اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الطريقة النقشبندية العلية
دروس وخطب فقة حديث توحيد سيرة تصوف اسلامى اداب و سلوك احزاب و اوراد كتب مجانية تعليم طب بديل واعشاب بخور اسرة وطفولة اكلات قصص واشعار
موضوع: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:07 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 1 يقول عز وجل (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم وَتَرَكَهُم فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُم لَا يَرْجِعُونَ * أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَو شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِم وَأَبْصَارِهِم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة2: 17-20). (مَثَلُهُم) أول سؤال سنسأله لأنفسنا، من هم الذين يتكمل عنهم عز وجل في كلمة (مثلهم)؟ وفيمن ضرب هذا المثل؟ وعلى مَنْ يعود الضمير في هذه الكلمة؟ دعونا نستعرض الإحتمالات بالرجوع لفئات الناس المذكورة في الآيات التي تسبق آيات المثل التي بين أيدينا، نتفكر بها، نتدبرها، نفهمها الفهم الصحيح، ثم نقرر على من يعود الضمير، لنبدأ من أول سورة البقرة:- أولا: في أول خمس آيات من سورة البقرة، بدء عز وجل يتكلم عن أهم فئات الناس ألا وهم (أهل الجنة) حيث وصفهم عز وجل بمجموعة من الصفات فهم (المتقون، المؤمنون بالغيب، المصلون، المنفقون، المؤمنون بالقرآن والكتب السماوية، الموقنون باليوم الآخر، المهتدون، المفلحون) وهؤلاء هم الشق الأول من الناس. ثانياً: ثم في الآية السادسة بدء عز وجل يحدثنا عن الشق الثاني من الناس وهم (الكفار) حيث يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة2: 6)، فالكفار هم الشق الثاني من الناس، فالناس مقسومين لقسمين أساسيين إما (مؤمن) أو (كافر). ثم يبدء عز وجل تقسيم الكفار لأقسام هي: 1. من الآية الثامنة بدء عز وجل يحدثنا عن أقسام (الكفار)، يقول عز وجل (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، ولو أننا إستعنا بسورة الفاتحة في قوله عز وجل (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، سنجد في هذه الآية أنه عز وجل يكلمنا عن ثلاثة فئات من الناس (1. المؤمنون، 2. المغضوب عليهم أمثال اليهود، 3. الضالون أمثال النصارى)، دعونا ننظر للآيات مرة أخرى ونحلل شخصية الجماعة التي يتكلم عنها عز وجل، وأهم سماتهم (يدّعون الإيمان أي أنهم يعرفون الصواب ولكنهم ليسوا بمؤمنين، لماذا؟ لأنهم يخادعون الله والذين آمنوا، ثم إن قلوبهم مريضه وأهم أمراضها الكذب، ألا تستحق هذه الجماعة غضب الله عليها لعلمها بمتطلبات الإيمان ثم مخالفتها لهذه المتطلبات؟ فأغلب هذه الفئة من الناس هي المغضوب عليهم أمثال اليهود. 2. ثم يحدثنا عز وجل عن مجموعة أخرى من الكفار، يقول عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ) فهذه الجماعة مفسدة في الأرض بمعنى أنها تركت كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثم بدأت تفسد حياة غيرها بأن أمرته بترك كلمة التوحيد وإن إستطاعت منعته من توحيد الله، إلا أنها تعتقد أنها تفعل الصواب، فإن قال لها قائل عودي ووحدي الله، قالت نحن على صواب وأنت على خطأ، فمن هي هذ الفئة من الناس، أليست هذه هي الفئة الضالة أمثال النصارى؟ نعم إنهم الضالون الذين أشركوا مع الله آله أخرى والذين ذكرهم الله في سورة الفاتحة. 3. ثم يحدثنا سبحانه وتعالى عن فئة أخرى، أنظروا لقوله عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُم هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَا يَعْلَمُونَ)، وهذه جماعة تظهر الإلحاد جهاراً، فهي تعتبر الإيمان بالله سفاهةً، أي أن المؤمن بالله ووحدانيته سفيه لا يعرف مصلحة نفسه فهو يبذل جهده ويضيّع وقته في عبادة إلهٍ لا وجود له. 4. ثم يأتي ذكر الجماعة الرابعة من جماعات الكفر في قوله عز وجل (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم)، ومن الواضح أن هذه الفئة من الناس هم المنافقون، الذي يظهرون الإيمان أمام المؤمنين، والكفر أمام الكفار، فهم مذبذبين بين اولئك وهؤلاء. ثم يأتي إجمال حكم هؤلاء الجماعات الأربعة بقوله عز وجل (وَيَمُدُّهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، فكلمة (أولئك) تعود على المجموعات الأربعة من (1. المغضوب عليهم أمثال اليهود. 2. الضالين المشركين أمثال النصارى. 3. الملحدين. 4. المنافقين)، أو بإختصار تعود على (الكفار)، الذين جاء ذكرهم في الآية رقم 6 في قوله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ومن هنا فإن الضمير في كلمة (مثلهم) التي بين أيدينا تعود على (أولئك) في الآية التي تسبقها، وكلمة (أولئك) تعود على (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ويعزز هذا الفهم، قوله عز وجل في الآية رقم 19 (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)، قال بالكافرين ولم يقل (بالمنافقين). الواقع الذي ضُرب به المثل حال الأن وقت البحث عن الواقع الذي ضرب به المثل، فلكل مثل حقيقة وتشبيه، والآيات التي بين أيدينا هي التشبيه، فأين الواقع الحقيقي الذي ضرب به هذا المثل؟ علينا كي نجد الواقع أن نعود من جديد للجماعة التي ضرب بها المثل والبحث فيها والتي ذكرت في الآية رقم 6، حيث يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ)، فماذا سنجد، لاحظ أنه عز وجل قد وصف هذا القسم من الناس بأنهم كفار وذلك قبل الإنذار، (إن الذين كفروا)، أي أنهم كفار أصلاً وقبل إنذار الرسول لهم، فهو عز وجل يقول لمحمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء كفار، وسيبقوا كفار، حتى لو أنك أنذرتهم، لن يؤمنوا لأنهم كفار، والسؤال، متى كفر هؤلاء الناس؟ وكيف هم كفار قبل إنذار الرسل لهم؟ أما الجواب فسنجده في قوله عز وجل في سورة الأعراف (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ * أَو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِم أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)، هذه الآيات تنقل المشهد إلى السماوات قبل هبوط آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأرض، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة جاء (إن الله جل وعز لما خلق آدم مسح ظهره فجرت من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ونزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حوى، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين قال ثم أقبس كل نسمة رجل من بني آدم بنوره في وجهه وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام ثم عرضهم على آدم فقال يا آدم هؤلاء ذريتك فإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام فقال آدم لم فعلت هذا بذريتي قال كي يشكروا نعمتي يا آدم فقال آدم عليه الصلاة والسلام يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا قال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يا آدم من ذريتك قال فمن هذا الذي أراه أظهرهم نورا قال هذا داود يكون في آخر الأمم قال يا رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال يا رب كم جعلت عمري قال كذا وكذا قال يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة قال أتفعل يا آدم قال نعم يا رب قال نكتب ونختم إنا إن كتبنا وختمنا لم نغير قال فافعل يا رب قال رسول الله فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ألم يبق من أجلي أربعون سنة قال ألم تعطها ابنك داود قال لا قال فكان أبو هريرة يقول فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته قال محمد بن شعيب وأخبرني أبو الحفص عثمان بن أبي العاتكة أن عمر آدم كان ألف سنة)، ما يهمنا في هذا الموضع من هذا الحديث هو الترتيب الزماني الذي جاء فيه أن الله أقبس كل نسمة من الذرية بنورها، فقد كان إقتباس النور بعد أن عرض علينا عز وجل حمل الأمانة بقول (لا إله إلا الله)، وهذه الأمانة كانت خيارية ولم تكن إجبارية، فعز وجل يقول في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب33: 72)، فبمجرد أن قبلنا حمل الأمانة أقبسنا الله نوراً أنار به قلوبنا، أما في راوية أبي بن كعب في الحديث الحسن جاء (في قول الله –عز وجل- : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم؛ قال: جمعهم فجعلهم أزواجا، ثم صورهم فاستنطقهم، فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، قالوا: بلى، قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئا؛ إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا بذلك، ورفع عليهم آدم –عليه السلام– ينظر إليهم، فرأى الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: رب! لولا سويت بين عبادك! قال: إني أحببت أن أشكر، ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور، خصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة، وهو قوله –تبارك وتعالى- : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم – إلى قوله - : عيسى ابن مريم؛ كان في تلك الأرواح، فأرسله إلى مريم –عليهما السلام- . فحدث عن أبي: أنه دخل من فيها)، وأهم ما نريده الآن من هذا الحديث هو وعد الله بإرسال الرسل والكتب السماوية للناس بعد هبوطهم للأرض وهذا مصداق لقوله عز وجل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء17: 15). فخلاصة الواقع الذي ضرب به المثل، أن الله أخذنا من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام وخاطبنا وحملنا أمانه كلمة التوحيد وأخذ منا العهد والميثاق أن نبقى عليها ونحن قبلنا حمل الأمانة فأنار لنا قلوبنا بنور الإيمان، وتكفل لنا بالرزق، ووعدنا عليها الجنة، ووعدنا بإرسال الرسل والكتب السماوية إن نحن نسينا لتذكيرنا.
ملك روحي مراقبة عامة
العمر : 47
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:08 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 2
الأن نسأل أنفسنا، عن سبب التحول في المثال من إستخدام صيغة الجمع لصيغة الإفراد، مع أن الطبيعي في اللغة أن نقول (مثلهم كمثل الذين) أو أن نقول (مثله كمثل الذي) ونحن نعلم أن قول الله حق، يقول عز وجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام6: 73)، فلا بد لهذا التحول من فوائد علينا البحث عنها وتدبرها، ومن الفوائد التي أراها في هذا التحول:-
1. من واقع المثل قلنا أن الله سألنا (ألست بربكم) ونحن أجبنا (بلى شهدنا)، فهنا يوجد طرفان (الله جل جلاله) من جهة وهو واحد أحد فرد صمد، (والذرية كلها) من جهة أخرى، وهم كثيرو العدد بالمليارات، وربما بآلاف المليارات، وخطاب الله كان خطاباً واحداً للجميع، وإجابات الذرية (بلى شهدنا) كانت من كل فرد منها، الآن كيف نتأكد أن كل فرد قال (بلى)؟ فلربما قال بعضهم أو حتى أحدهم (لا) ولكن صوته ضاع بين هذه الإجابات الكثيرة! وكان مجمل الإجابة، أو الصوت الواصل يدل على (بلى)؟! لما قال عز وجل (مثلهم كمثل الذي) أرد لنا أن نعلم أن سؤاله كان للجميع، ولكن الإجابة أخذها من كل فرد من هذه الذرية وكانه كان يتعامل مع كل شخص منهم معاملة خاصة، فهو عز وجل قادر على أن يتعامل مع كل الذرية بنفس اللحظة وكأنه يتعامل مع كل شخصٍ بذاته وبصفةٍ خاصة.
2. يتكلم عز وجل في هذا المثل عن (الذين كفروا) كما قلنا، وهم شقٌ من شقيّ الناس، فهناك شق ثاني من الناس هم (المؤمنين) كما أسلفنا، ومع أن المثل خاص بالكفار، إلا أن المؤمنين متواجدين كجزء من (الناس)، فالناس خليط من (المؤمنين) و (الكفار)، والكفار هو السواد الأعظم من تركيبة الناس، يقول عز وجل (قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس80: 17) ويقول (وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ34: 13). وفي هذا فائدة عظيمة، حيث أنه عندما يتكلم عز وجل عن الكفار وصفاتهم وأعمالهم من خلال آيات القرآن الكريم، فكأنه يخاطبنا عز وجل نحن المؤمنين قائلا لنا (لا تفعلوا فعلهم، ولا تكونوا مثلهم، ولا تسيروا على نهجهم، إحذروا أن ترتكبوا المعاصي التي يرتكبوها) وفي هذا تعليم وتنبيه ونصح وإرشاد وتفهيم منه عز وجل.
