إن الجلال على الضدين ينطلق *** وهو الذي بنعوت القهر أشهده
له العلو ولا علو يماثله *** له النزول فكل الخلق يجحده
إني بكل الذي قد قلت أعرفه *** وليس غير الذي قد قلت أقصده
[أن الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيما]
اعلم أن الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيما وبه ظهر الاسم الجليل وحكم هذا الاسم من أعجب الأحكام فإن له حكم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ وله حكمقوله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقنيفأنزل نفسه منزلة من هذه صفته من الافتقار إلى العبيد وكذلك نزوله فيقوله وسعني قلب عبديومن هذا الباب فرحه بتوبة عبده وتعجبه من الشاب الذي لا صبوة له وتبشبشه بالذي يأتي إلى المسجد للصلاة هذا كله وأمثاله من نعوت التنزيه والتشبيه يعطيه حكم الجلال والاسم الإلهي الجليل ولهذا قلنا إنه يدل على الضدين كالجون ينطلق على الأبيض والأسود وكذلك القرء ينطلق على الحيض والطهر ومن حضرة الجلال نزل قوله تعالى وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ فمن وصفه إنما وصف نفسه ولا يعرف منه إلا نفسه لأن رب العزةلا يعينه وصف ولا يقيده نعت ولا يدل على حقيقته اسم خاص وإن لم يكن الحكم ما ذكرناه فما هو رب العزة فإن العزيز هو المنيع الحمى ومن يوصل إليه بوجه ما من وصف أو نعت أو علم أو معرفة فليس بمنيع الحمى ولذلك عم بقوله سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ولحضرة الجلال السبحات الوجهية المحرقة ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا لكن يتجلى في جلال جماله لعباده فيه يقع التجلي فيشهدونه مظهر ما ظهر من القهر الإلهي في العالمإن الجليل هو الذي لا يعرف *** وهو الذي في كل حال يوصف
فهو الذي يبدو فيظهر نفسه *** في خلقه وهو الذي لا يعرف
والجلال لا يتعلق به إلا العلماء بالله وما له أثر إلا فيهم وليس للمحبين إليه سبيل هذا إذا كان بمعنى العلو والعزة وإنه إذا كان بالمعنى الذي هو ضد العزة والعلو فإن المحبين يتعلقون به كما يتعلق به العارفون وحضرته من العماء إلى قوله وفي الْأَرْضِ إِلهٌ وأما قوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فذلك من أسمائه المؤثرة فينا خاصة والحافظة لنا والرقيبة علينا وأما الأسماء التي تختص بالعالم الخارج عن الثقلين فأسماء أخر ما هي الأسماء التي معنا أينما كنا وقد بينا في شرح الأسماء الحسنى معنى الاسم الجليل على الوجهين مختصرا في جزء لنا في شرحها والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَجميل ولا يهوى جلي ولا يرى *** وتشهده الألباب من حيث لا تدري
ولا تدرك الأبصار منه سوى الذي *** تنزهه عنه عقول ذوي الأمر
فإن قلت محجوب فلست بكاذب *** وإن قلت مشهود فذاك الذي أدري
فما ثم محبوب سواه وإنما *** سليمي وليلى والزيانب للستر
فهن ستور مسدلات وقد أتى *** بذلك نظم العاشقين مع النثر
كمجنون ليلى والذي كان قبله *** كبشر وهند ضاق من ذكرهم صدري
[أن الجمال الإلهي في جميع الأشياء]
اعلم أن الجمال الإلهي الذي تسمى الله به جميلا ووصف نفسه سبحانه بلسان رسوله إنه يحب الجمالفي جميع الأشياء وما ثم إلا جمال فإن الله ما خلق العالم إلا على صورته وهو جميل فالعالم كله جميل وهو سبحانه يحب الجمال ومن أحب الجمال أحب الجميل والمحب لا يعذب محبوبه إلا على إيصال الراحة أو على التأديب لأمر وقع منه على طريق الجهالة كما يؤدب الرجل ولده مع حبه فيه ومع هذا يضربه وينتهره لأمور تقع منه مع استصحاب الحب له في نفسه فمآلنا إن شاء الله إلى الراحة والنعيم حيث ما كنا فإن اللطف الإلهي هو الذي يدرج الراحة من حيث لا يعرف من لطف به فالجمال له من العالم وفيه الرجاء والبسط واللطف والرحمة والحنان والرأفة والجود والإحسان والنقم التي في طيها نعم فله التأديب فهو الطبيب الجميل فهذا أثره في القلوب وأثره في الصور ما يقع به العشق والحب والهيمان والشوق ويورث الفناء عند المشاهدة ومن هذه الحضرة تنتقل صورة تجليه فيها إلى المشاهد فينصبغ بها انتقال فيض كظهور نور الشمس في الأماكن ويسمى ذلك النور شمسا وإن لم يكن مستديرا ولا في فلك ثم يفيض الإنسان من تلك الصورة التي ظهر فيها عن الفيض الإلهي على جميع ملكه في رده إلى قصره فينصبغ ملكه كله بصورة جمال لم يكن فلا يفقد الإنسان في ملكه صورة ما شاهدها من ربه في رؤيته فهو عند العلماء بالله تجل دائم دنيا وآخرة لا ينقطع وعند العامة في الجنة خاصة لكونهم لا يعرفون الله معرفة العارفين وليس لتجلى الجلال في الجنة حكم أصلا وإنما محله الدنيا والبرزخ والقيامة وبه تبقي النار والشقاء في الأشقياء مدة بقائهم فيه إلى أن يرتفع الشقاء وتغلب الرحمة فلا يبقى لتجلى الجلال في التعلق حكم وتنفرد به الملائكة بطريق الهيبة والعظمة والخوف والخشوع والخضوع والله أعلم«الباب الثالث والأربعون ومائتان في الكمال»
ليس الكمال الذي بالنقص تعرفه *** إن الكمال الذي بالنقص موصوف
العلم يشهده والعين تنكره *** لأنه عدم والنقص معروف
لو لم يكن لم تكن عين ولا صفة *** ولا وجود ولا حكم وتصريف
أ لا ترى التستري الحبر أثبته *** وهو الصواب الذي ما فيه تحريف
[الكمال المطلق الذي لا يقبل الزيادة مختص بالله تعالى]
أراد بقول سهل أن لكذا سرا لو ظهر بطل كذا اعلم أن الكمال الذي لا يقبل الزيادة لا يكون إلا لله من كونه غنيا عن العالمين وأما الكمال الذي يقبل الزيادة فمثل قوله ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ كما أمر نبيه أن يقول رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فالكمال هو وقوف الإنسان على الصورة الرحمانية بطريق الإحاطة لذلك عند مقابلة النسخة حرفا حرفا فيؤثر ولا يتأثر ولا يميل ولا يؤثر عدل في فضل ولا فضل في عدل بل يرتفع الفضل والعدل ويبقى الوجود والشهود وقبول القوابل بحسب استعدادها روحا وجسما فلا ينسب إليه من حيث هو حكم أصلا وجميع النسب تتصف به القوابل وهو على الوجه الواحد الذي يليق به لا يقبل التغير ولا التأثر كما لا يقبل النور من حيث ذاته وعينه ألوان الزجاج مع أنك تنظر إلى النور أحمر وأصفر وأخضر متنوعا بتنوع ألوان الزجاج فالنور ما انصبغ بالألوان ولكن هكذا تشهده العين والعلم يقضي بأنه على صورته التي كان عليها ما تأثر في عينه بشيء من ذلك إلا تنظر إليه في المساحة الهوائية التي بين موضع الزجاج وموضع النور المنعكس المتلون هل ترى في النور في هذه المساحة لونا من تلك الألوان مع كونه قد انبسط على الزجاج وحينئذ عمر المساحة الهوائية التي بين ما يظهر من الألوان وبين الزجاج وكقوس قزح فالكامل من لا يقبل الزائد ونحن في مزيد علم دنيا وآخرة فالنقص بنا منوط فكمالنا بوجود النقص فيه فلنا كمال واحد وللحق كمالان كمال مطلق وكمال يقول به حَتَّى نَعْلَمَ فنسختنا من كمال حتى نعلم لا من الكمال المطلق فافهم فإنه سر عجيب في العلم الإلهي فنشهده تعالى من كونه إلها لا من كونه ذاتا والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