التوبة
في اللغة
« التوبة : الاعتراف بالذنب ، والندم عليه ، والعزم على أن لا يعاود الإنسان ما اقترفه »
في القرآن الكريم
وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم ( 87 ) مرة على اختلاف مشتقاتها ، منها قوله تعالى : وَتوبوا إلى اللَّهِ جَميعاً أَيُّها الْمُؤْمِنونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ ( ) .
الشيخ أبو سعيد الخراز يقول : « التوبة : هي الندم على ما كان من التفريط في حق أمر الله ، ونهيه والعزيمة على ترك العود في شيء مما يكرهه الله ودوام الاستغفار هو رد كل مظلمة للعباد من مالهم والاعتراف لله تعالى ولهم ولزوم الخوف والحزن ، والإشفاق أن لا تكون مصححاً، والخوف أن لا تقبل توبتك ، ولا تأمن أن يكون قد رآك الله على بعض ما يكره فمقتك »
[ تعقيب ] :
عقب الشيخ الطوسي على أقوال السوسي ، وسهل ، والجنيد قائلا : « أجاب السوسي رحمه الله ... عن توبة المريدين والمتعرضين والطالبين والقاصدين وهم الذين تارة لهم وتارة عليهم والذي قال سهل بن عبد الله أيضا فكذلك وأما ما أجاب الجنيد عن التوبة أن ينسى ذنبه أجاب عن توبة المتحققين لا يذكرون ذنوبهم لما غلب على قلوبهم من عظمة الله تعالى ودوام ذكره »
الشيخ عبد العزيز الديريني يقول : « التوبة : هي يقظة من الله تعالى تقع في القلب فيتذكر العبد تفريطه وإساءته وكثرة جناياته مع دوام نعم الله تعالى عليه فيعلم أن الذنوب سموم قاتلة يخاف منها حصول المكروه وفوات المحبوب في الدنيا والآخرة ثم يثمر الندم عملاً ، وهو المبادرة إلى الخيرات ، وقضاء الواجبات ، ورد الظلامات ، والعزم على إصلاح ما هو آت »
الشيخ أحمد بن محمد بن عباد يقول : « التوبة : أصل كل مقام وحال ، وهي أول المقامات وهي بمثابة الأرض للبناء فمن لا أرض له لا بناء له »
الشيخ أحمد بن عجيبة يقول : « التوبة : هي الرجوع عن كل فعل قبيح إلى كل فعل مليح أوعن كل وصف دني إلى التحقق بكل وصف سني ، أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق »
يقول ابن عربي :« وحدّها [ التوبة ] : ترك الزلة في الحال . والندم على ما فات ، والعزم على أنه لا يعود لما رجع عنه ، ويفعل الله بعد ذلك ما يريد .فأما ترك الزلة في الحال فلابد منه .وأما الركن الثاني وهو الندم على ما فات ، وهو عند الفقهاء الركن الأعظم ... فالعارفون : آدميون ، يسألون من ربهم أن يتوب عليهم ، وحضهم من التوبة ، الاعتراف والسؤال لا غير ذلك ... فإن الرجوع إلى الله بطريق العهد وهو لا يعلم ما في علم الله فيه خطر عظيم ، فإنه إن كان قد بقي عليه شيء من مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد ، فينتظم في قوله : ( الَّذينَ يَنْقُضونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ )، فلم يرى أكمل من معرفة آدم حيث اعترف ودعا ، وما عهد مع الله توبة عزم فيها أنه لا يعود كما يشترط علماء الرسوم في حدّ التوبة ... فإن في العزم سوء أدب مع الله بكل وجه »
فالتوبة المشروعة : هي التوبة من المخالفات ، والتوبة الحقيقية هي التبري من الحول والقوة بحول الله وقوته... »
[ مسألة كسنـزانية ] : في رجعات التوبة
التوبة : هي التحقيق بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، وذلك لأنها تعني ثلاث رجعات :
الرجوع من الخلق أي : ترك المخالفات والأغياروهو التحقق بقول: لا إله
الرجوع إلى الحق أي محبته الكاملة وطاعته ، وهو التحقق بقول : إلا الله
ثم الرجوع من الحق إلى الخلق لإرشادهم إلى الحق وهو التحقق بقول : محمد رسول الله .
فالتائب على التحقيق هو من تحقق بلا إله إلا الله محمد رسول الله .
مرتبة التوبة من التصوف
التوبة أول مرتبة في التصوف ، وآخر مرتبة بعد التوكل على الله ، وذلك لأن التصوف أوله ترك المخالفات والمنهيات والأغيار وهو المقصود الأول من التوبة ، ثم أن غاية التصوف ونهايته الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وهو حقيقة التوبة ، لأنها تعني هذا الرجوع ، فهي أول مرتبة وآخر مرتبة .
في ثمار التوبة
يقول الإمام أبو حامد الغزالي :« للتوبة ثمرتان ، إحداهما : تكفيرالسيئات حتى يصير كمن لا ذنب له والثانية:نيل الدرجات حتى يصير حبيباً »
علامة قبول التوبة
يقول الشيخ الحكيم الترمذي : « علامة قبول التوبة : أن يفتح عليك باباً من الطاعة لم يكن لك قبل ذلك »
ويقول الشيخ أبو طالب المكي :« علامة التوبة : قطع أسباب الهوى ، والزهد فيما كانت النفس راغبة فيه »
ويقول الشيخ الغوث عبد القادر الكيلاني :« علامة أنه مقبول التوبة أربعة أشياء :
أولها : أن ينقطع عن أصحاب الفسق ولا يراهم ، هيبة من نفسه ، ويخالط الصالحين .
والثاني : أن يكون منقطعاً عن كل ذنب ، مقبلاً على جميع الطاعات .
والثالث : أن يذهب فرح الدنيا من قلبه ، ويرى حزن الآخرة دائماً في قلبه .
والرابع : أن يرى نفسه فارغاً عما ضمن الله له ، يعني من الرزق مشتغلاً بما أمر الله به من الطاعة »
شروط التوبة
ويقول الشيخ أحمد بن عجيبة :
« شروط التوبة : الندم ، والإقلاع ، ونفي الإصرار . وأما رد المظالم ففرض مستقل تصح بدونه ، كما تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من غير نوعه »
توبة الرسل والأنبياء
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
« توبة الرسل والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فليست من ذنب ولا من نقص ، فإنهم الأكملون في أنفسهم ، المكملون غيرهم فلهذا نقول : التوبة لا تستلزم الذنب والمخالفة لأمر الله تعالى ... فقد يكونان مما يراه التائب غير لائق بجلال مولاه بحسب مرتبة التائب ومقامه ، ومرتبة علمه بجلال إلهه وعظمته ، وحقارة العبودة وافتقارها ، وإن لم يكن ذلك الأمر ذنباً منهياً عنه ، وأكمل الخلق علماً بهذا وقياماً بمقتضاه الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ولهذا ترى الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – يتوبون ويستغفرون من أشياء هي عند الأولياء من أكبر القربات ، فضلاً عن عامة المؤمنين ، وانظر إلى ذنوبهم التي يذكرونها عند طلب الخلائق منهم الشفاعة يوم القيامة تعرف هذا . فعلو مقامهم ، وكمال علمهم بجلال الله اقتضى لهم ذلك . ولما رأوا ذلك ذنباً وتابوا واستغفروا منه تركهم الحق تعالى على ذلك وقال لهم : غفرت لكم . والمغفرة على ضربين : ضرب هو الستر عن العقوبة ، وضرب هو الستر عن الوقوع في الذنب »
في أنواع التوبة عند فرق العباد
يقول الإمام جعفر الصادق: « كل فرقة من العباد لهم توبة .
فتوبة الأنبياء : من اضطراب السر .
وتوبة الأولياء : من تلوين الخطرات .
وتوبة الأصفياء : من التنفيس .
وتوبة الخاص : من الاشتغال بغير الله .
وتوبة العام : من الذنوب ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره » .
كرامات من قبلت توبته
يقول الغوث عبد القادر الكيلاني :
« يكرمه الله تعالى [ من قبلت توبته ] أيضاً بأربع كرامات :
إحداها : أن يخرجه من الذنوب كأنه لم يذنب قط .