3. بالعودة للواقع الذي ضُرب به المثل، حيث أخذ عز وجل الذرية وخاطبها، فإنه عز وجل خاطب كل الناس المؤمنين والكفار، لذلك كان لا بد من أن يترك لنا عز وجل إشارات في هذه الآية تدلنا متى يتكلم عن الكفار، ومتى يتكلم عن الناس أجمعين المشتملين على المؤمنين، وفي هذه الآيات فقد إستخدم عز وجل كلمات بالإفراد وكلمات بالجمع لهذه الغاية، فحيثما وجدنا كلمة بصيغة الجمع فإنها تتكلم عن (الكفار وحدهم) وحيثما وجدنا كلمة بالإفراد فإنها تتكلم عن كل الناس (المؤمنين والكفار)، تعالوا نتتبع هذه الكلمات في هذه الآيات:-
· مَثَلُهُم: إن الذين كفروا، أي الذي كذبوا بقولهم بلى شهدنا، وهؤلاء الكفار الذي إجترءوا الكذب على الله، من المؤكد أنهم سيكذبوا على المرسلين ويكذبوهم وسيكذبوا بالكتب السماوية، وسيكذبوا على المؤمنين ويكذبوهم، لذلك قال عز وجل لمحمد عليه الصلاة والسلام (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ)، وبكذبهم على الله وعلى المرسلين وبتكذيبهم للكتب السماوية والمؤمنين إستحقوا عذاب الله يقول عز وجل (وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة2: 10).
· كَمَثَلِ الَّذِي: (الذي) بالإفراد دلت على كل الناس (قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف7: 172) أنك الله وأنك الحق وأنه لا إله إلا أنت ولا رب إلا أنت (شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك).
· اسْتَوْقَدَ نَاراً: (إستوقد) بالإفراد دلت أن كل الناس أنارت قلوبهم بضوء كلمة التوحيد لما قالوا (بلى)، الصادق منهم أو الكاذب. (أقبس كل نسمة رجل من بني آدم بنوره في وجهه).
· فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَوْلَهُ: (حوله) بالإفراد دلت على أن هذا النور يضيء طريق كل الناس فهو الفطرة التي جبلنا عليها سبحانه وتعالى وخلقنا بها، فكلنا يعلم أن الله حق وأنه صاحب وخالق كل شيء، جاء في صحيح البخاري (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها. قالوا: يا رسول الله: أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين)، فقد جبلنا عز وجل على معرفته ووحدانيته، لذلك حذرنا عز وجل من الشرك وأنه لن يقبل منا الأعذار بهذا الشأن يقول عز وجل (أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ * أَو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِم أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف7: 172-173).
· ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم: كُفر الكفار بآيات الله ورسالات الرسل والكتب السماوية هو الذي ينكت على قلوبهم حتى يغشى هذه القلوب، (وَعَلَى أَبْصَارِهِم غِشَاوَةٌ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة2: 7)، وتتراكم هذه الأغشية حتى تصبح أغلفة تغلق القلب (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِم فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة2: 88)، وتتراكم الأغلفة حتى تصبح أغطية (الَّذِينَ كَانَت أَعْيُنُهُم فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (الكهف18: 101)، وتتراكم الأغلفة حتى تصبح أكنة (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِم وَقْراً وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا) (الأنعام6: 25)، (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِم وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِم نُفُوراً) (الإسراء17: 46)، (وَمَن أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِأَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِم وَقْراً وَإِن تَدْعُهُم إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (الكهف18: 57)، وتتراكم الأكنة حتى تصبح ران يمنع النور في قلوبهم من إنارة الطريق لهم فلا يعود بإمكانهم أن يروا الله وعظمة الله فيما يسمعوا ولا فيما يبصروا ولا يعودوا يذكروه ويسبحوه ويعظموه ويهللوه كلما إستشعروا نعمة من نعم الله عليهم، (كَلَّا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين83: 14)، وفي صحيح الترمذي جاء عن أبو هريرة عنه أنه قال (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
· وَتَرَكَهُم فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ: فالعيون التي منحنا إياها عز وجل، هذه النعمة العظيمة مقصدها أن نبصر آلاء الله وآياته في أنفسنا ومحطينا، في الأرض، في السماء، في كل شيء، يقول عز وجل (أَلَهُم أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَم لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَم لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَم لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُم ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ) (الأعراف7: 195)، فإن نحن شاهدنا هذه الآيات ولم نستدل منها ولم نتذكر بها وحدانية الله وربوبيته وعظمته فإن هذه العيون لم تؤدي المهمة الحقيقة منها، يقول عز وجل (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف7: 179)، وبالإصرار على كفر النعمة لله تكون النهاية الحتمية للكفار أن يصلوا لمرحلة عمى القلب فلا يبصروا الله وعظمته. يقول عز وجل (وَيَمُدُّهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ) (البقرة2: 15). ولقاء عمى القلب في الدنيا سيُعمي الله أبصارهم يوم القيامة، يقول عز وجل (وَمَن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَد كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه20: 124-126).
ملك روحي مراقبة عامة
العمر : 47
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:09 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 3
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) وهذه الكلمات أيضاً بالجمع، وبحسب القاعدة التي تكلمنا عنها سابقاً (أن الكلمات في هذه الآيات والتي تكون بالجمع تعود على (الكفار)، وأما الكلمات التي تكون بالإفراد فتعود على (كل الناس))، فعليه فإن هذه الكلمات (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) تعود على (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) في الآية رقم 6، وكما قلنا، فإن هؤلاء الكفار الذين منحهم الله الحواس في أجسادهم وذُكر منها على سبيل المثال السمع والبصر، كونهما أعظم حاستين من حواسهم، ينبهنا عز وجل ويذكرنا أن مقصد هذه الحواس هو أن نتذكره بها سبحانه وتعالى، وكي تبقى هذه الذكرى حية في آذهاننا وحاضرة أمامنا فقد جعل عز وجل كل خلقه آياتٍ بيناتٍ تدل عليه وعلى عظمته سبحانه وتعالى، فآيات الله موجودة في أنفسنا وفي الطعام وفي الماء وفي الشجر وفي الحجر وفي الهواء وفي الأنهار وفي البحار وفي السماء وفي الكواكب وفي النجوم، باختصار فإن آيات الله موجودة في كل شيء، فعلينا عندما نستشعر أي آية من هذه الآيات عبر أي حاسة من الحواس التي انعم علينا بها، علينا أن نتذكره سبحانه وتعالى ونستشعر عظمته وبالتالي ندرك ضعفنا، ونتذكر أن الله هو خالق كل شيء ومالك كل شيء ومبدع كل شيء وأن كل شيء هالك إلا وجهه، وأننا عائدون له لا محالة، وأنه سيسألنا ويحاسبنا على كل ما عملناه في الدينا، فإن كنا من العقلاء الباحثين عن خير أنفسهم، فإننا كلما سمعنا كلمة وكلما رأينا صورة تذكرنا بها الله وتذكرنا بها العهد الذي كان بيننا وبينه سبحانه وتعالى فنقول عندها من قلوبنا ومن أفئدتنا (لا إلله إلا الله) أو ما يدل عليها من تسبيح أو حمد أو تكبير أو تعظيم أو إسترجاع أو إحتساب، نقولها بصدق وإخلاص، ثم نستقم ونتصرف بناءاً عليها فتتوافق كل أقوالنا وأفعالنا مع حقيقة وحدانية الله، فنكون بهذا قد خالفنا الكفار في كفرهم، يقول عز وجل (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِأَيَاتِ رَبِّهِم لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً). (الفرقان25: 73).
(صُمٌّ) والاصم هو الذي لا يسمع بتاتا، بخلاف الأطرش الذي قد يسمع قليلاً إن أنت ضخمت له الصوت، فنحن نقول حجرٌ أصم، ونقول عن سدادة القنينة (صمام) وكذلك نقول (صمام أمان)، فالكافر -وبخلاف المؤمن- عندما يسمع صوتاً لآيةٍ من آيات الله، سواءاً أكان صوتَ إنسانٍ أو طائرٍ أو دابةٍ أو ريحٍ أو شجرٍ أو حجرٍ أو ماء أو أي صوتٍ آخر فإنه لا يتذكر الله بهذا الصوت، وبهذا فإن حاسة السمع التي منحه إياها عز وجل ما قامت بعملها المهم والمعتبر وهو تذكر الله، وتذكر العهد، والإستقامة لأوامر الله والإنتهاء عن نواهييه، فكان هذا الكافر بحكم الأصم عند الله، مع أنه يسمع، ويقول عز وجل (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (الأنعام6: 39). ويقول (أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَو ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). (الحج22: 46)، بمعنى أن كل الفوائد الآخرى التي يتحصل عليها الكافر من سمعه في الدنيا مع إنكاره وحدانية الله ستصبح سبباً في حصرته يوم القيامة، يقول عز وجل (قَد خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُم يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُم عَلَى ظُهُورِهِم أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ). (الأنعام6: 31)، ويقول (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ). (الزُمر39: 56).
(بُكْمٌ) والأبكم هو الذي لا يعرف مصلحة نفسه ولا يعرف كيف يقوم بتفهيم حاجته لغيره، فالبكم علة بجهازين، جهاز (العقل) وهو الفؤاد وهو محط العقل والفهم وجهاز (النطق) بوحداته المختلفة الذي يقوم بنطق الكلمات، وهذا بخلاف الأخرس الذي يعقل مراده ويعرف حاجته ولكنه لا يستطيع نطق الكلمات المعبرة عن حاجته لعلة في جهاز النطق، فيستعيض عن نطق الكلمات بإستخدام الإشارة، وقد توسط البكم بين الصمم والعمى لعلاقته الوثيقة بما قبله وما بعده، فالأصم هو الذي يسمع ما يدله على الله وعظمته ومن المفترض أن يسبح الله ويعظمه ما أن يسمع ما دله على الله، ولكن لمرض في قلبه كعلة الأبكم في فؤاده فإنه يبقى صامتاً مغطياً لنعمة الله عليه، فعدم الشكر هنا هو كفر، يقول عز وجل (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان67: 3)، وهذه العلاقة بين الصمم والبكم هي نفسها العلاقة بين العمى البكم، فالأعمى هو الذي يرى آيات الله الدالات على عظمته ولكنه لا يذكر الله ولا يعظم الله ويغطي هذه النعمة بكفره.
(عُمْيٌ) والأعمى هو الذي لا يرى بالكلية بخلاف الكفيف الذي قد يرى بصيص النور من خلف علته المانعة للرؤية، فعندما نقول أن هذا الإنسان يحيى على الكفاف، نعني أن لديه القليل الذي يعيش عليه، فهو عز وجل يشبه حال الكافر الذي يرى ولا تذكره الصور التي يراها بذات الله وعظمته والعهد الذي بينه وبين الله، يشبهه بحال الأعمى الذي لا يرى بتاتاً، فكل الصور التي رآها في حياته ستكون سبباً لحصرته في الآخرة لقاء تكذيبه بوحدانية الله، يقول عز وجل (قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ). (الأنعام6: 104)، ويقول (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَيَاتِنَا إِنَّهُم كَانُوا قَوْماً عَمِينَ). (الاعراف 7: 64). ويقول (أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَو ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). (الحج22: 46).
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) على المجاز في الدنيا وعلى الحقيقة في الآخرة يقول عز وجل (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الأَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً). (الإسراء17: 72). ويقول (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِل فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِم عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُم جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَت زِدْنَاهُم سَعِيراً). (الإسراء17: 97). ويقول (وَمَن أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَد كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى). (طه20: 124-126).
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:11 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 4
(فَهُم لَا يَرْجِعُونَ) قلنا أن مقصد الحواس التي أنعم الله بها علينا هو إستشعار آيات الله في كل شيء ثم تذكر العهد الذي بيننا وبين الله، ثم الإستقامة على الصراط المستقيم في اتباع أوامر الله والإنتهاء عن نواهيه، وعدم تذكر هذا العهد من هذه الآيات هو بمثابة كذب من هذا الإنسان على الله، يقول عز وجل (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (الأنعام6: 39). فالمعاصي وعدم الطاعة كلها أفعال تدل على تكذيب العبد بالعهد الذي بينه وبين الله، لذلك أعقب عز وجل قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ) أعقبه بعد عدة آيات بقوله (فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، فكانت كلمة (يكذبون) تفسيراً وتوضيحاً لكلمة (كفروا)، والكذب هو أخطر أمراض القلوب على الإطلاق، ولا يصح للمسلم أن يكون كاذباً، فالكافر مكذب بآيات الله، وهذا التكذيب يؤدي إلى اسوداد قلبه كما قلنا، يبدء الامر بالنكات ثم يتسع ليصبح غشاء فأغشية فأغلفة فأغطية فأكنة، فإن لم يستغل العبد فرص الله الممنوحة له من الله بالإستغفار والتوبة والعودة، يُطبع على قلبه، بمعنى أن عدم طاعته لله وأن معصيته لله يصبحان أمران طبيعيان يقوم بهما بلا تأنيب ضمير فلا تقوى في النفس تلومه على ما يفعله، فإن وصل لهذا الحد وطبع على قلبه يغلف هذا القلب بهذا الران السميك المانع لنور القلب من إنارة الطريق له، فلا مجال للعودة للصراط المستقيم، يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُم وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (آل عمران3: 90)، ويقول (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُم سَبِيلاً) (النساء4: 137). وحتى نفهم ماهية عدم قبل التوبة وماهية إنغلاق باب المغفرة والهداية لا بد لنا من فهمٍ صحيح لكل من الختم والطبع، وكنا قد تكلمنا عن الفرق بين الختم والطبع بالتفصيل في مطوية 20/2/2009م ومما قلناه أنه جاء في كتاب الفروق اللغوية للعساكري (أن الطبع أثر يثبت في المطبوع ويلزمه فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم، ولهذا يقال طبع الدرهم طبعا وهو الأثر الذي يؤثره فيه فلا يزول عنه، كذلك أيضا قيل طبع الإنسان لأنه ثابت غير زائل، وقيل طبع فلان على هذا الخلق إذا كان لا يزول عنه، وقال بعضهم: الطبع علامة تدل على كنه الشئ قال وقيل طبع الإنسان لدلالته على حقيقة مزاجه من الحرارة والبرودة قال وطبع الدرهم علامة جوازه). بمعنى أن الختم هو انغلاق القلب نتيجة المعاصي في حين لا زال طريق العودة للطاعة بالتوبة والاستغفار مفتوحاً، أما الطبع فيدل على أن المعصية أصبحت متأصلة في فاعلها فهي طبعه وهي طبيعته، ولا يستطيع تركها أو العودة عنها. وما سنحاوله في هذه المطوية هو تبيان العلاقة بين الختم والطبع، وسأبدأ بالنتيجة ثم سنراجع هذه النتيجة في آيات الله التي ذَكرت الختمَ والطبعَ مع الكفارِ والمنافقين والظالمين والمعتدين والمتكبرين الجبارين، ذلك أن الختمَ يأتي مع هؤلاء الذين عاشوا ولم يكن بين ظهرانيهم رسلٌ أو أنبياءٌ أو كتابٌ سماوي أو أنه تم تحريف كلام الله في الكتاب الذي بين أيديهم، أما الطبع فيكون على قلوب هؤلاء الذين كان بين ظهرانيهم رسول أو نبي أو كتاب سماوي سليم من التزوير والتحريف كما هو الحال مع القرآن الكريم.
آيات الختم مع الكفار دعونا الآن نلقي نظرة متأملة ومتدبرة للآيات التي جاء فيها ذكر الختم على قلوب هؤلاء الكفار:- يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَعَلَى سَمْعِهِم وَعَلَى أَبْصَارِهِم غِشَاوَةٌ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ). (البقرة 2: 6-7). لاحظ أن الكفر سبق الإنذار، فالختم قبل الإنذار، أي قبل رسالة محمد ،ويقول عز وجل (قُلْ أَرَءَيْتُم إِن أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُم وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَن إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُر كَيْفَ نُصَرِّفُ الأَيَاتِ ثُمَّ هُم يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِن أَتَاكُم عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَو جَهْرَةً هَل يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَن ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُم يَحْزَنُونَ). (الأنعام6: 46-48). لاحظ أن قول الله عز وجل (وما نرسل المرسلين) كان بعد الختم، أي أن الختم كان قبل مجيء المرسلين، ويقول عز وجل (أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ إِن هُم إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُم إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِأَبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). (الجاثية45: 23-25)، لاحظ قول الله عز وجل (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا) التي تدل على كتاب سماوي من عند الله وقد جاءت بعد الختم، أي أن الختم كان قبل وصول هذه الكتب السماوية.
آيات الطبع مع الكفار يقول عز وجل (فَبِمَا نَقْضِهِم مِيثَاقَهُم وَكُفْرِهِم بِأَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِم قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِم فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً). (النساء4: 155)، لاحظ قوله عز وجل (وقتلهم الأنبياء) الذي يدل على أن الطبع كان بوجود الأنبياء، ويقول عز وجل (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُم رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ). (الاعراف7: 101). لاحظ قوله عز وجل (جاءتهم رسلهم) الدالة على أن الطبع كان بوجود الرسل، ويقول عز وجل (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِم فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ). (يونس10: 74). حيث من الواضح أيضا أن الطبع كان من بعد بعث الرسل، ويقول عز وجل (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الأَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَسَمْعِهِم وَأَبْصَارِهِم وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). (النحل16: 106-108). فقوله عز وجل (من بعد إيمانه) يدل على وجود الأنبياء أو المرسلين أو الكتاب السماوي السليم، ويقول عز وجل (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِأَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن أَنتُم إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (الروم30: 58-059)، ففي هذا الآية ذُكر القرآن الكريم صراحةً، فالطبع كان بوجود هذا الكتاب السماوي المبارك المحفوظ، ويقول عز وجل (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُم كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ). (غافر40: 35)، فقوله عز وجل (وعند الذين ءامنوا) إنما يدل على وجود الإيمان لوجود رسولٍ أو نبيٍ أو كتابٍ سماوي، ويقول عز وجل (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُم ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لَا يَفْقَهُونَ). (المنافقون63: 3)، وهذه الآية تبين بشكل واضح وجود رسول بين أظهر هؤلاء الذين طبع على قلوبهم. وبهذا تظهر لنا العلاقة ما بين الختم والطبع، فكلاهم إغلاقٌ للقلب، ولكن الختم هو إغلاق لقلب الكافر في وقت لم يكن في حياته رسول يدله أو نبي يذكره أو كتاب يهديه، أما الطبع فهو إغلاق لقلب الكافر مع أن هناك رسول أو نبي معاصر له أو كتاب بين يديه، ولأن الله قال (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء17: 15)، فقد كان لمن ختم قلبه بالمعاصي وأصبح على قلبه ران كان له مجال للتوبة، ولكن من كان يعصي في حياة رسول أو نبي يدله ويرشده أو بين يديه كتاب سليم أو محفوظ يهديه بلا إستغفار وبلا توبة وإستمر بالمعاصي حتى أصبح على قلبه هذا الران فلا مجال لعودته ولا مجال لتوبته.
(فَهُم لَا يَرْجِعُونَ) – تعود على من خُتم على قلوبهم مع أن كلاً ممن ختم على قلبه أو من طبع على قلبه لا يستطيع بذاته العودة للحال الأولى التي خلقه الله عليها من تلقاء نفسه بل يجب أن يعيده خالقه لهذه الحالة، إلا أننا وبالرجوع للآيات التي تسبق هذه الآية سنجد أن الله قد جاء على ذكر (الختم)، في قوله عز وجل (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَعَلَى سَمْعِهِم وَعَلَى أَبْصَارِهِم غِشَاوَةٌ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ولم يأتي على ذكر (الطبع)، مما يدل على أنه قوله (فهم لا يرجعون) إنما تعود على أن هؤلاء الكفار الذين قالوا لله (بلى) في السماوات وقالوها كذباً، فكان هذا الكذب على الله هو أكبر المعاصي على الإطلاق وكانت نتيجته أن خُتمت قلوبهم، وما كان بإمكانهم أن يتوبوا أو يأبوا أو أن يُغفر لهم، واستحقوا على هذا الكذب العذاب الأليم في نار جهنم، وما عاد بيدهم حيلة ليرجعوا عما فعلوا، إلا أن كرم الله ورحمته سبقت عذابه فأعطاهم الفرصة بقوله (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)، فأنار الله قلوبهم من جديد وأعطاهم فرصةً أخرى بأن أهبطهم إلى الأرض يروا آيات الله ويختبروها، وتأتيهم رسله وأنبياءه وكتبه، فكانت هذه حياة جديدة وفرصة ثانية برحمته عز وجل.
ملك روحي مراقبة عامة
العمر : 47
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:12 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 5
(أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ)
خلاصة القول من كلام الله لغاية الآن (إن الذين كفروا... ختم الله على قلوبهم... فهم لا يرجعون)، نعم لوحدهم لا يرجعون فقد خُتمتْ قلوبهم برانٍ غليظٍ أخرجهم من دائرة النور والهداية وأعادهم الظلمات والضلال الذي ابتدءوا منه كما جاء في الحديث القدسي (كلكم ضال إلا من هديت)، ولكن هذه القلوب لم تقفل بعد، فمن رحمته عز وجل التي سبقت عذابه، فقد قال (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)، فكانت هذه الآية بمثابة الفرصة الثانية التي منحها سبحانه وتعالى لهؤلاء الكفار، وهذا هو المدخل لفهم معنى قوله عز وجل (أو كصيب من السماء)، فبعد أن قال (فهم لا يرجعون) التي دلت على أن قلوبهم قد ختمت، جاءت الرحمة بقوله (أو كصيب من السماء)، ومن النتيجة التي توصلنا لها في المطوية السابقة في المقارنة التي عقدنها بين الختم والقفل، حيث توصلنا إلى أن الختم يكون بعد نسيان العهد وعدم تذكره من خلال آيات الله في أنفسنا وفيما يحيط بنا في حين أن القفل يكون بعد إنذار الرسل والأنبياء والكتب السماوية السليمة من التحريف، كل هذا يقودنا لفهم الشبه في المثل في قوله عز وجل (أو كصيب من السماء) حيث أنه عز وجل يشبه بعثة وإرسال الرسل والأنبياء والكتب السماوية بالماء النازل من السماء، الماء يعمل على إحياء الأرض بعد موتها، والأنبياء والرسل والكتب السماوية تعمل على إحياء قلوب الكفار بعد موتها بجلاء ما ران عليها من معاصي وآثام.
الآيات القرآنية التي تظهر كيفية إحياء الماء للأرض الميتة
إذن، فبعد أن ماتت قلوب الكفار بتكذيبها بآيات الله الكونية، جاءت بعثت الرسل والأنبياء والكتب السماوية، ودبت الحياة في قلوب الكفار من جديد، فالأنبياء هداة مهدين يهدون للصراط المستقيم وعلينا الإقتداء بهم للوصول لطريق الهداية، يقول عز وجل (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه قُلْ لَّا أَسْئَلُكُم عَلَيْهِ أَجْراً إِن هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام6: 90)، وفيما يلي بعض من الآيات التي تبين كيفية عودة الكافر لحالة العمى والصمم من خلال تكذيب رسالة رسوله، يقول عز وجل (قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ). (الأنعام 6: 104). ويقول (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِم رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُم رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُم فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). (المائدة5: 70-71). ويقول (وَمِنْهُم مَن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَو كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ). (يونس10: 42). ويقول (وَمِنْهُم مَن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَو كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ). (يونس10: 43). ويقول (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِم إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِأَيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ). (النمل27: 81-82). ويقول (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). (الروم30: 52). ويقول عز وجل (وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِم إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِأَيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ). (الروم30: 53). ويقول (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَو تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). (الزخرف43: 40).
أيضاً التكذيب بالكتب السماوية تعيد الكافر لحالة الصمم والعمى
بين لنا عز وجل في كثير من الآيات أن الكتب السماوية هي هدى للناس، وفيما يلي بعض آيات القرآن الكريم التي تظهر عودة الكفار لحالة الصمم والبكم والعمى نتيجة إعراضم عن الكتب السماوية، يقول عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَو كَانَ ءَابَاؤُهُم لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُم لَا يَعْقِلُونَ). (البقرة2: 170-171). ويقول (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُم إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وَءَاتَانِي رَحْمَةً مِن عِندِهِ فَعُمِّيَت عَلَيْكُم أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُم لَهَا كَارِهُونَ). (هود11: 28). ويقول (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ). (الأنبياء21: 45). ويقول (وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْءَاناً أَعْجَمِياً لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَت ءَايَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي ءَاذَانِهِم وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ). (فصلت41: 44).
القرآن الكريم هو آخر سلسلة الهداية لفض ختم قلب الكافر
لقد أرسل عز وجل الكثير من الأنبياء والرسل والكتب السماوية، وكانت رسالة كل رسول تنسخ رسالة من سبقه من الرسل، وكان كل كتاب ينسخ ما سبقه من الكتب، حتى انتهى المطاف برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان خاتم الأنبياء والمرسلين، وكان القرآن الكريم ناسخ كل الكتب السابقة، وبموته ، لم يبقى للكفار إلا القرآن الكريم يهديهم ويفض الختم الذي على قلوبهم، فمثلاً يقول عز وجل (أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء21: 30)، ولأن القرآن سيبقى ليوم القيامة، كان هناك حاجة لأن يُحفظ هذا الكتاب الخاتم من عبث العابثين والمحرفين، يقول عز وجل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر15: 9)، فهذا الكتاب سيبقى كتاب الهداية لآخر الزمان، وفي أول آيتين من سورة البقرة أظهر لنا عز وجل أن هذا القرآن الكريم المحفوظ هو كتاب الهداية، فلا يؤخذ بأي كتاب بمجيئه ولا هدى بغيره، يقول عز وجل (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة2: 1-2)، فنحن مع إيماننا بباقي الكتب السماوية إلا أننا لا نأخذ إلا بالقرآن الكريم، وفي الحديث الشريف عن القرآن الكريم، يقول (طرفه بأيدكم وطرفه بيد الله)، ويقول (القرآن هدى من الضلال وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار) وذات يوم (ذكر رسول الله الفتنة فقلنا: "يا رسول الله كيف الخلاص منها؟" فقال : "بكتاب الله، فيه نبأ من كان قبلكم، ونبأ من كان بعدكم، وحكم ما كان بينكم، وهو الفصل وليس بالهزل، ما تركه جبار إلاّ قصم الله ظهره، ومن طلب الهداية بغير القرآن ضل، وهو الحبل المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم، وهو الذي لا تلبس على الألسن، ولا يخلق من كثرة القراءة، ولا تشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه"). فعدم الأخذ به من قبل الكفار هو بمثابة الكفر الثاني بعد الختم والذي يوصلهم لمرحلة القفل الذي لا رجعة عنه.
خلاصة – مراحل كفر الكافر
وهكذا نخلص مما سبق لفهم المراحل التي يمر بها الكافر في كفره وهي كالآتي:-
1- أول كفر للكافر كان بكذبه على الله في السماوات في قوله (بلى شهدنا) حيث قالها كذباً. بعدها حلت رحمة الله ومنح الكافر فرصة ثانية حيث غفر عز وجل للكاذب لقوله (لا إله إلا الله) وأنار له قلبه بالنور والهداية وأهبطه للأرض وطلب منه أن تذكر العهد من آياته سبحانه وتعالى التي جعلها عز وجل في كل شيء في الكون، يقول سبحانه وتعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُم يَحْزَنُونَ) (البقرة2: 38).
2- الكفر الثاني كان من خلال النسيان وعدم التذكر بالآيات الكونية، والنسيان أو الغفلة أو الانقياد خلف الكفار الذي هو كذبٌ على الله وإنكارٌ للعهد المعقود بين الله وبين الكافر بقول (لا إله إلا الله)، وبهذا الكفر يُختم على قلب الكافر برانٍ مانعٍ من رؤية سبل الصراط المستقيم. وهذا الران يتراكم من النكات للأغشية فالأغلفة والأغطية والأكنة. وأيضا هنا حلت رحمة الله ومنح الكافر فرصة ثالثة بمسح وجلي هذا الران عن قلب الكافر من خلال بعثة وإنزال الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية ويكون القرار هنا للكافر إما بالتوبة أو العودة للكفر.
3- الكفر الثالث للكافر كان بعودته لكفره وإصراره على هذا الكفر، الذي يؤدي لقفل قلب الكافر بران لا رجعة فيه والموت عليه واستحقاق الخلود في نار جهنم عليه.
-- يتبع بإذن الله --
ملك روحي مراقبة عامة
العمر : 47
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الخميس فبراير 17, 2011 7:14 pm
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 6
(فِيهِ ظُلُمَاتٌ) قلنا أن الله يمنح الكافر الكثير من الفرص للنجاة والفوز بالجنة، فبعد أن ختم الله على قلب كل كافر في السماوات بران غليظ عندما قال (بلى) كذباً على الله، جلى له الله قلبه بنفس الكلمة لأنها إشارة الطاعة ثم أهبطة للأرض مانحاً إياه فرصةً ثانيةً يرى فيها آيات الله فيصدق بها فيقول (لا إله إلا الله) أو ما يدله عليا، ولكن الكافر أعرض أيضاً عن آيات الله الكونية حتى ران على قلبه من جديد بما كسبت يديه بتكذيبه أن هذه الآيات من صنع الله وخلقه، فمات قلبه وخُتم عليه من جديد، ولكن رحمة الله التي تسبق عذابه أرسلت له الانبياء والرسل والكتب السماوية، وما أن كلمه نبي أو رسول أو شهد عليه كتاب سماوي حتى فض له الله ما خُتم على قلبه من ران، معطياً إياه الفرصة من جديد، فكان عمل الانبياء والرسل والكتب السماوية لهذه القلوب الميتة بإحيائها كعمل الماء النازل من السماء بإحياء الارض الميتة، فقول الله (أو كصيب من السماء) إنما دل على بعثة الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية، وقد يسأل سائل ويقول كيف يكون تشبيه (الانبياء) بـ (الصيب)، في حين صاحب مجيء الانبياء والمرسلين والكتب السماوية (الرحمة)، وأما الصيب فقد صاحبته (الظلمات)، فما هي الظلمات التي صاحبت مجيء الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية، فأقول ومن الله التوفيق، أننا يجب أن لا ننسى أن المثل المضروب في هذه الآيات إنما كان للكفار، فلو أننا عدنا لقوله عز وجل (مثلهم) لوجدنا أنها تعود على (إن الذين كفروا)، فمجيء الأنبياء وبعثة الرسل وإنزال الكتب السماوية، إنما المقصد منه رحمة الناس، فمن أسلم وآمن فقد رحم وإزداد إيماناً، ولكن الكفار أعرضوا وكذبوا فبإعراضهم وتكذيبهم كانت الظلمات.
(الأنبياء والرسل والكتب السماوية زيادة إيمان للمؤمنين) الانبياء رحمة للناس وسيدنا محمد هو الرحمة المهداة منه سبحانه وتعالى، والقرآن الكريم هو كتاب الهداية، فالانبياء والمرسلين والكتب السماوية تهدي المؤمنين وتزيدهم إيماناً فوق إيمانهم، يقول عز وجل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُم إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال8: 2) ويقول (وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَةٌ فَمِنْهُم مَن يَقُولُ أَيُّكُم زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُم إِيمَاناً وَهُم يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة9: 124) ويقول (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) (مريم19: 76)، ويقول (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُم هُدًى وَءَاتَاهُم تَقْوَاهُم) (محمد47: 17) ويقول (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَاناً) (المدثر74: 31).
(الأنبياء والرسل والكتب السماوية يزيدون الكفار كفراً فوق كفرهم) فمن أعرض وكذب كما فعل (الكفار) الذين ضُرب بهم هذا المثل، فقد أدخل نفسه في الظلمات من جديد، لنسأل أنفسنا، كافر في قلبه مرض، نصحه نبي أو أنذره رسول أو ذكره كتاب مبين، ماذا سيكون حاله بعد هذا الإنذار والتذكير؟ ولنأخذ الجواب من كلام الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ)، وأما بخصوص أمراض قلبه فستزداد بإعراضه وتكذيبه الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية وهذا أيضاً نرى في كلام الله عز وجل حيث يقول (فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) (البقرة2: 10)، ويقول أيضاً (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتْهُم رِجْساً إِلَى رِجْسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ) (التوبة9: 125)، وقد خص سبحانه وتعالى هذا الموضوع لأهمية بسورة كاملة في القرآن الكريم هي سورة البينة، حيث يقول عز وجل (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة98: 4)، والآيات التي تتكلم في هذا الباب كثيرة منها قوله سبحانه وتعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُم فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة2: 213)، وقوله (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُم عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُم وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُم مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (المائدة5: 68)، وقوله (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم وَمَن يَكْفُر بِأَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران3: 19)، وقوله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران3: 105)، وقوله (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (المائدة5: 43)، وغيرها كثير من الآيات التي تدل على أن غضب الله يحل على هؤلاء المنذرين بإعراضهم وتكذيبهم الانبياء والمرسلين والكتب السماوية ولهم في الآخرة عذاب اليم، يقول عز وجل (مَن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل16: 106)، ويقول (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً) (نوح71: 24)، ويقول (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) (نوح71: 28)، ويقول (فَلَم يَزِدْهُم دُعَاءِي إِلَّا فِرَاراً) (نوح71: 6)، ويقول (لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً) (نوح71: 21) ويقول (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم لَئِن جَاءَهُم نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِن إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِيرٌ مَا زَادَهُم إِلَّا نُفُوراً) (فاطر35: 42)، ويقول (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) (الإسراء17: 82)، ويقول (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا نُفُوراً) (الإسراء17: 41)، ويقول (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً) (الإسراء17: 60)، ويقول (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُم عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل16: 88)، فمجيء الأنبياء والمرسلين ونزول الكتب السماوية سيرافقها ظلمات على الكفار بكفرهم يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُم سَبِيلاً) (النساء4: 137)، فكلما كانت المهلة اكبر للكافر كلما زاد الكافر بالمعاصي والآثام وكلما أصرف على نفسه معتقداً أنه يتنعم في الدنيا اكثر، ولكن النتيجة هي زيادة عذابه يوم القيامة في نار جهنم يقول عز وجل (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران3: 178)، فكما نرى من خلاصة هذه الآيات أن مجيء الانبياء والرسل والكتب السماوية وإن رافهم زيادة في الإيمان للمؤمنين إلا أنه سيرافقه أيضا زيادة في الكفر للكفار.
(وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) قلنا ان بعثة الرسل والأنبياء والكتب ستكون بمثابة فرصة جديدة لهؤلاء الكفار، وتبدأ هذه الفرصة بجلي قلوبهم من هذا الران الغليظ الجاثم على قلوبهم الحابس للنور داخل قلبوهم المانع إياهم من رؤية الصراط المستقيم، وبمجرد مسح هذا الران، يؤدي كل صوت يصله آذانهم وتؤدي كل صورة تصل عيونهم عملها المفترض منها حقاً وهو إظهار حقيقة أن (الله هو صاحب كل شيء في هذا الوجود)، فإن إتضحت الصورة في أذهانهم، وهم كفار يريدون البقاء على الكفر ولا يريدون العودة عن كفرهم، فماذا يحدث عندها؟ هذا النور الذي إنفجر من قلوبهم سيضي لهم الطريق بحيث يروا آخره، وآخر طريقهم كما نعرف هو نار جهنم والعياذ بالله، وعندما يدرك الكافر أن هذه هي آخرته وهي هي نهايته وعاقبته، يصبح كل صوت يسمعه بقوة الرعد وتصبح كل صورة يراها بقوه البرق، وكأن كل ما حول الكفار يعمل ضدهم وعلى إيصالهم لنار جهنم، يقول عز وجل (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (المنافقون63: 4)، فيصبح البرق الذي يتلاشى في السماء بمثابة الصاعقة التي ستصيب رؤوسهم وتهلكهم، إلا أنهم لا يريدون الموت لأنه أصبح مفهوم لهم أن مصيرهم بعد الموت هو النار، لذلك أخذوا يحرصون على هذه الحياة الدنيا حرصاً شديداً لا يريدون مغادرتها، يقول عز وجل (وَلَتَجِدَنَّهُم أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة2: 96)، وكثيراً ما نرى أن من الكفار من يصاب بصداع شديد عند سماع القرآن الكريم، فيغلق أذنين بيديه كي لا يسمح القرآن الكريم، ذلك ان القرآن الكريم يذكره بنهايته المحتومة في نار جهنم وبئس المصير، يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُم شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة98: 6).
-- --
admin
مؤسس المنتدى
العمر : 47
موضوع: رد: نبضات من تبيان أول أمثال سورة البقرة الجمعة مارس 18, 2011 9:23 am
المشاركات المنشورة بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط ولا يتحمّل الموقع أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في منتدي الطريقة النقشبندية العلية ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر. ادارى المنتدى : محمد عبده النقشبندى