجبا يمنع عنه الناس، كما كان يصنع الفقهاء من قبله حين يخلون الى الكتابة..

    وكان كثير الصدقات ينفق معظم رواتبه خفية على أصحاب الحاجات، فكان كثير من أصحاب الحاجات يطرقون بابه.

    وكان يلح بالدعوة الى المعروف والنهي عن المنكر، ويعتبر القيام بهما واجبا شرعيا يأثم تاركه، فيأتيه الناس يستفتونه في المعروف والمنكر.

    ووجد بعض الأقوياء الظالمين يغتصبون حقوق المستضعفين، فأفتى أن من واجب المستضعفين أن ينتزعوا ما اغتصب منهم، ولا عقاب عليهم، فهذا حقهم الشرعي.

    فإن هم وجدوا السلطان عاجزا عن رد أموالهم المغتصبة، فعليهم استردادها بأنفسهم، وإلا أثموا شرعا!

    وأثارت هذه الفتيا عدد من الأمراء الذين ألفوا أن يستضعفوا بعض التجار والصناع والحرف، ويغصبون منهم خفية بعض البضائع أو الأجور!!

    وكان يعتبر من الحقوق المغصوبة إنقاص أجر العامل، أو قهر البائع أو تخويفه فيبيع بثمن أقل من الثمن المعروف! ثمن المثل!

    وسخط السلطان نفسه عليه، فقد رآه في أحكامه وفتاويه يفرض أوامره على الشرطة، وليس هذا لأحد غير السلاطين، فإن لم تستجب الشرطة حرض الناس على الدولة!!

    ثم اصطدم الشيخ عز الدين باقارب أعوان السلطان وأعزهم عليه. وهو استادار أو استاذ دار السلطان: الرجل الذي يتولى شؤون مساكن السلطان وسائر حوائجه الخاصة.

    ذلك أن «الأستادار» فخر الدين بن شيخ الشيوخ كان مولعا بالغناء والرقص، قصد الى مسجد وسط حديقة واسعة مطلة على النيل، صعد الى سطح المسجد فأفتن بجمال المنظر، فبنى فوق المسجد«طبلخانة» أي خانها أو دارا للطبل والغناء، وتعود السهر فيها مع صحبه يسمعون الى جواري المغنيات الراقصات..!

    ولم يجرؤ أحد على أن يشكو الأستادار الى قاضي القضاة، ولكنه ذهب حتى تحقق مما سمع، فمعاد وعقد مجلس القضاء، واصدر الحكم بإزالة البناء.

    غير أن الشرطة لم تزل الملهى من سطح المسجد، فنهض الشيخ عز الدين يقود أبناءه وبعض الشباب من مريديه، وأخذوا المعاول والفؤوس، وأزالوا البناء.. ثم أعلن الشيخ أنه يقيل نفسه من منصب قاضي القضاة، فما عاد يطيق أن يقضي بقضاء فتنتظر الشرطة إذن رئيس الشرطة أو السلطان لتنفذ الأحكام، وقد لا تنفذها..!

    ولم يكد السلطان يسمع بما حدث من الشيخ حتى اضطرم غيظا، ثم جاءه من يخبره بأن الشيخ قد أقال نفسه، فصفق السلطان طربا، وحمد الله لأن الشيخ أعفاه من حرج كبير، فأقال نفسه بنفسه! وأرسل السلطان رسولا الى الشيخ بموافقته على استقالته، ففرح الشيخ، وحمل سجادة من على أرض بيته وأهداها رسول السلطان تعبيرا عن الفرح، معتذرا إليه بأن لا يجد هدية أثمن منها..!

    هاهو عبء ثقيل انزاح عن قلب الشيخ!

    صمم الشيخ على أن يخصص أكثر وقته للتأليف، ضاع منه عمر طويل وما كتب بعد شيئا.! غير أن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب زاره وطلب منه أن يدرس الفقه الشافعي في المدرسة الجديدة التي أقامها السلطان لتدريس الفقه على المذاهب الاربعة فقبل الشيخ ونهض بتدريس الفقه، والتفسير. وكان هو أول من ألقى دروسا في لتفسير بمصر منذ عهد بعيد. ولقد قام الشيخ بتدريس الفقه الشافعي في هذه المدرسة.." اهـ

    وخطط دروسه لكي تكون كتبا ينتفع بها الناس، فدرس أصول الفقه والتصوف، بهذه المدرسة الجديدة التي أسماها السلطة باسمه.. المدرسة الصالحية.. وحزن الناس لأن الشيخ ترك القضاء وما عرفوا في زمانهم قاضيا أكثر حسما وأعمق نظرا ولا أنهض منه للأمر، ولا أشد تقى وورعا وروعة من هذا الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام!

    وعبر عن ذلك شاعرهم الجزار:

    لم يسره سوى ابن عبد العزيز(1)
    سار عبد العزيز في الحكم سيرا

    شامل للورى بلفظ وجيز
    عممنا حكمه بعدل وسيط


    لقد أراح الشيخ واستراح. ولكن حكمه على «الأستادار» قد وصم الرجل في مصر وسائر بلاد الإسلام. فقد جاء في كتاب «حسن المحاضرة» بعد الحديث عن حكم الشيخ في أمر الملهى، كما جاء في تاريخ إبن إياس وظن فخر الدين وغيره أن هذا الحكم لا يتأثر به في الخارج، فاتفق أن جهز السلطان رسولا من عنده الى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول الى الديوان، ووقف بين يدي الخليفة، وأدى الرسالة له، خرج إليه، وسأله:

    – هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟

    – فقال الخليفة لا. ولكن حملنيها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ استاداره.

    – فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته.

    فرجع الرسول الى السلطان حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد الى بغداد، وأداها.

    استقر الشيخ في داره، يؤلف الكتب، مستفيدا من كل ما مر به: ألف نحو أربعين كتابا في الفقه والتفسير وأصول الفقه والتصوف.. حصاد تجاربه وقراءاته وتأملاته وفتاويه.

    على أن الشيخ لم يكد يسيطر على وقته وينظمه، ويستقر في داره ليكتب، حتى هاجمه جماعة من الأشياء ذات ليلة مظلمة فتسوروا عليه الحديقة، وتقدموا الى باب الدار يحاولون كسره، والشيخ مستغرق في عمله لا يشعر بهم..!

    وهب أهل الدار من نومهم فزعين، خاف كل من ي الدار إلا الشيخ!

    وحاول أحد أبنائه أن يخرج من باب خلفي فيستدعي العسس، ولكن الشيخ رفض وتقدم نحو الباب الذي حاول اللصوص اقتحامه، فتأخروا الى الحديقة، وتقدم هو إليهم قائلا: «أهلا بضيوفنا».

    وعلى ضوء النجوم تبين الشيخ أنهم جمعة من الفتاك ممن كان يستأجرهم بعض أمراء المماليك للفتك بأعدائهم!! وتعرف على رئيسهم، وتذكر أنه وثيق الصلة بأمير كان يصرخ ويبكي ويتوعد الشيخ عندما نادى على الأمراء في المزاد!.. وكانت تفلت من الأمير حركات أنثوية!

    وكان هذا الفاتك يدلف الى الأمير ويهون عليه.. فأبديا من آيات المودة والتعاطف المريب ما أثار سخرية الذين شهدوا المزاد!!.

    مثل أمامه هذا الفحل الفاتك فيما بعد متهما في نهب المتجر، وشهد الأمير له زورا، وأثنى عليه في رقة.. فحكم الشيخ عز الدين على الأمير بغرامة لشهادة الزور، وبمبلغ من المال تعويضا للتاجر المعتدى عليه، وحكم على الناهب بالسجن. غير أن الشرطة لم تسجنه وزعمت أنه فر الى جبل في صعيد مصر!

    إن الشيخ يعرف أن هذا الأمير، وغيره يتخذون من بعض السوقة ضعاف العقول أشداء الأجسام، عصابات يؤدبون بها من يرفض لهم طلبا، فإذا سقط أحدهم فهو مصري اعتدى على مصري ولا شأن للأمراء المماليك بالأمر كله!

    وطلب الشيخ عز الدين عشاء لضيوفه، فالضيف ينبغي أن يكرم في أي وقت جاء. وذهل رجال العصابة..! ثم أخذ يعظهم، حتى ألقوا تحت قدميه ما أخفوه وراء العباءات من أسلحة. وفاض الدم من أحدهم فاعترف من خلال الدمع أن الأمير المخنث الشرس حرضهم على قتل الشيخ ونهب بيته ووعدهم بأموال طائلة، وقد أقسم ألا يبقي الشيخ على وجه الأرض، بعد أن نادى الأمراء المماليك في المزاد العلني وهم ملوك الأرض كما ينادى على الجواري والعبيد!! " اهـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 9:32 pm

    فدعا الشيخ لضيوفه وللأمير بالهداية بعد الضلال. وقام الفتاك، فقبلوا يد الشيخ، وظلوا يقبلونها حتى غسلوها بدموع الندم!.. وطلبوا منه الدعاء، فطلب منهم أن يتوضأوا ليصلي بهم. وحين فرغوا من الوضوء أمهم الشيخ في صلاة توبة على خضرة الأرض، تحت شعاع النجوم!.. وطلب أبناء الشيخ منه أن يبلغ السلطان، فأبى.

    حتى إذا جاء يوم العيد، وخرج السلطان في أبهة الملك الى القلعة، وحوله الأمراء يتشامخون ـ وفيهم ذلك الأمير ـ واجه الشيخ سلطانهم بما روع الأمراء وألقى الهيبة من الشيخ في قلوبهم. ويصف السبكي ذلك المشهد في طبقات الشافعية: «طلع شيخنا من عز الدين مرة الى السلطان في يوم عيد الى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة وما السلطان عليه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينة على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان فالتفت الشيخ الى السلطان وناداه:

    «يا أيوب.. ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوىء لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟»

    قال السلطان: «هل جرى ذلك؟»

    قال: «نعم الحانة الفلانية تبيع الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة.»

    وأخذ الشيخ يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون.

    فقال السلطان: «يا سيدي هذا أنا ما عملته. هذا من زمان أبي.»

    فقال الشيخ: «أنت من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة؟!»

    فأمر السلطان بإغلاق الحانة.

    وبعد أن انصرف سأله أحد تلاميذه عما فعله، فقال الشيخ:

    – رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه لكيلا تكبر نفسه فتؤذي.

    فقال التلميذ: أما خفته؟

    قال الشيخ: والله يا بني لقد استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقط.»

