ومن علامات المعرفة بالله القيام بحقوق الله ، والتخلص من حقوق العباد ، ومن علامات محبة العبد لله إتباع محمد صل الله عليه وسلم
قال ابن مسعود رضى الله عنه كفى بخشية الله علما ، وبالاغترار بالله جهلا ، قالوا فهذا القرآن والسنة ، وإطلاق السلف من الصحابة والتابعين يدل على إن العلم والمعرفة مستلزم للهداية ، وإن عدم الهداية دليل على الجهل ، وعدم العلم ، قالوا ويدل عليه إن الإنسان ما دام عقله معه لا يؤثر هلاك .
وقال بعض السلف: ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية.
وقال بعضهم: من خشي اللَهَ فهو عالم ، ومن عصاه فهو جاهل، وكلامهم في هذا المعنى كثير جداً.
وكان الإمام أحمد رحمه اللَه يقول عن معروف معه أصل العلم خشية اللَه، فأصل العلم باللَه الذي يوجب خشيته، ومحبته، والقرب منه والأنس به والشوق إليه، ثم يتلوه العلم بأحكام اللَه وما يحبه ويرضاه من العبد ، من قول أو عمل، أو حال، أو اعتقاد ، فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه علماً نافعاً وحصل له العلم النافع، والقلب الخاشع، والنفس القانعة، والدعاء المسموع.
وسأل فرقد السنجي الحسن البصري عن شيء فأجابه ، فقال إن الفقهاء يخالفونك .
فقال الحسن: ثكلتك أمك فُرَيْقِدُ وهل رأيت بعينيك فقيها ، إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربه ، الذي لا يهمز من فوقه ، ولا يسخر بمن دونه ، ولا يبتغى على علم علَّمه لله تعالى أجراً .
وقال بعض السلف: إن الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يُؤْمِنْهم مكرَ الله ، ولم يدعِ القرآنَ رغبةً عنه إلى ما سواه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وفي الترمذي وغيره ، عنه صل الله عليه وسلم "خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت، وفقه في الدين"، فجعل الفقه في الدين منافياً للنفاق بل لم يكن السلف يطلقون اسم الفقه إلا على العلم الذي يصحبه العمل، كما سئل سعد بن إبراهيم عن أفقه أهل المدينة ، قال : أتقاهم .
وقال ابن قيم الجوزية : ومن المعلوم أيضاً أن الأرواح منها الخبيث الذى لا أخبث منه، ومنها الطيب، وبين ذلك، وكذلك القلوب منها القلب الشريف الزكى، والقلب الخسيس الخبيث، وهو سبحانه خلق الأضداد كما خلق الليل والنهار والبرد والحر والداء والدواء والعلو والسفل وهو أعلم بالقلوب الزاكية والأرواح الطيبة التى تصلح لاستقرار هذه النعم فيها، وإيداعها عندها، ويزكو [بذروها] فيها، فيكون تخصيصه لها بهذه النعم كتخصيص الأرض الطيبة القابلة [للبذر] بالبذر، فليس من الحكمة أن يبذر البذر فى الصخور والرمال والسباخ، وفاعل ذلك غير حكيم فما الظن ببذر الإيمان والقرآن والحكمة ونور المعرفة والبصيرة فى المحال التى هى أخبث المحال
وقال إبراهيم الخواص: ليس العالم بكثرة الرواية ، وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله ، واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم.
فتزكية النفس بالعلم النافع الذي يقرب من الله تعالى ، ويزيد في الخشية منه ، ويحث على العمل الصالح من العبادات العامة ، كالصلاة ، والصوم ، والحج ، وما شابه ذلك من أعمال البر ، وكذلك تزكية النفس تكون بإمعان النظر في كتاب الله ، والقراءة فيه وتدبره والعمل به ، والنظر في السنة النبوية المطهرة ، وتدبرها ، والعمل بها من أسباب تزكية النفس .
والعلم مرتبط بالأدب ، فمن تحلى بالأدب مع ما معه من العلم فقد نبل، وكمل دينه .
قال ابن المبارك رحمه الله : لا يَنْبُلُ الرجل بنوعٍ من العلم ما لم يزين علمه بالأدب . رواه الحاكم في تاريخه .
وقال ابن تيمية رحمه الله: والأدب هو الدين كله، فإن ستر العورة من الأدب، وغسل الجنابة من الأدب، والتطهر من الخبث من الأدب، حتى الوقوف بين يدي الله طاهراً ، ولهذا كانوا يستحبون أن يتجمل الرجل في صلاته للوقوف بين يدي الله .
وروي عنه أيضاً: طلبت العلم فأصبت منه شيئاً ، وطلبت الأدب فإذا أهله قد ماتوا .
قال ابن عبدالبر : قال الشاعر :
خيـر ما وَرَّثَ الـرجـالُ بنيهـمُ أدبٌ صـالـحٌ وحسـنُ الثنـاءِ
هو خيـرٌ مـن الـدَّنـانيـر والأو راقِ في يـوم شـدَّةٍ أو رخـاءِ
تلك تفنـى والـدِّينُ والأدب الصَّا لـح لا يَفْنَيـان حتـى اللِّقـاءِ
إن تَأَدَّبْـتَ يـا بنـيَّ صَغيـراً كنتَ يومـاً تُعَـدُّ في الكبـراء