ورد في الخبر : أن بعض الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت عليه السلام : أمالك رسول تقدمه بين يديك ليكون الناس على حذر منك ؟ قال : نعم لي و الله رسل كثيرة من الإعلال و الأمراض و الشيب و الهموم و تغير السمع و البصر ، فإذا لم يتذكر من نزل به و لم يتب ، فإذا قبضته ناديته : ألم أقدم إليك رسولاً بعد رسول و نذيراً بعد نذير ؟ فأنا الرسول الذي ليس بعدي رسول ، و أنا النذير الذي ليس بعدي نذير . فما من يوم تطلع فيه شمس و لا تغرب إلا و ملك الموت ينادي : يا أبناء الأربعين ، هذا وقت أخذ الزاد ، أذهانكم حاضرة و أعضاؤكم قوية شداد . يا أبناء الخمسين قد دنا و قت الأخذ و الحصاد . با ابناء الستين نسيتم العقاب و غفلتم عن رد الجواب فما لكم من نصير أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب روضة المشتاق و الطريق إلى الملك الخلاق .
و في البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : أعذر الله إلى امرىء أخر أجله حتى بلغ ستين سنة يقال أعذر في الأمر أي بالغ فيه أي اعذر غاية الإعذار بعبده و أكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم ليتم حجته عليهم و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً و قال و جاءكم النذير قيل : هو القرآن . و قيل : هو الرسل إليهم . و عن ابن عباس و عكرمة و سفيان و وكيع و الحسين بن الفضل و الفراء و الطبري قالوا : هو الشيب فإنه يأتي في سن الاكتهال . فهو علامة لمفارقته سن الصبا الذي هو سن اللهو و اللعب قال :
رأيت الشيب من نذير المنايا لصاحبه و حسبك من نذير
و قال آخر :
تقول النفس غير لون هذا عساك تطيب في عمر يسير
فقلت لها المشيب نذير عمري و لست مسوداً وجه النذير
و قال آخر :
و قائلة : تخضب فالغواني نوافر عن معاينة النذير
و للقاضي منذر بن سعيد البلوطي رحمة الله تعالى عليه :
كم تصابي و قد علاك المشيب و تعامى جهلاً و أنت اللبيب
كيف تلهو و قد أتاك نذير و شباك الحمام منك قريب
يا مقيماً قد حان منه رحيل بعد ذاك الرحيل يوم عصيب
إن للموت سكرة فارتقبها لا يداويك إذا أتتك طبيب
ثم تثوى حتى تصير رهيناً ثم يأتيك دعوة فتجيب
بأمور المعاد أنت عليم فاعلمن جاهداً لها يا أريب
و تذكر يوماً تحاسب فيه إن من يذكر الممات ينيب
ليس في ساعة من الدهر إلا للمنايا عليك فيها رقيب
كل يوم ترميك منها بسهم إن يخطىء يوماً فسوف يصيب
و له أيضاً رضي الله عنه :
ثلاث و ستون قد جزتها فماذا تؤمل أو تنتظر
و حل عليك نذير المشيب فما ترعوي أو فما تزدجر
تمر الليالي مراً حثصيثاً و أنت على ما ألاى مستمر
فلو كنت تعقل ما ينقضي من العمر لاعتضت خيراً بشر
فما لك ـ ويحك ـ لا تستعد إذن لدار المقام و دار المقر
أترغب عن فجأة للمنون و تعلم أن ليس منها وزر
فإما إلى الجنة أزلفت و إما إلى سقر تستعر
و للفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي ذمنين رحمة الله تعالى آمين :
الموت في كل حين ينشر الكفنا و نحن في غفلة عما يداوينا
لا تطمئن إلى الدنيا و بهجتها و إن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الأحبة و الجيران ما فعلوا أين الذين همو كانوا لنا سكنا
سقاهم الموت كأساً غير صافية فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا