الأدب عند الصوفية
الآداب : هي أحوال ربانية ، وهي من أول الأحوال النورانية التي يكتسبها المريد من روحانية شيخه وتسمى بـ( مكارم الأخلاق ) حيث يجد المريد في داخله قوة تلقائية تحمله على إعطاء كل زمان ومكان حقه ومستحقة من الآداب التي تليق به من دون إختيار أو كلفة ، ومع استمرار السلوك في نهج الطريقة ودوام تأثر المريد بهذه الأحوال ، تتغير صفاته وتترقى من المرتبة الدنيا إلى مرتبة أحسن تقويم والمسماة بمرتبة الربانية ( كونوا رَبّانيّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسونَ) أو الخلق العظيم ( وإنك لعلى خلق عظيم) .
ويقول الامام محمد بهاء الدين النقشبندي : « حقيقة الأدب : هي ترك الأدب » .
ويقول مضيفاً : « لأولياء الله أوقات يكون في صحبتهم ترك الأدب عين الأدب ، ولهم زمان الأدب فيه عين سوء الأدب ، وترك الأدب قبول النفس حقيقة الأدب » .
ويقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي « حقيقة الأدب : مصاحبة الخلق بالشفقة واجتناب المن في النفقة » .
يقول الشيخ أحمد الرفاعي الكبير :« كل الآداب منحصرة في متابعة النبي صل الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وحالاً وخُلُقاً . فالصوفي آدابه تدل على مقامه » .
ويقول الشيخ أحمد زروق :« الآداب كلها منحصرة في خمسة : أولها : حفظ الحرمة مع الله ، ومع من له نسبة في جانب الله من نبي أو ولي أو عالم أو غيرهم حتى عوام المسلمين على مراتبهم .الثاني : علو الهمة في أمر الدين والدنيا ، حتى لا يكون له تعلق بشيء من النقائص ظاهراً ولا باطناً ، وما جرى عليه من ذلك بادره بالتوبة .الثالث : حسن الخدمة بلزوم الاتباع وترك الابتداع ، والتبري من الحول والقوة في كل أمر .الرابع : نفوذ العزيمة بحيث لا يسمح لنفسه في حل عزيمةٍ ، ولا بتراخ في محل تشمير ، ولا بركون لموقع تقصير .الخامس : شكر النعمة ، وأصله شهود المنة ، وهو مبني على خالص التوحيد ، وخالص الإيمان »
ويقول : « الأدب يختلف باختلاف الأمور والأحوال لكنه يرجع لثلاث : إقامة الفرائض ، واتباع السنن ، ومعاملة الخلق »
يقول الشيخ نجم الدين داية الرازي :« الأدب على ثلاثة أوجه : أدب الروح ، وأدب القلب ، وأدب النفس »
ويقول الشيخ أحمد زروق :« الأدب على ثلاثة أوجه : آداب في الظاهر وذلك بإقامة الحدود .وآداب في الباطن بالإعراض عن كل مخلوق .وآداب فيهما وذلك بالانحياش للحق والدوام بين يديه على بساط الصدق ، وذلك هو جملة الأمر وتفصيله وتفريعه وتأصيله »
ويقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي :« الأدب على ثلاث أقسام : أدب العام : هو ترك ما لا يعني وإن كان صادقاً .أدب الخاص : وهو أن يعرف الخير فيحث نفسه عليه ، ويعرف الشر فيزجرها عنه .أدب الأخص : وهو المعرفة في النعم والنقم »
ويقول الشيخ محمد بهاء الدين النقشبندي :« الأدب ثلاثة : أدب بالنسبة إلى الحق ، وأدب بالنسبة إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأدب بالنسبة إلى مشايخ الطريق .أما الأدب الذي بالنسبة إلى الحق تعالى : فهو أن تكون في الظاهر والباطن مستكملاً للعبودية ، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، معرضاً عن السوى بالكلية .وأما الأدب الذي بالنسبة إلى حضرته صلى الله عليه وسلم : فـهو أن تدخل نفسك بالكلية في مقام : ( فَاتَّبِعُونِي ) وتراعي ذلك في جميع الأحوال على سبيل الوجوب ، وتعلم أنه واسطة الحق تعالى في جميع الموجودات ، كل شيء وكل أحد منطرح على أعتاب عنته .وأما الأدب الذي بالنسبة إلى مشايخ الطريقة : فواجب ولازم على الطالبين ، لأنهم بواسطة متابعته صلى الله عليه وسلم إلى مقام الدعوة إلى الحق ، فينبغي للمريد أن يكون في الغيبة والحضور مراعياً لأحوالهم مقتدياً بهم مستمسكاً بأذيالهم »
يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري :« أدنى الأدب : أن تقف عند الجهل ، وآخر الأدب : أن تقف عند الشبهه »
يقول الشيخ محمد ماء العينين :« ضابط الأدب مع الأشياخ في أمرين : أحدهما : التسليم والانقياد فيما يفعلون ويأمرون . والثاني : صد النفس عن ترفهها وتزينها معه »
يقول الشيخ السرّاج الطوسي :
« الناس في الأدب متفاوتون وهم على ثلاث طبقات :
أهل الدنيا ، وأهل الدين ، وأهل الخصوصية من أهل الدين .
فأما أهل الدنيا : فإن أكثر آدابهم في الفصاحة ، والبلاغة ، وحفظ العلوم ، وأسمار الملوك ، وأشعار العرب ، ومعرفة الصنايع .
وأما أهل الدين : فإن أكثر آدابهم في رياضة النفوس ، وتأديب الجوارح ، وطهارة الأسرار ، وحفظ الحدود ، وترك الشهوات ، واجتناب الشبهات ، وتجريد الطاعات ، والمسارعة إلى الخيرات ...
فأما أدب أهل الخصوصية من أهل الدين : فإن أكثر آدابهم في طهارة القلوب ، ومراعاة الأسرار ، والوفاء بالعقود بعد العهود ، وحفظ الوقت ، وقلة الالتفات إلى الخواطر والعوارض والبوادي والطوارق ، واستواء السر مع الإعلان ، وحسن الأدب في مواقف الطلب ومقامات القرب وأوقات الحضور والقربة والدنو والوصلة »
ويقول: « الصوفية لهم آداب في سفرهم وحضرهم ، وآداب في أوقاتهم وأخلاقهم، وآداب في سكونهم وحركاتهم . وهم مختصون بها من غيرهم ومعروفون بها عند اشكالهم وعند أبناء جنسهم ، يُعرف بذلك تفاضل بعضهم على بعض . وبهذه الآداب تَمَيُّزٌ بين الصادقين والكاذبين والمدعين والمحققين » .
ويقول الشيخ أبو حفص الحداد النيسابوري :« التصوف كله آداب ، ولكل وقت أدب ، ولكل مقام أدب . فمن لزم آداب الأوقات ، بلغ مبلغ الرجال . ومن ضيع الآداب ، فهو بعيد من حيث يظن القرب ، ومردود من حيث يرجو القبول » .
يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني :« ما دام العبد يحفظ الآداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه ، فإذا ترك الأدب طمع الشيطان في السنن ، ثم في الفرائض ، ثم في اليقين »
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « من طلب أن يكون من أهل الأدب مع الأئمة المجتهدين : فليدخل طريق الفقراء بذل وانكسار وتسليم وانقياد كأنه أعمى مقاد ، ويترك الجدال ، وينعزل بباطنه عن الخلق ، ويقوي همته بالتوجه إلى الحق ، ويكثر من سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم في ظلمات الليالي بأن الله يرزقه الأدب والتسليم »
ويقول الشيخ ابن عطاء الأدمي :
« من تأدب بآداب الصالحين : فإنه يصلح لبساط الكرامة .
ومن تأدب بآداب الأولياء : فإنه يصلح لبساط القربة .
ومن تأدب بآداب الصديقين : فإنه يصلح لبساط المشاهدة .
ومن تأدب بآداب الأنبياء : فإنه يصلح لبساط الأنس والانبساط »
الشيخ الأكبر ابن عربي: « أدب الحق : وهو الأدب مع الحق في اتباعه عند من يظهر عنده ويحكم به ، فترجع إليه وتقبله ولا ترده . ولا تحملك الأنفة إن كنت ذا كبر في السن أو المرتبة وظهر الحق عند من هو أصغر منك سناً أو قدراً أو ظهر الحق عند معتوه تأدبت معه وأخذته عنه ، واعترفت بفضله عليك فيه : هذا هو الإنصاف »
ويقول الشيخ أحمد بن عجيبة :
« الآداب هي مفتاح الباب ، فمن لا آداب له لا دخول له . ومن أساء الآداب مع الأحباب طرد إلى الباب ثم إلى سياسة الدواب »