ميــلاده :
كانت الأمة الإسلامية تحتفل بالذكرى الثمانين(1) من مولد الرسول الأعظم (ص) ، في السابع عشر من شهر ربيع الأول ، وكانت تسير في بيت الرسالة موجة كريمة من السرور والإبتهاج ، ترتقب مجدا يهبط عليها فيزيدها رفعة وشموخاً .
في تلك الليلة ، وفي ذلك الجو الميمون ولد الإمام الصادق (ع) شعلة نور بازغة سخت بها إرادة السماء لتضيء لأهل الأرض ، وتنير سبلها إلى الخير والسلام .
أبــواه :
ولد من أبوين كريمين عظيمين مباركين هما :
1 - الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي ؛ الباقر (ع) ، الذي انحدر من سلالة علي أباً وأماً ، حيث كان حفيد الحسين بن علي ، وكانت أمه حفيدة الحسن (ع) . وهكذا بُني أول بيت فاطمي أصيل ، فكان أشم وأروع قمة إنسانية ارتفعت على بيت الرسالة .
2 - فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، التي كانت هي الأخرى أول نقيبة من سلالة أبي بكر أماَ وأباَ . وجدها محمد بن أبي بكر كان له سابقة الجهاد بين يدي الإمام أمير المؤمنين (ع) ، وكان ربيباَ له حيث تزوج الإمام بعد موت أبي بكر زوجته أسماء بنت عميس ، فربى ولدها محمد في حجره ، وغذاه من علومه ، حتى أصبح فدائياَ مخلصاً للإسلام ، وولاه مصراً فقتل فيها بأمر من معاوية .
وهكذا يأتي الإمام عصارة جهاد مقدس ، من أب وأم منحدرين من سلالة مباركة .
نشأتــه :
لقد كانت ولادته في عصر جده الإمام زين العابدين الذي ملأ الآفاق فضله ومجده ، ولم يزل في كنفه الوديع الذي كان يوحي إليه كل معاني السمو والعظمة ، ويغذيه بكل معاني الفضل والكمال ، ولم يزل يرى من جده العبادة والزهادة والرفادة والإجتهاد في طاعة اللـه فتنطبع في نفسه آثارها ، حتى بلغ سن الثانية عشر .
وعندما انتقلت إلى أبيه مقاليد الإمامة العامة ، وقام (ع) بأداء واجباتها ومسؤولياتها خير قيام ، كان الإمام الصادق (ع) يترعرع ليصبح فتاً نموذجيا يرمق إليه الشيعة بأبصارهم ويرون فيه القدوة السادسة لهم .
سفرته إلى الشام :
لقد كان الأمويون في الفترة الأخيرة من تسلطهم - حيث اختلفت على الامة الإسلامية التيارات الفكرية المتناقضة - يمارسون آخر محاولاتهم لتمويه الحقائق وإثبات المتناقضات ، ويعالجون الأحداث السياسية على ضوء سياسة أسلافهم المنحرفين ، والعجيب من أمرهم أنَّهم في تلك الحقبة كانوا يبدِّلون أزياء الخلافة كما تتبدل السنين ، فلا تكاد تقبل سنة جديدة على الناس إلاَّ بخليفة جديد ، لأن الأمة تلفظهم وتأبى الخضوع لسيادتهم الباطلة .
في هذا العصر - بالذّات - قاسى الإمام الباقر (ع) من ظلم الأمويين الشيء الكثير ، لأنه كان مأوى الحق وأهله ومركز المضطهدين ، الذين عارضوا سياسة الأمويين كما يتبين ذلك من سيرته المقدسة .
أما الشيعة فقد إبتلوا بلاءً عظيماً من جراء الظلم الأموي ، كما بين الإمام الباقر (ع) حين قال : “ ثم جاء الحجاج فقتلهم - يعني الشيعة - شر قتله وأخذهم بكل ظنة وتهمة “ .
حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعي ينتمي لعلي (ع) .
ولأن الخليفة الأموي أراد إثبات سلطته على الإمام الباقر (ع) واستعراض قوته أمامه - مثلما يصنعه الحاكم السياسي الظالم اليوم بمن يعارضه في الأمر - قام باستدعائه إلى الشام ، فسافر الإمام (ع) إليها مصطحباً ولده العزيز .
(1) يقــول بعض المحققين أن أقرب الروايات إلى الحقيقة في تاريخ ميلاد الصادق (ع) هي التي تحدده بسنة (80) هجرية وهناك روايتان أخريتان 83 و 77 غير معتمد عليهما.