بسم الله الرحمن الرحيم
السر العظيم لقول بسم الله الرحمن الرحيم
تستحيل ترجمة الكلام القدسي للقرآن الكريم إلى أي لغةأخرى. الترجمة، أي ترجمة يمكنها ربما أن تكون بالنسبة للمعاني مثل الصورة الفوتوغرافية بالنسبة للشخص، لا يمكن لإنسان أن يكون مثل صورته الفوتوغرافية. مثلاً لا يمكن للسلطان أن يقبل صورته باعتبارها حقيقته. لو أراد الله جل وعلا أن ينزل كتابا من السماء باللغة الماليزية فإن له ذلك باعتبار إرادته. لكن كل الترجمات هي كلمات عباده. ولن يمكن إطلاقاً أن تكون مثل كلام الله. لذا فإننا نقول في القرآن "بسم الله" الرحمن الرحيم. الترجمة تكون مثل صورة عن "بسم الله الرحمن الرحيم".
لذلك فإننا لو قلنا من البداية وحتى النهاية "بسم الله الرحمن الرحيم" بلغة أخرى غير لغة القرآن فإن ذلك لن يوازي قول مرة واحدة "بسم الله الرحمن الرحيم". لكننا نقول بأن بعض الناس سيشعرون أحياناً بالسعادة من جراء الاستماع لبعض المعاني ويحتفظوا بها لأنفسهم. في أحد كتب الأطفال المعدة لتزويدهم بثقافة عامة رأيت فيه صورة لجنيه إسترليني من فئة الخمس جنيهات أو العشر جنيهات، فلو أنني قلت لأحدهم لعلنا نقطع هذه الأوراق النقدية ونشتري بها شيئاً. فإنه سيجيبني على الفور لا لأنها صورة فوتوغرافية عن النقد الحقيقي. ومن ذا الذي سيقبل تلك الصورة كما يقبل النقد الحقيقي؟ لذلك من منظار المعرفة فإننا لو حاولنا أن نجد المعنى الكامل لعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" فإننا سنمضي هذه الحياة بكاملها ولن ننتهي من البحث.
سيدنا علي كرّم الله وجهه كان يقول : أيها الناس لو أنني جلست هنا وبدأت أكشف معاني "بسم الله الرحمن الرحيم" فإن ذلك قد يكفي لتحميل مائة جمل. مع ذلك فإن العمل لن ينتهي. لقد قيل أن الله جل وعلا أرسل 114 كتاباً مقدساً عبر العصور وأنه جمع كل المعارف التي وردت في تلك الكتب في القرآن الكريم ثم أنه جمع كل المعارف والمعاني الباطنة للقرآن في سورة الفاتحة.
لذلك لو صلى أحدهم وتلا القرآن بدءاً بـ "ألم" وانتهاء بـ "من الجنة والناس" لكن دون سورة الفاتحة فإن صلاته تكون غير كاملة. لأن القرآن بكامله لا يتساوى مع الفاتحة. حتى أنه لو قرأ المرء القرآن كله سبع مرات (لكن دون سورة الفاتحة) فإن ذلك لن يكون مساوياً لتلاوة الفاتحة الشريفة.
لذلك من دون الفاتحة فإن الصلاة لا تكون كاملة. في المذهب الشافعي الفاتحة فرض، في المذهب الحنفي هي واجب. الفاتحة هي سبع آيات لخص بها الله جل وعلا كل معاني القرآن الكريم. عندما خلق الله تعالى اللوح المحفوظ. وخلق القلم الأعلى. وسأل الله القلم أن يبدأ بكتابة اللوح. وعندما سأل القلم ماذا أكتب يا ربي ؟ جاءه الجواب :
"أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم" وقد استغرق القلم الأعلى في كتابة تلك العبارة سبعمائة عام. شيء لا يمكن لإنسان أن يتخيله. لأنه ليس من الأمور التي يمكننا أن نقيسها بمقاييسنا. لأن عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" توازي قيام كل شيء في الكون في الملك والملكوت بالتسبيح والتعبير عن الحمد والشكر أمام عظمة الله. ونحن قد نكتبها ببرهة قصيرة" لكن ليس هناك ما يماثلها قوة في إظهار قدرة الخالق وعظمته وسلطانه الأبدي. واقفا ومبهوتاً أما عظمته فإن القلم الأعلى استغرق سبعمائة سنة ليلخصها بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم".
بعدها أقسم الله عز وجل بعزته وعظمته أن أيا من عبادي يقول أسمائي ويذكرني بتلاوة بسم الله الرحمن الرحيم فإني سأجازي ذلك الشخص كما لو أنه صلى لي سبعمائة عام. كل ذلك لقوله مرة واحدة "بسم الله الرحمن الرحيم". لا تظنوا أن ذلك المنح كثير على الله (جل وتعالى عن أي نقص) فقد نقل رسول الله عن الله تعالى هذا الوعد في حديث قدسي.
إننا في حاجة لأن نؤمن لا أن نعرف. الأوروبيون ربما يريدون أن يعرفوا لكن لا إيمان لهم. وما الفائدة من المعارف الظاهرية؟ إني ألتقي بعدد كبير من الدارسين الغربيين، وهم يتلون القرآن والحديث الشريف، وهم يعلمون عن القرآن ربما أكثر من دارسينا وعلمائنا. كذلك كم من طلابنا الذين يأتون إلى أوروبا لينالوا "الدكتوراه" وهم يتعلمون منهم. لكننا في حاجة لأن نؤمن لا أن نعلم. لأنك ما لم تؤمن فإنك لن تستفيد من المعرفة التي أعطيت لك. نعم علينا أن نؤمن لا أن نعلم. لأنك ما لم تؤمن فإنك لم تستفيد من المعرفة التي أعطيت لك. نعم علينا أن نؤمن بما نعلم ونحن ننطق بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" ونستمد منها مدداً قدسياً. الله يعلم أننا عبيد ضعفاء وهو يسعى دوماً للتعويض عن ضعفنا بكرمه. وهو يقول لنا إن كنتم تخشوني فإليكم مددي و الله يرسل من عنده مدداً.
إن عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" تمدكم على الفور وفي أي وقت في أي مكان وفي أي مناسبة تشعرون بالحاجة إلي قولوا "بسم الله الرحمن الرحيم". لذلك كان الرسول (r) يقول (كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر). أي عمل مهم تريدون عمله وتتوخون منه فلاحاً فابدءوا باسمي وقولوا "بسم الله الرحمن الرحيم". تواضعوا حقيقة لكي تقولوا "بسم الله الرحمن الرحيم". لذلك فإن الله تعالى أرسل "بسم الله الرحمن الرحيم" لعباده ليلجأوا إليها. وحتى لو لم يعرفوا ترجمتها التامة فإن بإمكانهم أن يقولوها.
في حديث قدسي نقله الرسول يقول الله تعالى "أنه لو أن عبادي بأسرهم أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم في الملك وفي الملكوت، لو أنهم حشروا جميعاً في سهل ولو أن كل منهم سألني أن أعطيه أي شيء يتخيله حتى ولو فاق أي تصور في دنيا. فإن لهم أن يسألوا ولي أن أعطيهم ما يسألوه. ومهما أعطيتهم فإن كنزي لن ينقص منه قدر شعرة. لأنه لو كان كنز الله عرضة للتناقص فإنه قد ينتهي. لذا فإن كرم الله ونعمه لا تنتهي ولا تزول. وأهم صفات الله أنه كريم.
لذا عندما يقول الله تعالى إن كل من يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" يكافأ كما لو أنه صلى لله سبعمائة عام فإن علينا أن نؤمن به لأن لا مثل هذا ولا غيره هو على الله جل وعلا بكثير. لذا فإن واجب الأهل أن يعلموا أطفالهم أن يلجأوا عند كل عمل وكل مناسبة إلى "بسم الله الرحمن الرحيم". لأنه لو نسينا "بسم الله الرحمن الرحيم" وخسرناها فإن ذلك سيعني أننا سنضيع وننتهي. أثمن شيء يمكن أن تورثوه لأولادكم هو قول "بسم الله الرحمن الرحيم". |