أولًا: اختلافهم في عدد من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم, على سبعة أقوال:
- روايات الصحيحين تنصّ على أنهم كانوا اثني عشر رجلًا.
- وقيل: أربعين رجلًا, انظر: عمدة القاري, (6/246), وهي رواية الطبراني,
ولا يصحّ ذلك؛ لأنه خَلْطٌ حصل من قِبَل الراوي لا يتابع عليه, وبين علّة
تلك الرواية الدار قطني كما ذُكِر في المصدر الآنف.
- وقيل: ثمانية نفر, كما في معاني القرآن للفراء (3/157), ولا سند له.
- وقيل: سبعة نفر, كما في تفسير عبد بن حميد, نقلًا عن عمدة القاري,
(6/247), وفتح الباري: (2/224), بينما وقع في المنتخب من مسنده رواية جابر
التي في الصحيحين, برقم: «1110».
- وقيل: اثنا عشر رجلًا وامرأة, وقد جاء هذا بسندٍ عند ابن جرير, وابن أبي
حاتم, عن قتادة بن دعامة السدوسي, والسند صحيح؛ إلا أنه مرسلٌ؛ إذ قال ابن
جرير:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: «بينما رسول الله صلى
الله عليه وسلّم يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت
منهم عصابة، فقال: كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم
قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم؛ قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه
ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم
أنتم، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثالثة
فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال كم أنتم؟ فعدّوا
أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة...» (23/387). وبشرٌ هو ابن معاذ
العقديّ, ويزيد هو ابن زريع, وسعيد هو ابن أبي عروبة, وكلّهم في درجات
القبول, وكذا رواه ابن جرير عن ابن ثور, عن معمر, عن قتادة (23/388), وقد
قال الألباني –رحمه الله- عن هذا الأثر عند سياقه شواهد بعض الأحاديث
المتعلّقة بهذا الشأن: «نعم؛ لحديث الترجمة شاهد مرسل قوي، فقال الطبري في
"تفسيره " (28/67- 68) : حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن
قتادة:... [ثم ذكره, فقال بعده]: قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، رجاله ثقات
رجال الشيخين؛ غير بشر- وهو ابن معاذ العقدي الضرير-؛ قال عنه أبو حاتم
(2/368/1417) : "صالح الحديث صدوق ", وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 144)
، وقال:"ثنا عنه ابن خزيمة وشيوخنا، مات سنة (245) أو قبلها أو بعدها
بقليل"» السلسة الصحيحة, (7/412-413). فإن ثبت هذا؛ فيكون زيادة على ما في
الصحيحين, وتبيانًا لما أُجمِل هناك.
- وقيل: اثنا عشر رجلًا وامرأتان, وهذا في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي. نقلًا عن عمدة القاري (6/247), ولا دليل عليه.
- وقيل: سبع نسوة, عند ابن مردويه, عن ابن عبّاس, نقلًا عن عمدة القاري
أيضًا, وفتح الباري: (2/224), وفيه ضعف كما قالا, (6/247), ولست أعلمُ
أيهما نقل من الآخر!
وقد ظهر مما سَبَق أن الأقوال مختلفة, ولكن الصحيح منها أنهم اثنا عشر
رجلًا, ونسطيع حينها أن نظهر تحرير الحافظ ابن حجر, في الفتح, في عددهم حين
قال: «واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه علي بن
عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال إلا أربعين رجلا», فهو يقصد الروايات
الصحيحة, وليست الضعيفة والساقطة والتي تعرّت من الأسانيد.
وأما تعيين أسمائهم:
1. جاء في صحيح البخاري تعيين ثلاثة منهم, هم: جابر بن عبد الله, وأبو
هريرة, وسلمان الفارسيّ رضي الله عنهم, في الأحاديث ذات الأرقام التالية:
«936, 2058, 2064, 4899».
2. وفي مسلم, وقع تعيين اثنين زيادة على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما,
وهما: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, برقم: «38 /863», وفي سنن الترمذي
برقم: «3311».
3. وجاء عند العقيلي, في الضعفاء, برقم (1/24), في الكلام على أسد بن عمرو البجلي:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو
الْبَجَلِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ ... وفي الحديث: « وَكَانَ الْبَاقِينَ
أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَطَلْحَةُ ,
وَالزُّبَيْرُ , وَسَعْدٌ , وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ, وَبِلَالٌ, وَابْنُ مَسْعُودٍ
, وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ, أَوْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ -
الشَّكُّ مِنْ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو -».
قال العقيلي: هَكَذَا حَدَّثَ أَسَدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُبَيِّنْ
هَذَا التَّفْسِيرَ مِمَّنْ، وَهُوَ جَعَلَهُ مُدْمَجًا فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ رَوَاهُ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ , وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ حُصَيْنٍ , وَلَمْ يَذْكُرَا هَذَا التَّفْسِيرَ كُلَّهُ، وَهَؤُلَاءِ
الْقَوْمِ يَتَهَاوَنُونَ بِالْحَدِيثِ وَلَا يَقُومُونَ بِهِ
وَيَصِلُونَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ فَيُفْسِدُونَ الرِّوَايَةَ. انتهى.
وهذه الرواية ضعيفة جدًّا؛ لأمرين:
1- وجود أسد بن عمرو فيها, وهو ضعيف عند أكثر المحققين من العلماء.
2- مخالفتها الأحاديث الصحيحة؛ إذ لم تذكر ثلاثة هم: جابرًا, وأبا هريرة,
وسلمان الفارسيّ رضي الله عنهم, وهم قد ذكروا في البخاريّ ومسلم.
3. وجاء في بعض الروايات ذكر ابن عبّاسٍ الرواية, وهي في كشف الأستار عن
زوائد البزّار, للهيثمي, برقم: (2273) – «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
شَبِيبٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ
يَبِيعُ سِلْعَةً لَهُ، فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِد أَحَدٌ إِلا خَرَجَ،
إِلا نَفَرٌ , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ...»
الحديث.
وهذا الأثر محتملٌ وجود ابن عبّاس مع القوم الباقين؛ بيد أنه لا يثبت لوجود
أكثر من راوٍ متكلّم فيه, فعبد الله بن شبيب متكلّم فيه كثيرًا, ومقدوح في
عدالته, فقد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال: «أخباري علامة، لكنه واه»,
برقم: (4376), وذكره غيره بقدح.
وأما إسحاق بن محمد, هو الفرويّ, قال عنه ابن حجر في التهذيب: «صَدُوقٌ ،
كُفَّ فساءَ حِفْظُه», وأما إبراهيم بن إسماعيل, فهو ابن أبى حبيبة
الأنصاري, الأشهلي, مولاهم. وقد قال عنه ابن حجر في التهذيب: «ضعيف», وأما
داود بن الحصين, فهو القرشي, وقد قال عنه ابن حجر في التهذيب: «ثقة إلا في
عكرمة ، و رمى برأي الخوارج», وهو هنا قد روى عن عكرمة!
فالأثر ضعيف جدًّا, وعلى احتمال ثبوته يتطرق الاحتمال إلى وجود ابن عبّاس
مع القوم أو عدم وجوده؛ لأن روايته مبهمة. وكذا روي غير موصول عن ابن عبّاس
في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, للهيتمي, برقم: (11419).
4. وفي تفسير (إسماعيل بن أبي زياد الشامي) أن سالما مولى أبي حذيفة منهم, نقلًا عن الفتح (2/224). ولا سند متصلٌ لهذا الكلام.
الخلاصة:
- أكثر عددٍ ذكر أنهم أربعون رجلًا, وأقلّه سبعة.
- فما ثبت هو أنهم اثنا عشر رجلًا.
- وما يصلح أن يستأنس به, رواية ابن عبّاس عند ابن جرير, أنهم اثنا عشر رجلًا وامرأة.
ومجمل ما ذكر صحيحًا وضعيفًا, مسندًا ومنقطعًا (18), هم:
أبو بكر, عمر, جابر, أبو هريرة, سلمان, عثمان, علي, طلحة, الزبير, سعد,
سعيد بن زيد, عبد الرحمن, عمّار, بلالٌ, ابن مسعود, وأبو عبيدة, ابن عبّاس,
سالمٌ مولى أبي حذيفة -رضي الله عنهم أجمعين-.
والذين ثبت ذكرهم خمسة -حسبما وقفت عليه-:
أبو بكر, وعمر, وجابر, وأبو هريرة, وسلمان -رضي الله عنهم-.
وما يقرب من الصحّة: دخول ابن عبّاس معهم.
والباقون إمّا ذُكروا بسندٍ واهٍ, أو بلا سند.
والله تعالى أعلم.
أسامة بن عبد الرزاق شيراني