    وعاد الشيخ من القلعة، فطاف ببيوت بعض أصدقائه وتلاميذه يهنئهم بالعيد، ثم عاد الى بيته يستقبل المهنئين.

    اهتم الشيخ عز الدين بوضع أصول للفقه، فألف كتابه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» وقد ضمه كثيرا من القواعد الفقهية. وقال في أوله: «الشريعة كلها إما درء مفاسد أو جلب مصالح. فإذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه أو جمعا بين الحث والزهر. وقد أبان الله تعالى ما في بعض الأحكام من المفاسد فحث على اجتناب المفاسد وما في بعض الأحكام من المصالح فحث على إتيان المصالح.»

    ثم يقول: أما مصالح الدارين «الدنيا والآخرة» وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشرع. فإن خفي طلب بأدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال الصحيح. أما مصالح الدنيا وأسبابها ومقاصدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون والمعتبرات. فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته. ومن أراد أن يعرف المصالح والمفاسد فليعرضها على العقل.

    فهو يدعو الى إعمال العقل في استنباط الأحكام، وفي التعرف على المصالح. وهو يرى أن الاحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، فيجب أستنباطها بما يحقق مصلحة ويدرأ مفسدة. والعقل هو أداة هذا الاستنباط.

    ويقول: «إن الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية ولدرء معاطب الأسقام. الذي وضع الشرع هو الذي وضع الطب فإن كل واحد منهما موضوع لجلب مصالح العباد ودرء مفاسدهم.» " اهـ

    وتأسيسا على هذا النظر، استنبط كثيرا من الأحكام:

    – فنهى عن تعمد المشقة في العبادات والمعاملات. فلا مصلحة في المشقة: «قد علمنا من موارد الشرع ومصادره أن مطلوب الشرع هو مصالح العباد في دينهم ودنياهم. وليست المشقة مصلحة. بل الأمر بما يستلزم المشقة بمثابة أمر الطبيب باستعمال الدواء المر البشع. فإنه ليس غرضه إلا الشفاء، ولو قال قائل كان غرض الطبيب أن يوجد ألم مرارة الدواء لما حسن ذلك فيمن يقصد الإصلاح. وقيل في بعض كتب الله: «بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي».. فلا يصح التقرب بالمشاق.

    ومن آرائه انه من الممكن تأخير بعض المصالح لما لتعجيلها من مفاسد «فقد أخر الله إيجاب الصلاة والصيام، ولو عجل بهما لنفروا من الد*** في الإسلام».

    – في تحصيل المصالح يراعي الأفضل فالأفضل لقوله تعالى: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه). وقوله (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم).

    وعلى ذلك:

    – فإنقاذ الغرقى مقدم على أداء الصلوات لأنه أفضل عند الله من أداة الصلاة والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة. ومعلوم أن ما فاته من أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك.

    – لو رأى الصائم في رمضان غريقا لا يتمكن من تخليصه إلا بالتقوي بالفطر فإنه يفطر وينقذه. لأن في النفوس حقا لله تعالى وحقا لصاحب النفس، فقد ذلك على أداء الصوم.

    – لا يتقدم في ولاية لحرب إلا أشجع الناس وأعرفهم بمكائد الحرب والقتال، وقد جاء في الحديث الشريف: «من ولي من أمر المسلمين شيئا ثم لم يجتهد ولم ينصح فالجنة عليه حرام.»

    – الأئمة «الحكام» البغاة لا ولاية لهم. وإنما نفدت تصرفاتهم وتوليتهم لضرورة مصلحة الرعايا، وأنه مع غلبة الفجور عليهم لا انفكاك للناس منهم. وأما أخذهم الزكاة فإن صرفوها في مصارفها أجزأت، وإن صرفوها في غير مصارفها لم يبرأ الاغنياء منها. ومصالح الفقراء أولى من مصالح الأغنياء لأنهم يتضررون بعدم أخذ نصيبهم من الزكاة، ولا يتضرر به الاغنياء من تثنية الزكاة.

    – دفع المشقة واجب فيجوز لبس المخيط في الحج وكذلك الطيب والدهن وقلم الأظفار.

    – يجوز التيمم للمشقة كالخوف من حدوث المرض من ماء الوضوء أو خوف إبطال الشفاء. أو إذا غلا ثمن الماء وأصبح الحصول عليه مشقة أو إذا احتاج الإنسان الى ثمنه في سفر أو نحوه.

    – يجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها. كأن يظهر عليه من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها أجاز لها الشافعي أن تتيمم.

    – من أطلق لفظا لا يعرف معناه لا يؤاخذ بمقتضاه كمن لفظ بكلمة الخلع أو الطلاق وهو لا يعرف أحكامها فلا يترتب حكم على ما قال.

    – لو عم الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال، جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات لأنه لو وقف عليها لأدى ضعف العبد واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام.. ويقتصر على ما تمس اليه الحاجات دون أكل الطيبات وشرب المستلذات وشرب الناعمات.. «ولو دعت ضرورة واحدا الى غصب أموال الناس لجاز له ذلك بل يجب عليه إذا خاف الهلاك لجوع أو برد، واذا وجب هذا لإحياء نفس واحدة، فما الظن بإحياء النفوس. فثورة المغصوبين على الغاصب واجبة.»

    – اذا سرق إنسان مالا سرقة موجبة لقطع اليد لم يجب عليه الإعلام أي الإعتراف بالسرقة، بل يخير مالك المسروق بأن له عليه مالا، ويرده إليه أو يعوضه عنه إذا كان قد تلف. ولا يتعرض لذكر السرقة.

    فإن رد السارق المال أو عوضه أبرأه منه المسروق فقد بريء السارق، وإلا وجب قطع يده فهو حد من حدود الله. " اهـ

    الوسائل تسقط بسقوط المقاصد. فلا يجوز ضرب العصبي للصلاة إذا لم يثمر الضرب. فهذا الضرب ينفره من الصلاة.

    إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فادعاه كل منهما، أو ادعى أحدهما الإشتراك في الجميع فإن الشافعي يسوي بينهما نظرا الى الظاهر. وبعض العلماء يخص كل منهما بما يليق به نظرا الى العادة الغالبة. وهذا أصوب فإذا كان الزوج جنديا وادعت الزوجة ملكية السلاح والخيل أو ادعى هو ملكية أدوات زينتها، فإن ما يختص بالرجال يصير للزوج وما يختص بالنساء يصير للمرأة، على خلاف ما يقول الشافعي.

    – إذا اختلف الزوجان في النفقة فالشافعي يجعل القول للمرأة لان الأصل عدم قبضها، ومالك يجعل القول للزوج لأنه الغالب في العادة وقول مالك أحسن.

    – الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهي تحقق مصلحة للأمة، والصلاة التي لا تحقق هذه المصلحة لا جدوى منها ولا يقبلها الله. فالصلاة أمر بالسيرة الحسنة ومكارم الأخلاق.

    – الكذب حرام ولكنه جائز لتحقيق مصلحة.. كالإصلاح بين الناس أو الكذب على الزوجة لتقويمها.

    ولاحظ الشيخ أن بعض المشعوذين ينسبون أنفسهم الى الزهد والتصوف ويسيئون الى الشريعة، ذلك أنهم اقترفوا المنكرات ولبسوا المرقعات، وادعوا أنهم قد سقطت التكاليف عنهم فليبس عليهم صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج..

    وتصدى لهم فسفه سلوكهم، ومدح الأقطاب الكبار من أئمة الصوفية، وكانت له صلات مودة أو معرفة بآراء بعضهم كالشاذلي وأبو العباس المرسي وإبراهيم الدسوقي والسيد أحمد البدوي.

    وكان يحترم هؤلاء ويحض تلاميذه على الإفادة منهم فيقول: «اسمعوا كلامهم فهو قريب العهد بنبع الحقيقة.» وكانوا هم يقولون عنه: «ما من مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين عبد السلام.»

    وشرع وهو يعلم تلاميذه أن «الزهد ليس هو ما يفعله عامة الصوفية الذين يسيئون الى التصوف: لا هو تعذيب النفس ولا لبس المرقعات. وليس الزهد هو خلو اليد من المال ولكن هو خلو القلب من التعليق بالمال. فليس الغنى بمناف لزهد». وقد كان عبد الله بن المبارك والليث بن سعد وهما من أغنى الأغنياء من أزهد الناس.

    وسمى التصوف علم الحقيقة وهم معرفة أحوال الباطن، والشريعة تستغرقه لأنها تتناول الظاهر والباطن جميعا. «فكل حقيقة لا شريعة لها فهي عاطلة، وكل حقيقة لا شريعة لها فهي باطلة. وليست الحقيقة خارجة من الشريعة طافحة بإصلاح القلوب بالمعارف والأحوال. فمعرفة أحكام الظواهر معرفة لجل الشرع ومعرفة أحكام البواطن معرفة لبعض الشرع ولا ينكر ذلك كافر أو فاجر.»

    وهكذا أحسن التوفيق والمزاوجة بين الغصون والشريعة والتصوف. وقال: «الشريعة مجاهدة والحقيقة مشاهدة ولا تباين بينهما إذ الطريق الى الله سبحانه وتعالى بها ظاهر وباطن. فظاهرها الشريعة وباطنها الحقيقة.. والحقيقة والشريعة يجمعهما كلمتان هو قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) فإياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة. قال رسول الله(صلى الله عليه): «العلم علمان علم باللسان وعلم بالقلب.»

    وفرق بين الإسلام والإيمان: «فالإسلام هو قيام البدن بوظائف الأحكام، والإيمان هو قيام القلب بوظائف الاستسلام. والإحسان أن تعبد الله كأنما تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فتكون قائما بوظائف العبودية مع شهوده إياك.» " اهـ

    وكتب عن المحبة الإلهية شعرا جاء فيه:

    ومـدامـعــي تـنـهــل كــالأنــواء
    نـار المحـبـة أحـرقـت أحشـائـي
    بأدمـعـي، يــا مـنـقـذ الـغـرقـاء!
    أنا الحريق بأضلعي وأنا الغريق
    تـزداد وقـدا عنـد فــرط بكـائـي!
    ومـن العجائـب أن نـار تحـرقـي
    هـذا لعـمـري أعـجـب الأشـيـاء!
    فالـنـار والـمـاء الـقــراح تـآلـفـا




    فالمحبة تكمن في ذات المحب وتسلبها صفاتها كما تكمن في النار في ذاتية الماء الحار فأنت تظنه في الصورة ماء يغرق وهو في الحقيقة نار تحرق، فإن قلت أن المحرق هو النار فأين الماء؟! وإن قلت المغرق هو الماء فأين النار؟!

    وللشيخ سبحات صوفية عديدة أودعها كتابه «حل الرموز ومفاتيح الكنوز». وقد عني فيها بشرح الغامض من أقوال شيوخ الزهد والتصوف.

    واستشهد ببعض أقوال الإمام علي كرم الله وجهه وهو إمام الزاهدين: «سئل علي رضي الله عنه: هل عرفت الله بمحمد أو عرفت محمد بالله؟ فأجاب: لو عرفت الله بمحمد ما عبدته ولكان محمد أوثق في نفسي من الله. ولو عرفت محمد بالله لم احتجت الى رسول الله. ولكن عرفني نفسه بلا كيف كما شاء وبعث محمد ا(صلى الله عليه) بتبليغ أحكام القرآن وبيان معضلات الإسلام والإيمان وإثبات الحجة وتقويم الناس على منهج الإخلاص فصدقت بما جاء به.»

    ويعلق الشيخ على هذا: «يستحيل الوصول الى شيء من معرفة الله بغير الله ولا سبيل الى معرفة الله إلا بالله». "

    ويكتب دروسه في التفسير، فتحسن فيها آثار الفكر الإشراقي الذي تعلمه في صباه عن السهروردي.. ومثل ذلك تفسيره للآية الكريمة: (الله نور السماوات والأرض.) قال الشيخ: جاء في الحديث الشريف أن الله خلقهم من ظلمة ثم رش عليهم النور فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل. ويضيف الشيخ: معرفة العبد لربه هو نور الله الذي يقذفه في قلب عبده فيدرك بذلك أسرار ملكه ويشاهد غيب ملكوته ويلاحظ صفات جبروته ثم تنزل قوة إدراكه على مقدار ما أفيض عليه من ذلك النور.


    ثم يفسر سورة العصر بظاهرها فالناس خاسرون إلا في اجتماع فيه أربع أوصاف: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.


    وقال إن الصحابة كانوا إذا اجتمعوا لم يفترقوا حتى يقرأوا: (والعصر. إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر).


    وتحدث في التفسير عن أنواع المجاز في القرآن من مجاز الحذف كحذف اقسم أو المبتدأ أ» الخبر أو بعض حروف الجر، ثم أنواع المجاز المعروفة في علوم البلاغة والبيان، ثم تحدث عن الكتابة في القرآن، وضرب لكل ذلك أمثلة بآيات القرآن مرتبة حسب المصحف. وضمن ذلك كتابه «الإشارة الى الإيجاز في بعض أنواع المجاز».


    وقد ذهب بعض مؤرخي المتصوفة الى أن العز تصوف، ولكن الأستاذ محمد حسن عبد الله ينفي ذلك عنه ويذهب الى أن التصوف يخالف طبيعة الشيخ عز الدين.. وهذا حق فقد كان بعض التصوف في عصر الشيخ هروبا من الواقع، وكان الشيخ من أشد الناس جسارة في مواجهة الواقع، وانشطهم الى تغييره. فقد ظل يواجه عصره ويقاوم مفاسده ويصك المجتمع بمواقف رائعة، وكان الى كل ذلك زاهدا من أولئك الزهاد العظام الذين يفرضون بالقول والموقف والسيرة قيما شريفة فاضلة على مجتمع تمتهن فيه الفضائل ويشقى يه الشرفاء!


    ومهما يكن من أمر الشيخ فقد كتب في التصوف وشرح أحوال الصادقين من المتصوفة، ودافع في شعر له عن سماع الأذكار وأناشيد الصوفية في حلقات الذكر.


    وما كان يمكنه أن يتجاهل تيار يجتاح العصر ولكنه رد التصوف الى أصوله النبيلة في مجاهدة النفس لتتطهر من الهوى فلا تمتلئ إلا بالحقيقة ونور الحق، وتناضل في سبيل الخير وتعمر لدنيا بالحب والعدل والجمال والحرية." اهـ

    "وللشيخ في التصوف شعر حسن، من ذلك قوله:ـ




    أيها العاشق معنى حسننا = مهرنا غال لمن يطلبنا
    جسد مضنى وروح في العنا = وجفون لا تذوق الوسنا
    وفؤاد ليس فيه غيرنا = فإذا ما شئت أد الثمنا
    فافن إن شئت فناء سرمدا = فالينا يفضي الى ذاك الغنى
    واخلع النعلين إن جئت الى = ذلك الحي ففيه قدسنا
    وعن الكونين كن منخلعا = وأزل ما بيننا من بينا
    وإذا قيل من تهوى فقل = أنا من أهوى ومن أهوى أنا


    ومن ذلك قوله في تجلي الله على قلب عبده المؤمن «يشاهده بعين يقينه، ويجليه ببصر بصيرته من غير حلول ولا تحيز ولا انفصال ولا اتصال»:

    ولما تجلى من أحب تكرما = وأشهدني ذاك الجمال المعظما
    تعرف لي حتى تيقنت أنني = اراه بيني جهرة لا توهما
    وفي كل حال أجتليه ولم يزل = على طور قلبي حيث كنت مكلما
    وما هو في وصلي بمتصل ولا = بمنفصل عني وحاشاه منهما



