فضل التوحيد:

مراقبة عامة العمر : 47

فضل التوحيد:

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[1] .

ومعنى الآية أن الله – تعالى – ما خلقهم إلا من أجل أن يفردوه بالعبادة، وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور، وذلك هو حقيقة دين الإسلام؛ لأن معنى الإسلام هو الاستسلام لله المتضمن غاية الانقياد في غاية الذل والخضوع، وقال مجاهد في تفسير الآية: إلاّ لآمرهم وأنْهَاهُم، واختاره الزجاج وشيخ الإسلام.

ومناط العبادة هو غاية الحب مع غاية الذل، ولا تنفع عبادة بواحد من هذين دون الآخر؛ ولذا قال من قال من السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.

وقال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت}[2] .َ

والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، وقال مجاهد: الطاغوت: الشيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم,

وقال مالك: الطاغوت: كل ما عبد من دون الله. قال الشيخ سليمان ابن عبد الله: وهو صحيح لكن لابد من استثناء من لا يرضى بعبادته.

وقال ابن القيم – رحمه الله: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما يعلمون أنه طاعة لله – فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.

وأما معنى الآية فأخبر – تعالى – أنه بعث في كل أمة أي: ((في كل طائفة وقرن من الناس)) رسولاً بهذه الكلمة: { أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت } أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه، فلهذا خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب.َ

وعن معاذ بن جبل قال: كنت رديف النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على حمار فقال لي: (( يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟)) فقلت:الله ورسوله أعلم. فقال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)). فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: ((لا تبشرهم فيتكلوا))[3] .

قوله: (( أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا)) ، أي يوحدوه بالعبادة وحده ولا يشركوا به شيئًا، وفائدة هذه الجملة بيان أن التجرد من الشرك لابد منه في العبادة، وإلا فلا يكون العبد آتيًا بعبادة الله، بل مشركًا، وهذا هو معنى قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.

وقوله: ((وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا)).

قال شيخ الإسلام: كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق.

وعن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ((يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقال: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل: فيقول: لا. فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة))[4] .

قال ابن القيم – رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها إنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صور العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض قال: وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب، ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه.

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقول: ((قال الله – تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك، يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بس شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة))[5] .

قوله: (( ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا )) شرط ثقيل في الوعد بحصول المغفرة، وهي السلامة من الشرك كثيره وقليله صغيره وكبيره، ولا يسلم من ذلك إلا من سلم الله – تعالى – وذلك هو القلب السليم كما قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم }[6] .ٍ

قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في معنى الحديث: ويعفي لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئًا البتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده، فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده – ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي.

وفي الصحيح عن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: (( أتاني جبريل – عليه السلام – فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة)) . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: (( وإن زنى وإن سرق )).‬

إدارة المنتدى العمر : 47

موضوع فى غاية الروعة

طرحت فابدعت

دمت ودام عطائك

ودائما بأنتظار جديدك الشيق

لك خالص ودي واحترامي

سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا

اعذب التحايا لك

لكـ خالص احترامي
النقشبندى

مشرف العمر : 29

موضوع رائع جزاك الله كل خير

مؤسس المنتدى العمر : 47

ابداع رائع وطرح يستحق المتابعة
في غاية الروعه والجمال ..
الف شكر على الموضوع ..
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
شكراً لك بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

» (التوحيد عند الصوفية)
» الفكر التجسيمي أقرب إلى الوثنية منه إلى التوحيد
» دلائل التوحيد العقلية في القرآن الكريم