يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
فأي ظهور مع ظهوره و هو الظاهر فليس فوقه ظاهر غيره
فلا ظهور معه و الا كان الظل ظلما أو ظلمة
فلا اضافة للمظاهر مع الظاهر فلا يلتبس الإيمان بظلم
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل"
العرش ظل الله العرش اللام الثانية - ابن عربي –
اللام الثانية من حروف كلمة الله ـ -
ظل الستر و الخفاء و هو من اسم الباطن فلا يقابل الظاهر غير الباطن
و وصفه توجيه لا تفصيل
فلما
برزت صور العالم من العلم الأزلي إلى العين الأبدي من وراء ستارة الغيرة
والعزة بعد ما أسرج السرج وأنار بيت الوجود وبقي هو في ظلمة الغيوب فشوهدت
الصور متحركة ناطقة بلغات مختلفات والصور تنبعث من الظلمة فإذا انقضى
زمانها عادت إلى الظلمة .
----
فإنه ما ثم إلا ستة أجناس وكل جنس تحته أنواع وتحت الأنواع أنواع
فالجنس الأول الملك والثاني الجان
والثالث المعدن والرابع النبات والخامس الحيوان
وانتهى الملك وتمهد واستوى
وكان الجنس السادس جنس الإنسان وهو الخليفة على هذه المملكة
وإنما وجد آخراً ليكون إماماً بالفعل حقيقة لا بالصلاحية والقوة
فعندما وجد عينه لم يوجد إلا والياً سلطاناً ملحوظاً
ثم جعل له نواباً حين تأخرت نشأة جسده
فأول نائب كان له وخليفة آدم عليه السلام ثم ولد واتصل النسل
وعين في كل زمان خلفاء
إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم
فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نروه الساطع
وغاب كل حكم في حكمه وانقادت جميع الشرائع إليه
وظهرت سيادته التي كانت باطنة
فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
فإنه قال أوتيت جوامع الكلم
وقال عن ربه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين
فحصل له التخلق والنسب الإلهي
من قوله تعالى عن نفسه
هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
وجاءت هذه الآية في سورة الحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس
فلذلك بعث بالسيف وأرسل رحمة للعالمين
وكل منفصل عن شيء فقد كان عامراً لما عنه انفصل
وقد قلنا أنه لا خلاء في العالم فعمر موضع انفصاله بظله
إذ كان انفصاله إلى النور وهو للظهور
فلما قابل النور بذاته امتد ظله فعمر موضع انفصاله فلم يفقده من انفصل عنه
فكان مشهوداً لمن انفصل إليه ومشهوداً لمن انفصل عنه
وهو المعنى الذي أراده القائل بقوله
" شهدتك موجوداً بكل مكان "
فمن أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا وله ظل يسجد لله
ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعاً أو عاصياً
فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء
وإن كان مخالفاً ناب ظله منابه في الطاعة لله
قال الله تعالى وظلالهم بالغدو والآصال
السلطان ظل الله في الأرض
إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها الأثر في عالم الدنيا
والعرش ظل الله في الآخرة
فالظلالات أبداً تابعة للصورة المنبعثة عنها حساً ومعنى
فالحس قاصر لا يقوى قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية
لأنه يستدعي نوراً مقيداً لما في الحس من التقييد والضيق وعدم الاتساع
ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن
السلطان ظل الله في الأرض فقد بان لك إن بالظلالات عمرت الأماكن
اعلم أيد الله الولي الحميم أن العرش في لسان العرب يطلق ويراد به الملك
يقال ثل عرش الملك إذا دخل في ملكه خليل
ويطلق
ويراد به السرير فإذا كان العرش عبارة عن الملك فتكون حملته هم القائمون
به وإذا كان العرش السرير فتكون حملته ما يقوم عليه من القوائم
أو من يحمله على كواهلهم والعدد يدخل في حملة العرش
وقد جعل الرسول حكمهم في الدنيا أربعة وفي القيامة ثمانية
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية"
ثم قال"وهم اليوم أربعة يعني في يوم الدنيا
وقوله يومئذ ثمانية يعني يوم الآخرة
روينا عن ابن مسرة الجبلي من أكبر أهل الطريق علماً وحالاً وكشفاً
العرش المحمول هو الملك وهو محصور في جسم وروح وغذاء ومرتبة
فآدم و إسرافيل للصور وجبريل ومحمد للأرواح
وميكائيل وإبراهيم للأرزاق ومالك ورضوان للوعد والوعيد
وليس في الملك إلا ما ذكر والأغذية التي هي الأرزاق حسية ومعنوية
------------
وذلك كله في عالم النور الخالص ثم أوجد سبحانه الظلمة المحضة
التي هي في مقابلة هذا النور بمنزلة العدم المطلق المقابل للوجود المطلق
فعندما أوجدها أفاض عليها النور إفاضة ذاتية بمساعدة الطبيعة
فلا أم شعثها ذلك النور فظهر المعبرعنه بالعرش
فاستوى عليه الاسم الرحمن بالاسم الظاهر
فذلك أول ما ظهر من عالم الخلق
وخلق من ذلك النور الممتزج الذي هو مثل ضوء الشحر الملائكة الحافين بالسرير وهو قوله
"وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم"
فليس لهم شغل إلا كونهم حافين من حول العرش يسبحون بحمده
انحصر الملك في ثمانية
فالظاهر منها في الدنيا أربعة الصورة والغذاء والمرتبتان
ويوم القيامة تظهر الثمانية بجميعها للعيان
وهو قوله تعالى
"ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية
" فقال صلى الله عليه وسلم "
وهم اليوم أربعة وغذاً يكونون ثمانية
لأجل الحمل إلى أرض الحشر"
وورد في صور هؤلاء الأربعة الحملة ما يقاربه
قول ابن مسرة فقيل الواحد على صورة الإنسان
والثاني على صورة الأسد والثالث على صورة النسر والرابع على صورة الثور
وهو الذي رآه السامري فتخيل أنه إله موسى
فصنع لقومه العجل وقال هذا إلهكم وإله موسى القصة
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
-----------
قال رسول صلى الله عليه وسلم لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من فارس وأشار إلى سلمان الفارسي
-----------
فنادى في الظمات أن لا إله إلا أنت عذراً عن أمّته في هذا التوحيد أي تفعل ما تريد وتبسط رحمتك على من تشاء
سبحانك إني كنت من الظالمين
مشتق من الظلمة أي ظلمتي عادت عليّ ما أنت ظلمتني
بل ما كان في باطني سري إلى ظاهري وانتقل النور إلى باطني فاستنار
فأزال ظلمة المغاضبة
وانتشر فيه نور التوحيد وانبسطت الرحمة
فسرى ذلك النور في ظاهره مثل ما سرت ظلمة الغضب
فاستجاب له ربه فنجاه من الغم
فقذفه الحوت من بطنه مولوداً على الفطرة السليمة
فلم يولد أحد من ولد آدم ولادتين سوى يونس عليه السلام
-------------
النور ينافي الظلمة وتنافيه غير أن سلطان النور أقوى
فالنور ينفر الظلمة والظلمة لا تنفر النور
وإنما هو النور ينتقل فتظهر الظلمة في الموضع الذي لا عين للنور فيه
ألا ترى الحق تسمى بالنور ولم يتسم بالظلمة
إذ كان النور وجودا والظلمة عدماً
وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب
كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب فسمى نفسه نورا
--------------
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق ربه تعالى "حجابه النور"
وقال "إن الله سبعين حجاباً من نور وظلمة أو سبعين ألفاً
[right]ثم يساق الخلق إلى النور والظلمة
فيقيمون في تلك الظلمة ألف عام فمن لقي الله تبارك وتعالى لم يشرك به شيأ
ولم يدخل في قلبه شيء من النفاق ولم يشك في شيء من أمر دينه وأعطى الحق من
نفسه وقال الحق وانصف الناس من نفسه وأطاع الله في السرّ والعلانية ورضي
بقضاء الله وقنع بما أعطاه الله خرج من الظلمة إلى النور في مقدار طرفة
العين مبيضاً وجهه قد نجا من الغموم كلها ومن خالف في شيء منها بقي في الغم
والهم ألف سنة ثم خرج منها مسودّا وجهه وهو في مشيئة الله يفعل به ما يشاء
-----------------
والفرش المرفوعة في الظلل الممدود
-------
إذ
كل ما يقام فيه العبد إنما هو عن صفة إلهية ظلها هو الذي يظهر في العبد
والظل تبع بلا شك والعبد ظل لقول السلطان ظل الله في الأرض
--------
وتريك فيك وجودها بنعوتـهـا
خلف الظلال وجودها لك شامل
-------
قال تعالى
"ألم تر إلى ربك كيف مد الظل "
ثم قال"
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا
فأمرنا
بالنظ إليه والنظر إليه معرفته ولكن من حيث أنه مدّ الظل وهو إظهاره وجود
عينك فما نظرت إليه من حيث أحدية ذاته في هذا المقام وإنما نظرت إليه من
حيث أحدية فعله في إيجادك في الدلالة وهو صلاة الجمعة فإنها لا تجوز
للمنفرد
-----------
فمن
راعى هذه المعرفة الإلهية قال بصلاتها قبل الزوال لأنه مأمور بالنظر إلى
ربه في هذه الحال والمصلي يناجي ربه ويواجهه في قبلته والضمير في عليه
يطلبه أقرب مذكور وهو الظل ويطلبه الاسم الرب وإعادته على الرب أوجه
فإنه بالشمس ضرب الله المثل في رؤيته يوم القيامة
فقال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
ترون ربكم كما ترون الشمس بالظهيرة
أي وقت الظهر وأراد عند الاستواء بقبض الظل في الشخص في ذلك الوقت
لعموم النور ذات الرائي وهو حال فنائه عن رؤية نفسه في مشاهدة ربه
ثم قال "ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا "
وهو عند الاستواء ثم عاد إلى مده بدلوك الشمس وهو بعد الزوال
فعرفه بربه من حيث مده الظل وهنا تكون إعادة الضمير من عليه على الرب أوجه فإنه عند الطلوع يعاين مد الظل فينظر ما السبب في مدّه
فيرى ذاته حائلة بين الظل والشمس فينظر إلى الشمس فيعرف من مده ظله للشمس
في ذلك من الأثر فكان الظل على الشمس دليلا في النظر وكان الشمس على مد
الظل دليلا في الأثر ومن لم يتنبه لهذه المعرفة إلا وهو في حد الاستواء ثم
بعد ذلك بدلوك الشمس عاين امتداد الظل من ذاته قليلا قليلا جعل الشمس على
مد الظل دليلا فكان دلوكها نظير مد الظل وكان الظل كذات الشمس فيكون الدلوك
من الشمس بمنزلة المد من الظل فالمؤثر في المد إنما هو دلوك الشمس والمظهر
للظل إنما هو أوجده من كونه إلها فانظر يا وليّ مقام ذاتك من حيث وجودك تر
ما أشرف نسبته
فوجودك
وجود الحق إذ الله ما خلق شيئا غلا بالحق وبميل الشمس عنك يمتدّ ظلك فهي
معرفة تنزيه جعل ذلك دليلا لتعتقده فإن الشمس تبعد عنك وكلما بعدت عنك
نبهتك إنك لست مثله ولا هو مثلك إلا أن يحجبك عن رؤيتها
فهو التنزيه المطلق الذي ينبغي لذات الحق
كما
أنه في طلوعها وطلبها إياك بالانقاء إلى الاستواء تشمر ظلك شيئا بعد شيء
لنعلمك أن بظهورها في علوّها تمحوك وتفنيك إلى أن لا تبقى منك شيئا من الظل
خارجا عنك وهو نفي الآثار بسببك
ولهذا لم تشرع الصلاة عند الاستواء لفناء الظل فلمن ذا الذي يصلي أو إلى
من تواجه في صلاتك والشمس على رأسك ولذا قال في أهل المدنية وما كان على
خطها شرّقوا يعني في التوجه إلى القبلة في الصلاة ولا تغرّبوا أي راقبوا
الشمس من حيث ما هي شارقة فإنها تطلع فتفنيكم عنكم فلا يبقى لكم مقام ولا
أثر
قال تعالى "يا أهل يثرب لا مقام لكم"
فنبه عليه السلام أن ذلك هو المقام الأشرف بخلاف الدلوك
فإن الدلوك يمكن أن ينظر الإنسان فيه إلى امتداد ظله
ويمكن أن ينظر إلى تنزيه الحق في ميله عنه
بخلاف الشروق في الدلالة
فقال صلى الله عليه وسلم شرّقوا ولا تغربوا أي خدوا معرفتكم بالله من هذا الدليل
فإنه أرفع للإحتمال من الغروب
وبعد أن تبين هذا فمن صلى قبل الزوال الجمعة أصاب ومن صلاها بعد الزوال
أصاب والذي أذهب إليه أن صلاتها قبل الزوال أولى لأنه وقت لم يشرع فيه فرض
فينبغي أن يتوجه إلى الحق سبحانه بالفرضية في جميع الأوقات فكانت صلاتها
قبل الزوال أولى وإن كان قد يتفق أن يكون ذلك وقت أداء فرض صلاة في حق
الناسي والنائم إذا تذكرا ولكن بحكم التبعية يكون ذلك فإن المعتبر إنما هو
التذكر أو اليقظة في أي وقت كان بخلاف صلاة الجمعة إذا جعلناها قبل الزوال
فتعين لها الوقت كما تعينت أوقات الصلوات المفروضات وإن الله قد أشار إلى
نعيم مشاهدته ومصاحبته من غير تخصيص ولا تقييد فقال بكل شيء محيط وقال وهو
معكم أينما كنتم فاعلم ذلك
[/right]