بلا شك يعتبر التفكك الأسري أداة هدم في بناء الأسرة , حيث يؤثر ذلك سلبا على العلاقات داخل الأسرة سواءً كانت بين الزوجين أو بين الزوجين والأولاد.
ولا يخفى على الإخوة القراء الكرام بأن نسب الطلاق في المجتمع العربي وكذا السعودي في تصاعد مستمر , لأسباب كثيرة ليس المقام هنا مناسب لمناقشتها , إلا أن مايهمنا هو الضحية الأولى لهذه النهاية الحتمية , إلا وهم الأطفال.
والحقيقة أن مسألة الطلاق قد تبعث برسائل خاطئة وسوء فهم لدى الأطفال إذا لم يذكر الآباء لأبنائهم تفاصيل ما يجري حولهم ، ، وما هو مصيرهم إذا ما وقع هذا القدر المحتوم.
فالأطفال غالباً ما يعتقدون أنهم سببا لهذا النزاع الحادث بين الأم والأب!!!
وبالتالي يفترض الكثير منهم أن عليهم مسؤولية جمع شمل والديهم ثانية , حتى ولو كان ثمن ذلك التضحية بأنفسهم أحياناً.
إلا إن مصير الأطفال يظل هو أكبر مأساة في الطلاق في عصرنا هذا ، وذلك لموقفهم العاجز إزاء هذه المشكلة بحرمانهم من النشأة الطبيعية وتركهم على الأقارب ، الذين مهما بذلوا فلن يحسنوا رعايتهم بالشكل الصحيح.
إن تصدع الأسرة يعتبر في نظر كثير من الباحثين سببا هاماً في انحراف الأحداث وفي السلوك الإجرامي عامة ، وكذا العديد من المشاكل , لعل من أهمها سوء التكيف والتوافق , والمرض النفسي الذي يتعرض له الأطفال في حياتهم أو في تفاعلهم مع أعضاء المجتمع الآخرين .
فالأسرة من أهم وظائفها التربية ، وفيها يجد الطفل من يصحح له أخطاءه ، و يجد من يقول له : هذا حلال وهذا حرام ، لأن سلوك الإنسان سلوك مكتسب من البيئة المحيطة به , وقد تورث الأسر المفككة أجيالها الإصابة بالعقد النفسية والمشاكل العصبية وتستمر معه حتى وإن دخل هذا الطفل لمرحلة الرشد وبدا تكوين الأسرة .
وتؤكد وجهات النظر العلمية والطبية أن الأبناء الذين عاشوا في اسر منفصلة يفتقدون فيها للام الاصليه أو الأب الأصلي يعانون من مشاكل نفسية وجسمية أكثر من الأبناء الذين يواصلون عيشهم تحت سقف بيت واحد مع والديهم.
وهناك دراسات غربية أكدت أن اغلب الحالات المتحرش بها جنسيا تأتي من الأسر المفككة , إما بسبب زوج الأم الذي لا تربطه علاقة دم بهذا الطفل , وإما بسبب افتقار الطفل إلى عاطفة الأب , والتي يظل يبحث عنها دائما , ولربما تستغل من قبل أصحاب النوايا السيئة.
أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة عاطفية متزنة يتمتعون بصحة نفسية أكبر بكثير من الذين يعيشون في بيئة مضطربة (شجار وخلافات مستمرة) , إلا ان عيش الطفل في أسرة مضطربة أفضل ألف مرة من العيش بدون والديه.
وهناك دراسة علمية قام بها باحثون بريطانيون بمقابلة ( 152 ) طفلاً تتراوح أعمارهم بين (9 ) سنوات ( 14 ) سنة ومتابعتهم لمدة تصل إلى عامين دراسيين ، حيث وجدوا أن الأطفال الذين ينتمون إلى آباء مطلقين يكونون في الغالب بحاجة إلى مساعدة نفسية حتى يتقبلوا امر انفصال والديهم .
وأكدت النتائج – أيضاً – أن هؤلاء الأبناء أكثر عرضة للإصابة بما يعرف " سايكوماتيك " وهي الأمراض الجسمية ذات المنشأ النفسي ، كما لوحظ أن أداؤهم في المدرسة أقل مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في اسر مستقرة
وأما أثار الطلاق والتفكك الأسري على نفسية الأولاد فنلخصها بما يلي:
1- فقدان الأمن النفسي ، فقد تواجه الطفل مشكلة فلا يستطيع حلها ، ويفتش عن أبيه فلا يجده ، لأنه قد يكون في بيت آخر مع زوجته الأخرى ، ويؤدي ذلك بالطفل إلى فقدان القدوة والمثل الأعلى الذي يساعده في حل مشاكله .
2-عدم الاكتفاء المادي للطفل ، فلا يجد من يلبي طلباته واحتياجاته فالام تقذفة على الأب و الأب يتهرب من النفقة (" وذلك قد يؤدي بالطفل أو ا لمراهق إلى الانحراف ورفقة السؤ في ظل غياب الرقيب وقد يتعلم من رفقاء السوء الطرق المحرمة للحصول على احتياجات عن طريق السرقة ، أو أن يمارس بعض الأعمال المحرمة في سبيل الحصول على المال ").
3-تنشأ لدى الطفل صراعات داخلية فيحمل
هذا الطفل دوافع عدوانية تجاه الأبوين وباقي أفراد المجتمع.
خاصة إذا عومل بطريقة مؤذية من قبل زوجة الأب أو زوج الأم.
مما يؤثر على شخصية
الطفل بدرجة كبيرة فيخلق منها شخصية مهزوزة غير مستقرة ومتأرجحة.
4 ـ يعقد الطفل مقارنات مستمرة بين أسرته المفككة والحياة الأسرية
التي يعيشها باقي الأطفال مما يولد لديه الشعور بالإحباط،
والقلق خاصة إذا استخدم كوسيلة ضغط من احد الوالدين على الأخر مما يؤدي به إلى اضطراب النمو الانفعالي
واما اثر الطلاق على المراهقين فإن الانفصال الأسري له ضريبة على المراهقين حيث ان ابرز الانحرافات السلوكية التي يظهر على المراهقين نتيجة الانفصال هي:
• الإفراط في المخدرات والمشروبات الكحولية
واضطرابات السلوك
والقلق والاكتئاب .
• وقد وزعت استبيانات على مايزيد عن الفين مراهق قسموا إلى
مجموعتين عمريتين تتراوح اعمارهم مابين 13و 16 عاما فوجد ان نسبة تعاطي
المخدرا كل من المجموعتين تزيد في أوساط المراهقين الذين عانوا من انفصال الأبوين
وتتزايد الاتجاهات والسلوكيات المناقضة مثل الاشتباكات وتدمير الملكية ومحاولة الانتحار
والسرقة في كل من المجموعتين العمريتين.
وقد اكدت الدراسة إلى إن دعم الآباء ساعد في الحد من حجم الارتباط بين
الانفصال الأسري والضغط النفسي إلا أن ذلك لم يؤثر على السلوكيات المناقضة.
وكانت مستويات الاكتئاب والقلق أعلى أيضا عن المعتاد في كل من المجموعتين
العمريتين.
• وارتبط الضغط النفسي لدى المراهقين في كل من المجموعتين العمريتين أيضا
بقوة مع مشاهدة العنف بين الآباء. وخلص الباحثون إلى أن منع مثل هذه الاضطرابات المرتبطة بعد الانسجام العائلي بين المراهقين خلال أوقات الانفصال الأسري ربما يحتاج إلى تدخل اسري من
شأنه أن يشجع على تسوية الطلاق أو الحضانة المشتركة وكذلك التدخل الاجتماعي الذي من شأنه دعم الأطفال والعائلات مع إعادة تأهيلهم.
مهام مناطة بالابوين المنفصلين تجاه اطفالهما:
• ينبغي على الوالدين أن يكونا على دراية كاملة بأي ضغوط قائمة ومستمرة في حياة أطفالهم .
• إن الأطفال في حاجة ماسة إلى أن يعرفوا أن كلاً من الأم والأب سيظلان يمارسان مهامهما كوالدين على الرغم من انتهاء علاقة الزوجية بينهما، وانفصالهما في حياتهما المعيشية.
• إن النزاعات الطويلة حول حضانة الأبناء، أو الضغط عليهم لاختيار طرف دون الآخر للعيش معه، أن يشكل ضرراً بالغاً على الأطفال وخصوصاً الصغار منهم، ومن شأنه أيضاً أن يضاعف من الآثار الجانبية للطلاق
• إن التزام الوالدين المستمر برفاهية أطفالهم وسعادتهم لهو أمر ضروري وحيوي.
• إذا ما بدت على الطفل أي دلائل ضغط أو إجهاد، يتوجب على طبيب العائلة أن يشير على الوالدين بأحد أطباء النفس المختصين بعلاج الأطفال والمراهقين. وبوسع الطبيب المذكور أن يقوم الحالة ويعالج أعراض هذا الإجهاد أو الضغط. وبمقدور طبيب النفس أيضاً أن يلتقي الوالدين لمساعدتهم على كيفية التخفيف من آثار الطلاق على جميع أفراد العائلة بأسرها.
ويجب أن نشدد من أن انفصال الأبوين عن بعضهما تشكل بالنسبة للأطفال كارثة لايمكن لأي منا أن يتصورها , لأنها حقيقة تجربة نفسية قاسية ومريرة تؤثر سلبا في بناء شخصية الطفل , ، وتجعله غير مستقر نفسيا ، بل انه يصبح أكثر عدوانية , وقد يزداد عنفه المدرسي وينخفض مستواه الدراسي, ولربما يتحول من طفل وديع إلى طفل متنمر متسلط.
وعندها سيخسر المجتمع عضو صالح كان من المكن بتنازل احد الوالدين بعض الشيء (ومن اجل عين تكرم مدينة)
ولعلني هنا أناشد إخوتي أخواتي القراء بالتفكير مليئا قبل الإقدام على خطوة قدم يندما عليها كثيرا وبالتالي يساهما في تدمير المجتمع بزيادة عدد الاسر المفككه.
* استشاري نفسي ورئيس قسم صحة المجتمع بكلية الطب