    ومن شعره في العشق الآلهي

    شربت حميا حبكم مذ عرفتكم = على ظمأ مني فزاد تلهبي
    فلا مورد للعالمين كموردي = ولا مشرب للعاقين كمشربي
    لي رتبة تعلو على كل رتبة = ولي منصب يسمو على كل منصب



    وهو يعني رتبته من الزهد، وانشغال قلبه بغير الدنيا، مما جعله فوق الطمع والرغبة في الدنيا، فما يخاف ولا يخاف ولا يرجو إلا الله تعالى، وهذا هو منصبه الديني وهو أعلى من كل منصب دنيوي." اهـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    admin
    مؤسس المنتدى
     مؤسس المنتدى
    admin



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالسبت فبراير 05, 2011 9:35 pm

    " وقال [ ] :

    وكذا ذكره بلاغي وزادي= حبه راحتي وروح حياتي
    كلما عادني بلغت اعتمادي= وإذا ما مرضت فهو طبيبي
    عن حماه فوجهه لي هادي= وإذا ما ضللت ضل ركب
    أو فقل لي ما حيلتي واعتمادي = يا عذيري فكن عليه عذيري
    حبه مذهبي وحسن اعتقادي= إن تلمني أو لا تلمني فإني

    وقال [ ] :

    شهدت بعين القلب ما أنكروا الدعوى= لو شاهدوا معنى جمالك مثلما
    خليع عذار سره في الهوى نجوى= خلعت عاري و هواك ولم يكن
    عيك وطابت في محبتك البلوى= ومزقت أثواب الوقار تهتكا
    وعار على العشاق أن يعلنوا الشكوى= فما في الهوى شكوى ولو فرق الحشا
    ولكنما حكم الهوى غلب التقوى= وكم كنت من خوف الهوى أتقي الهوى

    وقال [ ] من قصيدة طويلة:

    ففيك انطوى العالم الأكبر= لئن كان جزؤك جزءا صغيرا
    وقال [ ] يلوم الذين أساءوا الى التصوف في عصره، من لابسي المرقعات ومرتكبي المنكرات:

    وكلا ولا....
    ليس التصوف عكازا ومسبحة= وتحتها موبقات الكبر والسرف
    وأن تروح وتغدو في مرقعة=عكوفها كعكوف الكلب في الجيف


    وقال فيهم، وفي المخلصين من أهل التصوف:

    زمر من الأوباش والأنذال= ذهب الرجال وحال دون مجالهم
    ساروا ولكن سيرة البطال= زعموا بأنهم على آثارهم
    سبل الهدى بجهالة وضلال= قطعوا طريق السالكين وأظلموا
    وحشوا بواطنهم من الأذعال= عمرو ظواهرهم بأثواب التقى
    همزوك همز المنتهي المتغالي= إن قلت قال الله قال رسوله
    بطرائق الجهال والضلال= تركوا الشرائع والحقائق واقتدوا
    كتخادع المتلصص المحتال= وترصدوا أكل الحرام تخادعا
    متسترين بصورة الأشكال= فهناك طاب المخلصون وأصبحوا
    وجدوا وما بخلوا بفضل نوال= عملوا بما علموا وجاءوا بالذي
    مثل انهمال الوابل الهطال= وعيونهم تجري بفيض دموعهم
    لهم الملوك بعزة الإقبال= تاهوا على كل الملوك وإنهم
    وبها أشعة نوره المتلالي= بوجوههم أثر السجود لربهم
    شغلوا به عن سائر الأشغال= لا ينظرون الى سوى محبوبهم
    عن قصدهم يا خيبة الآمال= واخيبة الآمال إن أقصيتني
    هلا وصلت حبالهم بحبالي= فهم إليك وسيلتي يا سيدي

    كان الشيخ يكتب الكتب بخطه أو يمليها على تلاميذه. وقد جاءه في مصر عدد كبير من علمائها وسمعوا دروسه، ولازموه معجبين بعلمه ومواقفه وغيرته للحق، ودفاعه عن الشريعة وأحكامها لا يبالي في ذلك بشيء ولا يريد إلا وجه الله فأطلق عليه أحد علماء مصر ومتصوفيها وهو ابن دقيق العيد: «سلطان العلماء». وقال عنه: «لقد تحرر من سلطان الفقهاء السابقين، وقاوم سلاطين الزمان فهو سلطان!.». وسماه آخرون شيخ الإسلام
    ." اهـ

    "وتمر السنوات بالشيخ وهو في علمه مطمئن البال آمن السرب يدرس ويخطب ويكتب.. ولكن قارعة تنزل، فتنتزل الشيخ من كل هذا..فقد انتشرت في القاهرة اخبار غزوة صليبية تتجه الى دمياط بقيادة لويس التاسع. فوقف الشيخ تاركا كل أعماله ليدعو كل أفراد الأمة الى الجهاد.


    ولم يعد صوت يرتفع من على منابر المساجد إلا بالدعوة الى الجهاد.. وهجر الشيوخ كتبهم وحلقاتهم وذهبوا جميعا الى دمياط للاشتراك في الجهاد المقدس وانتقل السلطان الى المنصورة ليكون قريبا من ميدان المعركة.. وزحف الفرنج الى المنصورة وهناك انتصر المصريون على الصليبيين الفرنج واسروا قائدهم لويس التاسع ملك فرنسا.


