تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -)
يخبر تعالى أنه أنزل القرآن { لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } وهي الليلة المباركة التي قال الله عزَّ وجلَّ:
{ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ }
[الدخان: 3] وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى:
{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ }
[البقرة: 185]، قال ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها، فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }. روى ابن أبي حاتم، عن مجاهد " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فأنزل الله عزَّ وجلَّ: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } " التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر، وورى ابن جرير، عن مجاهد قال: " كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل " ، وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، وعن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس: عملٌ فيها خير من علم ألف شهر، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهو اختيار ابن جرير، وهو الصواب، كقوله صلى الله عليه وسلم: " رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل " وفي الحديث الصحيح في فضائل رمضان قال عليه السلام: " فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وقوله تعالى: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له، وأما الروح فقيل: المراد به هٰهنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل: هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبأ، والله أعلم, وقوله تعالى: { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } قال مجاهد: سلام هي من كل أمر، وقال سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله: { سَلاَمٌ هِيَ } قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً، أو يعمل فيها أذى، وقال قتادة: تقضى فيها الأمور، وتقدر الآجال والأرزاق، كما قال تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }
[الدخان: 4]، وروى أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: " إنها ليلة سابعة، أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " وقال قتادة وابن زيد في قوله: { سَلاَمٌ هِيَ } يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وأمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، والشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في ليلة القدر: " ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء " وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها وهي في العشر الأواخر من لياليها وهي طلقة بلجة. لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها ".
فصل
اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة أو هي من خصائص هذه الأمة؟ فقال الزهري: حدثنا مالك أنه بلغه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أُمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر " وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر. وقيل: إنها كانت في الأمم الماضين كما هي في امتنا. ثم هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصة لا كما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة من أنها توجد في جميع السنة، وترتجى في جيمع الشهور على السواء، وقد ترجم أبو داود في " سننه " على هذا فقال: (باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان)، ثم روى بسنده عن عبد الله بن عمر قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: هي في كل رمضان " ، وقد حكي عن أبي حنيفة رحمه الله رواية أنها ترتجى في كل شهر رمضان وهو وجه حكاه الغزالي
فصل
ثم قد قيل: إنها تكون في أول ليلة من شهر رمضان، وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة، وهو قول الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري، ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعه هي السابعة عشرة من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه:
{ يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ }
[الأنفال: 41]. قيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود، وقيل: ليلة إحدى وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط. فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: الذي تطلب أمامك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان، فقال: " من كان اعتكف معي فليرجع فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر. وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء ". وكان سقف المسجد جريداً من النخل. وما نرى في السماء شيئاً، فجاءت قزعة، فمطرنا فصلّى بنا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه في صبح إحدى وعشرين " قال الشافعي: وهذا الحديث أصح الروايات. وقيل: ليلة ثلاث وعشرين. وقيل: تكون ليلة خمس وعشرين لما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى " فسره كثيرون بليالي الأوتار، وهو أظهر وأشهر، وحمله آخرون على الأشفاع. وقيل: إنها تكون ليلة سبع وعشرين، لما رواه مسلم في " صحيحه " عن أُبي بن كعب " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين " ، قال الإمام أحمد: عن زر: سألت أُبي بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، قال: يرحمه الله لقد علم أنها في شهر رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا بها، تطلع ذلك اليوم لا شعاع لها يعني الشمس، وهو قول طائفة من السلف، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو رواية عن أبي حنيفة أيضاً، وقيل: إنها تكون في ليلة تسع وعشرين، روى الإمام أحمد بن حنبل " عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في رمضان فالتمسوها في العشر الأواخر فإنها في وتر إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو في آخر ليلة "
وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: " إنها في ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " وقيل: إنها تكون في آخر ليلة لما تقدم من هذا الحديث آنفاً، ولما رواه الترمذي والنسائي من حديث عيينة بن عبد الرحمٰن عن أبيه عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث أو آخر ليلة يعني التمسوا ليلة القدر " وفي " المسند " من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: " إنها آخر ليلة ".
