تعليم القراءة للاطفال يكتبه د.علي الزهراني

هل سألت نفسك عزيزي القاري عزيزتي القارئة ما الحكمة من نزول أول أية على المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي تأمره بالقراءة؟ و لماذا لم تكن تلك الآية تحث على التوحيد؟ او الجهاد؟ او اى من العبادات .
الا تعتقد أن هذه الآية أعطت ملخصا لتوجهات هذا الدين القادم لأرض الجزيرة العربية التي سادها الجهل وقطعت أوصالها الأمية ردحا من الزمن؟
ان عصر النبوة الزاهر هو العصر الحقيقي الذي شهد أول حملة موسعة لمحو الأمية على وجه الكرة الأرضية ، ولا أدل على ذلك الا تلك الشواهد العظيمة التي انتهجها المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته ،فبعد موقعة بدر ووقوع الأسرى من المشركين جعل فديتهم حصة تعليمية ،بمعنى ان يقوم كل أسير بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. وأمر كل من أتقن تلك المهارة ان ينقلها الى غيره من المسلمين , فيما يعرف حاليا بتبادل الخبرات .
وهو صلى الله عليه وسلم بهذه الحكمة استطاع ان ينشر أدوات العلم والمعرفة في كافة ارجاء الجزيرة العربية , ليشع نورها داخل و خارج ارض الجزيرة العربية مع ضعف الإمكانات وندرتها .
مفاهيم خاطئة عن القراءة
هناك مفهوم سائد لكنه خاطئ مؤداه أن تنمية حب القراءة عند الأطفال وربطهم بالكتاب هي مهمة المدرسة وحدها ، في حين انه لا يجب الانتظار إلى حين وصول الطفل لسن السادسة ودخوله المدرسة ومعرفته للحروف ، لان ارتباطه بالكتاب في هذه المرحلة يعتبر متأخر جدا , هذه فضلا على ان ارتباطه بالكتاب في هذه المرحلة يعد لزاما , وكلنا يعلم بأن هناك فرق مابين التعلم كإلزام والتعلم بالرغبة من اجل المتعة , ولعل هذا هو سر كره البعض منا للقراءة!!
ولعلكم تشاهدون في نهاية كل عام دراسي كيف ينتقم الطالب من الكتاب برميه على قارعة الطريق او حرقه أحيانا .
ان الكثير من الدراسات التربوية والنفسية ترى أنه كلما كان هناك تبكير في الثقافة وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية كلما كان استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل بكثير من أقرانهم الذين لايعرفون الكتاب الا في أول يوم دراسي.
يقول احد العلماء المتخصصين في هذا المجال: إنه وبالرغم من أن المدرسة تلعب دوراً هاماً في تنمية حب القراءة لدى الأطفال إلا أن الوالدين يجب أن يكونا قدوة لأبنائهم. فإذا لم يكن البيت غنياً ومفعماً بالقراءة ,مملوءاً بالكتب، فإن ارتباط الأطفال بالقراءة سيكون هشا ضعيفا.
إذا متى يبدأ الطفل بالقراءة؟
تشير الأبحاث والدراسات إلى أن القراءة للأطفال تبدأ من مرحله مبكرة من حياة الطفل أي مابين 6 الى 8 اشهر , و أكد العلماء على ارتباط الطفل لاحقا بالكتاب اذا ما بدأ منذ سن مبكر بملاحظة الصور , وسماع القصص التي تروى له من قبل الوالدين ، وكثير من الأكاديميات المشهورة في تصميم كتب الأطفال تبنت هذا المنهج في تخطيطها لنشر كتبها الموجهة للأطفال.بحيث تثري جميع حواس الطفل مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال .
و بعض الدراسات الحديثة ذهبت بعيدا , حيث اكدت ان الجنين في داخل الرحم يتأثر بما يسمع ,حيث طبقت التجربه على عينه من الامهات الحوامل بقراءة قصة بصوت احد الوالدين وتكرارها في نفس الوقت من اليوم التالي وقد لاحظوا ان الطفل يهدأ وتخف حركته , وبعد ولادة الطفل يتم اعاده قراءة القصه في ضروف مشابهه , فوجدوا ان الطفل يبحث عن مصدر الصوت يمنة ويسره , وكأنه يقول سبق وان سمعت هذا الصوت وهذه العبارات من قبل , ولربما يكون هذا الامر مدعاة لحب الطفل للقراءة منذ نعومة أظفاره

ماهي الطريقة المثلى لتعليم الطفل القراءة؟
هناك دراسة نشرت في دورية "علم نفس النمو» أثبت من خلالها بعض الباحثين المتخصصين في برنامج خصص للقراءة لأطفال يبلغون عامين.:
ان القراءة الناشطة تتمثل في إشراك الآباء والأمهات أبناءهم في الحوار الذي يقرؤونه في قصة، وقد حقق الأطفال الذين يندمجون في تلك الحوارات مستويات متقدمة في تنمية الثروة اللغوية.
ومشاركة الأبناء تتمثل في دفعهم وتشجيعهم على الاندماج في الحوار , والتعليق على بعض أحداث القصة أو المادة التي يقرؤونها , وتعليق الوالدين على ما يقوله الأطفال عن القصة ومن ثم الثناء على تعليقاتهم ومحاولاتهم ، فهذه الخطوات الثلاث هي التي تحقق القراءة الناشطة وهي الطريق إلى تحقيق مزيد من النمو اللغوي.
وفي الحقيقة إن القراءة للأطفال دون اندماجهم فيما يقرأ لهم قد يؤدي إلى الملل وفقدان الأطفال للاستمتاع.
إن قراءة القصص للأطفال تجعلهم يكتشفون العالم من حولهم، والسرد القصصي والقراءة أسلوبان فاعلان لتنمية الخيال عند الأطفال، وجعلهم متمكنين من التحكم في بيئتهم والتعرف عليها.

كيف اعلم ابني القراءة ؟
كما قلنا سابقا بأن بعض الأمهات في الدول المتقدمة بدأت بالقراءة لطفلها وهو لايزال في بطنها , ولا اعتقد اننا مهيئين للبدء من هذه المرحلة ,ولعله من المناسب البدء منذ السنة الأولى بإتباع الخطوات التالية:
أولاً: خلال السنة الأولى: لابد ان نعلم ان الأطفال يحبون سماع أصوات والديهم حتى لو لم يفهموا ماذا تعني تلك الأصوات ، لذا حاول ان تستخدم طبقات الصوت المختلفة وتعابير الوجه مع اتاحة الفرصة للطفل بإمساك الكتاب. وهذه انجاز رائع في هذه المرحلة.
ثانياً: عندما يكمل الطفل السنة الثانية، ساعده اولا ثم اطلب منه الإشارة إلى صور وأسماء الأشياء.
ثالثاً: عندما يبلغ الأطفال سن الثالثة فإنه يمكن دفعهم للمشاركة من خلال قراءة قصة عليهم ، كما يطلب منهم وصف أحداث صفحة واحدة بعد قراءتها لهم.
رابعاً: بعد السنة الرابعة، يستطيع الأطفال تعلم سرد قصة مبسطة، والمشاركة في القراءة والكتابة وذلك ضمن برنامج اللعب الخاص بهم.
خامساً: اما في سن الخامسة وما فوق فإن الأطفال الذين يعرفون الحروف والأصوات يمكن أن يطلب منهم التعرف على الحروف والكلمات في الصفحة، ويمكن استخدام صور وبطاقات عليها حروف لمساعدة الأطفال على التدرب على مهارات الكتابة.
اذا ماهي الية التطبيق؟
هناك عدة آليات ومنها
1- لابد من حمل الطفل في الحضن أثناء القراءة وإتاحة الفرصة له للمس الصفحات وتقليبها كأسلوب من أساليب المشاركة.
2- لابد من إشراك الطفل وربطه بما يقرأ له عن طريق طرح الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة مثل : وش رايك؟ ماذا تتوقع سيحدث لهذا الطفل او ذاك الحيوان اللي مو شاطر
3- تخصيص ركن خاص في المنزل للقراءة.
4- لابد من تشجيع الطفل على تمثيل بعض الأدوار في قصص تمت قراءتها معه وتكون مألوفة لديه، ويستخدم فيها بعض ألعابه وبعض موجودات المنزل ، وتشجيعه على ذلك لإكسابه سعة الخيال والقدرة على التفكير.
5- وأخيراً وطفلك يتقدم نحو إدراك الرابط بين اللغة المكتوبة والقصص، لا تقلق للأخطاء التي يرتكبها بقدر حرصك على تشجيعه على بذل الجهد والحصول على أفكار جديدة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإكسابه القدرة على التفكير والإبداع،

وتذكر عزيزي عزيزتي دائماً أن ترسيخ مفهوم القراءة لدى ابنك يحتاج منك الى اتباع التالي:
• تحدث مع أبنائك دائما بلغة الكبار لاكسابه الثقة والثروة اللغوية في نفس الوقت.
• اقرا مع أبنك لوحات الطرق والجرائد والمجلات , واطلب منه قراءة ما يكتب على المعلبات والوصفات العلاجيه.
• ضع الكتاب في كل مكان بالمنزل ، بغرفة النوم وبالمطبخ وبصالة الطعام او بالقرب من التلفاز , كما ان عليك ان تضع بعض الكتب في السيارة،واحمل معك البعض منها للأماكن التي ستقضي فيها بعض الوقت مع أبنائك كالانتظار عند عيادة طبيب الأسنان.
• القراءات المنوعة يجب تنويع المواد التي يقرؤها الأطفال فيفترض أن يقرؤوا قصصاً حقيقية، مغامرات.. تاريخ.. وقراءات عاطفية.
الأطفال لا يعرفون الخيارات حتى توضع بين أيديهم ويتعرفون عليها. عندئذ يمكنهم تحديد ما يودون قراءته، لكن عندما تكتشف أن أبناءك منغمسون في قراءة الكوميديا فلا تكبح جماحهم، فإن ذلك يعد مرحلة ستؤدي إلى ربطهم بالكتاب وسينتقلون تلقائياً إلى أنواع أخرى من القراءة.
• رافق ابنائك للمكتبة ولمعرض الكتاب.
• اشترك مع الجريدة او مجلات الأطفال

وتذكر بان جعل ابنك يقرا بصوت مرتفع يرفع من ثقته بنفسه ويمنحه الطلاقة في القراءة ويكون أكثر قدرة علي فهم القصة وتسلسلها أيضاً

وعلينا ان نتذكر من أي أمة هذا شأنها وهذا تاريخها الماجد، لا بد لها أن تعود لتراثها وعوامل نهضتها وحضارتها.. تعود لتقرأ، وتفهم، وتؤلف، وتصنف، وتبدع، وتعود للقيادة والريادة من جديد؛ لتضع الأجيال تلو الأجيال على درب الإيمان والعلم في طريق الهداية والرشاد.

*استشاري نفسي ورئيس قسم صحة المجتمع بكلية الطب