أدبني ربي فأحسن تأديبي

( أدبني ربي فأحسن تأديبي )

إن موضوع الأخلاق إخوتي من أهم المواضيع التي يجب أن نتكلم فيها و نعمل بها و خاصة نحن الذين ننتمي للتصوف فكما قيل التصوف كله اخلاق فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوف

و هذه مقدمة مقتطفة من كتاب الأخلاق الإسلامية للناشئة

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الشروع بالحديث عن الأخلاق الإسلامية و ما يتعلق بها لا بد أن نبين أن الأخلاق فطرية و مكتسبة
الأخلاق الفطرية تظهر في المرء منذ أول حياته و منذ بداية نشأته بالفطرة التي فطره الله عليها .
الأخلاق المكتسبة يكتسبها المرء من أسرته و أصدقائه و بيئته المحيطة أو من توالي الخبرات و التجارب عليه و نحو ذلك .
و لنبدأ بالحديث عن الأخلاق الفطرية :
إن حظوظ الناس من الطبائع النفسية التي فطروا عليها حظوظ متفاوتة , فالناس تتفاوت حظوظهم من الذكاء الفطري و تتفاوت حظوظهم الجسدية قوة و ضعفا و طولا و قصرا و بدانة و نحولا و صحة و سقما و جمالا و دون ذلك .
و هذه المتفاوتات نلاحظها حتى في الأطفال الصغار الذين لم تؤثر البيئة في تكوينهم النفسي بعد .
و قد جاء في أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم ما يثبت هذا التفاوت الفطري :
(( إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ألا و إن منهم البطيء الغضب سريع الفيء ,و السريع الغضب سريع الفيء , و البطيء الغضب بطيء الفيء فتلك بتلك , ألا و عن منهم بطيء الفيء سريع الغضب , ألا و خيرهم بطيء الغضب سريع الفيء , و شرهم سريع الغضب بطيء الفيء )) رواه الترمذي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
((الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة , خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا , و الأرواح جنود مجندة , فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف )) رواه مسلم
و هذا الحديث يكشف عن أصلين جوهريين من أصول التكوين العام للناس , التكوين النفسي , و التكوين الروحي .
و عن أبي موسى رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
(( إن الله خلق آدم من قبضة من جميع الأرض , فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر و الأبيض و الأسود و بين ذلك , و السهل و الحزن و الخبيث و الطيب )) رواه أحمد و الترمذي و أبو داود
و قد يسأل سائل : إذا كانت الأخلاق طباعا فطرية فلماذا وضع الإنسان تجاهها موضع الابتلاء و التكليف ؟
و الجواب على ذلك : هناك حقيقة ثابتة في مجال كل تكليف رباني هي أن الله تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فمسؤولية الإنسان تنحصر فيما يدخل في وسعه و ما يستطيعه من عمل .
و امتحان الله لعباده يكون بمقدار ما منحه من هبات و عطايا و على مقدار استطاعته الجسدية و النفسية ثم تكون المحاسبة بعد ذلك على مقدار نسبة الامتحان و يكون الجزاء العادل على مقدار الطاعة و ا لجهد المبذول نفسيا و جسديا أو على مقدار المعصية و الجهد الذي كان يمكن بذله في الطاعة .
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} {الزلزلة : 7-8}
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق: 7}
لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة : 286}
و قد يسأل سائل أيضا إذا كانت الطبائع الإنسانية هي المهيمنة على سلوك الإنسان الشامل للسلوك الأخلاقي و غيره و هذه الطبائع ذات نسب فطرية متفاوتة فما هي فائدة التربية الأخلاقية؟
و الجواب على ذلك : إن من الطباع الفطرية ما تكون قابلة للتعديل و التبديل و لو في حدود نسب جزئية لدخولها تحت سلطان إرادة الإنسان و قدرته , فهي خاضعة للمسؤولية و داخلة في إطار التكاليف الربانية . و هذه تستفيد من التربية الأخلاقية المتعددة و إن اختلفت نسب الاستعداد من شخص إلى آخر , و ما لم يكن قابلا للتعديل و التبديل لخروجه عن سلطان إرادة الإنسان و قدرته فهو غير داخل في إطار المسؤولية تجاه التكاليف الربانية .
هذا و يجب أن نعلم أن الأخلاق الفطرية قابلة للتنمية و التوجيه و التعديل , لأن وجود الخلق بصفة فطرية يدل على وجود الاستعداد الفطري لتنميته بالتدريب و التعليم و تكرر الخبرات , كما أنه يدل على وجود الاستعداد الفطري لتقويمه و تعديله و تهذيبه أيضا بالتدريب و التعليم و تكرر الخبرات , و تشهد لهذه القابلية التجارب التربوية للإنسان و الملاحظات المتكررة على أفراد الناس من مختلف البيئات الإنسانية .
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} {الشمس : 7-10}
الأخلاق المكتسبة :هي الأخلاق التي يكتسبها المرء من البيئة الطبيعية أو البيئة الاجتماعية أو من توالي الخبرات و التجارب و نحو ذلك .
و رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أثر البيئة في تغيير الفطرة و إكسابه الأخلاق و المبادئ المتعددة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) رواه الشيخان
و لا بد لاكتساب الأخلاق من وجود الاستعداد الفطري لاكتسابها , و شأن الأخلاق في هذا كشأن المهارات الحركية و العضلية , فالعضو الذي لديه استعداد و قابلية فطرية يمكن أن يغدو بالتدريب و التعليم مكتسبا لمهارة من هذه المهارات , أما العضو الذي ليس لديه هذا الاستعداد فإنه من المتعذر تدريبه و تعليمه حتى يكسب هذه المهارة , و كذلك اكتساب الأخلاق .
و التربية الإسلامية لم تلجأ إلى محاولة إلغاء أصل طبائع الناس الفطرية أو إلغاء شيء منها لتضع محلها طبائع جديدة مكتسبة لم تكن هي و لا الاستعداد إليها من الأمور الفطرية , و لكن التربية الإسلامية لجأت إلى الأسس ا لتربوية النافعة في التقويم و التحويل و التنمية و التهذيب و التشذيب , كما لجأت إلى وسائل متعددة لاكتساب الأخلاق كالتدريب العملي و الرياضة النفسية و الغمس في البيئات الصالحة و القدوة الحسنة و غير ذلك .
فمن وجد في نفسه أو أولاده أو طلابه أخلاقا فطرية سامية فليحمد الله عز و جل و ليشكره على هذه النعمة و عليه أن ينميها و يشجعها و يزكيها , كما يجب عليه أن يسعى وراء الأخلاق المكتسبة ليكتسبها و يغرسها في نفسه أو أولاده أو طلابه بكل مجالات الاكتساب و التربية , لتسمو الأرواح و تزكو النفوس و تطهر , و لتعم السعادة و الخير على جميع المستويات و ليحصل التوفيق و النجاح في الدنيا و الآخرة .