فصل
قال الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جواباً للسائل إذا قيل له: أنلتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: " نعم " ، وإنما ليلة القدر ليلة معينة لا تنتقل، وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر، وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة هو الأشبه، والله أعلم وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر " أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر. فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر " ، وفيهما أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ، ويحتج الشافعي أنها لا تنتقل وأنها معينة من الشهر بما رواه البخاري في " صحيحه " عن عبادة بن الصامت قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " " ، وجه الدلالة منه أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها إلاّ ذلك العام فقط، اللهم إلاّ أن يقال إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط، وقوله: " فتلاحى فلان وفلان فرفعت " فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، كما جاء في الحديث: " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " وقوله: " فرفعت " أي رفع علم تعيينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة، لأنه قد قال بعد هذا: " فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " ، وقوله: " وعسى أن يكون خيراً لكم " يعني عدم تعيينها لكم فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة بخلاف ما إذا علموا عينها، فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط، وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في اتبغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأخير أكثر، ولهذا " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عزَّ وجلَّ، ثم اعتكف أزواجه بعده " عن ابن عمر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان " ، وقالت عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وشد المئزر " ، ولمسلم عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره " ، وهذا معنى قولها وشد المئرز وقيل: المراد بذلك اعتزال النساء، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين لما رواه الإمام أحمد، عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شدة مئزره، واعتزل نساءه " ، وقد حكي عن مالك رحمه الله أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على أُخرى، والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: اللهم إنك عفوت تحب العفو فاعف عني، لما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت: " يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ".
تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ)
قوله جلّ ذكره: { إنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القَدْرِ }.
في ليلةٍ قَدَّرَ فيها الرحمةَ لأوليائه، في ليلةٍ يجد فيها العابدون قَدْرَ نفوسِهم، ويشهد فيهَا العارفون قَدْرَ معبودهم.. وشتان بين وجودِ قَدْرٍ وشهودِ قَدْرٍ! فلهؤلاء وجودُ قَدْرٍ ولكن قدر أنفسهم، ولهؤلاء شهود قدرٍ ولكن قدر معبودهم.
{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }.
استفهامٌ على جهة التفخيم لشأن تلك الليلة.
{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }.
أي: هي خيرٌ من ألف شهر ليست فيها ليلة القدر. هي ليلةٌ قصيرةٌ على الأحباب لأنهم فيها في مسَامرةٍ وخطاب.. كما قيل:
يا ليلـة مـن ليالـي الـدهـرِ قابلـت فيهـا بَدْرَهـا بِبَـدْرِولم تكـن عـن شَفَـقٍ وفَجْـرٍ حتـى تولّـت وهـي بَكْـرُ الدهـرِ
قوله جلّ ذكره: { تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }.
{ وَالرُّوحُ فِيهَا }: قيل جبريل. وقيل: مَلَكُ عظيم.
{ بِإِذْنِ رَبِّهِم }: أي بأمر ربهم.
{ مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ }: أي مع كل مأمورٍ منهم سلامي عَلَى أوليائي.
{ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }: أي هي باقية إلى أن يطلع الفجر.
تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ)
إنّا أنزلناه في ليلة القدر } ليلة القدر هي البنية المحمدية حال احتجابه عليه السلام في مقام القلب بعد الشهود الذاتي لان الإنزال لا يمكن إلا في هذه البنية في هذه الحالة، والقدر هو خطره عليه السلام وشرفه إذ لا يظهر قدره ولا يعرفه هو إلا فيها، ثم عظمها بقوله: { وما أدراك ما ليلة القدر } أي: أيّ شيء عرفت كنه قدرها وشرفها.
{ خير من ألف شهر } قد مرّ أن اليوم يعبر به عن الحادث كقوله:
{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ }
[إبراهيم، الآية:5] فلكل كائن يوم، وإذا بنى على هذه الاستعارة كان كل نوع شهراً لاشتماله على الأيام والليالي اشتمال النوع على الأشخاص، وكل جنس سنة لاشتمالها على الشهور اشتمال الجنس على الأنواع.
تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ)
يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّا أنزلناه في ليلة القدر } ، نوّه بشأن القرآن، حيث أسند إنزاله إليه بإسناده إلى نون العظمة، المنبىء عن كمال العناية به، وجاء بضميره دون اسمه الظاهر للإيذان بغاية ظهوره، كأنه حاضر في جميع الأذهان، وقيل: يعود على المقروء المأمور به في قوله:
{ ٱقْرَأْ }
[العلق:1] فتتصل السورة بما قبلها. وعظَّم الوقت الذي أنزله فيه بقوله: { وما أدراك ما ليلةٌ القَدْر } لِما فيه من الدلالة على أنَّ علو قدرها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يدريها إلاّ علاَّم الغيوب، كما يُشعر به قوله تعالى: { ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ } أي: ليس فيها ليلة القدر، فإنه بيان إجمالي لشأنها إثر تشويقه صلى الله عليه وسلم إلى درايتها، فإنَّ ذلك مُعْرِب عن الوعد بإدرائها على ما تقدّم. وفي إظهار ليلة القدر في الموضعين من تأكيد التفخيم ما لا يخفى.
والمراد بإنزاله: إمّا إنزاله كله إلى سماء الدنيا، كما رُوي أنه أنزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجوماً في ثلاثٍ وعشرين سنة، وإمّا ابتداء نزوله،وهو الأظهر. وسُميت ليلة القدر لتقدير الأمور فيها، وإبراز ما قضى تلك السنة، لقوله تعالى:
{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }
[الدخان:4]، فالقَدْر بمعنى التقدير، أو لشرفها على سائر الليالي، فالقَدْر بمعنى الشرف، وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان على المشهورِ. لما رُوي أنَّ أُبي بن كعب كان يحلف أنها ليلة السابع والعشرين، وقيل غير ذلك ومظان التماسها في الأوتار من العشر الأواخر. ولعل السر في إخفائها تعرض مَن يريدها للثواب الكثير بإحياء الليالي في طلبها، وهذا كإخفاء الصلاة الوسطى، واسمه الأعظم، وساعة الجمعة، ورضاه في الطاعات، وغضبه في المعاصي، وولايته في خلقه ليحسن الظن بالجميع.
وتخصيص الألف بالذكر إمّا للتكثير، أو لما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المؤمنون وتقاصرت إليهم أعمالهم، فأُعطوا ليلةَ القدر هي خيرٌ من عمل ذلك الغازي. وقيل: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم كافة، فاستقصر أعمار أمته، فخاف ألاّ يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم، فأعطاه الله ليلة القدر، جعلها خيراً من ألف شهر لسائر الأمم. وقيل: كان مُلك سليمان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر، فجعل الله هذه الليلة لِمن قامها خيراً من ملكيهما.
ثم بيّن وجه فضلها، فقال: { تَنزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها } ، والروح إمّا جبريل عليه السلام، أو خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلاّ تلك الليلة، أو الرحمة. والمراد بتنزلهم: نزولهم إلى الأرض يُسلمون على الناس ويؤمِّنون على دعائهم، كما في الأثر.
وقيل: إلى سماء الدنيا. وقوله: { بإِذنِ ربهم } يتعلق بـ " تنزلُ " ، أو بمحذوف هو حال من فاعله، أي: ملتبسين بأمر ربهم، أو: ينزلون بإذنه، { من كل أمرٍ } أي: من أجل كل أمر قضاه الله تعالى لتلك السنة إلى قابل، رُوي أنَّ الله تعالى يُعْلِم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام كله، وقيل: يَبرز ذلك مِن علم الغيب ليلة النصف من شعبان، ويُعْطَى الملائكةً ليلة القدر، فلما كان أهم نزولهم هذا الأمر جعل نزولهم لأجله، فلا ينافي كون نزولهم للتسليم على الناس والتأمين، كما قال تعالى: { سلامٌ هيَ } أي: ما هي إلاَّ سلام على المؤمنين، جعلها نفس السلام لكثرة ما يُسلِّمون على الناس، فقد رُوي أنهم يُسلِّمومن على كل قائم وقاعد وقارىء ومُصَلِّ، أو: ما هي إلاِّ سلامة، أي: لا يُقَدِّر الله تعالى فيها إلاّ السلامة والخير، وأمّا في غيرها فيقضي سلامةً وبلاء, وقال ابن عباس: قوله: (هي) إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين؛ لأنّ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات السورة.
ثم ذكر غايتها، فقال: { حتى مطلَعِ الفجر } أي: تنتهي إلى طلوع الفجر، أو: تُسلِّم الملائكة إلى مطلع الفجر، أو: تنزل الملائكة فوجاً بعد فوج إلى طلوع الفجر. و " مَطْلَع " بالفتح: اسم زمان, وبالكسر مصدر، أو اسم زمان على غير قياس؛ لأنّ ما يضم مضارعه أو يفتح يتحد فيه الزمان والمكان والمصدر، يعني " مَفْعَل " في الجميع.
الإشارة: أهل القلوب من العارفين، الأوقاتُ كلها عندهم ليلة القدر، والأماكن عندهم كلها عرفات، والأيام كلها جمعات، لأنّ المقصود من تعظيم الزمان والمكان هو باعتبار ما يقع فيه من التقريب والكشف والعيان، والأوقات والأماكن عند العارفين كلها سواء في هذا المعنى، كما قال شاعرهم: لولا شهود جمالكم في ذاتي ما كنت أرضى ساعة بحياتيما ليلةُ القدر المعظَّم شأنها إلاَّ إذا عمرَتْ بكم أوقاتيإنَّ المحب إذا تمكّن في الهوى والحب لم يحتج إلى ميقاتوقال آخر: وكل الليالي ليلةُ القدر إن بدا كما كلُّ أيام اللقا يومُ جمعةِوسعيٌ له حجٌّ، به كلُّ وقفةٍ على بابه قد عادلت ألف وقفةِوقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: نحن ـ والحمد الله ـ أوقاتنا كلها ليلة القدر. هـ. لأنَّ عبادتهم كلها قلبية، بين فكرة واعتبار، وشهود واستبصار، و " فكرة ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " ، كما في الأثر، بل فكرة العيان تزيد على ذلك، كما قال الشاعر: كلُّ وقت من حبيبي قَدْرُه كألف حجةوقد يقال: ثواب هذه العبادة كشف الحجاب, وشهود الذات الأقدسن هو لا يقاس بمقياس. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ)
قوله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } إلى آخرها.
أي: إنا أنزلنا القرآن إلى السماء الدنيا جملة [واحدة] في ليلة القدر. فهذا إضمار لم يتقدم له ذكر في السورة، لأنه قد (عرف)، وقيل: إنما جاز ذلك، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة.
وقيل: الهاء تعود على المنزل، ودل " أنزلنا " على المنزل، والمنزل هو القرآن.
وليلة القدر [ليلة] الحكم التي يقضي الله جل وعز فيها قضاء (السنة)، والقدر: مصدر [قدر] الله خيرا فهو يقدره قدراً.
يقال: ليلة القدر والقدر، والتقى القوم على قدر وعلى قدر، وهذا قدر الله وقدَره. وسميت ليلة القدر لتقدير الله فيها ما شاء من أمره.
قال ابن عباس: نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان على السماء الدنيا، فكان الله - جل وعز - إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئاً أنزل منه حتى جمعه، وقال الشعبي وابن جبير.
(قال مجاهد: { لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }: ليلة الحكم ".
قال ابن جبير: " يؤذن للحاج في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ".
قال رجل للحسن: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان؟ فقال: نعم، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها لللية يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقتضي الله عز وجل كل أجل وكل عمل ورزق وخلق إلى مثلها.
وقيل: إنما سميت " ليلة القدر " على معنى ليلة الجلالة والتعظيم، من قولهم: لفلان قدر.
وقد [تواترت] الأخبار أنها في العشر الأواخر من رمضان، أخفاها الله عز وجل في العشر [ولم يعينها النبي صلى الله عليه وسلم] لئلا يفرط الناس من العمل في غيرها والاجتهاد ويتكلوا على فضل العمل فيها. فهي أبداً في ليلة من العشر والأواخر من رمضان. وهي تختلف، مرة في [ليلة] سبع، ومرة في ليلة غيرها.
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر ".
(وعنه صلى الله عليه وسلم: " فالتموسها في العشر الأواخر)، وفي الوتر منها، أو في السبع البواقي " شك الراوي.
وروى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إلتَمِسُوها فِي العَشْرِ الأَوَاخِِرِ مِنْ رَمَضَانَ، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، أَوْ سَابِعَةٍ تَبْقَى، أَو خَامِسَةٍ تَبْقَى ".
وقال عبادة بن الصامت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يردي أن يخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال رسول الله: " إني خرجت إليكم وأنا أريد أن أخبركم [بليلة] القدر، فكان بين فلان وفلان لحاء فرفعت، وعسى أن يكون خيرا، فالتموسها في العشر الأواخر في الخامسة والسابعة والتاسعة ".
وقال أبو سعيد الخدري: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي التي يخرج فيها من اعتكافه، قال: من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها. وقد [رأيتني] أسجد من صبيحتها في ماء/ وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر. قال أبو سعيد: فمطر السماء من تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف. قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين ". وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيساً أن يتوخاها ليلة ثلاث وعشرين ".
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان متحريها [فليتحرها] في ليلة سبع وعشرين ".
وعن ابن عباس أنه استدل على أنها ليلة سبع وعشرين بقوله: { سَلاَمٌ هِيَ } فهي الكلمة السابعة والعشرون من أول السورة، فكذلك ليلة القدر سبع وعشرين من الشهر، وهذا استدلال فيه نظر إن صح عنه.
وقال كعب: والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبر) [لها] بآية فقال: " إن الشمس تطلع غداً تئذ كأنها طست ليس لها شعاع ".
" وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [أن] تدعوا إذا وافقت ليلة القدر فتقول: " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ".
ثم قال تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } أي: وما أشعرك يا محمد أي شيء ليلة القدر، على التعظيم لها.
ثم قال تعالى: { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }.
أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر قاله مجاهد وغيره. وهو قول قتادة. وهو اختيار الطبري.
وقال مجاهد: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي. يفعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله في هذه الأمة ليلة القدر خير من ألف شهر، أي: قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل.
وقال الحسن بن علي بن أبي طالب: هي ألف شهر، وليت فيها بنو أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أريهم على المنابر [فهاله] ذلك، فأحصيت ولا يتهم بعد ذلك فكانت كذلك.
وقال بعض العلماء: معناه: خير من ألف شهر رمضان بصومه.
وقال: [قم] ليالي رمضان رجاء إصابة ليلة القدر، فإنها خير من ألف شهر رمضان تصومها
ثم قال: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم }.
(الروح: جبرائيل عليه السلام، أي تتنزل الملائكة وجبرائيل معهم فيها بأمر بهم) من كل أمر، فيه الآجال [والأرزاق] والأعمال إلى السماء الدنيا. وهذا هو التمام عند كثؤر من النحويين. [ وهو] قول الفراء. وقاله نافع.
وقال قتادة: { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } ، قال: يقضي فيها ما يكون في السنة إلى مثلها. فعلى هذا المعنى،/ يكون التمام: " من كل أمر ".
وقال ابن عباس: معنى [ذلك]: تنزل الملائكة وجبرائيل معهم في ليلة القدر بإذن ربهم، أي: [نزولهم] بإذن ربهم.
قال ابن عباس: لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه.
وكان ابن عباس: (يقرأ " من) كل امرئ " فيكون معناه: إنهم يتنزلون في ليلة القدر بإذن ربهم من كل ملك لتسلم على المؤمنين والمؤمنات.
(وقال الشعبي: من كل امرئ من الملائكة سلام على المؤمنين والمؤمنات)، على قراءة ابن عباس.
وقيل: " من " بمعنى الباء، أي: تنزل الملائكة والروح فيها بكل أمر بإذن ربهم.
ومعنى: { سَلاَمٌ هِيَ } - على قراءة الجماعة - سلام من الشر كله ليلة القدر إلى طلوع الشمس.
وقال قتادة: { سَلاَمٌ هِيَ } أي خير هي حتى مطلع الفجر.
قال ابن زيد: " ليس: فيها شر، هي خير كلها] حتى مطلع الفجر. وسلام - على قراءة الجماعة -: خير. هي، على معنى: هي ذات سلامة.
و " سلام " على قراءة ابن عباس مرفوع بالابتداء، وما قبله الخبر.
و " المطلع " بالفتح: المصدر، أي إلى طلوع الفجر.
وحكى الفراء كسر اللام عن العرب وهم يريدون المصدر، كما قالوا " أكرمتك كرامة " يريدون إكراماً، و " أعطيتك عطاء " يريدون إعطاء. ومثله " المشرق " بالكسر يريدون به المصدر، والعرب تقول: شرقت الشمس مشرقاً - بالكسر -، يريدون شروقاً، والأصل فيه الفتح، ومثله المغرب والمنبت [والمجزر] والمسكن والمنسك والمعشر و المسقط.
هذه الأحد عشر [تقال] بالفتح والكسر في المصدر، والفتح الأصل، [لأن ما] كان (على) " فعل يفعل " بالضم، فالمصدر منه واسم المكان " مفعل " (بالفتح).
وقد كان يجب أن يكون اسم المكان بالضم،/ إلا أنه ليس في الكلام " مفعل " بالضم، فرد إلى الفتح، لأنه أخف من الكسر، فاستوى المصدر واسم المكان.
والدليل على أن أصل أسم المكان عنه الضم: أن اسم المكان من فعل يفعل بكسر العين مفعل بالكسر، نحو المجلس، إلا أن العرب قد قالت: " مطلع " بالكسر للمكان الذي تطلع فيه الشمس، سماعاً بغير قياس.
وقال بعضهم: " مطل " أيضاً في المصدر بالكسر، والأصل الفتح في ذلك.