    ومات السلطان في المنصورة ثم تولى مكانه ابن طوران شاه، فقتله مماليك أبيه حرقا وغرقا. وتولت شجر الدر، وقتلت، وتوالى أمراء المماليك بعد سقوط بني أيوب كل يقتل صاحبه ويتولى مكانه!


    وعاد الشيخ الى القاهرة وعاد الشيوخ الى حلقاتهم والجميع يطالبون ملوك المسلمين في كل البلاد بأن يتحدوا ليواجهوا خطر الفرنج وخطر التتار، ولكن بلا جدوى! فما كان يشغل الملوك المسلمين غير زهو السلطان وأبهة الملك!


    وذات صباح روعت الدنيا باستيلاء التتار على بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وألقوا بمكتبها العامرة في ماء دجلة لتختلط الكتب بأشلاء العلماء والفقهاء وآلاف الضحايا الذين قتلهم التتار في وحشية لم يعرف لها التاريخ مثيلا من قبل.


    ومن جديد يطلق لشيخ عز الدين صيحته الى الملوك والأمراء العرب والمسلمين ان يتفقوا فما استباح التتار أرضهم وأعراضهم في العراق إلا لأنهم تفرقوا..!


    وهبت النداءات المخلصة أدراج الرياح.. فزحف التتار الى الشام واستولوا على حلب في طريقهم الى مصر!


    وكان السلطان قطز على عرش مصر، فجمع الأمراء والأعيان والعلماء ليتشاوروا في أمر غزو التتار. ورأى قطز أن الحرب تقتضي مالا كثيرا وخزانة الدولة خاوية، فلابد من فرض ضرائب جديدة على الرعية لتجهيز جيش قوي يصد زحف التتار.


    ووافق الأمراء المماليك على فرض ضرائب جديدة. إلا أن العز ابن عبد السلام قال: «إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم. وجاز أن لا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية والمزركشات... وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص «أحزمة الخيل» الذهبية وآلالات الفضية. ويقتصر كل الجند على سلاحه، ومركوبه ويتساووا هم والعامة.. واما أخذ الأموال من العامة مع إبقاء الأموال والآلات الفاخرة في أيدي الجند، فلا».


    واقتنع السلطان بهذا الكلام فكان الأمر كما قال الشيخ، ولم يقرر السلطان ضرائب جديدة، وبيت الأشياء الثمينة التي يمتلكها الأمراء والجند المماليك وجهز بثمنها جيشا ضخما." اهـ

    كان الشيخ في الثمانين، مضني من مقارعة الخطوب والمكاره ومن السن، فلم يستطع أن يخرج مع الجيش كما خرج الى دمياط، ولكن شباب العلماء والقادرين خرجوا مع الجيش، والتقى الجمعان في عين جالوت فأوقع الجيش المصري بقيادة قطز بالتتار هزيمة منكرة لم تقم لهم بعدها قائمة!


    وفي طريق العودة وثب الظاهر بيبرس على قطز فقتله وتولى مكانه، واستأثر هو بكل ما منحته الجماهير لقائد الجيش المنتصر من إعجاب وترحاب..!


    عاد الظاهر بيبرس الى مصر يتلقى البيعة، فلم يبايعه الشيخ عز الدين بل قال له: «ما أعرفك حرا لأبايعك. وما أعرفك إلا مملوكا للبندقدار. (والبندقدار هو الذي يحمل كيس البندق للسلطان أثناء الصيد). فأنت عبد لا تصلح لتولي لأمر. فالشرط أن يكون ولي الأمر حرا».


    وأثبت الظاهر بيبرس أنه أعتق وأنه قد أصبح حرا، فبايعه الشيخ آخر الأمر بعد أن تأكد بكل الطرق الشرعية أن السلطان حر..


    لم يستقر الظاهر بيبرس على عرشه إلا بعد أن بايعه الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وهو يقترب من الثالثة والثمانين، وقد كبر أبناؤه وأحفاده وأصبح ابنه عبد اللطيف أحد علماء مصر.


    هاهو ذا الشي يخطو وئيدا الى الثالثة والثمانين، وقد تخرج على يده أئمة، وأرسى تقاليد للقضاة والفقهاء والعلماء، وترك ميراثا عظيما من جسارة المواقف.


    ومهما يكن حظه من الفقه، فقد كان داعية الى التجديد، عدوا للتقليد يعيب على أتباع المذاهب تجمدهم عند مذاهبهم حتى حين يبدو لهم الخطأ في بعض الفروع أو الأصول.. وكان يقول لهم: إننا لم نؤمر بتقليد الصحابة فكيف نقلد الأئمة اصحاب المذاهب.؟


    وكان هو نفسه شافعيا ولكنه لم يتقيد بالمذهب الشافعي، وخافه وأخذ بغيره أو اجتهد رأيه بقدر ما استطاع، وبقدر ما سمحت له ظروف عصره.


    وفي الحق أن دعوته أثمرت فعدل بعض المقلدين عن التقليد..


    وإنه الآن ليطرق أبواب الثالثة والثمانين.. لكم مر به من أهوال في قراع الباطل، ومصاولة البغي، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!..

