الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام
هو الذي صبر وتحمّل في سبيل نشر هذا الدين العظيم ،
لَمّا مات عمّه أبو طالب نالت قريش من المصطفى صلّى الله عليه وسلم ما لم تكن تناله ولا تطمع فيه حتى اعترض سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي وعيناها تذرف بالدموع ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لها: "لا تبكي يا بنيّةُ فإنّ الله مانِعٌ أباكِ" (أي حافظ أباك) .
ثمّ إن أبا جهلٍ قام يومًا وقال لأجلسنّ له غدًا بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه فلَمّا أصبح أخذ حجرًا كما وصف ثم قعد ينتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغدا رسول الله كما كان يغدو فلَمّا جلس احتمل أبو جهل الحجر حتى إذا دنا من رسول الله ، حتى إذا دنا من أفضل خلق الله ، حتى إذا دنا من احبّ الخلق إلى الله رجع منهزمًا، رجع مُنتَقَعًا لونُه ، رجع مرعوبًا قد يبست يداه على حجره حتى قذفه من يده وقامت إليه رجال من قريش فقالوا ما لك يا أبا الحكم ؟
قال قمت إليه لأفعل ما قلت (أي ليرمي الحجر على رأس رسول الله ورسول الله في صلاته) قال : "قمت إليه لأفعل ما قلتُ فلمّا دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته فهمّ بي أن يأكلني" . فقال صلّى الله عليه وسلّم: "ذاك جبريل لو دنا لأخذه" .
ويخرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن الحارث فقط يلتمس النصرة وأقام فيها عشرة أيام فما ترك أحدًا من أشرافهم إلا اجتمع به فلم يجيبوه وسلّطوا سفهاءهم وصبيانهم عليه فقعدوا له بالطريق صفين يضربونه بالحجارة في رجليه حتى أدْمَوْهُما، ضُرب صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة حتى نزل الدم من قدميه ، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، نفسي فداك يا رسول الله ،
روحي فداك يا رسول الله ، يا من أرسلك الله رحمة للعالمين ، ضُرب صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة حتى نزل الدم من قدميه وزيد يقيه بنفسه حتى شُجّ في رأسه ثم جلس صلّى الله عليه وسلّم يقول ،
ترى وماذا يقول ؟ لا شكّ لم يعترض على الله ، لا شكّ لم يتسخّط على الله بل جلس يقول:
"اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربّ المستضعفين ..." إلى أن قال صلّى الله عليه وسلم: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي " الحديث .
فأرسل الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال فقال:
"إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين" (أي جَبَلَيْ مكّة)
فقال لجبريل لا عسى أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله تعالى
ولَمّا مات ولده إبراهيم جعلت عيناه تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله ؟ فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى (أيْ بدمعةٍ أخرى) فقال رسول الله:
"إن العينَ تدمعُ والقلبَ يحزنُ ولا نقول إلا ما يَرْضَى رَبُّنا وإنا بِفِرِاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزونونَ ".
وعن أسامة بن زيد قال: أرسلَتِ ابنةُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلم إليه أنّ ابنًا لي نَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فأتِنا. ابنةُ رسول الله ترسل لأبيها الرسول أنِ إِتِِنا، فأرسل يقرىء السلام ويقول:
"إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ شىء عنده بأجل مسمّى فلتصبر ولتحتسب" .
فأرسلت إليه تقسـم عليه ليأتِيَنّها فقام صلّى الله عليه وسلّم ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال ، فرفع إلى رسول الله الصبي ونفسه تضطرب وتتحرّك ففاضت عيناه ، فقال سعد :
"
يا رسول الله ما هذا ؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " .
أخي المسلم فليكن قدوتك محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإذا ابتليت بمصيبة أو حلّت بك نكبة أو فاجعة فكن صابرًا محتسبًا ولا تفتر عن ذكر الله وقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم ، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تعترض على حكم الله وقضائه وقدره فإن لله ما أعطى ولله ما أخذ ولا تتسخّط على الله فإنك تعيش في ملك الله وتأكل من رزق الله ولا تستغني طرفة عين عن الله .
اللهمّ إنا نسألك أن تجعلنا من الصابرين القانتين وأن تثبّتنا على الرضى بحكمك وقضائك ونسألك أن ترحمنا وتغفر لنا وتتوفّانا على كامل الإيمان.