والثانية : يحبه الله تعالى .
والثالثة : أن لا يسلط عليه الشيطان ويحفظه منه .
والرابعة : أن يؤمنه من الخوف قبل أن يخرجه من الدنيا »
حقيقة التوبة
يقول الإمام جعفر الصادق :
« حقيقة التوبة : هي الرجوع من طريق البعد إلى طريق القرب »
يقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي
« التوبة : هي مفتاح كل خير وأساس كل مقام ، إذ بها تنفتح أبواب جميع الأحوال ، وتنكشف بها وجوه الأسرار ، وعليها تبنى جميع المقامات والكرامات »
الدعوة إلى التوبة
يقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج :
« إلى كم أنت في بحر الخطايا تبارز من يراك ولا تـراه
وَسمْتُك سمْتُ ذي ورع ودين وفِعْلُك فِعْلُ مُتَّبـع هَـواه
فيا من باتَ يخلو بالمعاصـي وعينُ الله شاهـدة تـراه
أتطمع أن تنال العفو ممـن عصيت وأنت لم تطلب رضاه
وتفرح بالذنوب والخطايـا وتنسـاه ولا أحـد سـواه
فتُب قبل الممات وقبل يـوم يلاقي العبد ما كسبت يـداه »
الأحوال التي جمعها مقام التوبة
يقول الشيخ عمر السهروردي :
« جمع مقام التوبة : حال الزجر وحال الانتباه وحال التيقظ ومخالفة النفس والتقوى والمجاهدة ورؤية عيوب الأفعال والإنابة والصبروالرضا والمحاسبة ، والمراقبة ، والرعاية ، والشكر ، والخوف ، والرجاء »
الشيخ ذو النون المصري يقول : « توبة الباطن : هي أكل الحلال »
الشيخ إسماعيل حقي البروسوي توبة الباطن : هي توبة القلب من ذنوب الباطن ، وهي الغفلة عن الذكر حتى يتصف به ، بحيث لو صمت لسانه لم يصمت قلبه .
الإمام الحسن بن علي يقول : « التوبة النصوح : هي ندم بالقلب ، واستغفار باللسان ، وترك بالجوارح ، وإضمار إلا يعود فيه »
الإمام جعفر الصادق يقول : « التوبة النصوح : هو أن يكون باطن الرجل كظاهره وأفضل »
الشيخ الفضيل بن عياض يقول : « التوبة النصوح : هي أن يكون الذنب بين عينيه ولا يزال كأنه ينظر إليه »
الشيخ أبو بكر الوراق يقول : « التوبة النصوح : هي أن ، تضيق عليك الأرض بما رحبت ، وتضيق عليك نفسك كتوبة الثلاثة الذين خلفوا » .
الشيخ أحمد بن عجيبة يقول : « التوبة النصوح : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وعدم الإصرار بالجنان ، ومهاجرة سيئ الخلان »
علامات التوبة النصوح
يقول الشيخ سفيان الثوري :
« علامة التوبة النصوح أربعة : القلة ، والعلة ، والذلة ، والغربة »
ويقول الشيخ ذو النون المصري :
« التوبة النصوح علامتها ثلاث : قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام »
ويقول الشيخ فتح الموصلي :
« التوبة النصوح علامتها ثلاث : مخالفة الهوى وكثرة البكاء ومكابدة الجوع والظمأ »
الشيخ الحكيم الترمذي
يقول : « التائب : هو من يتخلص من اثني عشر جنساً من أجناس المحرمات وهي : الكفر والشرك والنفاق والفسوق والعصيان والإثم والعدوان والفحشاء والمنكر والبغي والقول بلا علم واتباع غير سبيل المؤمنين . فهذه الاثنا عشر جنساً عليها مدار كل ما حرم الله وإليها انتهاء العالم بأسره إلا اتباع الرسل ( صلوات الله وسلامه عليهم ) وقد يكون في الرجل أكثرها وأقلها أوواحدة منها ، وقد يعلم ذلك أولا يعلم » .