    وآن للشيخ أن يستريح.." اهـ

    "مرض وغلبه الوهن، فأدرك كل من عرفوه أنه مفارقهم، وحدثهم أنه سيفارقهم الى جوار الله عندما يبلغ الثالثة والثمانين، كما تنبأ لنفسه من قبل.


    وعاده السلطان الظاهر بيبرس في مرضه، ورآه يشرف على التلف، فاستأذنه في أن يعين أبناءه مكانه في مناصبه، فقال له الشيخ: «ما فيهم من يصلح، والمدرسة الصالحية للقاضي تاج الدين.»


    وكانت أخبار كراماته قد ذاعت، وكان هو يكذب أن له كرامات.


    فحين أشرف الشيخ على الموت أذاعوا عنه أنه عندما قدم الصليبيون دمياط بقيادة الملك لويس التاسع، وهبت الريح لصالح سفائن الفرنج، دعا الشيخ ربه أن يغير اتجاه الريح، فتغيرت لصالح المسلمين وكان هذا هو سبب الانصار..!!


    وحكوا أن صديقا من ريف مصر اسمه البلتاجي تعود أن يهديه هدايا من خيرات الفلاحين، فأهداه حمل جمل من الهدايا وكان فيها إناء جبن، فسقط في الطريق فانكسر وفسد الجبن، وأخذ حامل الهدية يصرخ، فجاءه رجل رومي فسأله، فحكى له أن الجبن قد فسد، فقال له الرومي: أنا أعطيك خيرا منه، وأعطاه إناء جبن. وعندما وصلت الهدايا الى الشيخ تقبلها ورد إناء الجبن قائلا أنه عرف فيه ريح الخنزير فقد صنعته امرأة رومية متنجسة.


    وكان الشيخ وهو على فراشه يسمع حكايات أخرى عن كرامته، فيغضب وينكر ما يسمع، ويستغفر الله لنفسه وللرواة، ويطالب الناس ألا يبالغوا فيما يحكون عنه فما هو إلا عبد فقير لله عمل جهده ليفيد الناس ويقيم الشريعة ويدافع عن السنة ويميت البدعة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر..


    وبلغ الثالثة والثمانين، فطلب الى أبنائه أن يسندوه الى المدرسة الصالحية التي تعود أن يدرس فيها.. وكان شديد الضعف من المرض، فحاولوا أن يثنوه ولكنه صمم.!!


    وساندوه الى المدرسة، فألقى الدرس..


    كان درسه الأخير، فقد مات في المدرسة وهو يفسر الآية الكريمة: (الله نور السموات والأرض).


    فاضت روحه.. لتعود الى نور السموات والأرض، التي نعمت من فيضه طوال الحياة.


    وشيعته مصر كلها برجالها وأطفالها ونسائها.. وأمر السلطان الأمراء أن يحملوا نعش الشيخ، واشترك معهم السلطان نفسه في حمل النعش.


    وأقيمت له في دمشق جنازة ضخمة وصلوا عليه صلاة الغائب.


    وحين استقر جثمان الشيخ آخر الدهر تحت سفح المقطم، وعاد السلطان اظاهر بيبرس الى قصر ملكه تنفس الصعداء وقال: «الآن استقر أمري في الملك لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس: أخرجوا عليه، لانتزعوا الملك مني»


    لقد صدق الظاهر بيبرس!


    فقد كان الشيخ سلطانا فوق السلاطين!. كان سلطان العلماء! " اهـ




    من كتاب للاستاذ عبد الرحمن الشرقاوي ـ أئمة الفقه التسعة
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    النقشبندى
    إدارة المنتدى
    إدارة المنتدى
    النقشبندى



    العمر : 47
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالإثنين أغسطس 29, 2011 8:23 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ابن الرفاعى
    المشرف العام
    المشرف العام
    ابن الرفاعى



    العمر : 45
    ذكر
    الوسام وسام التميز

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالأربعاء سبتمبر 14, 2011 10:46 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    واكثر من رائع
    بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
    دمت بحفظ الله ورعايته
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    عاشق الصوفية
    نائب مدير الموقع
    نائب مدير الموقع




    العمر : 21
    ذكر
    الوسام وسام الاداره

    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلطان العلماء العز بن عبد السلام    سلطان العلماء العز بن عبد السلام  Emptyالإثنين فبراير 18, 2013 11:07 am

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    نقول لمن كتب هذه السطور
    بعطر والورد والبخور
    وعطرة في أرجائه يجول
    كتبت موضوع في قمة الروعـــــــة
    جزيت خيرا إن شــــــــاء الله

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عاشق الصوفية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    سلطان العلماء العز بن عبد السلام
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » سلطان العلماء أبو محمد العز بن عبد السلام
    »  العز بن عبد السلام
    » العز بن عبد السلام...رضي الله عنه بائع الملوك

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الطريقة النقشبندية العلية  :: السيرة والتراجم والتاريخ :: سيرة ومناقب الاولياء والصالحين-
    انتقل الى:  
    جميع الحقوق محفوظة
    الساعة الان بتوقيت مصر
     ® 
    جميع الحقوق محفوظة لمنتدى الطريقة النقشبندية العلية
    حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010
    موقع الطريقة النقشبندية العلية
    المشاركات المنشورة بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط ولا يتحمّل الموقع أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في منتدي الطريقة النقشبندية العلية  ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    ادارى المنتدى : محمد عبده النقشبندى
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit    

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات