الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريقة النقشبندية العلية

دروس وخطب فقة حديث توحيد سيرة تصوف اسلامى اداب و سلوك احزاب و اوراد كتب مجانية تعليم طب بديل واعشاب بخور اسرة وطفولة اكلات قصص واشعار
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
عدد الزوار عند الاقسام

.: عدد زوار منتدى الطريقة النقشبندية العلية

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» علاج مجرب "اصدق شيخ ومعالج مغربي لسحر المحبة وجلب الحبيب والتهييج " العلاج عن بعد والدفع علي النتيجة والكشف الروحاني مجاني
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:02 pm من طرف ام سطام

» الشيخ المغربي الصادق "القاطي العبدري" اصدق شيخ ومعالج روحاني مغربي من بعد الدفع بعد النتيجة والكشف مجاني
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:00 pm من طرف ام سطام

» اصدق شيخ لعلاج السحر والمس والحسد عن بعد مجرب
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:20 am من طرف ام سطام

» جوهرة عجيبة من أسرار الشريف اسماعيل النقشبندى
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:14 am من طرف ام سطام

» هديتي اليكم افضل شيخ مغربي مجرب لعلاج السحر والمس صادق
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:05 am من طرف ام سطام

» علاج الكبد الدهني - اعشاب للقضاء على دهون الكبد - اعشاب للمحافظه على الكبد
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:14 pm من طرف زاشيائيل

» الحزب الكبير الأول لسيدى أحمد البدوى قدس الله سره
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:02 pm من طرف زاشيائيل

» النفاق والمجاملة والفارق بينهما
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالخميس مايو 13, 2021 9:24 am من طرف ابوعمارياسر

» حكم من مات وعليه صيام أو كفارة
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالخميس مايو 13, 2021 8:50 am من طرف ابوعمارياسر

» البحر المسجور
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:59 am من طرف صبحى0

» الحفظ أثناء النوم
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:54 am من طرف صبحى0

» دور القرآن في علاج الأمراض
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:47 am من طرف صبحى0

» الفرق بين ( العشي والإبكار ) وبين ( العشي والإشراق )
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:40 am من طرف صبحى0

» التحذير من خطر التكفير
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء أغسطس 12, 2020 5:17 pm من طرف عاشق الصوفية

» وصية نبوية عظيمة
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالجمعة يناير 31, 2020 12:59 am من طرف ابوعمارياسر

» معاني الكبير في القرآن الكريم
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأحد نوفمبر 17, 2019 5:56 pm من طرف ابوعمارياسر

» تحميل ابحاث مجلة الشريعة
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:34 am من طرف ابوعمارياسر

» الامام أحمد المقري التلمساني
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:29 am من طرف ابوعمارياسر

» قصيدة مترجمة رائعة في مدح الرسول
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:20 am من طرف ابوعمارياسر

» رائعة من كتاب الاتقان في علوم القرآن
الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:16 am من طرف ابوعمارياسر

المواضيع الأكثر نشاطاً
عرف بنفسك
كيف تتلذذ بالصلاة
كتاب الغيبة
كتاب السير والمساعي في أحزاب وأوراد السيد الغوث الكبير الرفاعي
ديوان الحلاج
خلفاءالشريف اسماعيل قدس الله أسرارهم
ديوان ابن دريد
ما هي الطريقة النقشبندية
مكتبة الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلى
فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث النبوية
مواضيع مماثلة
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس

    اذهب الى الأسفل 
    3 مشترك
    كاتب الموضوعرسالة
    ابو منار
    مراقب
    مراقب
    ابو منار



    العمر : 49
    ذكر
    الوسام مبدع بمواضيعه

    الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Empty
    مُساهمةموضوع: الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس   الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالإثنين أبريل 11, 2011 10:04 am

    ولكن الإمام أحمد بن حنبل طراز آخر من الرجال! وهو أشد الناس ضيقا بهذا النفر وإنكارا لهم وإزراء عليهم .. إلا أنه لا يتبع عورات الآخرين!! ولقد اعتزلهم حين عاتبوه، وواجههم على الرغم من لينه بأنهم قوم لا يحسنون إلا الغيبة والمراءاة والكذب والنفاق، وأن انصرافه عنهم إلى العلم هو العمل الصالح الذي يليق بالأتقياء! .. ألأن المأمون كان يعفهم شدد عليهم النكير، فاعترفوا، فأعلن على الناس عيوبهم؟!.!

    لقد أذاع المأمون على الأمة ما صح عنده من مطاعن على هذا النفر من الفقهاء: الفساد، والرشوة والنفاق والتصاغر، والحقد والوشاية إلى مثالب أخرى غليظة ذكرها الطبري بالتفصيل فيما كتب عن أحداث سنة 218 هـ؟! .. ربما..!! ثم .. لماذا يقترف المأمون هذا البغي، وهو يجاهد في سبيل الله، وأحمد ابن حنبل يدعو المسلمين إلى نصرته؟! أيمكن أن تزدهر حضارة كل هذا الازدهار وتتألق فيها عقول المفكرين والعلماء وحرية الفكر على الرغم من ذلك تنتهك؟!
    لعل ابن أبي دؤاد يريد أن يقنع الناس أن كل العلماء والفقهاء، يجب أن ينحنوا، بما أنه هو نفسه قد انحنى!! .. ولكن الإمام أحمد بن حنبل، كان يدرك أنه مسئول أمام الله عن الدفاع عما يؤمن بأنه حق، فإن مات في سبيله فهو شهيد. إنه لا يعرف أن المأمون لا يأخذ بالوشاية وهو يعتبر الأخذ بالوشاية أظلم من الواشي، فما خطبه معه؟ .. وهو يعرف أن المأمون لا يشتم أحدا، فكيف طعن في كل فقهاء السنة أبشع مطاعن!؟! إنه إذن لتأثير خارق على المأمون يمارسه بن أبي دؤاد! ..

    وقد ظلت الحادثات طوال رحلة الضنى من بغداد إلى طرطوس، تلح على أحمد وتواجهه بأنه مسئول عن الحقيقة .. فإن تخلى عنها لحظة، انهار كل شيء في أعماق الناس!! وهكذا سار الإمام أحمد بروح شهيد!. سيناضل عما يؤمن به، لكيلا تسقط رايات الحقيقة، ولكي تظل الفضيلة شامخة أبدا!.

    أما لمشفقون على الإمام أحمد، فقد نصحوه بأن يستجيب تقية .. ولكنه رأى أن التقية في موقف كهذا لا تجوز، أيقول غير ما يراه؟ ماذا يتقي؟! .. أهو الحكم بموته؟ إنه سيموت في يوم ما ولكن الناس؟ .. لعلهم سيعتنقون الرأي الخطأ، ويبقى هو مسئولا أمام الله عن تضليلهم!

    بل لا تجوز التقية إلا في زمن غاشم يعلم الناس في الحقيقة، فلا يضللهم قول أو سكوت .. أما هذا الزمان فهو زمن يعدل فيه الخليفة، ويخرج فيه مجاهدا أعداء الإسلام .. والحقيقة في حاجة إلى رماة بواسل، وإلى شموع تحترق لتضئ الظلمات .. وإلا تخبط الجاهلون في عشوات الضلال.

    لقد أذعن كل الفقهاء والعلماء إلا اثنين .. هو وتلميذه محمد بن نوح .. وبالأمس كان معهما اثنان آخران .. ولكن مس الحديد وثقل الأغلال، وإهانات الأوغاد، ثقلت عليهما .. فأجابا فيما دعيا إليه، فأطلق سراحهما. وسير الإمام أحمد ابن السادسة والخمسين، وتلميذه الشاب محمد ابن نوح في الأغلال والأصفاد، تحت الإهانة، وهما على بعير واحد إلى آخر الأرض..!

    وسأله رجل في الطريق وقد رأى ضعف جسمه: "أإن عرضت على السيف تجيب؟" قال: "لا". فقال الرجل: "الله اكبر .. هذا هو الإمام أحمد". وألح الشعور بالمسئولية على الإمام أحمد .. وكان جلدا، ألف مشقات الأسفار، أما تلميذه الشاب فلم يحتمل المشقة، وأنهكه ما عاناه، فاعتل .. وما كان محمد بن نوح ليمتحن لولا أنه تلميذ الإمام أحمد وجاره .. كم من الناس يعذبون من أجلك يا أحمد؟!! ولكنه بلاء في الله يا أحمد!! بلاء في الله شديد!!

    حتى إذا كانا في خان على الطريق، قابل أحد رواد حلقته أحد رواد حلقته في بغداد، وكان عزيزا لديه .. فقال له الإمام أحمد: "لقد تنيت" .. فقال الرجل: "ليس هذا عناء يا إمام .. أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بك". وأطرق الإمام أحمد وهو يتأوه .. أواه .. هنا العبرة يا بني .. أنا المسئول عن موقف الناس!!

    وأضاف الرجل: "فوالله لئن أجبت بخلق القرآن، ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله". وهز الإمام أحمد رأسه وما تزال الدموع تبلل لحيته .. والرجل مستمر في قوله: "إن الخليفة إن لم يقتلك فأنت تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم بشيء." .. وارتفع صوت الإمام أحمد من خلال الدموع: "ما شاء الله ما شاء الله". ثم قال: "أعد علي ما قلت" فأعاد الرجل .. وهبت على الإمام أحمد نسمة من الرضاء بقضاء الله، جففت الدموع التي بللت لحيته فانطلق صوته الندي: "ما شاء الله ما شاء الله" .. وطابت نفسه بما كان قد صمم عليه .. ألا يجيب المأمون إلى ما يدعو إليه!!

    واقترب الإمام وتلميذه محمد من طرطوس .. فإذا برجل يقبل إلى أحمد متهللا: "البشرى! لقد مات المأمون". كان أحمد قد دعها الله ألا يرى المأمون!! .. فلم يره قط! وأعيد أحمد وتلميذه محمد بن نوح إلى بغداد، وترفق رجال الشرطة بهما في الطريق، فما يدرون ما يكون شأن الإمام أحمد مع الخليفة الجديد؟! ربما أكرمه فباءوا هم بغضب الخليفة الجديد!.
    وأحسنوا إلى الإمام أحمد وتلميذه محمد بن نوح .. ولكن محمد بن نوح الذي أضناه السفر تضعضع وخارت قواه، وعكف عليه أمامه يعالجه بلا جدوى، فقد نفد الزيت من المصباح، وحم القضاء .. وأمسك المناضل الشاب بيد أستاذ قائلا: "الله الله !! إنك لست مثلي. إنما أنت إمام يقتدي به، وقد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله".
    وسقط ميتا!!!

    وما وعظ تلميذ أستاذ كما صنع محمد بن نوح مع الإمام أحمد بن حنبل..! ولكنه مات شهيدا دفاعا عما يؤمن به .. وبكاه الإمام أحمد أحر بكاء وصلى عليه .. وقال عنه: "ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح". عهد المأمون لأخيه المعتصم ـ وهو ابن جارية تركية ـ فتولى الأمر وكان المعتصم قوي الجسم حتى ليحمل حديدا يزن ألف رطل ويسير به خطوات! وكان على هذه القوة والبسطة في الجسم قليل الحظ من الثقافة .. حتى لقد أقصاه أبوه هارون الرشيد!

    ولكن المأمون رأى أن جهاد أعداء الدولة يحتاج إلى رجل سيف في قوة المعتصم وحزمه وشدته، أوصاه بالإبقاء على ابن أبي دؤاد فترك له المعتصم شئون الدولة فأدارها الوزير على هواه .. أما المعتصم فوهب نفسه للحرب .. وكان أحمد بن أبي دؤاد حسن التأني حلو الحديث بارع النفاق، وكان على دراية بشيء من أخبار الأولين، وبأطراف من الثقافة لا يعرفها المعتصم، فاستطاع أن يستولي على عقل الخليفة، واستصدر أمرا بحبس أحمد بن حنبل في السجن الكبير ببغداد، وانشغل الخليفة المعتصم بتوطيد أركان الدولة فولى الأتراك مع أخواله.

    وفي أول حكمه توالت أحداث غريبة ومبالغة: مات الإمام محمد الجواد فجأة كما ذهب من قبله إمام الشيعة أبوه الإمام علي بن موسى بن جعفر الصادق في ظروف مريبة .. ثم اتهم العباس بن المأمون بالتآمر على عمه المعتصم فقتل!
    وفي السجن ترك الإمام أحمد شهورا تحت الأصفاد شهورا طوالا، ودسوا إليه خلالها عليه من يزينون له الاعتراف بخلق القرآن! .. وعادوا يذكرونه بجواز أن يقول المؤمن غير ما يؤمن به أو يسكت على ما ينكره من باب التقية فقال لهم: "إذا سكت العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يظهر الحق؟. إن من كان قبلكم كان أحدهم ينشر بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه". دسوا عليه أكثر الناس تأثيرا عليه وأقرب الناس إليه: عمه!! ولكن بلا جدوى!

    ثم عادوا يخوفونه بالتعذيب والضرب بالسياط .. وأنس إلى جار له بالسجن فقال له: ما أبالي بالحبس وما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا بالسيف، وإنما أخاف فتنة السوط وأخاف ألا أصبر". فقال له جاره السجين: "لا عليك. فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي". ومرت الشهور بعد الشهور والإمام أحمد في حبسه بين الترغيب والترهيب .. واحبه من في السجن، فأحاطوا به يلقون عليه المسائل فيجيب ويعلمهم مما علم رشدا .. وأكبره الجميع في السجن حتى السجانون.
    أما خارج السجن، فقد كانت بغداد تموج بالسخط، على من سجنوا الإمام أحمد!. وتصاعدت نفثات التلاميذ والاتباع ورواد الحلقة، استنكارا لما حدث لإمامهم!. أما زملاؤه من العلماء والفقهاء الذين أجابوا المأمون لما أراد، فقد أسرعوا إلى مصانعة المعتصم، وكانوا يتمنون في أعماقهم أن يسقط الإمام أحمد كما سقطوا..! فلماذا يظل هو وحده دونهم نظيف الصفحات نقي السيرة مرتفع الهامة؟! وإن بعضهم على الرغم من كل شيء ليعاني من تأنيب الضمير .. وأرسل إليه أحد المعجبين به وهو شيخ في نحو التسعين ومن يقول له: "اثبت فقد حدثنا الليث بن سعد عن ..

    عن أبي هريرة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرادكم على معصية الله فلا تطيعوه"

    وانشرحت نفس الإمام أحمد، فهاهو ذا شيخ في التسعين يرسل إليه يشد أزره لا يبالي بحديث شريف لم يعرفه من قبل! فقام في السجن يؤذن بالصلاة وعرف ابن أبي دؤاد أن خصمه قد فتن كل من في السجن: المسجونين وحتى السجانين!! فأمر بنقله إلى سجن خاص في قبو بدار والي بغداد، ليكون وحده. وضاعفوا له القيود والأغلال وأقاموا عليه سجانين من شذاذ الخلق، من مماليك أتراك، فيهم الغلظة والغباء، والجهل باللغة العربية فلا يفهمون ما يريد إن هو طلب منهم شيئا: ماء أو نحوه!

    وأرسلوا إليه من الفقهاء من يناظره، ولكنه لم يزد على ما قاله من قبل، وظل يرفض القول بخلق القرآن. ثم حملوه إلى دار الخلافة وهو يرسف في أغلال وقيود وسلاسل يكاد يسقط من تحتها..! .. فقد كانوا كلما مر عليه يوم، زادوا عليه في ثقل الحديد! وكان الوزير وقاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد قد أرسل إلى كل ولاة الأمصار باسم المعتصم يأمرهم أن يمتحنوا العلماء والقضاة والفقهاء في خلق القرآن، فمن أنكر منهم، حمل في الأصفاد مهانا إلى دار الخلافة ببغداد ..
    ومثل أحمد أمام الخليفة وحوله حشد من العلماء والفقهاء المنافقين وابن أبي دؤاد .. وإذ بالإمام أحمد يرى في الأصفاد صديقا له من مصر، درس معه على الشافعي في مكة وبغداد .. وهو الآن فقيه عالم تقي مسموع الكلمة في مصر .. وقد سحبوه في سلاسل الحديث لأنه رفض القول بخلق القرآن! .. وكان أحمد منهكا مما عاناه، ولكنه حين شاهد صديقه الفقيه المصري تهلل قائلا: "أي شيء تحفظ عن أستاذنا الشافعي في المسح على الحفين عند الوضوء؟!" وانفجر ابن أبي دؤاد محنقا: "انظروا رجلا هو ذا يقدم لضرب العنق يناظر في الفقه؟!".

    بدأ الخليفة يحاكم أحمد بن حنبل.

    يحكي الإمام أحمد ما جرى في هذه المحاكمة: (قال المعتصم لأحمد بن أبي دؤاد: "أدنه" فلم يزل يدنيني حتى قربت منه. ثم قال: "أجلس". وقد أثقلتني الأقياد. فمكثت قليلا. ثم قلت: "تأذن لي في الكلام؟" فقال: "تكلم". فقلت: "إلام دعا الله ورسوله؟." قال المعتصم: "شهادة ألا إله إلا الله." فقلت: "فأنا أشهد أن لا إله إلا الله". ثم روى الإمام أحمد أن المعتصم قال له أنه لو لم يجده في يد من قبله لما عرض له. ثم سأل أحدا ممن كانوا حوله: "ألم آمرك برفع المحنة؟!". وأمر الفقهاء الموجودين فناظروا الإمام أحمد في خلق القرآن.

    قالوا له: "ما تقول في القرآن" ما تقول في علم الله عز وجل فسكت، فقال بعضهم: "أليس قد قال الله عز وجل

    {ٱللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}( الرعد ،الآية : 16 )

    والقرآن أليس هو بشيء؟" فرد الإمام أحمد: "قال تعالى:

    أفدمرت إلا ما أراد الله عز وجل؟ والله تعالى لم يسم كلامه في القرآن شيئا. يقول الله تعالى:

    {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (الأحقاف ، الآية : 24 )

    فالقول ليس الشيء ولكن الشيء هو الذي يقول له الله. ويقول تعالى:

    { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً}(يس ، الآية : 82 )

    فالشيء ليس أمره وإنما هو ما يأمره .. وقال له بعضهم في الأثر "إن الله خلق الذكر أي القرآن". قال هذا خطأ. حدثنا غير واحد إن الله كتب (لا خلق) الذكر.

    واحتجوا عليه بما رواه ابن مسعود: "ما خلق الله عز وجل من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي" فقال أحمد: "إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن. وكان أحمد بن أبي دؤاد أقنع المعتصم نم قبل، أن من رفض القول بخلق القرآن لا يحق له أن يجلس للناس، ليحدثهم أو ليفتيهم، في جامع أو في داره أو في أي مكان، بل هو مخالف للإسلام، يجعل القرآن قديما كالله تعالى، فهو مشرك يحل دمه!! وما عاد في أهل السنة بالعراق من يرفض الاعتراف بخلق القرآن إلا إمامهم أحمد بن حنبل وهو يزنهم جميعا!!

    وكان الخليفة المعتصم لقلة حظه من العلم لا يريد أن يخوض في المسألة كلها، فكان يقول كلما اتهموا الإمام أحمد بن حنبل بالكفر: "ناظروه، ناظروه". فوثب أحمد بن أبي دؤاد مغيظا: "يا أمير المؤمنين هو والله ضال مضل مبتدع." وتتابع الفقهاء الحاضرون يشتمون الإمام أحمد بن حنبل فلم يعبأ الخليفة بهم وقال لهم: "ناظروه".

    وكانوا كلهم قد ناظروه .. فاقبل ابن أبي دؤاد يناظره.

    فلم يلتفت إليه الإمام أحمد.

    فسأله الخليفة: "ألا تكلمه؟" فقال أحمد: "لا أعرفه من أهل العلم فأناظره .." ثم استطرد: "يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل". فاقبل الخليفة يغري الإمام أحمد ويقول له: "والله إني عليه لشفيق. "ثم قال للحاضرين" والله إن أجابني لأطلقن عنه يدي ولأركبن إليه بجندي.

    فلم يزد جواب أحمد على أن قال: "أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل" .. وقال الخليفة لأحمد: "ما أعرفك" فقال أحد الفقهاء الحاضرين وقد أنبه ضميره: "يا أمير المؤمنين. أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتكم والحج والجهاد معكم." فقال المعتصم: "والله إنه لعالم وإنه لعالم وإنه لفقيه. وما يسوءني أن يكون مثله معي يرد عني أهل الشرك.
    ثم قال: "يا أحمد أجبني إلى شيء فيه أدني فرج لك، حتى أطلق عنك يدي" فقال أحمد: "أعطوني شيئا من كتاب الله عز وجل." ولم يزد على ذلك!

    وقام الخليفة مهموما، وأعيد أحمد إلى السجن وأرسلوا إليه من يناظره في السجن وينذره: "أن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس. ويقول إن أجابني أحمد أطلقت عنه يدي."
    فلم يجبه أحمد..!

    وفي اليوم التالي أعيد أحمد إلى مجلس الخليفة المعتصم، وكان الوقت رمضان .. وأحمد قائم ليله صائم نهاره .. وقد أوشك الخليفة أن يطلقه لتهدأ عنه الثورة التي أوشكت أن تنفجر في بغداد غضبا للإمام أحمد.
    فقال ابن أبي دؤاد: "يا أمير المؤمنين أن العامة تصدقه .. والعامة تقول أن أحمد بن حنبل قد دعا على المأمون فمات، إن العامة وهم حشو الأمة يصدقونه ويتبعونه بالحق والباطل. فإن تركته شجعت عليك العامة وخالفت مذهب المأمون، فيقول العامة أن أحمد غلب الخليفتين".

    واستفز هذا الكلام المعتصم فقال: "ناظروه لآخر مرة". وناظروا أحمد في خلق القرآن وفي رؤية الله تعالى فاحتج عليهم بحديث صحيح: "أما أنكم سترون الله ربكم كما ترون هذا البدر "(وكان الرسول مع صحبه في ليلة البدر)! وشك ابن أبي دؤاد في صحة الحديث، فأكد الإمام أحمد صحة الحديث واستشهد بفقيه فقير، مشهور بالأمانة والعفة، يحسن رواية الأحاديث .. ولكنه كان فقيرا جهد الفقر لا يملك قوت يومه، وقد اعتزل الناس، واختفى طوال أيام الامتحان بخلق القرآن، فتركوه. وأسرع إليه بن أبي دؤاد وقد عرف من الجواسيس أين يختفي وسأله عن حاله، فلم يجد معه درهما .. وسأله عن الحديث الذي رواه أحمد في المناظرة أمام المعتصم .. فقال الرجل أنه حديث صحيح .. وألح عليه أن يكذب الحديث وقال أن مجلس الخليفة منعقد وهو ينتظر الجواب، والخليفة في حاجة إلى من يكذب هذا الحديث .. ثم أضاف .. هذه حاجة الدهر .. وأعطاه عشرة آلاف درهم، ومازال يلح حتى قال الرجل: "في الإسناد من لا يعول عليه"!
    وأسرع به ابن أبي دؤاد يروي ما سمعه على الخليفة في المجلس!! ودمعت عينا أحمد أسفا على المحدث الفقير الذي انهار أمام الحاجة!! وأرجعوا أحمد إلى السجن .. ليعودوا به في اليوم التالي إلى دار الخلافة، فيمروا به على قاعات عديدة حشد فيها سجانون وسيافون غلاظ .. عسى أن يرهبه المنظر .. ويغريه الخليفة الآخر مرة، فيأبى أن يقر بخلق القرآن فيصرخ فيه الخليفة: "عليك اللعن خذوه واسجنوه".

    فأخذوا الإمام فعلقوه، وظلوا يضربونه ويقولون له: "أجب" فلا يجب. صبرا يا أحمد .. إنه بلاء في الله شديد.!

    واشتد به الوجع واللظى وهو صائم .. وأغمى عليه .. حتى إذا أفاق جاءوه بماء ليشرب. فقال: "لا أفطر".

    وطرحوه على وجهه وداسوه بالنعال .. حتى أغمى عليه .. ورأوا دماءه تسيل فملئوا منه رعبا! وعندما أفاق أحمد، أخذ ينظر إليهم بلا اكتراث، ولكنها نظرات يخالجها الازدراء!! ويقول أحد الذين شاهدوا تعذيبه: "ما كنا في عينه إلا كأمثال الذباب". ومن خارج دار الخلافة، اجتمع الآلاف من محبيه وتلاميذه، حتى الذين لا يرون رأيه كانوا ينكرون في صراخ غاضب ما يحدث له. وتعالى هدير الاحتجاج والاستنكار .. وأغراه أحد الحاضرين أن يعترف لينجو من العذاب ويخرج إلى محبيه فقال: اقتل نفسي ولا اقتل هؤلاء جميعا".

    ودخل أحد الفقهاء داره على بناته، فوجدهن يبكين ويطالبنه أن يذهب إلى المعتصم مستشفعا للإفراج عن أحمد بن حنبل .. وقال البنات لأبيهن: "أدركوا ابن حنبل قبل أن يضعف من التعذيب. فلأن يرسل إلينا نعي أبينا أهون علينا من أن نسمع أن أحمد بن حنبل قد أذعن!!". ووقف أحد الفقهاء بباب المعتصم يصرخ "أيضرب سيدنا؟! أيضرب سيدنا!؟ لا صبر لنا"وانفجرت الهتافات تلعن ابن أبي دؤاد والمعتصم نفسه! وأوشكت الثورة أن تشغل في بغداد، وكان المعتصم يعد العدة لجهاد الروم .. فلعن الجميع، وأمر أن يعفوه من كل هذا ليفرغ هو للحرب.

    وأطلق سراح الإمام أحمد ..

    وأعيد إلى بيته يعالج جراحه، ولزم داره مريضا منهكا .. وقيل له: سيعذب الله المعتصم فيك لأنه ضربك وأنت ساجد .. فذكر لهم قول الله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله". وعندما علم أن المعتصم خرج ليحارب الروم فانتصر وفتح عمورية، فرح الإمام أحمد وقال!! عفا الله عنه بما جاهد في سبيله".

    وقد عوتب الجاحظ عن موقفه من محنة أحمد فقال: "لو كان كل كشف هتكا، وكل امتحان تجسسا، لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس تتبعا لعورة". وكان تعليق أحمد على قوله الجاحظ: "عفا الله عنه". لقد ظل أحمد في سجن المعتصم نحو عامين ونصف عام، يضرب بالسياط ويعذب بالسيف، ويوطأ بالأقدام عندما يسجد في الصلاة .. ويغرونه خلال هذا التعذيب بكل طيبات الحياة إن هو .. عدل عن رأيه، وهو يهمهم لنفسه: إنه لبلاء في الله شديد.
    وبعد أن شفي أحمد من آثار التعذيب، خرج إلى حلقته، فاستقبلته بغداد استقبال الفاتحين .. ولم يستطع أحد أن يمنع الناس عنه .. وعاد يحدثهم ويعلمهم كما عودهم من قبل. حتى إذا مات المعتصم، وتولى الواثق، حاول أن يسير سيرة المأمون .. وجمع إليه أهل العلم والفلسفة، وحفلت مجالسه بمناظرات علمية وفقهية خصبة .. وناظر هو نفسه في الطب والكيمياء والفلك والرياضيات. وكان مجلسه يجمع المثقفين من جميع الديانات.

    ولقد حاولوا أن يغروا الواثق بالإمام أحمد ولكنه سئم هذا الأمر، وخشي الثورة، ورأى أن يترك الناس على آرائهم .. ثم أن القول بخلق القرآن صار مادة لعبث ظرفاء العصر، فقد دخل على الواثق أحدهم يقول به: "عظم الله أجركم في القرآن. فإن القرآن قد مات!". فنهره الخليفة الواثق قائلا: "ويلك! القرآن يموت؟" قال: "يا أمير المؤمنين ألستم تقولون إن القرآن مخلوق؟ فكل مخلوق يموت! فبم يصلي الناس التراويح؟". فضحك الواثق وقال: "قاتلك الله أمسك". حقا لقد سئم الناس، وسئم الحكام .. إلا أن ابن أبي دؤاد .. فمازال بالخليفة حتى استدعى الإمام أحمد فقال له: "لا تجمعن إليك أحدا ولا تساكني في بلد أنا فيه".

    فاختفى الإمام أحمد، وحمل إلى الواثق فقيه من الأمصار اشتد في الهجوم على من يقولون بخلق القرآن .. وكان الرجل في الأصفاد، فأمره الخليفة أن يناظر ابن أبي دؤاد .. فقال الرجل: "شيء لم يدع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون من بعده وأنت تدعو الناس إليه، ليس يخلو من أن تقول علموه أو جهلوه. فإن قلت علموه وسكتوا عنه، وسعني وإياك من السكوت ما وسع القوم. وإن قلت جهلوه وعلمته أنت، فيا لكع أين لكع، أيجهل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، وتعلم أنت!!". فوثب الواثق من مجلسه، وهو يردد كلام الرجل ضاحكا، وأمر بإطلاق سراح الراجل. ولم يعد الواثق إلى امتحان في خلق القرآن .. وانصرف إلى الحرب حتى مات ..

    ومات الواثق وتولى ابنه المتوكل .. فاحسن إلى الإمام أحمد وحاول أن يصله بالمال .. ولكن الإمام أحمد ظل على عهده يرفض العطاء. على أنه رخص لأولاده في قبول عطاء الخليفة، وظل يعلم الناس حتى بلغ السابعة والسبعين، فمرض واشتد به المرض، وكان قد أصبح في عصره أوحد عصره حقا .. وقد ألف كبار رجال الدولة أن يخوضوا الطين إلى بيته الواقع في شارع ضيق مترب، موفدين من الخليفة يطلبون منه الرأي. وما كان يبخل بالرأي .. وقال عنه المتوكل: "لو نشر أبي المعتصم وقال فيه شيئا لم أقبله..".

    ولم يطل المرض بالإمام أحمد بن حنبل .. فمات بعد أن ترك ثروة ضخمة من الأحاديث والفقه، وهو يوصي اتباعه وأصحابه أن يدعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويذكرهم بأن الله تعالى قال لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا" .. فالقول اللين واجب في الدعوة .. على أن اتباعه اشتدوا على الناس حين أزعجوهم وجعلوا الأجيال تنسب إلى الإمام ما ليس فيه..!

    ولقد أمر المتوكل بالضرب على أيدي اتباع الإمام أحمد حين هاجموا أهل البدع من أصحاب الغناء والطرب ولاعبي الشطرنج .. وحين أفسدوا ملابس النساء بالحبر .. وكان الإمام أحمد قد رخص بهذا للسلطان إن خرج النساء متعطرات متزينات .. وكان النساء قد زحمن شوارع بغداد بملابس وعطور تثير الفتنة .. وملأن ليلها بالمغامرة!! فانتزع اتباع ابن حنبل سلطة الخليفة، وأخذوا لهم يعاقبون الناس .. فأمر الخليفة بأخذ اتباع الإمام أحمد بالشدة، وزج بهم في السجن، ولكنه قال في الإمام أحمد: "لقد عرف الله لأحمد صبره وبلاءه ورفع علمه أيام حياته وبعد موته. وأنا أظن أن الله تعالى يعطي أحمد ثواب الصديقين." ..

    على أن الإمام أحمد تدبر قبل موته رأيه في خلق القرآن.

    فذهب إلى أن من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، وزعم أنه غير مخلوق فهو مبتدع .. فالقرآن بحروفه ومعانيه هو كلام الله غير مخلوق، وهو من علم الله، وعلمه غير خلقه، فالقرآن غير مخلوق، ولكنه حادث بحدوث التكلم ..
    والأمر كله لا يستحق المحنة التي سقط بسببها شهداء كمحمد بن نوح، والبويطي الفقيه المصري تلميذ الشافعي، ونال بسببها بعض الفقهاء والعلماء تشهيرا أزرى بهم في عيون الناس، ونال فيها الإمام أحمد أبلغ الأذى .. فالقول بخلق القرآن أو عدم خلقه لا يحقق شيئا من مصالح العباد، ولا يقيم المجتمع الأمثل الذي هو هدف الشريعة!! على أن الإمام أحمد نال بسبب هذا الأذى مكانة كبيرة، فقد كان مثالا خارقا لصاحب الرأي الذي يناضل في سبيل رأيه .. فأكبره الذين يوافقونه والذين يخالفونه على السواء .. إلا الذين في قلوبهم مرض!

    ومهما يكن من أمر، فقد واجه عصرا تشيع فيه البدع، فواجهه بالتشدد في الأخذ بالسنة في العقائد والعبادات. وهو عصر يطرح على العقل مستحدثات الأمور، فواجهه الإمام أحمد بالتيسير على الناس في المعاملات. وبهذا حض على الاجتهاد وحذر من التقليد. ولكن مناصريه من أهل السنة ضيقوا على الناس. ثم جاء من بعده اتباع أساءوا إليه، فافترى عليه التزمت، والتضييق وكل ما عاشه يناضل ضده!

    وجاء آخرون اجتهدوا على طريقته وتمسكوا بالسنة في مواجهة البدع .. واتخذوا مثله مواقف صلبه فيما يعتقدون أنه الحق .. فأصابهم في ذلك بلاء شديد. ومن الإنصاف للإمام أحمد بن حنبل أن ينزهه الناس بما صنعه بعض الأراذل من اتباعه في العصور المتأخرة. فلا ينسب التزمت وضيق الأفق إلى هذا الإمام العظيم .. الذي كان متبعا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سماحة الخلق، ولين الجانب، والقول الحسن، والبر والورع والتقوى ونصرة المظلوم.
    من الظلم أن يطلق على المتنطعين والجامدين وعلى كل فظ غليظ القلب: اسم الحنابلة .. فقد كان الإمام أحمد داعيا إلى الحركة، ومواجهة كل عصر بأحكام جديدة يقاس فيها على روح الشريعة، ويؤخذ بمقاصدها العامة .. وكان عدوا للتقليد والجمود، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، متبعا للسنة في كل شيء حتى في أخص دقائق الحياة ..
    لقد ماتت أول زوجة للإمام أحمد وهو في الستين، فتزوج بعدها بأيام لأنه علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منذ تزوج لم يعش بلا زوجة .. وماتت الثانية وهو في السبعين، فتزوج بعدها بأيام من جارية له .. ثم أنه تعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل يجب ألا يعيش بلا امرأة!! وقد أصابه ابن أبي دؤاد بأبلغ الأذى، ولكنه عفا عنه بعد أن خرج من المحنة، ولم يسمح لأحد أن يجرحه أمامه، وبكى الإمام أحمد عندما علم أن ابن أبي دؤاد فجع بفقد ولده!! ..

    ودعا الإمام أحمد لكل الخلفاء الذين أساءوا إليه ذلك أنهم جاهدوا في سبيل الله!. وحض اتباعه على تأييدهم .. لقد كان الإمام أحمد يعلم الناس قول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما جاء إلا ليتمم وليكمل مكارم الأخلاق .. من أجل ذلك احترم الإمام أحمد أهل الديانات السماوية التي سبقت الإسلام، لأن الرسالة المحمدية، ما جاءت إلا مكملة لها .. وأخذ نفسه وأصحابه بمكارم الأخلاق .. وعلم الناس أن هدف الشرائع جميعا ه العدل لقوله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط".

    ومن أجل ذلك طالب أهل الشرائع جميعا أن يسيروا في الناس بالعدل، وأن يناضلوا دفاعا عن العدل، فهو قوام الحياة وضمان الحرية، وحصن الإنسان. والإمام أحمد بن حنبل على الرغم من كل خلاف معه، إمام قد أغنى الفقه، ونفع الناس، وأقام السنة وردع البدع .. ولئن أساء إليه بعض اتباعه، فافترى عليه ما هو برئ منه، إنه سيظل بنصاعة سيرته، وصلابة اتباعه للسنة، علما من أعلام الفقه الإسلامي، ودعوة مستمرة إلى التجديد أخطأ أم أصاب ..
    إنه واحد من أولئك العلماء العظام الذين اجتهدوا بعد عصر الصحابة والتابعين، واختلفوا في مناهجهم، فمنهم من خرج بسيفه على الحاكم الظالم كما صنع الإمام زيد بن علي .. ومنهم من دعا إلى إعمال العقل، وحض على التفكير في خلق السماوات والأرض، واستعمل معطيات العلوم والمعارف الكونية للاستدلال على حقائق الدين، كما صنع الإمام جعفر الصادق مع فهم دقيق معجز للقرآن والسنة ومقاصد الشريعة والعمل على تطبيق مبادئها في الحياة اليومية، حتى لقد رفض الخلافة ليتفرغ للعلم والفقه!

    ومنهم من اتجه إلى الأخذ بالرأي وتوسع فيه وأفاد من النظر العقلي كالإمام أبي حنيفة النعمان، الذي لزم الإمام جعفر الصادق سنتين تعلم فيهما الكثير، وإن اختلفا من بعد، حتى قال أبو حنيفة النعمان "لولا السنتان لهلك النعمان". ومنهم من عول على الحديث وحده، ووجد في عمل أهل مدينة رسول الله أخذا بسنة رسول ثم اجتهد فتوسع في الأخذ بالمصلحة على خلاف غيره، كالإمام مالك بن أنس.

    ومنهم من اتخذ منهجا وسطا بين الرأي والحديث في استنباط الأحكام وجعل سيرته الخاصة مثلا للبر والتقوى ولسماحة الإسلام وحضه على العدل والإحسان كالإمام الليث بن سعد إمام أهل مصر، حتى لقد كان يأتيه خراج ضيعة له بالفرما (بورسعيد الحالية وما حولها) فلا يمسه بل يضعه في صرر، ويجلس على باب داره ذات العشرين بابا ليوزعه على المحتاجين صرة بعد صرة، ويحسن إلى أقباط مصر اتباعا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فيتخذ منهم الأصدقاء، ويحضهم على نقل ثقافة مصر إلى اللغة العربية، ثم يشتري بيتا من واحد منهم لحاجته إليه، فإذا علم أن صاحب البيت باعه لأنه محتاج بكى وترك له البيت والثمن، وأجرى عليه رزقا!. ثم أعلن في الناس أن ولي الأمر آثم إن ترك أحدا في دار الإسلام له حاجة!! ثم يستنبط من منهجه الوسط بين الرأي والسنة قواعد للمعاملات تقيم العدل بين الناس ..
    ومن هؤلاء الأئمة العظام محسن زاهد عبد الله المبارك يترك الحج، ويتصدق بكل ما حمل من مال وزاد لفتاة حسناء تبحث عن وقتها وسط المزابل، خشية أن يغريها الشيطان بالبحث عن الطعام في وحل الخطيئة..!.

    ومنهم من وضع أصول الفقه وحمل بين جنبيه معطيات السنة والرأي جميعا، وصحح مفاهيم الناس عن السنة والرأي، وجادل أهل الزيغ بمنطق العصر كما فعل الإمام الشافعي.

    عاشوا كلهم في سنوات متقاربة، بفكر خصب، كحلقات ذهبية نادرة في سلسلة نورانية .. عاشوا كلهم خلال قرن واحد من الزمان، في أواخر العصر الأموي وأواسط العباسي، وعرفوا البلاء والمحنة فما وهنوا، وما نزلوا عن رأي، وما أحنوا رأسا، بل كانوا كمعدن الحديد تزيده النار صلابة، وكالذهب يكسبه اللهيب نقاء..! ..

    ويالله كم نفتقدهم في مثل هذا الزمان!!

    ومهما تختلف آراء هؤلاء الأئمة العظام فيما بينهم، فقد احتفظ كل واحد منهم باحترامه لصاحبه أو لمن سبقه، وبفضيلة العرفان .. فكانوا مثالا في أدب الخلاف .. كما كانوا بحق منارات! كلهم جاهد الظلم والقهر، ودافع عن حق الإنسان في الحرية والعدل والسعادة والحياة الكريمة الفاضلة .. وكلهم قاوم قاذورات عصره: من النفاق، والكذب، والزيف والاستغلال!

    ومهما نختلف نحن معهم اليوم، فينبغي علينا أن نذكر لهم أنهم سلف صالح أغنوا الحياة الفكرية والفقهية باجتهاداتهم الخصبة، وينبغي علينا أن نتخذهم مثلا رائعة لما ينبغي أن يكون عليه رجل العلم والفقه والفكر .. ذلك أنهم ناضلوا بفكرهم الثري والرائد، ليحققوا المجتمع الذي أرادته الشريعة، وليجعلوا الإنسان على الصورة التي أرادها له الله تعالى حين قال لنبيه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ( القلم ، الآية : 4 )
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الكوماندا
    عضو مميز
    عضو مميز
    الكوماندا



    العمر : 31
    ذكر
    الوسام وسام ذهبي

    الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس   الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالخميس أبريل 14, 2011 10:20 am

    مشكووووووووووووووووووووووووور
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ابن الرفاعى
    المشرف العام
    المشرف العام
    ابن الرفاعى



    العمر : 45
    ذكر
    الوسام وسام التميز

    الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس   الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس Emptyالأربعاء سبتمبر 14, 2011 10:41 pm

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    واكثر من رائع
    بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
    دمت بحفظ الله ورعايته
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    الامام احمد بن حنبل الجزء الخامس
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الامام احمد بن حنبل الجزء الاول
    » الامام احمد بن حنبل الجزء الثالث
    » الامام ابن حزم --الجزء الثانى

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الطريقة النقشبندية العلية  :: السيرة والتراجم والتاريخ :: سيرة ومناقب الاولياء والصالحين-
    انتقل الى:  
    جميع الحقوق محفوظة
    الساعة الان بتوقيت مصر
     ® 
    جميع الحقوق محفوظة لمنتدى الطريقة النقشبندية العلية
    حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010
    موقع الطريقة النقشبندية العلية
    المشاركات المنشورة بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط ولا يتحمّل الموقع أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في منتدي الطريقة النقشبندية العلية  ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    ادارى المنتدى : محمد عبده النقشبندى
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit    

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات