الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريقة النقشبندية العلية

دروس وخطب فقة حديث توحيد سيرة تصوف اسلامى اداب و سلوك احزاب و اوراد كتب مجانية تعليم طب بديل واعشاب بخور اسرة وطفولة اكلات قصص واشعار
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
عدد الزوار عند الاقسام

.: عدد زوار منتدى الطريقة النقشبندية العلية

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» علاج مجرب "اصدق شيخ ومعالج مغربي لسحر المحبة وجلب الحبيب والتهييج " العلاج عن بعد والدفع علي النتيجة والكشف الروحاني مجاني
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:02 pm من طرف ام سطام

» الشيخ المغربي الصادق "القاطي العبدري" اصدق شيخ ومعالج روحاني مغربي من بعد الدفع بعد النتيجة والكشف مجاني
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت مايو 11, 2024 2:00 pm من طرف ام سطام

» اصدق شيخ لعلاج السحر والمس والحسد عن بعد مجرب
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:20 am من طرف ام سطام

» جوهرة عجيبة من أسرار الشريف اسماعيل النقشبندى
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:14 am من طرف ام سطام

» هديتي اليكم افضل شيخ مغربي مجرب لعلاج السحر والمس صادق
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:05 am من طرف ام سطام

» علاج الكبد الدهني - اعشاب للقضاء على دهون الكبد - اعشاب للمحافظه على الكبد
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:14 pm من طرف زاشيائيل

» الحزب الكبير الأول لسيدى أحمد البدوى قدس الله سره
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:02 pm من طرف زاشيائيل

» النفاق والمجاملة والفارق بينهما
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالخميس مايو 13, 2021 9:24 am من طرف ابوعمارياسر

» حكم من مات وعليه صيام أو كفارة
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالخميس مايو 13, 2021 8:50 am من طرف ابوعمارياسر

» البحر المسجور
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:59 am من طرف صبحى0

» الحفظ أثناء النوم
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:54 am من طرف صبحى0

» دور القرآن في علاج الأمراض
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:47 am من طرف صبحى0

» الفرق بين ( العشي والإبكار ) وبين ( العشي والإشراق )
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:40 am من طرف صبحى0

» التحذير من خطر التكفير
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأربعاء أغسطس 12, 2020 5:17 pm من طرف عاشق الصوفية

» وصية نبوية عظيمة
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالجمعة يناير 31, 2020 12:59 am من طرف ابوعمارياسر

» معاني الكبير في القرآن الكريم
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد نوفمبر 17, 2019 5:56 pm من طرف ابوعمارياسر

» تحميل ابحاث مجلة الشريعة
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:34 am من طرف ابوعمارياسر

» الامام أحمد المقري التلمساني
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:29 am من طرف ابوعمارياسر

» قصيدة مترجمة رائعة في مدح الرسول
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:20 am من طرف ابوعمارياسر

» رائعة من كتاب الاتقان في علوم القرآن
احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:16 am من طرف ابوعمارياسر

المواضيع الأكثر نشاطاً
عرف بنفسك
كيف تتلذذ بالصلاة
كتاب الغيبة
كتاب السير والمساعي في أحزاب وأوراد السيد الغوث الكبير الرفاعي
ديوان الحلاج
خلفاءالشريف اسماعيل قدس الله أسرارهم
ديوان ابن دريد
ما هي الطريقة النقشبندية
مكتبة الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلى
فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث النبوية
مواضيع مماثلة
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     احفظ معنا جوهرة التوحيد

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    ملك روحي
    مراقبة عامة
    مراقبة عامة
    ملك روحي



    العمر : 47
    انثى
    الوسام شكر وتقدير

    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Empty
    مُساهمةموضوع: احفظ معنا جوهرة التوحيد    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد أبريل 10, 2011 3:20 pm

    الحمد لله رب العالمين
    وصلى الله علي سيدنا ومولانا محمد وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين
    السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

    اخوتي الكرام
    ادعوكم جميعا لنحفظ متن جوهرة التوحيد المنسوبة لأبي إسحاق إبراهيم اللقاني
    بيتين او ثلاثة كل يوم او يومين مع شرح بسيط فهيا بنا

    1- الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى صِلاَتِهِ ثُمَّ سَلاَمُ اللَّهِ مَعْ صَلاَتِهِ
    2- عَلَى نَبِيِّ جَاءَ بِالتوْحِيدِ وَقَدْ عَرَا الدِّينُ مِنَ التَّوْحِيدِ
    3- فَأَرْشَدَ الخَلْقَ لِدِينِ الحَقِّ بِسَيْفِهِ وَهَدْيِهِ لِلْحَقِّ
    4- مُحَمَّدِ العَاقِبْ لِرُسْلِ رَبِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَحِزْبِهِ
    - في البيت الاول يبدا المصنف رحممه الله بحمد الله تعالى وهذا ما درج عليه العلماء يستفتحون المصنفات بحمد الله والثناء عليه بعد ال والحمد هو الثناء بنعوت الكمال والمجد بما يليق بالمنعم وهذا الحمد ياتي اثر اغداق الله نعمه و افضاله على عبده وهذا في قوله ( على صِلاته ) اي حمدا لله على ما انعم علينا بصلاته واحسانه ,(مع صَلاته ) اي صلاة الله على نبيه كما في البيت الثاني والصلاة من الله الرحمة
    - البيت الثاني : ( على نبي ) النبي هو فرد من البشر اصفاه الله وخصه بالوحي اليه وكلفه بشرع خاص به دون تكليفه ابلاغه للناس وهو اعم من الرسول والمقصود هنا هو سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم والمعنى :الصلاة على النبي رحمة الله عليه بزيادة درجاته و علو مقامه ( جاء بالتوحيد ) اي الذي جاء بدين التوحيد , والتوحيد هو افراد الله بالعبادة ومعرفة الصفات الواجبة له وتنزيهه عما لا يليق به سبحانه
    ( و قد عرا الدين عن التوحيد ) اي ان الناس لم يكن فيهم من يعبد الله وحده فمنهم من ينكر الخالق ومنهم من يشرك معه آلهة اخرى فكانت بعثة النبي من افضل النعم على الناس
    - البيت الثالث : ( فارشد الخلق لدين الحق) اي دل الى الطريق الصحيح الذي ينجيهم من عذاب الدنيا والاخرة بعد ان كانوا في ضلال و هلاك والخلق هنا مخصوص بمن هو قابل للارشاد
    ( بسيفه) بقتاله لكل من حاول منعه من نشر الدعوة بالقوة اي بجهاده وهذ من تسمية الشيئ بالته وهو من المجاز المرسل قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) صحيح البخاري - (1 / 42) (وهديه للحق) اي بتعليمه وتبينه وتوضيحه الاسلام للناس ليعبدوا الله وحده كما اسلفنا
    -البيت الرابع :
    ( محمد العاقب ) هنا صرح الناظم باسم النبي صلى الله عليه وسلم ,و ذكر اسمه العاقب وهو الذي يحشر الناس على عقبه اي بعده وهو من اسمائه الثابتة والواردة في الحديث الشريف (عن الزهري قال أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) صحيح البخاري - (15 / 173)
    وهو خاتم النبيين ( لرسل ربه ) فلا ياتي نبي بعده الى يوم القيامة والرسل جمع رسول وهو الذي اوحي اليه بشرع و امر بتبليغه ( و آله و صحبه وحزبه ) الواو حرف عطف والمعطوف عليه هو محمد الله صلى الله عليه وسلم والآل تصغير من أهل وهم عشيرة الرجل لغة , وهنا آل بيت النبي وهم فاطمة الزهراء وزوجها علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والحسن والحسين مع المؤمنين من بني هاشم هذا هو المشهور والصحب جمع صاحب وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع به وهو عاقل مؤمن ومات على ذلك وحزب الرجل انصاره و مؤيدوه والمراد التابعون وتابعيهم لذكرهم بعد الاصحاب
    [الكلام على الأرجوزة وموضوعها]
    5- وَبَعْدُ فَالعِلْمُ بِأَصْلِ الدِّينِ مُحَتَّمٌ يَحْتَاجُ لِلتَّبْيِينِ

    6- لَكِنْ مِنَ التَّطْوِيلِ كَلَّتِ الهِمَمْ فَصَارَ فِيهِ الاختصار مُلْتَزَمْ
    7- فَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ لَقَّبْتُهَا جَوْهَرَةَ التَّوْحِيدِ قَدْ هَذَّبْتُهَا
    8- وَاللَّهَ أَرْجُو فِي القَبُول نَافِعَا بِهَا مُرِيدًا فِي الثَّوَابِ طَامِعَا
    - البيت الخامس :
    (وبعد ) هي لفظة تذكر للانتقال من فكرة لاخرى او من موضوع لاخر ( فالعلم باصل الدين ) ان تعلم ومعرفة علم التوحيد الذي هو الاساس الذي يقوم دين الاسلام عليه(محتم يحتاج للتبيين ) امر ضروري لا بد منه لكل مسلم لكنه يحتاج للتوضيح و الشرح و الابانة قال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله )
    - البيت السادس :
    (لكن من التطويل كلت الهمم ) ان المطولات التي تبين الدين وتشرحه قد اتعبت كثيرا من الناس و اضعفت عزيمتهم على الابحار بها والاحاطة بمسائلها ( فصار فيه الاختصار ملتزم ) لذا على من يقوم بهذا الامر ان يلتزم الاحتصار ما امكنه ليفهمه اكبر عدد ممكن
    - البت السابع :
    ( فهذه أرجوزة ) قصيدة مبسطة (لقبتها ) اي اسميتها (جوهرة التوحيد ) الجوهرة هي الحجر الكريم الغالي والمعنى ان هذه القيدة فيها اغلى و افضل علم وهو علم التوحيد الذي نثبت به وجود الله مع اثبات الكمالات له وتنزيهه عن النقائص ( قد هذبتها ) نقحتها بمعنى صغتها صياغة جيدة شكلا ومضمونا
    - البيت الثامن :
    ( والله ارجو في القبول ) كتبت هذه الارجوزة وكلي رجاء ان تحظى من الله بالقبول في الاعمال الصالحة (نافعا بها مريدا ) ليستفيد بها كل من يبتغي ويقصد الحق والصواب ( في الثواب طامعا ) و اتطلع لنيل الجزاء الحسن من الله الكريم
    9- فكل من كلف شرعا وجبا عليه أن يعرف ما قد وجبا
    10- لله والجائز والممتنعا ومثل ذا لرسله فاستمعا

    البيت التاسع :
    (فكل من كلف شرعا ) هنا بدا المصنف بذكر ما يتوجب اعتقاده و على من يتوجب ومن الذي اوجب التكليف فقال ان على جميع الافراد المكلفين وهم الانس والجن كل من ادرك سن البلوغ او الاحتلام وكان غير مجنون و قد بلغته الدعوة ( وجبا عليه ) مفروض عليه ومطلوب منه ان يتعرف ويتعلم ( ان يعرف ما قد وجبا ) احكام الشرع الحنيف الذي جاء به الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم من عند رب العالمين ليعتنقها وليتبعها ويعمل بها
    - البيت العاشر :
    ( لله والجائز والممتنعا ) اي اول ما يجب ان يعرفه المكلف الله وما هو ثابت في حقه عقلا ولا يتخلف و هو ما لا يستطيع العقل اثبات خلافه وايضا ما يجوز كوجوب القدم لله ،و أن يعرف في حقه تعالى (الجائز) : وهو ما يصح في العقل نفيه وثبوته ككون الجسم اما ساكنا او متحركا.
    (و) كذا (الممتنعا) أي المستحيل عقلا: وهو ما لا يمكن في العقل ثبوته كوجود شريك لله.
    (ومثل ذا لرسله فاستمعا ) اي ويجب شرعا على المكلف ان يعرف ما يجب وما يجوز وما يستحيل لرسل الله عليهم صلوات الله وسلامه اجمعين
    11- إذ كل من قلد في التوحيد إيمانه لم يخل من ترديد
    12- ففيه بعض القوم يحكي الخلفا وبعضهم حقق فيه الكشفا

    13- فقال: إن يجزم بقول الغير كفى وإلا لم يزل في الضير
    - البيت الحادي عشر
    ( إذ كل من قلد في التوحيد) تعليل لوجوب المعرفة السابقة والتقليد هو : الاخذ بقول الغير دون معرفة الدليل عليه
    التوحيد لغة:"الإيمان بالله وحده لاشريك له".
    واصطلاحا:"معرفة الله تعالى بالربوبية ، والإقرار بالوحدانية ، ونفى الأنداد عنه جملة "، وهو بهذا المعنى حقيقة بسيطة تدور على إفراد الله تعالى بالعبودية، ونفيها عن كل ما سواه.
    يقول الناظم ان كل من اخذ علم الاعتقاد والتوحيد من غيره دون معرفة دليله فانه:
    ( ايمانه لا يخل من ترديد ) بهذا التقليد لم يسلم ايمانه من بعض التردد والتحير
    - البيت( 12)
    - ( ففيه ) التقليد ( بعض القوم ) قسم من العلماء قد حكوا الاختلاف في هذه المسالة فقسم قال لا يؤثر التقليد في الايمان ومنهم من يقول ان التقليد يتنافى مع الايمان " وأما المختلف فيه، فهو تقليد عامة المؤمنين لعلماء أهل السنة في أصول الدين، والراجح عند الجمهور صحته إذا وقع منهم التصميم على الحق، لا سيما في حق من يعسر عليهم فهم الأدلة. والله أعلم." تقريب البعيد
    - ( وبعضهم حقق فيه الكشفا ) وبعض العلماء كالشيخ أبي العباس الجزائري قد ابان المسالة و حققها و فصلها تفصيلا وكشف عن غامضها
    - البيت (13 ):
    ( فقال : ان يجزم ) اي ان يقطع المقلد ويتيقن (بقول الغير ) المقَلد في العقيدة والتوحيد ( كفى ) يكفيه هذا القدر من الجزم والقطع ( وإلا لم يزل في الضير ) ان لم يجزم المقلد بتقليده بحيث يغير اعتقاده مع تغير معتقد من قلده فهذا يبقى في الضرر وهو هنا فساد ايمانه
    هذا و بحث التقليد كبير في الاصول وله تشعبات فمن اراد التوسع فعليه بامهات الاصول
    14- واجزم بأن أولا مما يجب معرفة وفيه خلف منتصب
    15- فانظر إلى نفسك ثم انتقل للعالم العلوي ثم السفلي

    16- تجد به صنعا بديع الحكم لكن به قام دليل العدم
    17- وكل ما جاز عليه العدم عليه قطعا يستحيل القدم
    - البيت (14)
    ( واجزم ) اقطع بيقين (بأن أولا مما يجب ) عليك أيها المكلف (معرفة) وهي الجزم المطابق عن دليل.
    فخرج بـ "الجزم" ثلاثة: ـ الظن ـ والشك ـ والوهم.
    وخرج بـ "المطابق": غير المطابق.
    وخرج بقولنا "عن دليل": الجزم المطابق لا عن دليل، فلا يسمى المقلد عارفا، ولو كان جازما وجزمه مطابقا
    (وفيه) أي أول واجب (خلف) أي خلاف بين العلماء (منتصب) أي ظاهر، والأقوال في أول واجب كثيرة
    - البيت (15)
    (فانظر إلى نفسك ) تقكر ايها الانسان في ذاتك روحا و جسدا و عقلا وما فيها من ايات لله ففي الجسم واقسامه الدماغ و الاعصاب والعضلات والعظام واجزاء كل منها وكيفية عمل كل واحد منها و اسلوب الرابط بينها لووجدت امورا تدهش العقول (ثم انتقل للعالم العلوي ) ثم اعمل عقلك وتفكر في ما علاك من سماء وما تحويه من رياح وغيوم وامطار و كواكب نجوم وشموس (ثم السفلي) ثم ادر نظرك الى الرض تحتك وما ضمته جبال و سهول وبحار و ما اخفت في باطنها من معادن و كنوز واحجار و.... واقمار لخلصت الى بدائع الافكار التي توجهك الى فاطر الكون الواحد القهار
    - البيت ( 16)
    (تجد به) أي العالم الذي هو كل ما سوى الله ( صنعا ) عظيما كثير العجائب، كله دال على وجوده وعظيم قدرته تعالى؛ إذ كل مصنوع لا بد له من صانع.
    (بديع الحكم) أي: مبدع من غير مثال سبق، كما قال تعالى: { بديع السموات والأرض } [البقرة: 117]. والحكم جمع حكمة، من الإحكام وهو الإتقان.
    (لكن) العالم حادث لأجل أنه (به) أي العالم، (قام دليل) وجواز (العدم) لان كل ما قبل التغير فهو حادث مصنوع وكل حادث له لم يكن موجودا ثم اوجد بعد ان كان غير موجود
    - البيت (17)
    ( وكل ما جاز عليه العدم) كما اثبت ( عليه قطعا يستحيل القدم )
    فكل موجود يمكن ان يطرا عليه الإنعدام كان من المستحيل ان يكون قديما لا اول له وإذا استحال قدم العالم وجب حدوثه؛ إذ لا واسطة بين القدم والحدوث، وإذا وجب حدوثه لزم احتياجهلمحدِثأي موجد أحدثه وأوجده لاستحالة حدوث الشيء لنفسه من غير فاعل
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ملك روحي
    مراقبة عامة
    مراقبة عامة
    ملك روحي



    العمر : 47
    انثى
    الوسام شكر وتقدير

    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: احفظ معنا جوهرة التوحيد    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد أبريل 10, 2011 3:26 pm

    18- وفسر الإيمان بالتصديق والنطق فيه الخلف بالتحقيق
    19- فقيل شرط كالعمل وقيل بل شطر والإسلام اشرحن بالعمل
    20- مثال هذا الحج والصلاة كذا الصيام فادر والزكاة
    - البيت (18)
    ( وفسر الإيمان بالتصديق ) ان الايمان هو ما اعتقده العقل ورسخ في القلب و وقر ( والنطق ) بالشهادتين تلفظا باللسان قد وقع ( فيه الخلف ) الخلاف بين العلماء ( بالتحقيق ) هذا ما حققه السبكي
    - البيت (19)
    ( فقيل شرط ) (فقيل): الإقرار (شرطٌ) في قبول إيمان من صدَّق وكان متمكِّنا من الإقرار ولم يمنعه مانع كخرس وضيق وقت لموت (كالعمل) أي مثل ما قيل: إن النطق شرط، قيل: إن العمل – أي الطاعات – شرط، ومراد المصنف باشتراط العمل شرطُ الكمال.
    (وقيل): ليس النطق شرطا خارجا عن حقيقة الإيمان، (بل شطر) – أي جزء منه – أي إنّ الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب والنطق باللسان، إلا أنّ التصديق ركن لا يحتمل السقوط بحال، والإقرار قد يحتمل السقوط كما في حق الأخرس وغير المتمكن لأجل مانع. وعلى هذا القول، فمن صدق بقلبه وكانت له قدرة على النطق ولم يقع منه النطق بالشهادتين فهو كافر حتى في الآخرة. وقوله: (والإسلام) مفعول (اشرَحَنّ) أي فسِّره (بالعمل) الصالح، فالإسلام اسم لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسم لما بطن من الاعتقاد، وهما متلازمان
    - البيت العشرون
    (مثال هذا ) العمل والاسلام و ظواهر الاعمال كـ (الحج والصلاة كذا الصيام) اركان الاسلام بعد الشهاة ( فادر ) فاعلم او فسُق ما تقدم على (والزكاة) الفرض الخامس في الاسلام فهذه كلها تشكل الاسلام

    21– وَرُجِّحَتْ زِيَادَةُ الإِيمَانِ بِمَا تَزِيدُ طَاعَةُ الإِنْسَانِ
    22– وَنَقْصُهُ بِنَقْصِهَا وَقِيلَ لاَ وَقِيلَ: لاَ خُلْفَ، كَذَا قَدْ نُقِلاَ
    - البيت(21)
    (وَرُجِّحَتْ زِيَادَةُ الإِيمَانِ بِمَا تَزِيدُ طَاعَةُ الإِنْسَانِ) هذه المسئلة جرى عليها الخلاف بين العلماء وفحواها هل الايمان يزيد وينقص ام لا الجمهور قال ان الايمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والنصوص الدالة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى : { واذا تليت عليهم آياتنا زادتهم إيمانا} والفريق الثاني وهم الاقلون قالوا ان الايمان لا يزيد و لا ينقص لانه الاعتقاد الجازم فان نقص خرج عن كونه ايمانتا
    - البيت (22)
    - (وَقِيلَ: لاَ خُلْفَ، كَذَا قَدْ نُقِلاَ ) هذا قول الفريق الثالث ان لا خلاف جوهري بين الفرقين وانما الخلاف لفظي ومؤداه واحد ومعناه متطابق وذكر في البيت السابق ان القول الاول هو الراجح عند جمهور العلماء
     23– فَوَاجِبٌ لَهُ الوُجُودُ وَالقِدَمْ كَذَا بَقَاءٌ لاَ يُشَابُ بِالْعَدَمْ
    24– وَأَنَّهُ لِمَا يَنَالُ الْعَدَمُ مُخَالِفٌ، بُرْهَانُ هَذَا: القِدَمُ

    البيت : ( 23)
    (فَوَاجِبٌ لَهُ الوُجُودُ ) أي: إن سألت عمَّا يجب لله ، فواجبٌ له تعالى (الوجود) الذاتي، وقدَّمه على سائر المطالب لأنه إذا ثبت الوجودُ ترتَّب عليه ما بعده من المطالب.
    واعلم أن الصفات عشرون، وهي أربعة أقسام:
    نفسيّة: هي الصفة الواجبة للذات مدّة وجودها، وهي غير معلَّلة بصفة أخرى قائمة بالذات. وذلك مثلا كتحيّزنا وأخذنا قدرا من الفراغ، فإنه واجب لنا مدة وجودنا، وليس ثبوته لنا معلَّلا بعلّة. الصفة النفسية واحدة وهي الوجود
    وسلبية: وهي خمس: القِدم، والبقاء، والمخالَفة للحوادث، والقيام بالنفس، والوحدانية. والصفة السلبية: هي كل صفة مدلولها عدم أمر لا يليق بالله سبحانه وتعالى.
    – وصفات المعاني: هذا مصطلح للصفات الثبوتية، وهي كل صفة موجودة في حدّ ذاتها، حادثة كانت كبياض الجسم وسواده، أو قديمة كعلم الله تعالى وقدرته. وصفات المعاني سبع: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام.
    – ومعنوية منسوبة للمعنى، وهي لازمة للمعاني ولذلك كانت مثلها سبعا، وهي كونه تعالى حياًّ، وعالِماً، ومريداً، وقادراً، وسميعاً، وبصيراً، ومتكلماً. الصفات المعنوية: هي فرع الصفات الثبوتية لملازمتها إياها، فإن اتصاف محل ما من المحالّ بكونه عالما قادرا مثلا إنما يصح عند قيام العلم والقدرة به. شاء الله نذكر برهان كل صفة مضافا إليها
    وعليها يتكلم المصنّف في نظمه
    ( وَالقِدَمْ ) هو صفة سَلْبِيَّة تَسلِب عن مولانا نقيصة الحدوث، واعلم أن القِدم يطلق تارة:
    – على ما طالت مدّته وتعاقب عليه الجديدان الليل والنهار. والقِدم بهذا المعنى مستحيل على مولانا جل وعز
    – ويطلق ويراد به عدمُ الأوَّلِيَّة للوجود، ونفي سبْقِ العدمِ على الوجود، والقِدم بهذا المعنى هو الذي يجب لمولانا جلّ وعزّ.
    (كَذَا بَقَاءٌ ) ومعنى البقاء في حقه تعالى: نفي الآخريّة ونفي العدم اللاحق، كما أن معنى القِدم: نفي الأولية ونفي العدم السابق كما تقدم؛ قال الله تعالى: { هو الأوَّلُ والآخِرُ والظاهِر والباطِن } [الحديد: 3]؛
    فـ "الأوّل": القديم من غير بداية
    و"الآخر": الباقي من غير نهاية
    و"الظاهر": المعروف بالأدلة، أي الذي أظهر أدلة معرفته بما أبدع من صنعته
    و"الباطن": الذي لا يُحَدُّ ولا يُكَيَّفُ.
    وقوله: (لا يشاب بالعدم)، أي لا يخالطه – عدم، بل لا نهاية له, لما عرفت من أنّ كلّ من ثبت قدمه استحال عدمه

    وَأَنَّهُ لِمَا يَنَالُ الْعَدَمُ مُخَالِفٌ بُرْهَانُ هَذَا: القِدَمُ
    (وأنه) تعالى (لما) أي للذي (ينال) ينالُه بمعنى يلحقُه (العدم) وهو الحوادث (مخالِفٌ) خبر "أنه". يعني أنه تعالى مخالِفٌ لجميع الحوادث، فقوله: "لِمَا" يتعلق بـ "مُخَالِفٌ".

    ومعني المخالَفة للحوادث, نفي الجِرْمِيَّة والعَرَضِيَّة عنه تعالى؛ أي ليس هو تعالى جِرْماً ولا عَرَضًا قائماً بالجرم، ولا يوصف تعالى بحركة ولا سكون، ولا بمكان ولا بزمان، ولا جهة من الجهات الست وهي: أمام، وخلف، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت. فليس له تعالى جهة، ولا هو كائن في جهة من الجهات.
    وينزّه مولانا عن الكيف، وعن الكِبر والصغر، وعن القرب والبعد بالمسافة
    وقوله: (برهان هذا القدمُ) يعني أن الدليل القاطع أو الواضح على أنه تعالى مخالِف للحوادث: وجوبُ القِدم لذاته العلية وصفاته الثبوتية؛ إذ القدم والحدوث ضدّان لا يجتمعان، فإذا ثبت أحدهما انتفى الآخر، فثبت كونه تعالى مخالِفا للحوادث لوجوب قدمه.
    25– قِيَامُهُ بِالنَّفْسِ وَحْدَانِيَّهْ مُنَزَّهًا أَوْصَافُهُ سَنِيَّهْ
    26– عَنْ ضِدٍّ أَوْ شِبْهٍ شَرِيكٍ مُطْلَقًا وَوَالِدٍ كَذَا الْوَلَدْ وَالْأََصْدِقَا
    البيت 25
    ( قِيَامُهُ بِالنَّفْسِ ) ورابع الصفات قيامه بنفسه بمعنى انه غير محتاج لغيره فهو غني عن كل شيئ وكل شيئ محتاج وفقير اليه وقال جل من قائل: { والله الغنيّ وأنتم الفقراء } [محمد: 38] و { هو الغني الحميد } [لقمان: 26].
    (وَحْدَانِيَّهْ ) فالله سبحانه واحد في ذاته وفي افعاله و في صفاته لا ند له و لا شبيه و لا مثيل ليس له علة و لا والد له ولا ولد و لا شريك و لا زوجة لا تحويه الاماكن و لا تحده الازمنة لانه خالق الزمان والمكان
    فأمّا وحدانية الذات, فهي عبارة عن نفي الكمِّ المتَّصِل والكم المنْفَصِل.
    ومعنى الكم المتصل: أن تكون ذاته مركَّبة من أجزاء – تعالى الله عن ذلك –.
    والكم المنفصل: عبارة عن وجود نظيرٍ له تعالى في ذاته أو صفاته أو في أفعاله.
    فالوحدة في حقه تعالى عبارة عن نفي الكثرة في الذات والصفات والأفعال:
    فنفي الكثرة في الذات يستلزم أن لا يكون جسماً يقبل الانقسام، ويستلزم نفي نظير له في الألوهية.
    ونفي الكثرة في الصفات يستلزم نفي النظير فيها، أي نفي أن يكون أحدٌ متصفا بمثل القدرة والإرادة ونحوهما من صفات الألوهية.
    ونفي الكثرة في الأفعال يستلزم انفراده تعالى بها، فلا قسيم له فيها.
    (منزها) أي مقدسا ومُطهَّرا عما لا يليق بجلاله وكبريائه، (أوصافه) أي صفاته تعالى (سَنيَّة) رفيعة القدر، منزَّهة عن كلّ نقص. (عن ضد) أي نظير في الذات أو في الصفات أو الأفعال، (أو) عن (شبه)، أي ليس له شبيه في شيء منها، و"أو"، بمعنى الواو.
    وكذا ينزه تعالى عن (شريك) في الألوهية (مطلقا) في الذات والصفات والأفعال.
    (و) يُنزَّه تعالى عن (والد) لأن وجوده تعالى واجب من ذاته فلا يفتقر إلى سبب، و(كذا) يُنزَّه الواحد جل وعلا عن (الولد) لاستحالته عليه تعالى، { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } [المؤمنون: 91] وفيه ردٌّ على النصارى أهلكهم الله تعالى.
    (و) كذا ينزه تعالى عن (الأصدقا) –جمع صديق – لاستغنائه تعالى عن غيره، ولاستحالة الأغراض عليه جل وعلا.

    27– وَقُدْرَةٌ إِرَادَةٌ وَغَايَرَتْ أَمْرًا وَعِلْمًا وَالرِّضَا كَمَا ثَبَتْ
    28– وَعِلْمُهُ وَلاَ يُقَالُ مُكْتَسَبْ فَاتْبَعْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَاطْرَحِ الرِّيَبْ
    البيت (27)
    (وقدرة) أي واجب له تعالى قدرة عظيمة, عامة التعلق بجميع الممكنات, إيجادا وإعداما وتأثيرا فيها، قديمة أزلية قائمة بالذات العلية، منزَّهة عن الكيفية.
    وتجب له سبحانه القدرة لانه لو لم يكن قادرا لكان عاجزا والعجز ينافي الالوهية والكون حولنا يدل على قدرة صانعه
    وكذا (إرادة)، غير أنّ تعلقها بالممكنات تعلُّق تخصيص، وهي صفة يتأتّى بها تخصيص الممكن بأحد الأمرين الجائزين عليه. ويرادف الإرادة المشيئة.
    (وغايرت) الإرادةُ (أمراً) يعني أنه لا تلازم بين الأمر والإرادة, إذ قد:
    ـ يأمر تعالى ولا يريد، فلا يقع، كأمره تعالى أبا جهل وأبا لهب بالإيمان مع عدم إرادته له.
    ـ ويريد ولا يأمر، ككفر الكافر وعصيان العاصي.
    ـ ويريد ويأمر, كإيمان أبي بكر رضي الله عنه ونحوه من المؤمنين
    ـ ولا يريد ولا يأمر، كالذي علم الله أنه لا يوجد.
    (و) غايرت أيضا (علما)، (و) غايرت (الرضا) وهو عبارة عن الإرادة من غير اعتراض. ويرادف الرضا المحبة.
    فعُلم أنّ الإرادة والمشيئة غير الرضا والمحبة؛ لأنّ معنى الإرادة والمشيئة المترادفين أعمّ من معنى الرضا والمحبة المترادفين (كما ثبت) كما هو معروف بالادلة
    البيت (28)
    (وعلمه) تعالى القديم الأزلي، المتعلِّق بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات؛ على وجه الإحاطة به, على ما هو عليه دون سبق خفاء قال تعالى: { أحاط بكل شيء علما } [الطلاق: 12]
    (ولا يقال) فيه أنّه (مكتسَب) اي لم يحزه بعد جهل (فاسلك سبيل) أي طريق (الحق) الذي عليه أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم (واطرح) أي دَع واترك (الرِّيَب)، جمع ريبة من الرَّيْب وهو الشك,

    29– حَيَاتُهُ كَذَا الْكَلاَمُ السَّمْعُ ثُمَّ البَصَرْ بِذَا أَتَانَا السَّمْعُ
    30– فَهَلْ لُهُ إِدْرَاكٌ أَوْ لاَ خُلْفُ وَعِنْدَ قَوْمٍ صَحَّ فِيهِ الْوَقْفُ
    البيت (29)
    (حياته) أي ومن صفاته تعالى الواجبة له تعالى: الحياة القديمة. وهي لا تَعلُّقَ لها
    والحياة: صفة أزلية تصحح لمن قامت به أن يتصف بالعلم والإرادة والقدرة قال تعالى: { الحي القيوم } [البقرة: 255].
    و(كذا) من صفات المعاني الواجبة لله: (الكلام) النفسي الأزلي القائم بذاته العلية، المنزَّه عن الحروف، والأصوات، واللحن، والإعراب، والتقديم، والتأخير، والسكوت, وكلّ آفة ممّا هو من خواص الحوادث
    وكذا (السمع) الذي ليس بأذن ولا جارحة، بل صفة قديمة أزليّة قائمة بالذات العليّة. (ثم) من صفاته تعالى (البصرْ) بالسكون للوزن. وهو أيضا صفة أزلية قائمة بالذات العلية منزَّهة عن الكيفية، وتتعلق كالسمع بكل موجود، قديماً كان أو حادثاً.
    (بذا) أي بهذه الصفات الثلاثة: السمع، والبصر، والكلام (أتانا) أي جاءنا (السمع) قال جل من قائل: { وهو السميع البصير } [الشورى: 11].
    البيت (30)
    (فهل له إدراك) للطعوم والروائح كما هو رأي القاضي وإمام الحرمين ومن وافقهما، (أوْ لا) إدراك لعدم ورود السمع بها،
    وجوابه في ذلك: (خلف) أي اختلاف مبني على صحة الاكتفاء في الصفات الثلاث بدليل الشرع أو العقل، فالأسلم أن لا يقطع بثبوتها ولا نفيها، ولذا قال: (وعند قوم) من العلماء (صح فيه) أي في الإدراك (الوقف) أي التوقف، بمعنى لا ندري هل الإدراك ثابت له تعالى زائد على العلم أو لا؟ محل توقف. فيترك الجزم بأحد الأمرين لعدم وجود الدليل.
    31– حَيٌّ عَلِيمٌ قَادِرٌ مُرِيدُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مَا يَشَا يُرِيدُ
    32– مُتَكَلِّمٌ ثُمَّ صِفَاتُ الذَّاتِ لَيْسَتْ بِغَيْرِ أَوْ بِعَيْنِ الذَّات

    البيت (31)
    ثم ذكر الناظم السبع المعنوية الملازمة للسبع الأولى، ولذلك كانت مثلها سبعا
    (حي) بحياة، (عليم)، أي عالم بعلم وهو لازم للعلم، (قادر) بقدرة وهو ملازم للقدرة، (مريد) بإرادةوهو يلازم الإرادة، (سميع) أي سميع بسمع وهو ملازم لقيام السمع بذاته تعالى، (بصير) ملازم لقيام البصر بذاته، (ما يشا يريد) لأنه فاعل مختار؛
    البيت (32)
    (متكلم) بكلام أزلي نفسي، وهو ملازم لصفة الكلام. ودليل هذه الصفات المعنوية يعلم مما تقدم في المعاني.
    (ثم صفات الذات) وهي:
    – صفات دلَّ عليها فعلُه وصنعه لتوقف الفعل عليها وهي: القدرة، والإرادة، والحياة والعلم.
    – وصفات دلَّ عليها التنزيه له تعالى عن النقص وهي: السمع، والبصر، والكلام والبقاء.
    وأمّا صفات الأفعال، فهي صفات دلّت على تأثيره، قال الشيخ السنوسي: "صفات الأفعال عبارة عن صدور الأفعال عن قدرته وإرادته".
    (ليست) هذه الصفات (بغير) الذات، (أو) ليست (بعين الذات). و"أو" بمعنى الواو.
    فإن قيل: الحكم بأنها ليست غير الذات وليست عين الذات ترافع!
    قلنا: المراد بكونها ليست عين الذات واضح لأنّ الصفة غير الموصوف، والمراد بكونها ليست غير الذات بمعنى عدم انفكاكها عن الذات العلية أزلا وأبدا، لا أنها نفسها
    33– فَقُدْرَةٌ بِمُمْكِنٍ تََعَلَّقَتْ بِلاَ تَنَاهِي مَا بِهِ تَعَلَّقَتْ
    34– وَوَحْدَةً أَوْجِبْ لَهَا وَمِثْلُ ذِي إِرَادَةٌ وَالْعِلْمُ لَكِنْ عَمَّ ذِي
    35– وَعَمَّ أَيْضًا وَاجِبًا وَالْمُمْتَنِعْ وَمِثْلُ ذَا كَلاَمُهُ فَلْنَتَّبِعْ
    البيت (33)
    (فقدرة بممكن) وجودُه وعدمُه (تعلَّقَتْ)، تعلُّقًا صُلوحيّا قديما، وتعلقا تنجيزياً حادثاً. ومعنى الصُّلوحي أنّها صالحة في الأزل للإيجاد والإعدام عند تعلق الإرادة الأزلية بهما فيما لا يزال.
    يعني أن القدرة القديمة تتعلق بجميع الممكنات؛ إذ لو اختصت ببعض الممكنات دون بعض للزم أن يكون هذا البعض الذي لم تتعلق به واجبا أو مستحيلا، وهو قلب للحقائق؛ وإلاّ احتيج إلى مخصِّصٍ، والكلّ محال
    والتعلق التنجيزي: وهو التعلق الحادث المقارن لتعلق الإرادة بالحدوث، وهو عبارة عن وقوع الممكنات عن قدرته تعالى و إرادته.
    (بلا تناهي ما به تعلقت) تلك القدرة،
    البيت (34)
    (ووحدة) متعلقة بقوله (أوجب لها)، أي للقدرة، يعني أنّ القدرة تجب لها الوحدانية, بمعنى أنها ليست متعددة، ولا يتصف بها سوى مولانا أحد.
    (ومثل ذي) القدرة في عموم التعلق بالممكنات ووجوب الوحدة (إرادة)، إلاّ أن تعلّق القدرة تعلق تأثيرٍ، وتعلق الإرادة تعلق تخصيصٍ
    وكذا (العلم) الأزلي يتعلق بجميع الممكنات، ويزيد أنه يتعلق ببقية أقسام الحكم العقلي؛ أي ينكشف له تعالى بالعلم جميع الواجبات والجائزات والمستحيلات من غير سبْق خفاء، ولذا قال: (لكن عمّ) العلم تعلقاً (ذي) الممكنات.
    البيت (35)
    (وعمَّ أيضا واجبا) كذاته وصفاته وأسمائه الواجبة القديمة، فهي منكشفة له ويعلم أنها واجبة له أزلا وأبدا.
    (و) عمَّ أيضا (الممتنع) أي المستحيل، فيعلم تعالى أنّ الشريك والنقائص عليه محال ممتنع لا يتصور وجوده.
    (ومثل ذا) العلم العام التعلق، (كلامه) تعالى النفسي الأزلي القائم بذاته، فيتعلق كلامه تعالى بأقسام الحكم العقلي الثلاثة وتعلق الكلام تعلق دلالة؛ فمثال دلالة كلامه تعالى على الواجب قوله تعالى: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } [طه: 14]، وعلى الجائز: { و يوم نسير الجبال } [الكهف: 47]، وعلى المستحيل: { أنّى يكون له وَلَدٌ ولم تكن له صاحبة } [الأنعام: 101] ونحو ذلك (فلنتبع) الحق فيه النجاة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ملك روحي
    مراقبة عامة
    مراقبة عامة
    ملك روحي



    العمر : 47
    انثى
    الوسام شكر وتقدير

    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: احفظ معنا جوهرة التوحيد    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد أبريل 10, 2011 3:31 pm

    36– وَكُلُّ مَوْجُودٍ أَنِطْ لِلسَّمْعِ بِهْ كَذَا البَصَرْ إِدْرَاكُهُ إِنْ قِيلَ بِهْ
    37– وَغَيْرُ عِلْمٍ هَذِهِ كَمَا ثَبَتْ ثُمَّ الْحَيَاةُ مَا بِشَيْ تَعَلَّقَتْ

    البيت (36)
    (وكلّ موجودٍ) قديماً كان أو حادثاً (أنط للسمع به)، يعني أنّ سمْعَه تعالى يتعلق تعلقا تنجيزيّا بكلّ موجود، واجبا كذاته وصفاته وأسمائه، أو ممكنا كمخلوقاته.
    (كذا) – أيضا– يتعلق بجميع الموجودات تنجيزًا (البصرْ)
    وكذا (إدراكه) تعالى (إن قيل به) وأنّه صفة ثامنة،أي فيتعلق الإدراك على القول به بكل موجود كالسمع والبصر، وأشار بـ "إن" التي للشك إلى أنّ الأولى في هذه الصفة التوقُّف كما تقدم.
    البيت (37)
    (وغير علم هذه) الصفات الثلاثة، أي السمع والبصر والإدراك على القول به، بل هي صفات زائدة على العلم,
    (كما ثبت) ذلك شرعا.
    (ثم) صفة (الحياة ما بشيْتعلّقت)، أي لا تعلُّقَ لها أصلا، أي لا تقتضي أمراً زائداً على القيام بمحلها.
    38– وَعِنْدَنَا أَسْمَاؤُهُ الْعَظِيمَهْ كَذَا صِفَاتُ ذَاتِهِ قَدِيمَهْ
    39– وَاخْتِيرَ أَنَّ أَسْمَاهُ تَوْقِيفِيَّهْ كَذَا الصِّفَاتُ فَاحْفَظِ السَّمْعِيَّهْ
    40– وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا

    (وعندنا) معشر أهل السنة (أسماؤه) تعالى التسعة والتسعون التي في الحديث, كما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدًا. من أحصاها دخل الجنة
    (العظيمة) القدر، و (كذا صفات ذاته) الواجبة لها أزلا وأبدا كالإرادة والكلام (قديمة) أزلية ليس لها أوّليَّة، وباقية؛ إذ كل ما ثبت قدمُه استحال عدمُه
    (واختير) القول بـ (أنّ أسماه) – بالقصر للوزن – تعالى (توقيفية)، أي متوقِّفة على الإذن من الشرع، فلا يسمّى مولانا إلا بما سمّى به نفسه في كتابه، أو سمّاه به نبيه، أو ثبت بالإجماع كالقديم كما تقدمو (كذا الصفات)، أي واختير القول أيضا بأنها توقيفية كالأسماء، في أن إطلاقها عليه تعالى متوقف على الإذن من الشرع.
    (فاحفظ) واعتقد الصفات والأسماء (السمعية) التي ورد بها دليل من الشرع،
    (وكلّ نصّ) من كتاب أو سنّة (أوهَم) باعتبار ظاهر دلالته، أي أوقع في الوهم (التشبيها) له تعالى بالحوادث، المستحيل على من ثبت مخالَفتُه للحوادث في ذاته وفي صفاته، فيجب تنزيه الباري تعالى عن ذلك الظاهر المستحيل عقلاً وشرعاً، ولذا قال: (أوِّله)، أي اصرفه عن ظاهره وجوباً، ثم أنت مخيّر في:
    أن تؤوّله بتأويل خاصٍّ يليق بالجناب الرفيع؛ كتأويل اليد بالقدرة أو النعمة الذي هو معناها المجازي، في نحو قوله تعالى: { لما خلقْتُ بيدي } [ص: 75]؛ وتأويل الوجه بالوجود والذات في نحو قوله تعالى: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [الرحمن: 27] ؛ وتأويل العين في نحو قوله تعالى: { تجري بأعيننا } [القمر: 14] بالحفظ والرعاية؛ وكتأويل الاستواء في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } [الأعراف: 54] بالإستيلاء؛ (أو) أوّله إجمالا لا تفصيلا، و(فوّض) الأمر في المراد منها تفصيلا إلى الله العليم الحكيم. وهذا مذهب السلف وهو أسلم لسلامته من التجاسر على تأويل المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله
    (وَرُمْ)، أي أقصُدْ (تنزيها) له جلّ وعلا عن ما لا يليق بكبريائه تعالى.

    41– وَنَزِّهِ القُرْآنَ أَيْ كَلاَمَهْ عَنِ الْحُدُوثِ وَاحْذَرِ انْتِقَامَهْ
    42– فَكُلُّ نَصٍّ لِلْحُدُوثِ دَلاَّ احْمِلْ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي قَدْ دَلاَّ

    41– (ونزِّه القرآن أي كلامه) إذ إن القرآن يطلق على القائم بالذات العلية، كما يطلق على اللفظ الدال عليه المنزَّل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز بسورة منه (عن الحدوث) ولوازم الحدوث، كالسكوت، وكونه بالحروف والأصوات.
    (واحذر) أي باعِد وخف (انتقامه) تعالى أن تقول بحدوث كلامه القائم بذاته؛ إذ يتعالى ربُّنا عن أن تكون ذاته محلا للحوادث.
    42– وإذا ورد ما يوهِمُ الحدوث، فأوِّله كما قال: (فكلّ نصّ) أي ظاهر من الكتاب أو السنّة (للحدوث) أي على الحدوث (دلاّ) بظاهره، أو أدّى للحدوث كقوله تعالى: { وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدَث } [الأنبياء: 2] و { إنّا أنزلناه في ليلة مباركة } [الدخان: 3]
    (احمل) ذلك وجوبا (على اللفظ) الكريم (الذي) قد (دلاّ) على الكلام النفسي القديم القائم بالذات. يعني: حيث عرفت قِدم كلام مولانا وتنزّهه عن الحدوث وعن أن يكون مخلوقا أو قائما بمخلوق، فمهما وجدت ما يوهم ذلك فيجب عليك أن تؤوِّله بأن تحمله على اللفظ الدال على الكلام الذي ليس كمثله شيء.


    ثم أشار إلى القسم الثاني من أقسام الحكم العقلي، وهو ما يستحيل عليه تعالى فقال:
    43 – وَيَسْتَحِيلُ ضِدُّ ذِي الصِّفَاتِ فِي حَقِّهِ كَالْكَوْنِ فِي الْجِهَاتِ
    44– وَجَائِزٌ فِي حَقِّهِ مَا أَمْكَنَا إِيجَادًا إِعْدَامًا كَرَزْقِهِ الغِنَى

    43 – (و) يجب عليك أن تعتقد أنه (يستحيل) عليه سبحانه كل ما ينافي صفات الجلال والكمال إجمالا، ويجب عليك أن تعتقد أنه يستحيل عليه تعالى (ضدّ ذي) أي هذه (الصفات) العشرين المتقدم بيانها (في حقه) تعالى (كالكون) أي الحلول (في) جهة من (الجهات) الست وهي: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وأمام، وخَلف، بغير خلاف فيما عدا جهة فوق.
    44– (و) أمّا القسم الثالث من الإلهيات الذي هو (جائز في حقه) تعالى فهو كلّ (ما)، أي شيء (أمكنا إيجادًا) و (إعدامًا) يعني أن الجائز في حقه تعالى هو كلّ شيء أمكن إيجاده وإعدامه، أي لم يلْزَم على إيجاده ولا إعدامه مُحالٌ، وذلك (كرَزقه) تعالى (الغِنى) لمن أراد أن يكون غنيا، ورَزقه العلم لمن أراد أن يكون عالِما، والإيمان لمن أراد أن يكون مؤمنا، والتوفيق لمن أراد أن يكون موفَّقا

    45– فَخَالِقٌ لِعَبْدِهِ وَمَا عَِملْ مُوَفِّقٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلْ
    46– وَخَاذِلٌ لِمَنْ أَرَادَ بُعْدَهُ وُمُنْجِزٌ لِمَنْ أَرَادَ وَعْدَهُ
    47– فَوْزُ السَّعِيدِ عِنْدَهُ فِي الأَزَلِ
    كَذَا الشَّقِيُّ ثُمَّ لَمْ يَنْتَقِلِ
    45-( فخالق لعبده ) مما يجب على المكلف اعتقاده ان الله سبحانه هو وحده الخالق لكل عباده من انس وجن وملائكة و حيوان ونبات وجماد ( وما عمل ) وهو وحده ايضا الخالق لافعال عباده هؤلاء جميعا قال تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } [الصافات: 96] أي: وعملكم.
    ( موفق لمن اراد ان يصل ) والله وحده هو الذي الموجد لقدرة الطاعة في العبد لمن اراد اي يحصل على رضاء الله
    46- ( وخاذل لمن اراد بعده )، أي وخالق القدرة على المعصية (لمن أراد بُعدَه) أي إبعاده وطرده من رحمته والاشتغال بعبادته. وأشار لهذا بقوله تعالى: { يضل من يشاء ويهدي من يشاء } [فاطر: 8]. ( ومنجز لمن اراد وعده ) و الله محقق و معطي ما وعد لعباده الطائعين
    47-( فوز السعيد ) ادخال السعيد الجنة معلوم(عنده في الازل) اي ان من علم الله الازلي علمه بمن سيفوز بالرحمة و دخول الجنة ( كذا ) علمه ازلي بشقاء ( الشقي ) بدخوله النار ( ثم لم ينتقل ) اي علم الله الازلي بفوز السعيد و وخسارة الشقي لا يتبدل ولا يتغير
    48– وَعِنْدَنَا لِلْعَبْدِ كَسْبٌ كُلِّفَا وَلَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فَلْتَعْلَمَا
    49– فَلَيْسَ مَجْبُورًا وَلاَ اخْتِيَارًا وَلَيْسَ كُلاًّ يَفْعَلُ اخْتِيَارًا
    50– فَإِنْ يُثِبْنَا فَبِمَحْضِ الْفَضْلِ وَإِنْ يُعَذِّبْ فَبِمَحْضِ الْعَدْلِ
    (وعندنا) معشر أهل الحق (للعبد كَسْبٌ) أي قدرة حادثة تقارن المقدور فقط ولا تؤثر فيه، ويعبَّر عنها بالاستطاعة أيضا، وهي عرَضٌ يخلقه الله للعبد عند إرادة الاكتساب، وهي شرط لأداء الفعل، وفي التكليف، ولذا قال: (كُلِّفَا) العبد به، يعني أن تلك القدرة الحادثة بها وقع التكليف الشرعي من الله تعالى للعبد.
    قال الله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286].
    وهذا الكسب الذي أثبته أهل السنة لا تأثير له كما أشار إليه الناظم بقوله: (ولم يكن) ذلك العبد (مؤثِّراً) لان المثر هو الله وحده { الله خالق كل شيء } [الزمر: 62] { هل من خالق غير الله } [فاطر: 3] { والله خلقكم وما تعملون } [الصافات: 96].
    (فَلْتَعْلَما) أيها المسلم الموحد السنيُّ علما يقينيا ثابتا لا شك فيه
    (فليس) العبد (مجبورا) جَبْرا يذهب معه الاختيار بالكلِّية وينتفي معه التكليف الشرعي، (ولا اختيارا) له في أفعاله بحيث يكون مؤثرا فيها، بل مكتسب لافعاله
    ثم قال: (وليس كلا يفعل اختيارا)، يعني: أن العبد لا يخلق شيئا من أفعاله الاختيارية، ولا يؤثر في شيء منها إذ لا مؤثر ولا خالق سوى مولانا جل وعلا.
    (فإن يثبنا) تعالى بالنعيم المقيم في جنات النعيم وبغير ذلك (فبمحض الفضل) أي فإثابته لنا بخالص الفضل والكرم منه جل وعز ؛ إذ لا حَقَّ لمخلوق على خالقه وخالق أعماله، فلا على الله حق، بل يكون له حق التفضل.
    (وإن يعذب) أي يعاقب أحدا فتعذيبه له بخالص العدل الذي لا يشوبه جور، (فبمحض العدل) لاستحالة الظلم عليه تعالى؛ { ولا يظلم ربك أحدا } [الكهف: 49] { وما ربك بظلام للعبيد } [فصلت: 46]، ولأنّ من تصرف فيما يملك لا يصحّ أن ينسب إليه ظلم، والله تبارك وتعالى كلّ ما سواه ملْك له وعبيده وخلقه، فلا يتصور إذا منه ظلم.
    51– وَقَوْلُهُمْ "إِنَّ الصَّلاَحَ وَاجِبُ عَلَيْهِ" زُورٌ، مَا عَلَيْهِ وَاجِبُ
    52– أَلَمْ يَرَوْا إِيلاَمَهُ الأَطْفَالاَ وَشِبْهَهَا فَحَاذِرِ المُحَالا
    53– وَجَائِزٌ عَلَيْهِ خَلْقُ الشَّرِّ وَالْخَيْرَ كَالإِسْلاَمِ وَجَهْلُ الكُفْرِ

    54– وَوَاجِبٌ إِيمَانُنَا بِالْقَدَرِ وَبِالْقَضَا كَمَا أَتَى فِي الْخَبَرِ
    (وقولهم) أي المعتزلة (إنّ) مراعاة (الصلاح) والأصلح للعباد (واجب عليه) تعالى (زور) أي باطل؛ إذ لو وجب عليه تعالى مراعاة ذلك لما وقعت بليَّة ولا أذيَّة، ولا مرض ولا موت ولا رزية، بل ولَما وقع تكليف العبيد، بل لو وجب عليه ذلك لأوجدهم في الجنة، ولَما خلق الكافر الفقير المعذَّب في الدنيا بالكفر والفقر، وفي الآخرة بالعذاب الدائم.
    (ما عليه) شيء (واجب)، لانه فعال لما يريد { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } !؟[القصص: 68].
    (ألم يروا) الذين يقولون بوجب الاصلح على الله وهم المعتزلة (إيلامه) تعالى بإيجاعه وتعذيبه بالمرض وغيره (الأطفالا) جمع طفل: وهو كل من لم يبلغ الحلُم، (وشبهها) كالدواب، إذ لا صلاح لهما في نزول الأمراض بهم.
    (فحاذر)، أي احذر وجانب (المحالا) من وجوب مراعاة الصلاح والأصلح للخلق، فلا يجب عليه تعالى فعل شيء ولا ترك شيء من الأشياء؛ إذ لو وجب عليه شيء لما كان فاعلا مختارا لأن الفاعل المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، ولا يُسأل عما يفعل، وأمّا إذا كان لا بدّ أن يفعل ولا بدّ أن يترك فليس بمختار، وهو مستحيل .
    (وجائز عليه) أي في حقه تعالى إرادة (خلق) أي إيجاده من العدم لـ (الشر)؛ لوجوب عموم إرادته تعالى تعلُّقا بجميع الممكنات خيرها وشرها.
    (و) جائز عليه تعالى إرادة خلق (الخير)، وهذا واضح .
    ثم مثّل للخير بقوله: (كالإسلام)، أي كإرادته خلق الإسلام فيمن شاء إسلامه، وخلق الطاعة والتوفيق فيمن أراد توفيقه. ثم مثل للشرّ بقوله: (وجهل الكفر)، أي وإرادته جَهْل الجاهل وكُفْرَ
    (وواجب) شرعا (إيماننا) معاشر المكلَّفين (بالقدَر) وهوانجاز علم الله فينا أي بأن جميع الكائنات، خيرا كانت أو شرا، واقعة بإرادة الله وقدرته على حسب ما سبَق به علمُه القديم.
    (و) واجب إيماننا (بالقضا)، وهو علم الله فينا أي الأشياء المسطورة في اللوح ويجب الرضا بالقضاء، لا بالمقضي إن كان شرّا.
    وكذا بالقدر (كما أتى في الخبر) أي في الحديث الذي أجاب به النبيُ - صلى الله عليه وسلم - جبريلَ لمَّا سأله ما الإيمان؟ وفيه: « وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره»
    55– وَمِنْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِالأَبْصَارِ لَكِنْ بِلاَ كَيْفٍ وَلاَ انْحِصَارِ
    56– لِلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بِجَائِزٍ عُلِّقَتْ هَذَا وَلِلْمُخْتَارِ دُنْيَا ثَبَتَتْ

    (ومنه)، أي وممّا يجب الإيمان به، وهو جائز في حقه تعالى (أن يُنظَر) الله تعالى (بالأبصار) أي يراه المؤمنون في الجنة, من غير جهة, ولا مقابَلة, ولا انبعاث أشعَّة من عين الرائي إلى المرئي، بل على ما يليق به جل وعلا؛ بأن يخلق لهم الإدراك فيرونه من غير تكييف ولا تشبيه. قامت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.
    – كقوله تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة } [القيامة: 22] أي: حسان، { إلى ربها ناظرة } [القيام: 23] (لكن) نراه تعالى (بلا كيف)، أي من غير تكييف ولا جهة لاستحالة ذلك عليه تعالى، (ولا انحصار)، أي من غير إحاطة به تعالى لقوله: { لا تدركه الأبصار } [الأنعام: 103] ولا جهة
    (للمؤمنين) يتعلق بقوله "أن يُنظَر" بتضمينه معنى ينكشف لهم. يعني أن الرؤية حاصلة للمؤمنين من هذه الأمّة ومن الأمم السابقة والملائكة ومؤمني الجنِّ في الجنة وفي عرصات القيامة.
    (إذ بجائز عُلِّقت) أي علقت الرؤية على امر جائز ، والمعلَّق على الأمر الجائز يكون جائزا. أشار إلى قوله تعالى في سؤال الكليم الرؤية: { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني } [الأعراف: 143] فعلَّق حصول الرؤية على استقرار الجبل مكانه، وهو ممكن،
    (هذا) الذي عرفت، (و) رؤيته تعالى (للمختار) من جميع العالمين وهو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (دنيا) أي في الدنيا (ثبتت) أي وقعت له - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون غيره ليلة الإسراء، إذ الراجح عند جمهور العلماء أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الله تعالى بعيني رأسه،
    57– وَمِنْهُ إِرْسَالُ جَمِيعِ الرُّسْلِ فَلاَ وُجُوبَ بَلْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ
    58– لَكٍنْ بِذَا إِيمَانُنَا قَدْ وَجَبَا فَدَعْ هَوَى قَوْمٍ بِهِمْ قَدْ لَعِبَا
    59– وَوَاجِبٌ فِي حَقِّهِمُ الأَمَانَهْ وَصِدْقُهُمْ وَضِفْ لَهُ الفَطَانَهْ

    هنا يبتدء المصنف بذكر النبوة والرسالة
    (ومنه) أي ومما يجب اعتقاده (إرسال جميع الرسل) للخلق ليرشدوهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، فضلا منه تعالى ومِنَّة (فلا وجوب) عليه تعالى، (بل) إرساله إيّاهم (بمحض الفضل) أي بخالص الإحسان والكرم والجود.
    (لكن بذا) الجائز العقلي (إيماننا قد وجبا) فيجب علينا الإيمان بجميع رسل الله ما عرفناه وما لم نعرفه، فنؤمن بما عرفنا منهم تفصيلا، وبما لم نعرفه إجمالا، لا نُفرِّق بين أحد من رسله.
    وإذا عرفت ذلك (فدع) أي اترك (هوى قوم) اتبعوا أهواءهم وسوّل لهم الشيطان آراءهم، (بهم قد لعبا) الهوى فأوقعهم في البدع والكفران لقولهم بوجوب الإرسال، أو نفيهم له.
    (وواجب في حقهم)، أي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (الأمانة) أي العِصْمة من كلّ فعل أو قول منهي عنه، نهيَ تحريم أو نهي كراهة؛ بل ومن خلاف الأولى من فعل المباح لمجرد الشهوة؛ بل لا يصدر منهم شيء إلا وهو قربة يثابون عليها بنياتهم الصالحة؛ إذ هم أصفياء الله، ونخبته من خلقه، والعارفون به حق معرفته.
    والعصمة: أن لا يخلق الله في المكلّف الذنب، مع بقاء قدرته واختياره. وقال بعضهم:« العصمة المنعُ من الذنب، مع عدم جواز الوقوع، (و) كذا مما يجب في حقهم (صدقهم) أي مطابقة كل ما يخبرون به للواقع.
    والدليل على صدقهم أنّهم لو لم يصدُقوا للزم كذب الله الذي صدّقهم بالمعجزات القائمة مقام قوله تعالى صدَقَ عبدي في كل ما يبلّغ عنّي، ومن صدَّق الكاذب مع علمه بأنه كاذب فهو أيضا كاذب، والكذب على الله محال لأنّ خبره تعالى موافق لعلمه، وعلمُه تعالى لا يتبدّل ولا يتغير بحال من الأحوال، فوجب صدق الرسل.
    (وضِف) أي ضمّ (له) أي للواجب في حقهم (الفطانة) أي قوة الفهم والحذاقة وزيادة الذّكاء؛ لأنّه اللائق برتبتهم العلية ودرجتهم السنيّة.
    60– وَمِثْلُ ذَا تَبْلِيغُهُمْ لِمَا أَتَوْا وَيَسْتَحِيلُ ضِدُّهَا كَمَا رَوَوْا
    61– وَجَائِزٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْأَكْلِ وَكَالْجِمَاعِ لِلنِّسَا فِي الحِلِّ
    ثم أشار إلى ما يستحيل في حقهم بقوله: (ويستحيل) أي يمتنع عقلا وشرعا في حقّ الرسل وكذا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام (ضدُّها)، أي أضداد الصفات الأربعة الواجبة المتقدمة وهي:
    – الخيانة بفعل منهي, الذي هو ضد الأمانة، أي العصمة.
    – والكذب الذي هو ضد الصدق.
    – والبلاهة والغفلة الذي هو ضد الفَطانة.
    – والكتمان لشيء ممّا أُمِروا بتبليغه وهو ضد التبليغ.
    فهذه كلّها مستحيلة في حقهم (كما روَوْا). وكأنّه أشار بهذا إلى أن المعتمد عليه في امتناع ما ذكر إنما هو الدليل السمعي لا العقلي.
    (وجائز) عقلا وشرعا (في حقهم) أي بالنسبة إليهم عليهم الصلاة والسلام ما هو من الأعراض البشرية التي لا تُخِلُّ بمراتبهم العلية وأحوالهم القُدسية، وذلك (كالأكل) والشرب والنوم ونحو ذلك من المباحات، إلا أنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، لذلك كانوا لا يحتلمون، ولأن الشيطان لا يقرب ساحتهم.
    أما ما يقتضي الإخلال بمنصبهم الرفيع وجنابِهم المنيع، مثل الأمراض المنفرّة والعمى، فلا يجوز في حقهم، وما يقال أنّ شعيبا كان ضريرا لم يثبت، وكذا يعقوب، وإنما حصلت له غشاوة وزالت.
    (وكالجماع للنسا في الحلّ) لا في حال الحرمة، كالحائضات والنُّفَساء والمعتكفات والمحرمات بحج أو عمرة.
    والحاصل أنّهم عليهم الصلاة والسلام باعتبار ظواهرهم تنالهم الأعراض البشرية التي لا تؤدّي إلى نقص، وأمّا بواطنهم فهي متعلقة بالملإ الأعلى، والمقام الأسنى، والأسرار الإلهية، والمواهب الربانية، والمعارف اللّدنية دائما، فظواهرهم بشرية وبواطنهم ملكية.
    62 وَجَامِعٌ مَعْنَى الَّذِي تَقَرَّرَا شَهَادَتَا الإِسْلاَمِ فَاطْرَحِ المِرَا
    63 وَلَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ مُكْتَسَبَهْ وَلَوْ رَقَا فِي الْخَيْرِ أَعْلَى دَرَجَهْ
    64 بَلْ ذَاكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ لِمَنْ يَشَاءُ جَلَّ اللَّهُ وَاهِبُ المِنَنْ

    ولمّا ذكر عقائد الإيمان من الإلهيات والنبويات تفصيلا، أشار إلى تلك العقائد كلّها داخلة تحت قولنا: لا اله إلا الله محمد رسول الله. فقال: (وجامع معنى الذي تقررا) لك من الإلهيات والنبويات (شهادتا الإسلام) اللّتين لا يُقبل من أحد الإيمان ولا يحصل الإسلام إلا بهما:
    إذ الجملة الأولى تتضمن الإلهيات: ما يجب له تعالى وما يستحيل في حقه تعالى وما يجوز، لأنّ معنى "لا إله إلا الله" أنّه تعالى مُستغنٍ عن كل ما سواه، ومفتقر إليه كل ما عداه
    والجملة الثانية – أعني "محمد رسول الله" – تتضمن النبويّات: أي ما يجب للأنبياء وما يستحيل وما يجوز، وفيها إثبات الكتب والشرع والبعث والجزاء.
    تنبيه: يجب النطق بالشهادين مرة في العمر ناوِيًا بهما الوجوب، ولا بد من فهم معناهما ولو إجمالا، وإلا لم ينتفع بهما في الخلاص من الخلود في النار.
    وإذا عرفت أن الشهادتين تشتملان على جميع عقائد الإيمان (فاطرح) أي ارْمِ وألقِ عنك (المرا)، أي الخصام في صحة اشتمالها على ذلك.
    ولمّا قالت الفلاسفة إن النبوّة يجوز اكتسابها بملازمة المجاهدة بالخلوة والجوع وأكل الحلال، ردَّ عليهم الناظم رحمه الله فقال: (ولم تكن نبوّة) وهي إيحاء الله تعالى لإنسان, عاقل, حرٍّ, ذكر, بحكم شرعي تكليفي؛ سواء أمَرَه بتبليغه أم لا، كان معه كتاب أم لا، كان له شرع مجدّد أم لا، كان له نسْخ لشرع من قبله أو بعضه أم لا. انتهى.
    (مكتسبة) أي إن النبوة فَضْلٌ من الله تعالى يخصّ به من يشاء ويصطفي بها من أراد اصطفاءه بها؛ { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } [الحج: 75]، لا تدرَكُ برياضة(1) ولا بعبادة ولا بجدّ ولا باجتهاد، أي إنها لا تحصل بمجرد ذلك (ولو رَقَا في الخير) أي صعد العبد في العبادات الشاقة والطاعات الفاضلة (أعلى) أي أقصى (عقبة) أي ولو بلغ العبد في اكتساب الطاعات أعلى مرتبة لا ينالها. وإنما شبَّه بلوغ الطاعات برُقِيّ العقبة لصعوبتها ومشقتها على النفس.
    (بل ذاك) أي اصطفاء الله من شاء للنبوّة وتخصيصه بالرسالة (فضل الله) أي أثر جوده وإنعامه. والفضل إعطاء الشيء من غير عِوَض، لا عاجل ولا آجل، ولا لغرض، ولذا لا يكون لغيره تعالى. (يؤتيه) أي يعطيه تعالى بمحض اختياره (لمن يشاء) إيتاءه (جلّ الله) تعظم وتنزه عن أن ينال أحدٌ شيئا لم يُرِد عطيته، إذ هو تعالى (واهب المنن) جمع منة وهي العطية، لا واهب سواه لنبوة ولا غيرها.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ملك روحي
    مراقبة عامة
    مراقبة عامة
    ملك روحي



    العمر : 47
    انثى
    الوسام شكر وتقدير

    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: احفظ معنا جوهرة التوحيد    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد أبريل 10, 2011 3:37 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    65وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الإِطْلاَقِ نَبِيُّنَا فَمِلْ عَنِ الشِّقَاقِ
    66– وَالأَنْبِيَا يَلُونَهُ فِي الْفَضْلِ وَبَعْدَهُمْ مَلاَئِكَة ذِي الفَضْلِ
    67– هَذَا وَقَوْمٌ فَصَّلُوا إِذْ فَضَّلُوا وَبَعْضُ كُلٍّ بَعْضَهُ قَدْ يَفْضُلُ

    (وأفضل الخلق) أي المخلوقات جميعا إنسِيِّها وجِنِّيها، عُلوِيِّها وسُفلِيِّها، ولذا قال: (على الإطلاق)، أي مطلقا من غير تقييد، هو (نبينا) وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله، فهو سيد أهل الدنيا والآخرة، وإليه يهرعون في عرصات القيامة.
    (فمِلْ) أي حِدْ (عن الشقاق)، أي الخلاف والنزاع فيما ذكر من أفضليته على سائر الخلق. أي ومما يجب اعتقاده أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق أجمعين.
    [مراتب الخلق في الفضل]
    (الأنبيا) عليهم الصلاة والسلام يجب أن يعتقد أنهم (يلونه) أي يقْفُونه، أي يتبعون نبينا - صلى الله عليه وسلم - (في الفضل) أي في سائر خصال الخير ومراتب الكمال. فرتبتهم عليهم السلام بعد رتبته - صلى الله عليه وسلم -، وهُمْ متفاوتون في الدرجات فيما بينهم.
    (وبعدهم) أي الأنبياء في الفضيلة (ملائكة) الله تعالى (ذي الفضل) والكرم. فمرتبة الملائكة تلي مرتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الجملة، فالملائكة – ولو غير رسل – أفضل من الأولياء من البشر. وأمّا على التفصيل، فالذي يلي الأنبياء من الملائكة إنما هم أعيانهم كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل عليهم الصلاة والسلام. هذا قول جمهور الأشاعرة.
    (هذا) الذي ذكر من تفضيل الأنبياء على الملائكة، والملائكة على غير الأنبياء من البشر من غير تفصيل طريق الأشاعرة، وأمّا الطريق الثانية فأشار إليها بقوله: (وقوْمٌ) من الماتريدية لم يقولوا بأن جملة الأنبياء أفضل من جملة الملائكة، وجملة الملائكة أفضل من جملة سائر البشر، بل (فصَّلوا) القول (إذ فضَّلوا) أي وقت تعرضهم للتفضيل، فقالوا: رسل البشر كموسى أفضل من رسل الملائكة كجبريل، ورسل الملائكة كإسرافيل أفضل من أولياء البشر كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأولياء البشر أفضل من عامة الملائكة، وهم غير الرسل منهم.
    (وبعضُ كلٍّ) من الأنبياء والملائكة (بعضَه) الآخر (قد يَفضُل) أي مما يجب اعتقاده أنّ بعض الأنبياء كأولي العزم أفضل من غيرهم، وبعض أولي العزم كسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من غيره منهم كإبراهيم عليه السلام وهو أفضل أولي العزم غير نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأن بعض الملائكة كالرسل منهم أفضل من غيرهم منهم، وبعض رسل الملائكة أفضل من بعض كجبريل.

    والحاصل: أن الأفضل من خلق الله هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء غير الرسل، ثم هم متفاضلون فيما بينهم، والملائكة فيما بينهم متفاضلون كالرسل. …
    68– بِالْمُعْجِزَاتِ أُيِّدُوا تَكَرُّمًا وَعِصْمَةُ الْبَارِي لِكُلٍ حَتِّمَا
    69– وَخُصَّ خَيْرُ الْخَلْقِ أَنْ قَدْ تَمَّمَا بِهِ الْجَمِيعَ رَبُّنَا وَعَمَّمَا
    70– بَعْثَتُهُ فَشَرْعُهُ لاَ يُنْسَخُ بِغَيْرِهِ حَتَّى الزَّمَانُ يُنْسَخُ

    ثم أشار الناظم إلى دليل صدق الأنبياء في دعواهم الرسالة فقال:
    (بالمعجزات) أي بخوارق العادات التي يعجز غيرهم عن الإتيان بمثلها، وهو يتعلق بقوله: (أُيِّدوا) أي إن الله أيّدهم وصدقهم في دعواهم وأثبت نبوَّتهم بظهور الخارق على أيديهم، إذ لولا إظهاره لما صدَّقهم من أُرسِلوا إليهم.
    والمعجزة عرفا: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة.
    (تكرما) أي تفضلا منه تعالى بلا وجوب، بل بالاختيار. وأشار بذلك للرد على من قال بوجوب المعجزات كالإرسال.
    (وعصمة الباري) أي منعه (لكُلٍّ) من الأنبياء والملائكة (حتِّما).
    (وَخُصَّ خَيْرُ الْخَلْقِ) دون غيره (أن) أي بأن (قد تمما) أي ختم (به الجميع) أي جميع الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده لقوله تعالى: { وخاتم النبيين } [الأحزاب: 40]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - « أنا العاقب لا نبي بعدي » (ربُّنا) فاعل "تمّما".
    (و) خصّ أيضا خير الخلق - صلى الله عليه وسلم - بأن قد (عمَّما) الله (بعثته) إلى جميع المكلفين من الإنس والجن، ويأجوج ومأجوج، وإلى الأمم قبله وإلى نفسه.
    (فشَرْعُه) عليه الصلاة والسلام، أي الأحكام المشروعة (لا يُنْسَخ) أي لا يُرفع (بغيره) من الشرائع، بل هو مؤبّد على مرّ الأعصار ولا يتبدل ولا يتغير بحال (حتى الزمانَ ينسخ) أي ينقرض.
    يعني أن شرعه - صلى الله عليه وسلم - تقوم عليه الساعة؛ إذ لا نبي بعده، فلا شرع بعده، فلا نسخ لشرعه بغيره؛ قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } [آل عمران: 85].
    71– وَنَسْخُهُ لِشَرْعِ غَيْرِهِ وَقَعْ حَتْمًا أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ لَهُ مَنَعْ
    72– وَنَسْخُ بَعْضِ شَرْعِهِ بِالْبَعْضِ أَجِزْ وَمَا فِي ذَا لَهُ مِنْ غَضِّ
    (ونسخه) أي شرع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - (لشرع) من له شرعٌ من الأنبياء (غيره) - صلى الله عليه وسلم - (وقع حتما) أي وقوعا حتما لا يخالِف فيه إلا من طبع الله على قلبه وتحققت شقاوته كصنف اليهود؛ فالنسخ جائز عقلا واقع شرعا.
    وهذا ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين، ولذا دعا على من خالف في ذلك بقوله: (أذلّ الله من له) أي لشرع نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولنسخ شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيره (منع). أي ضرب الله عليه الذِّلَّةَ والهَوانَ لمخالفته الحقّ الذي لا مِرية فيه.
    (ونسخ بعض) أحكام (شرعه) العزيز - صلى الله عليه وسلم - (بالبعض) الآخر، سواء لنسخ الكتاب بالكتاب، أو السنّة بالسنّة، أو السنّة بالكتاب، أو الكتاب بالسنّة (أجِزْ) ، أي اعتقد أنه جائز واقع. وإنما قال لبعضٍ بالبعضِ لأن نسخ الجميع غير واقع بالإجماع.
    (وما في ذا) النسخ البعضي (له) أي لشرعه - صلى الله عليه وسلم - (من غَضّ) أي نقص، يعني أنّ نسخ بعض شرع نبينا عليه الصلاة والسلام بالبعض لا يلزم عليه نقْصٌ فيه؛ لأن الله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت لحِكمٍ يعلمها تعالى، قال تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها } الآية [البقرة: 106].
    73 – وَمُعْجِزَاتُهُ كَثِيرَةٌ غُرَرْ مِنْهَا كَلاَمُ اللَّهِ مُعْجِزُ البَشَرْ
    74 – وَاجْزِمْ بِمِعْرَاجِ النَّبِيِّ كَمَا رَوَوْا وَبَرِّئَنْ لِعَائِشَة مِمَّا رَمَوْا

    (ومعجزاته) - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة على يديه تأييدا للرسالة وتقريرا لصِدْقه (كثيرةٌ) جدًّا، لا يمكن الإحاطة بها لمخلوق، (غُرَرْ) أي واضحات وضوحا بينا، كانشقاق القمر ونبع الماء المنهمر من بين أصابعه وحنين الجذع الذي كان يخطب عنده لفراقه حين جُعل له المنبروتسبيح الحصى في كفّه، وردِّ عين قتادة لمّا أن سالت على خدِّه فكانت أحسن عينيه وأحدّ نظرا من الأخرى، وبُرْء عيني عليّ - رضي الله عنه - لمّا أن تفل في عينيه يوم خيبر
    (منها) أي من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - (كلامُ الله) القرآن الذي تحدَّى به أكابر الفصحاء ومصاقع البلغاء، على أن يأتوا بشيء من مثله فعجزوا.
    (معجز البشر) أي الخلق أجمعين، وإنما خص البشر بالذكر لأنهم الذين بصدد المعارضة، ولأنه إذا كان معجزا للبشر فالجن عجزهم من باب أولى؛ لأنهم أوفَر عقلا وأقعَد ذهنا وأكثر فهما، والملائكة معصومون، وعلى تقدير لو عارضوا لعجزوا جميعا لقوله تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } [الإسراء: 88] أي معينا، فالقرآن العظيم أعظم معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهي معجزة باقية دائمة إلى قيام الساعة.
    ووجه إعجاز القرآن كونه في أعلى درجات الفصاحة، وأرقى طبقات البلاغة، مع ما اشتمل عليه من النظم العجيب، والترتيب الغريب، والإخبار بالمغيبات الماضية والآتية.
    وممّا يجب الإيمان به ما وقع له - صلى الله عليه وسلم - من الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى على البُراق، ومن العروج – أي الصعود – من صخرة بيت المقدس إلى أن جاوز السموات السبع وسدرة المنتهى, ووصل إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام، حتى رأى الرب جل وعلا على ما يليق بكبريائه وجلاله كما أشار إلى ذلك بقوله:
    (واجزم) اعتقادك إيمانا وتصديقا (بمعراج النبي) - صلى الله عليه وسلم - (كما روَوا)، أي كما رواه أصحاب الحديث والتفسير.
    (وبرِّئنْ) أي نزّهن أمّ المؤمنين (لعائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها (مما رموا) أي من الإفك الذي رماها به المنافقون

    وإنما ذكره الناظم في خلال المعجزات لأنه من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تنزيه الجناب الرفيع وصوْن حرمته وإهانة أعدائه - صلى الله عليه وسلم - ، فهي معجزة له - صلى الله عليه وسلم - وكرامة لها ولأبويها.
    75 – وَصَحْبُهُ خَيْرُ القُرُونِ فَاسْتَمِعْ فَتَابِعِي فَتَابِعٌ لِمَنْ تَبِعْ
    76 – وَخَيْرُهُمْ مَنْ وُلِّيَ الخِلاَفَهْ وَأَمْرُهُمْ فِي الْفَضْلِ كَالْخِلاَفَهْ

    وممّا يجب الإيمان به أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق ما عدى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، كما قال: (وصحبه) أي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (خير القرون) أي أفضل من جميع أهل القرون المتأخرة عن بعثته والمتقدمة عنها سِوى الأنبياء والمرسلين (فاستمع) سماع قبول واعتقده فإنّه الحق.
    (فتابعي) أي فبعد رتبة الصحابة رتبة التابعين في الفضيلة (فتابع لمن تبع) أي وبعد التابعين تابع التابعين، أي الذي يلي رتبة التابعين في الفضيلة هم تابع التابعين لقوله - صلى الله عليه وسلم - « خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم »
    ولمّا قرر أن الصحابة أفضل ممن عداهم، ويليهم التابعون، ويلي التابعين تابع التابعين، تكلم على أفضل الصحابة فقال: (وخيرهم) أي أفضل الصحابة (من وُلِّي) أي النفر الذين وُلُّوا (الخلافة) بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيابة عنه - صلى الله عليه وسلم - لحماية الدين ومراعاة مصالح المسلمين، يعني أن أفضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
    (وأمرهم في الفضل كالخلافة) أي ترتيبهم في المفاضلة بينهم كترتيبهم في الخلافة؛ فالأسبق في الخلافة هو الأفضل، فمن بعده؛ فأفضل الخلفاء رضي الله عنهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
    77 – يَلِيهِمْ قَوْمٌ كِرَامٌ بَرَرَهْ عِدَّتُهُمْ سِتٌّ تَمَامُ العَشَرَهْ
    78 – فَأَهْلُ بَدْرٍ العَظِيمُ الشَّانِ فَأَهْلُ أُحُدٍ فَبَيْعَةُ الرِّضْوَانِ
    (يليهم) أي آخر الأربعة في الفضيلة (قوم كرام) على الله, لكثرة أوصافهم الجميلة وخصالهم الحميدة، (بررة) جمع بار: وهو الكثير خصال الخير.
    (عدتهم ست تمام العشرة) المشهود لكل واحد منهم بالجنة. وباقي العشرة: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين.
    (فأهل) غزوة (بدر) الكبرى (العظيم الشان)، فقتلوا من الكفار سبعين وأسروا سبعين، وكان الصحابة رضي الله عنهم ثلاثة مائة وثلاثة عشر، وحضر فيها الملائكة مقاتلين. فرتبة أهل بدر تلي رتبة الستة بقية العشرة في الفضيلة، وكذا الملائكة البدريون أفضل من غيرهم.
    (فأهل) غزوة (أحد)، وهو جبل معروف بقرب المدينة والناظر اله من اعلى كالطائرة يرى شكله على شكل اسم محمد ، وكان أهل أُحُد ألفا بالثلاثمائة من المنافقين. فرتبة أهل أحُد تلي رتبة بقية البدريين في الفضيلة. والمراد بأهل بدْر وأحُد من حضرهما لنصر الدين، سواء استشهد أم لا.
    (فبيعة الرضوان) أي فأهل بيعة الرضوان رتبتهم تلي رتبة أهل أحد، وأهل بيعة الرضوان كانوا ألفا وخمسمائة، كلُّهم بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت أو على أن لا يفروا, وسميت بيعة الرضوان لأن الله تعالى رضي عن أهلها فقال: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } [الفتح: 18].
    79 – وَالسَّابِقُونَ فَضْلُهُمْ نَصًّا عُرِفْ هَذَا وَفِي تَعْيِينِهِمْ قَدْ اخْتُلِفْ
    80 – وَأَوِّلِ التَّشَاجَرَ الَّذِي وَرَدْ إِنْ خُضْتَ فِيهِ وَاجْتَنِبْ دَاءَ الحَسَدْ
    (والسابقون) من الصحابة إلى الإسلام (فضلهم) رضي الله عنهم (نصّا عرف) أي عرف بنص القرآن؛ قال تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } [التوبة: 100] { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } [الحديد: 10].
    واختلف في السابقين من هُمْ ؟ فقيل: هم من صلّى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى القبلتين، وقيل أهل بدر، وقيل أهل بيعة الرضوان، ولذا قال الناظم رحمه الله: (هذا وفي تعيينهم قد اختلف) أي وقع الخلاف بين العلماء في تعيين السابقين من الصحابة، والمحكوم له بالفضل في المراتب المتقدمة إنما هو الجملة على الجملة دون الأفراد، وربما جمع البعض جميع هذه المراتب، ربما يكون بدريا أحديا رِضوانيا كأبي بكر - رضي الله عنه - .
    (وأوِّل التشاجر) أي التخاصم الواقع بين الصحابة رضي الله عنهم (الذي ورد) عنهم مرويا، متواترا كان أو مشهورا
    والمراد بتأويل ما ورد أن يحمل على محامل حسنة فيها، ليأمن من الطعن في أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « الله الله في أصحابي لاتتخذوهم غرضا من بعدي، من آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه » وفي رواية: « لا تسبُّوا أصحابي ومن سبَّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفا – أي فرضا – ولا عدلا – أي نفلا ».
    وهذا (إن خضت فيه) أي فيما شجر بينهم فيجب عليك التأويل، وحينئذ احمِلْ أحسن المحامل؛ فإنهم مبرَّئون من الأغراض النفسانية، (واجتنب داء الحسد) فإنه مهلِك قاتِل يحرق الحسنات ويمحق البركات أعاذنا الله منه
    81 – وَمَالِكٌ وَسَائِرُ الأَئِمَّهْ كَذَا أَبُو الْقَاسِمْ هُدَاةُ الأُمَّهْ
    82 – فَوَاجِبٌ تَقْلِيدُ حِبْرٍ مِنْهُمُ كَذَا حَكَى القَوْمُ بِلَفْظٍ يُفْهَمُ
    83 – وَأَثْبِتَنْ لِلأَوْلِيَا الْكَرَامَهْ وَمَنْ نَفَاهَا فَانْبِذَنْ كَلاَمَهْ
    (ومالك) بن أنس إمام دار الهجرة، (وسائر) أي باقي (الأئمه) المجتهدين كالإمام محمد بن إدريس الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وكالإمام الأشعري شيخ أهل السنة وغيرهم من المجتهدين.
    و(كذا) إمام الطريقة والحقيقة شيخ جماعة الصوفية وإمامهم: (أبو القاسم) الجُنَيْد رضي الله تعالى عنه، كلّهم (هداةالأمَّه) التي هي خير أمة، ورتبتهم تلي رتبة من تقدم ذكره من الصحابة ومن
    (فواجب) على كل من لم يبلُغ رُتبَتهم في الاجتهاد (تقليدُ) أي الأخذ بمذهب (حبر) بفتح الحاء وكسرها، أي عالم مجتهد (منهم) في الفروع، فمن قلَّد واحدا منهم فقد خرج من التكليف، ولا فرق في الذي يُقلَّد بين كونه حيّا أو ميّتا؛ لأنّ العلم لا يموت بموت صاحبه.
    والدليل على وجوب التقليد في الفروع قوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [النحل: 43]. ولا بد أن يعتقد المقلد أرجحية مذهب من أراد أن يقلده.
    وأمّا التقليد في أصول الدين، فقد عرفت أنّه لا يجوز للمتمكّن من النظر.
    (كذا حكى) وجوب التقليد في الفروع لعالِم ممن ذُكر (القومُ)، أي علماء الأصول، (بلفظ) أي بقول واضح (يفهم).
    (وأثبتن للأوليا) السادة من هذه الأمة أو غيرها (الكرامه) وهي أمر خارق للعادة, غير مقرون بدعوى النبوة، ولا إرهاص لها. والوليُّ هو العالِم العامِل بعلمه على وجه الإخلاص. أي اعتقد جوازها ووقوعها بدليل الكتاب والسنة:
    84 – وَعِنْدَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ كَمَا مِنَ القُرْآنِ وَعْدًا يُسْمَعُ
    85 – بِكُلِّ عَبْدٍ حَافِظُونَ وُكِّلُوا وَكَاتِبُونَ خِيرَةٌ لَنْ يُهْمِلُوا
    86 – من أمره شيئا فعل ولو ذهل حتى الأنين في المرض كما نقل

    (وعندنا) معشر أهل السنة (أن الدعاء) وهو رفع الحاجات إلى مستجيب الدعوات وكاشف البلوات (ينفعُ) ممّا حلَّ بالداعي أو المدعوِّ له وممّا لم يحلّ، وينفع الأحياء والأموات إن كان بخير، ويضرّ إن كان بشرّ. أي إنّ الله يمنح المدعوَّ له ويمنع المدعوَّ عليه, لأن الله طلب من عباده أن يتضرّعوا إليه ويدعوه تضرعا وخيفة كقوله تعالى: { ادعوني أستجب لكم } [غافر: 60] و { أجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186].
    وللدعاء آداب منها:
    – الطهارة.
    – وتقديم التوبة.
    – والاستغفار.
    – والصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - أوّله وأثناءه وآخره.
    وأن لا يعجل بأن يقول دعوت فلم يستجب لي، وإلاّ لم يقبل كما في الحديث: « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل »
    – والإخلاص.
    – وافتتاحه بالثناء على الله تعالى.
    – واستقبال القبلة.
    – وكونه في محالّ مظنّة الإجابة.
    فيجيب تعالى دعاء الداعين (كما من القرآن) العظيم (وعدا) من الله الكريم (يُسمَع) مَتلُوًّا، فعليك بالدعاء فإنه مخّ العبادة ومفتاح السعادة، وليكُن الأهمُّ المقصود من دعائك التذلل للعلِيِّ الأعلى، والتّطراح على أبواب فضل المولى
    (بكل عبد) مكلَّفٍ مؤمنا كان أو كافرا، حرا أو رقيقا، ذكرا أو أنثى ملائكةٌ (حافظون) لجميع ما يصدر منه، (وُكِّلوا) أي وكّلهم الله على جميع المكلفين لا يفارقونهم إلا في ثلاث حالات:
    – حالة قضاء الحاجة.
    – وحالة الجماع.
    – وحالة الغسل،
    (وكاتبون خيرة)، عطفُ خاصٍّ على عامٍّ، لأن الملائكة الموَكَّلين بالإنسان عشرة بالليل وعشرة بالنهار كما رواه عثمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. « واحد عن يمينه، وآخر عن شماله، واثنان بين يديه ومن خلفه، واثنان على جبينه، وواحد قابض على ناصيته، فإن تواضع رفعه وإن تكبر وضعه، واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه »
    (لن يهملوا) أي لا يتركون (من أمره شيئا فعل) فِعْلَ الجوارح والقلب واللسان، فتدخل النية والاعتقاد، ويعرفون ذلك بعلامة كرائحة كما جاء في الحديث عن ابن عمر: « إذا كذب العبد كذبة تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به ».
    (ولو ذهل) أي يكتبون ما يصدر عنه ولو في حال الذهول, لأنه ليس المقصود من الكتْب الإثابة أو المعاقبة؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ق: 18] قال: يكتب كل ما يتكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عُرِض قوله وعمله فأُقِرَّ منه ما كان منه من خير أو شر وألقي سائره
    تنبيه:
    يجب اعتقاد أنّ هذه الكتابة ليست لحاجة إليها، بل لحِكَمٍ يعلمها سبحانه، ويحتمل أن يكون حِكمتها أن العبد إذا علم أن أعماله جميعا مكتوبة محصيَّة استحيى من تناول المعصية، وتركها لأنهم يكتبون عنه (حتى الأنين) الصادر عن طبيعته (في) حالة (المرض) ونحوه (كما نقل)، أي كما نقله الأئمة وقالوا به ومنهم إمامنا مالك، واستدلوا بقول الله تعالى: { ما يلفظ من قول } [ق: 18] الآية، لأنّ مثل هذا لا يقال عن رأي
    87 – فَحَاسِبِ النَّفْسَ وَقَلِّل الأمَلاَ فَرُبَّ مَنْ جَدَّ لِأَمْرٍ وَصَلاَ
    88 – وَوَاجِبٌ إِيمَانُنَا بِالمَوْتِ وَيَقْبِضُ الرُّوحَ رَسُولُ المَوتِ
    89 – وَمَيِّتٌ بِعُمْرِهِ مَنْ يُقْتَلُ وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لاَ يُقْبَلُ
    وإذا علمت أنّ عليك حافظين وكراما كاتبين يكتبون جميع ما يصدر منك (فحاسِب النفس) أي نفسك بأن تراعيها في كلّ فعل أو قول قبل القدوم عليه حتى لا تفعله, إلاّ إذا كان فعله لا يسخط الله عليك، فإن من حاسب نفسه في الدنيا هان عليه حساب الآخرة.
    (وقلل) أي أقصر (الأملا) في الدنيا، وهو ما تحبه النّفس, كطول العمر، وزيادة الغِنى ونحو ذلك؛ فإنها ليست دار إقامة حتى يُرغب فيها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدّ نفسك من أهل القبور »
    فاجتهد في الطاعات وما يقرِّبك من الله، (فربَّ من جد) أي اجتهد (لأمر)، أي لأجل تحصيل أمر من أمور الآخرة أو الدنيا (وصلا) إليه بمشيئة الله لذلك.
    (وواجب) خبر مقدّم (إيماننا) أي تصديقنا – مبتدأ مؤخر– (بالموت) وحلوله بكل حي حادث لقوله تعالى: { إنّك ميّت وإنّهم ميتون } [الزمر: 30] وقوله: { كل نفس ذائقة الموت } [آل عمران: 185]. والموت: كيفية يخلقها الله في الحيوان تضادُّ الحياة، فلا اجتماع بينهما في الجسد ولا انفكاك له عنهما كما هو شأن الضدّين.
    …(و) واجب إيماننا بأنه (يقبض الروح) أي يُخرجها ويأخذها بإذن ربه (رسول الموت). وهو ملك عظيم هائل المنظر مفزع والخلق بين عينيه، وله أعوان بقدر من يموت، يترفق بالمؤمن ويأتيه في صورة حسنة، بخلاف غير المؤمن. والأصل في هذا قوله تعالى: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم } [السجدة: 11].
    …وأمّا قوله تعالى: { الله يتوفى الأنفس } [الزمر: 42] فلأنه الخالق والموجد لذلك حقيقة، وأمّا ملك الموت فلأنه يباشر ذلك، كمثل إسناد التوفي إلى أعوانه في قوله تعالى: { توفّته رسلنا } [الأنعام: 61] لأنّهم يعالجون الروح.95 – وَالعَقْلُ كَالرُّوحِ وَلَكِنْ قَرَّرُوا فِيهِ خِلاَفًا فَانْظُرَنْ مَا فَسَّرُوا
    96 – سُؤَالُنَا ثُمَّ عَذَابُ القَبْرِ نَعِيمُهُ وَاجِبْ كَبَعْثِ الحَشْرِ

    (والعقل) الذي محلُّه الدماغ, وله نور متصل بالقلب. وقيل محلُّه القلب, وله نور متصل بالرأس وهو الذي يفرق به الانسان بين الخير والشر وهو مناط التكليف فلا حساب على من لا عقل له والعقل (كالرّوح) أي بالأولى أن لا تتعرض لحقيقته. (ولكن قرروا) أي العلماء (فيه) أي العقل (خلافا) من جهات شتى منها:
    – هل له حقيقة تدرك أو لا؟ قولان.
    – وعلى أنّ له حقيقة, هل هو جوهر أو عرض؟ قولان.
    – وهل محله الرأس أو القلب؟ قولان.
    – وهل العقول متفاوتة أو متساوية؟ قولان.
    – وهل هو اسم جنس أو جنس أو نوع؟ ثلاثة أقوال. فهذه أحد عشر قولا.

    ثم القائلون بالجوهرية والعرضية اختلفوا في رسمه على أقوال شتى أعدلها قولان. فعلى ما قاله أصحاب العرض هو ملكة في النفس بها تستعد للعلوم والإدراكات؛ وعلى ما قاله أصحاب الجوهر هو جوهر لطيف تُدْرَك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدات. والكلام على العقل للعلماء طويل جدا، ولذا أحاله الناظم على النظر في ذلك فقال: (فانظرن) إن خضت في العقل (ما فسروا) من الأقوال على ما تقدم.
    (سؤالنا) في القبر أيها المكلفون (ثم عذاب القبر) لأهل الشر أو (نعيمه)، أي القبر، أي صاحبه إن كان من أهل الخير (واجب) أي ثابت بالكتاب والسنّة وإجماع أهل السنّة:
    أمّا الكتاب، فقوله تعالى: { النار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا } [غافر: 46] بدليل: { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب } [غافر: 46] وقوله تعالى: { ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا } [نوح: 25] لأنّ الفاء للتعقيب. إلى غير ذلك.

    وأمّا السنّة، فكقوله - صلى الله عليه وسلم - : « القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» وقوله - صلى الله عليه وسلم - في القبرين اللذين مرّ بهما فقال - صلى الله عليه وسلم - : « إنّ هذين يعذبان » أي صاحباهما الحديث. وما رواه البخاري عن ابن عمر قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار »
    وأمّا الدليل على سؤال الملكين، فالحديث المشهور الذي رواه عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال له: « كيف بك يا عمر إذا أتاك منكر ونكير ». وفيه أنه قال له عمر: أمعي عقلي على ما أنا عليه الآن؟ قال - صلى الله عليه وسلم - نعم، فقال له عمر - رضي الله عنه - إذن أكفيكهما، فقال - صلى الله عليه وسلم - إن عمر لموفّق(موسوعة أطراف الحديث النبوي: 6/517).
    ولما شاع من استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من عذاب القبر. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن المؤمن إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأمّا المؤمن الموفق فيقول: هذا محمد جاءنا بالبيّنة والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا، وأمّا الكافر والمرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. فيقال له: لا دريت ولا تليت فيضرب بمقمعة من حديد يسمعها كل شيء إلا الثقلين».

    وهل لكل واحد منكر ونكير؟ أو هذان الملكان موكلان بجميع الخلق؟ قولان. وهل يسأل الصبيان كما يسأل البالغون؟ قولان.
    ثم شبّه في الوجوب فقال: (كبعث الحشر) أي كبعث الله جميع الخلائق من قبورهم للحشر والحساب. يعني أنه مما يجب الإيمان به البعث والحشر بأن يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد بحيث يُسمِعهم الداعي ويُنفِذهم البصرَ، فيسألهم تعالى عن أعمالهم – وهو العالم بجميع أحوالهم – ويحاسبهم عليها ولا يظلم ربك أحدا.


    ولمّا كان الأجل متَّحِدا لا يُزاد فيه ولا ينقص منه – كما هو مذهب أهل الحق – أشار إليه بقوله: (وميت) (بعمره) أي عند انقضاء أجله (من يقتل) مبتدأ خبره ما قبله. يعني أن كل ميت إنما يموت عند انتهاء أجله لقوله تعالى: { ولكل أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [يونس: 49] وهذا ممّا يجب اعتقاده، (وغير هذا) من مذاهب الزائغين (باطل) غير مطابق للواقع (لا يقبل) أي لا تحكم بصحته العقول حتى يقبل.
    ولمّا كان الأجل متَّحِدا لا يُزاد فيه ولا ينقص منه – كما هو مذهب أهل الحق – أشار إليه بقوله: (وميت) (بعمره) أي عند انقضاء أجله (من يقتل) مبتدأ خبره ما قبله. يعني أن كل ميت إنما يموت عند انتهاء أجله لقوله تعالى: { ولكل أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [يونس: 49] وهذا ممّا يجب اعتقاده، (وغير هذا) من مذاهب الزائغين (باطل) غير مطابق للواقع (لا يقبل) أي لا تحكم بصحته العقول حتى يقبل.
    90 – وَفِي فَنَا النَّفْسِ لَدَى النَّفْخِ اخْتُلِفْ وَاسْتَظْهَرَ السُّبْكِي بَقَاهَا اللَّذْ عُرِفْ
    91 – عَجْبُ الذَّنَبِ كَالرُّوحِ لَكِنْ صَحَّحَا الْمُزْنِيُّ لِلْبِلَى وَوَضَّحَا
    92 – وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ قَدْ خَصَّصُوا عُمُومَهُ فَاطْلُبْ لِمَا قَدْ لَخَّصُوا

    ولمّا وقع الاختلاف هل الروح تفنى عند النفخة الأولى أو تبقى؟ على قولين، والخلاف إنما هو عند النفخ، أمّا قبله أو بعده فمحلُّ اتفاق. وعلى أنّها تفنى أشار إلى ذلك بقوله:
    (وفي فنا النفس) أي بقائها وإعدامها (لدى) أي عند (النفخ) الأول الذي يموت به كلّ حي حين ينفخ إسرافيل في الصور، وهو القرن الذي يجمع الله فيه جميع الأرواح، وفيه ثقب على عدد أرواح الخلق، (اختُلِف) أي اختلف العلماء في ذلك؛ فذهبت طائفة إلى أنها تفنى عند النفخة الأولى لقوله تعالى: { كل من عليها فان } [الرحمان: 26]، أمّا قبل النفخ وبعده فلا خلاف أنّها تبقى، منعَّمة إن كانت مؤمنة، أو معذَّبة إن كانت كافرة.
    وذهبت طائفة إلى القول ببقائها عند النفخة الأولى؛ قال الناظم: (واستظهر) الإمام تقي الدين علي بن عبد الكافي (السبكي) من الخلاف (بقاها) بالقصر، أي أنّها لم تفنَ البتّة، (اللذ عرف) أي الذي عهد سابقا.
    قال السبكي: "لأنهم اتفقوا على بقائها بعد الموت لسؤالها في القبر وجوابها وتعذيبها أو تنعيمها فيه، والأصل في كل باق استمراره حتى يظهر ما يصرف عنه". واختياره هو المختار عند أهل الحق، فيكون من المستثنى بقوله تعالى: { إلا من شاء الله } [الزمر: 68].
    وممّا اختلف فيه أيضا: (عَجْب الذَّنَب)، فإنّه اختلف في بقائه وفنائه (كالروح) أي كما اختلف في الروح على قولين؛ فقيل إنه لا يفنى لما في الصحيحين: « ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدًا وهو عَجْبُ الذَّنَب، منه يُركَّب الخلق يوم القيامة »، وعند مسلم: « كل ابن آدم يأكله التراب إلاّ عجب الذنب منه خلق الخلق ومنه يركب». وهو عظم كالخردلة آخر سلسة الظهر كمغرز الذنب للدابة. والتشبيه لا بقيد وقت النفخة.
    (لكن صححا) إسماعيل بن يحيى (المزني) نسبة لمزينة قبيلة من كلب (للبلى)، أي الفناء أخذا بظاهر قوله تعالى: { كل من عليها فان } [الرحمان: 26] ولأن فناء الكل يستلزم فناء الجزء. (ووضحا) أي بين المزني صحّة ما ذهب إليه.
    ولمّا كان القول ببقاء الروح وعجب الذنب هو الراجح أشار إلى الجواب عما يرد عليه بقوله:
    (وكل شيء هالك) إلا وجهه، ونحوه (قد خصصوا عمومه) أي قصروا استغراقه على بعض أفراد العام، هذا مذهب المتقدمين، (فاطلب) أي اقصد (لما قد لخّصوا) أي العلماء. وقال محققو المتأخرين: معنى هالك أي قابل للهلاك من حيث الإمكان والافتقار.
    93 – وَلاَ نَخُضْ فِي الرُّوحِ إِذْ مَا وَرَدَا نَصٌّ عَنِ الشَّارِعِ لَكِنْ وُجِدَا
    94 – لِمَالِك هِيَ صُورَةٌ كَالْجَسَدِ فَحَسْبُكَ بِهَذَا السَّنَدِ

    ولمّا كان الخلاف واقعا أيضا في الروح بالإمساك عن التعرض لحقيقتها والخوض فيها، وكان المختار والراجح الإمساك، صدَّر الناظم به جازما فقال:
    (ولا نخض) معشر جمهور المحققين (في) بيان حقيقة (الروح) لا بجنس ولا بفصل, لأن ذلك متعذِّر، ولعدم ورود السمع بذلك، فليس من الأدب أن يتعرض لتفسيرها ولذا قال: (إذ ما وردا) أي لأنه لم يَرد (نصٌّ) أي دليل (عن الشارع) - صلى الله عليه وسلم - ببيان حقيقتها، فالأولى أن لا يتعرض لذلك.
    (لكن وجدا) النص (لمالك) أي عن مالك إمام دار الهجرة، و (هي) أنها (صورة) إنسانية (كالجسد) الذي هو مركبها وبها قوَامُه عادة، وعلى هذا فهي جِرم.
    (فحسبك)، أي يكفيك النص الثابت (بهذا السند) المتميز أكمل تمييز لشهرة ناقله بالحفظ والإتقان.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ملك روحي
    مراقبة عامة
    مراقبة عامة
    ملك روحي



    العمر : 47
    انثى
    الوسام شكر وتقدير

    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: احفظ معنا جوهرة التوحيد    احفظ معنا جوهرة التوحيد  Emptyالأحد أبريل 10, 2011 3:47 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    97 – وَقُلْ يُعَادُ الجِسْمُ بِالتَّحْقِيقِ عَنْ عَدَمٍ وَقِيلَ عَنْ تَفْرِيقِ
    98 – مَحْضَيْنِ لَكِنْ ذَا الخِلاَفُ خُصَّا بِالأَنْبِيَا وَمَنْ عَلَيْهِمْ نُصَّا

    ثم قال: (وقل) جازما لاعتقادك (يعاد الجسم) بجميع أجزائه (بالتحقيق) الذي لا ريب فيه، دلّ على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الملل؛ قال تعالى: { كما بدأنا أول خلق نعيده } [الأنبياء: 104]، { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [الروم: 27]،
    لكن اختُلف في كيفية الميعاد، فقيل: الإعادة لعين هذا الجسم الذي كان يطيع ويعصي تكون (عن عدم) محض، (وقيل عن تفريق محضين)، أي يعيد ما تفرق من أجزاء البدن يجمعها القادر وتصير جسما كما كان ويُردّ إليه روحه { وكان الله على كل شيء قديرا } [الأحزاب: 27].
    وقال سعد الدين: والحقّ الوقف، ففي المسألة ثلاثة أقوال، وعلى الثلاثة فلا بدّ من الإعادة لعين هذا الجسد لتُجزى كل نفس بما كسبت.
    (لكن ذا الخلاف) الواقع في إعادة الجسم هل هو عن محض العدم أو بجمع أجزاء تفرقت، (خصا) عمومه (بالأنبيا) أي الرسل عليهم الصلاة والسلام (ومن عليهم نصا) وهم العلماء العاملون، والمؤذنون المحتسبون، والشهداء، فإن هؤلاء لا تأكل أجسادهم الأرض، فإن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجسادهم فلا يدخل الخلاف المذكور في هذه الأصناف الكريمة. جعلنا الله منهم بفضله آمين
    99 – وَفِي إِعَادَةِ العَرَضِ قَوْلاَنِ وَرُجِّحَتْ إِعَادَةُ الأَعْيَانِ
    100– وَفِي الزَّمَنِ قَوْلاَنِ وَالحِسَابُ حَقٌّ وَمَا فِي حَقّ ارْتِيَابُ


    (و) اختُلف (في إعادة العَرَض) هل يعاد مع الجسم أو لا؟ (قولان). فقيل: يعاد الجسم بجميع أعراضه من حركاته وسكناته وجميع صفاته، وقيل لا تعاد الأعراض، ورُجِّح. ولذا قال الناظم: (ورجحت إعادة الأعيان) أي الجواهر دون أعراضها.
    (وفي الزمن) أي في الزمان أيضا (قولان)، فيعاد كل أحد بزمانه ليشهد له أو عليه.


    ثم قال: (والحساب حق) ثابت بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة وانعقد عليه الإجماع. وهو على أهل اليمين يسير قصير؛ قال تعالى: { فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا } [الانشقاق: 8]. وعلى غيرهم طويل عسير؛ قال تعالى: { وأمّا من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلّى سعيرا } [الإنشقاق: 12]. فهو على المؤمن كحلب ناقة، أو مقدار صلاة مكتوبة كما ورد في الحديث، وعلى الكافر أطول من خمسين ألف سنة.
    (وما في حق ارتياب) أي لا ترتَب في وقوع الحساب فإنّه حقّ، أو إنّه لوضوح الأدلة عليه لا ينبغي أن يرتاب فيه عاقل، أو نَزِّل ريب المرتابين منزلة العدم لوجود الدلائل التي تزيل الرِّيب.
    101– فَالسَّيِّئَاتُ عِنْدَهُ بِالمِثْلِ وَالْحَسَنَاتُ ضُوعِفَتْ بِالفَضْلِ
    102– وَبِاجْتِنَابٍ لِلْكَبَائِرِ تُغْفَرُ صَغَائِرٌ وَجَا الوُضُو يُكَفِّرُ


    ثم أجاب عن سؤال استشعره، وهو: إذا ثبت أنّ الحساب حقّ لا ريب فيه، فكيف يكون جزاء الأعمال؟
    (فالسيئات عنده) تعالى جزاؤها (بالمثل) أي بمثلها، (و) أمّا (الحسنات) فليس جزاؤها كالسيئات، بل (ضوعفت) بعشر أو بأكثر إلى سبعمائة ضعف أو بغير حساب؛ قال تعالى: { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } [الأنعام: 160] وقال: { ومثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } [البقرة: 261] وقال: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [الزمر: 10].
    (بالفضل) أي: بلا وجوب عليه؛ إذ لا يجب على مولانا شيء، ولو كان صلاحا أو أصلح.


    (وباجتناب للكبائر) جمع كبيرة، واختلف في معناها؛ قال البيضاوي: والأقرب أنّ الكبائر كلّ ذنب رتب عليه الشارع حدًّا أو صرح بالوعيد فيه، وقيل: ما عُلم حرمته بقاطع، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع. وقيل: أراد بها هاهنا أنواع الشرك، لقوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .



    (تغفر)، أي تمحى أو تستر (صغائر) كنظرة وقبلة.
    والتكفير من الصلاة إلى الصلاة, ومن الجمعة إلى الجمعة, ومن رمضان إلى رمضان؛ ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
    (وجا) في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن (الوضو يكفِّر) الصغائر؛ فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « أخبرني جبريل عليه السلام: من توضأ فأسبغ وضوءه غفر له كلّ ذنب ما بين الوضوء إلى الوضوء الآخر وإن كان مثل زبد البحر ».
    وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه. فإن قعد قعد مغفورا له ».



    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إذا توضأ العبد المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يده مع الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب »
    103– وَالْيَوْمُ الآخِرُ ثُمَّ هَوْلُ المَوقِفِ حَقٌّ فَخَفِّفْ يَا رَحِيمُ وَاسْعِفِ
    104– وَوَاجِبٌ أَخْذُ العِبَادِ الصُّحُفَا كَمَا مِنَ القُرْآنِ نَصًّا عُرِفَا
    105– وَمِثْلُ هَذَا الوَزْنُ وَالمِيزَانُ فَتُوزَنُ الكُتْبُ أَوِ الأَعْيَانُ
    106– كَذَا الصِّرَاطُ فَالعِبَادُ مُخْتَلِفْ مُرُورُهُمْ فَسَالِمٌ وَمُنْتَلِفْ
    (واليوم الآخر) وهو يوم القيامة، والمراد باليوم الآخر إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, لأنه آخر الأوقات المحدودة؛ حق فيجب الإيمان به، وهو من قواعد الإيمان. وسمي اليوم الآخر، لأنه آخر يوم بالنسبة إلى أيام الدنيا.
    (ثم هول الموقف) حيث يشتد الأمر ويضيق الذرع ويقول بعض أهل الموقف: اللهم أرحنا ولو إلى النار؛ لما يقع من شدة الازدحام, وإلجام العرق, ودنوّ الشمس من رؤوسهم (حق) ثابت بالأدلة فيجب الإيمان به والعمل الصالح له.
    (فخفف) عنا ما بين أيدينا من الأهوال (يا رحيم واسعف) أي ساعد عبدك الفقير المحتاج وأجب دعاءه.



    (وواجب أخذ العباد الصحفا) ومما يجب الإيمان به أخذُ جميع العباد صحف أعمالهم، فيأخذ المؤمن صحيفته بيمينه بيضاء بكتابة بيضاء فيقرؤها فيبيضّ وجهه؛ ويأخذ الفاجر صحيفته بشماله سوداء بكتابة سوداء فيقرأها فيسودّ وجهه. نسأل الله العافية. والظاهر أن الفاسق المؤمن يأخذها بيمينه.




    والدليل على أخذ صحف الأعمال: القرآن كما أشار إليه بقوله: (كما من القرآن نصا عرفا) كقوله تعالى: { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } [الإسراء: 13] الآية.

    (ومثل هذا)، أي أخذ الصحف في الثبوت ووجوب الإيمان به: (الوزن) للأعمال (والميزان) وهو ميزان واحد لجميع الخلق. وهو مذهب الجمهور.
    واختلف فيما يوزن هل الأعمال نفسها بأن يجسدها الله تعالى، أو الكتب كما أشار إليه بقوله: (فتوزن الكتب) المكتوب فيها أعمال العباد، (أو) توزن (الأعيان) بعد ما يجعلها الله صورا متجسدة؟ خلاف وحقيقة العلم عند الله تعالى. واختلف في أعمال الكفار، ومن قال توزن أعمالهم يجيب عن قوله تعالى { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } [الكهف: 105] بأن يقول: أي نافعا.
    (كذا الصراط) المضروب على متن جهنم أعاذنا الله منها. أي ممّا يجب الإيمان به: وجود الصراط للمرور عليه. وهو جسر فيه عقبات وكلاليب وحسكات يجوزه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمرّ عليه كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم كالجواد السرعان، ومنهم من يمشي عليه رويدا، ومنهم من يمشي على وجهه إلى غير ذلك من الحالات. وإلى هذا أشار بقوله: (فالعباد) في صفة السير عليه (مختلف مرورهم)، أي مشيهم عليه؛ (فسالم) فيخلص إلى الجنة، (ومنتلف) فيهوي إلى النار أو تخطفه الكلاليب. أعاذنا الله من الزلل.
    107– وَالعَرْشُ وَالكُرْسِيُّ ثُمَّ القَلَمُ وَالكَاتِبُونَ اللَّوحُ كُلٌّ حِكَمُ
    108– لاَ لاِحْتِيَاجٍ وَبِهَا الإِيمَانُ يَجِبْ عَلَيْكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ
    109– وَالنَّارُ حَقٌّ أُوجِدَتْ كَالجَنَّهْ فَلاَ تَمِلْ لِجَاحِدٍ ذِي جُنَّهْ
    110– دَارُ خُلُودٍ لِلسَّعِيدِ وَالشَّقِي مُعَذَّبٌ مُنَعَّمٌ مَهْمَا بَقِي


    (والعرش) الذي هو أعظم مخلوقاته تعالى وأعجبها، (والكرسي) الذي السموات والأرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة، وهو غير العرش (ثم القلم) أي واللوح (و) الملائكة (الكاتبون) (اللوح) (كل) أي كلهم (حِكَم) إلهية وأسرار ربانية دالة على انفراده تعالى بالوحدانية، (لا) أنها مخلوقة (لاحتياج) إليها، إذ قد قام البرهان على وجوب استغنائه تعالى عن كل ما سواه.
    (وبها) أي بهذه الأشياء الأربعة، أو بها وبما قبلها (الإيمان) أي التصديق بوجودها (يجب) بالسكون للوزن (عليك) يا (أيها الإنسان) أي المكلف.
    والإنسان مأخوذ من أنس لأنه يستأنس بأمثاله.


    (والنار) التي هي دار الجزاء والنكال – أعاذنا الله منها – (حق) ثابت يجب الإيمان به (أوجدت) يعني أنها موجودة الآن بدليل قوله تعالى: { أعدت للكافرين } [البقرة: 24] ونحوها من الآيات، خلافا للمعتزلة.
    (كالجَنَّه) أي كوجود الجنة التي هي دار البقاء والنعيم – جعلنا الله من أهلها – بدليل قوله تعالى: { أعدّت للمتقين } [آل عمران: 133] إذ لا يقال معدا إلا لما هو موجود حقيقة، وقضية أبينا آدم وهبوطه منها هو وحواء، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: « دنت مني الجنة فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا » إلى غير ذلك من الأدلة.
    وخالفت المعتزلة، والآيات والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، (فلا تمل لجاحد) أي منكر وجودهما الآن (ذي جُنَّه) بضم الجيم أي صاحب غطاء وغشاء بينه وبين الحق. يعني أنّ ممّا يجب الإيمان به: الجنة والنار وأنهما موجودتان الآن, لأن الوعد والوعيد بما هو موجود أبلغ في الرجاء والخوف بخلافه بما سيوجد.
    فالجنة (دار خلود) وتأبيد (للسعيد) وهو من مات على الإيمان، (و) النار دار خلود لمن مات على الكفر (الشقي). جعلنا الله من السعداء، وكتبنا في ديوان الشهداء، بمنّه وكرمه آمين.
    فالشقي (معذب) دائما، والسعيد (منعّم) في الجنة دائما (مهما بقي) كل منهما.
    111– إِيمَانُنَا بِحَوْضِ خَيْرِ الرُّسُلِ حَتْمٌ كَمَا قَدْ جَاءَنَا فِي النَّقْلِ
    112– يَنَالُ شُرْبًا مِنْهُ أَقْوَامٌ وَفُوْا بِعَهْدِهِمْ وَقُلْ يُذَادُ مَنْ طَغَوْا
    (إيماننا) معاشر المكلَّفين (بحوض) سيدنا ومولانا محمد (خير) أي أفضل (الرسل) أجمعين من بني آدم والملائكة، (حتم) أي واجب شرعا (كما قد جاءنا) على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - (في النقل)، أي الكتاب والسنة؛ قال تعالى: { إنا أعطيناك الكوثر } [الكوثر: 1]، وفي صحيح مسلم: «حوضي مسيرة شهر, وزواياه سواء, وماؤه أبيض من اللبن, وريحه أطيب من المسك، كيزانه عدد نجوم السماء. فمن شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبدا(أخرجه البخاري في الرقائق، باب الحوض) » وفي رواية: « يشخب فيه ميزابان من الجنة, أحدهما من ذهب والآخر من ورِق(أخرجه مسلم في الفضائل) » إلى غير ذلك من الأحاديث. وأنكرته المعتزلة، ولا وجه لإنكارهم.
    واختلف، هل الحوض قبل الصراط أو بعده؟ على قولين. ومن قال قبله يقول: من دخل النار من عصاة المؤمنين يعذب بغير العطش لقوله في الحديث: « فمن شرب منه شربة ليس يضمأ بعدها أبدا ».
    وهل هو حوض واحد خاص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - أو لكل نبي حوض – إلا صالحا، فحوضه ضرع ناقته – ؟ اختلف في ذلك أيضا.


    (ينال) أي يصيب (شربا) مفعول ينال (منه) أي من الحوض (أقوام) فاعل ينال (وفوا) صفة أقوام (بعهدهم) الذي أخذ عليهم يوم { ألست بربكم قالوا بلى } [الأعراف: 172]، أو بالعهد الذي عهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو التمسك بالكتاب والسنة حيث قال: « تركت فيكم الثقلين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما, كتاب الله وسنّتي »( أخرجه مالك في القدر).
    (وقل) معتقدا الوجوب: (يذاد)، أي يُردّ ويُصدّ عن الحوض (من طغوا)، تعدوا وجاوزوا الحدود, بأن بدلوا وغيروا؛ كما روي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - يناديهم: أصحابي أصحابي، فيقال ما تدري ما فعلوا بعدك، إنهم بدلوا وغيروا. فيقول سحقا سحقا(البخاري).
    113– وَوَاجِبٌ شَفَاعَةُ المُشَفَّعِ مُحَمَّدٍ مُقَدََّمًا لاَ تَمْنَعِ
    114– وَغَيْرُهُ مِنْ مُرْتَضَى الأخْيَارِ يَشْفَعْ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الأخْبَارِ
    (وواجب) ايماننا (شفاعة) الشفيع (المشفَّع) في جميع العالمين (محمد) - صلى الله عليه وسلم - بدل من المشفّع (مقدما) على غيره من الأنبياء والمرسلين ومن الملائكة والمقربين. وبهذه الشفاعة يقع الخلاص من هول الموقف حيث يضيق الأمر غاية الضيق. وهذه الشفاعة هي الشفاعة العظمى لجميع أهل الموقف حتى الكفار يتخلصون بها من ذلك الضيق إلى عذاب الحريق, والملائكة قد أحاطت بهم وألجأتهم إلى أن صار بعضهم على بعض من شدة الازدحام، (لا تمنع).

    (وغيره) - صلى الله عليه وسلم - (من مرتضى الأخيار) من بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء والملائكة، (يشفع) ذلك الغير – إن أذن الله له في الشفاعة – فيمن شاء الله (كما قد جاء) ورد (في الأخبار) المأثورة والأحاديث المشهورة.
    115– إِذْ جَائِزٌ غُفْرَانُ غَيْرِ الكُفْرِ فَلاَ نُكَفِّرْ مُؤْمِنًا بِالْوِزْرِ
    116– وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ
    117– وَوَاجِبٌ تَعْذِيبُ بَعْضٍ ارْتَكَبْ كَبِيرَةً ثُمَّ الخُلُودُ مُجْتَنَبْ



    (إذ جائز) في حقه تعالى (غفران)، أي ستر الذنوب (غير الكفر) أعاذنا الله منه، فإنه لا مغفرة فيه لقوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48].
    (فلا نكفر) معاشر أهل الحق (مؤمنا) مصدقا جازما لاعتقاده (بالوزر) أي بالذنب غير الكفر، خلافا للخوارج
    (ومن يمت ولم يتب) إلى الله (من ذنبه، فأمره) في ذنوبه (مفوّض) أي موكل (لربه) إن شاء عذبه بعدله وإن شاء عفا عنه بفضله، فلا يتحتّم العذاب للعاصي عقلا كما لا يتحتم إثابة المطيع. هذا، ولا بدّ من نفوذ الوعيد في طائفة غير معينة من أهل الكبائر بدخول النار من غير خلود ولا تأبيد كما قال:
    (وواجب) شرعا (تعذيب بعض) من العصاة الذي (ارتكب) أي فعل (كبيرة) كعقوق الوالدين، بأن يعذب بقدر جريمته في جهنم. (ثم الخلود) أي المكث دائما في النار (مجتنب) لمن مات على الإيمان.
    وهل من كل أهل نوع من أنواع المعاصي طائفة، أو طائفة من المجموع؟ قولان.
    [right]118– وَصِفْ شَهِيدَ الحَرْبِ بِالْحَيَاةِ وَرَزْقِهِ مِنْ مُشْتَهَى الجَنَّاتِ
    119– وَالرِّزْقُ عِنْدَ القَوْمِ مَا بِهِ انْتُفِعْ وَقِيلَ لاَ بَلْ مَا مُلِكْ وَمَا اتُّبِعْ
    120– فَيَرْزُقُ اللهُ الحَلاَلَ فَاعْلَمَا وَيَرْزُقُ المَكْرُوهَ وَالمُحَرَّمَا

    121– فِي الاكتساب وَالتَّوَكُّلِ اخْتُلِفْ وَالرَّاجِح التَّفْصِيلُ حَسْبَمَا عُرِفْ



    (وصِف) جازما لاعتقادك (شهيد الحرب)، أي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. وسمي شهيدا – أي مشهودا – لأن الملائكة تحضره أو مشهودا له بالجنة، (بالحياة) الآن في الجنة. دل على ذلك الكتاب والسنّة؛ قال تعالى: { ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } [آل عمران: 169].
    (ورَزقه من مشتهى الجنات). وفي الحديث أن « أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش. فبين ما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم سلوني، فقالوا: يا ربنا كيف نسألك ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء. فلمّا رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا شيئا قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك. قال: فلمّا رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا ». وقد ورد أيضا في الحديث أن الله تعالى يقول لهم: قد سبق في علمي أنهم لا يرجعون.


    (والرزق) حقيقته (عند القوم) أي جماعة أهل السنة رضي الله عنهم (ما به انتفع)، أي ما انتفع به آخذه، ولو غصبا أو محرّما أو مكروها، لا ما مُلك. هذا مذهب أهل الحق.
    (وقيل)، أي وقالت المعتزلة (لا) أي ليس معنى الرزق ما قلتم، (بل) هو كل (ما ملك) انتفع به أم لا، حتى أن من غصب شيئا من مأكل أو ملبس أو غير ذلك وانتفع به لا يسمى رزقا له عند المعتزلة، وإنما هو رزق المغصوب منه أخذه الغاصب قهرا. وهذا المذهب ظاهر الفساد, لأنه يؤدي إلى أن كثيرا من الناس كالظلمة والمكاسين ممن يستغرق غالب عمره في الحرام لا رزق له. وهو مصادم لعموم قوله تعالى: { وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها } [هود: 6]، بل الحق ما قاله أهل السنة من أن الرزق ما يقع به الانتفاع. ولذا قال الناظم ردا على المعتزلة: (وما اتبع)، أي ليس ما قالوه بحق فلم يُتبع.
    وإذا عرفت حقيقة الرزق على مذهب أهل الحق، (فيرزق الله) من أحب (الحلال فاعلما ويرزق المكروه و) يرزق (المحرّما) لمن شاء، وكله رِزق مقدر من الله تعالى.



    (في الاكتساب) أي تعاطي الأسباب المقتضية لتحصيل الدنيا، (والتوكل) على الله والثقة بما في ضمان الله، (اختلف) في أرجحيّة أحدهما على الآخر؛ فقال بعض: التوكل أفضل، وقال بعض: الاكتساب أفضل.

    (والراجح التفصيل) باعتبار الأشخاص والتيسير وقلة التعب في الطلب؛ فمن أقامه الله في الكسب بلا مشقة ولا تعسير وعوّده الله بفتح الباب فيه من غير كلفة فهو دليل على أنه الأولى له، ومن وجد العبادة والراحة للقلب والقالب مع ترك الاكتساب، ومهما حاول الاكتساب تعسر عليه فالتوكل أولى له، كما قال ابن عطاء الله - رضي الله عنه -: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إيّاك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية.
    وأمّا إذا تيسّر عليه هذا وهذا بلا تعب ولا مشقة من الجانبين، فالذي اختاره بعض العلماء التوكل, قال: والشغل – دون الكسب – بالعبادة محض التوكل. ورأي السّادة على أن الاكتساب لا ينافي التوكل إذا كان ممتثلا للشرع مراعيا للأدب.
    والكلام على هذه المسألة كثير, ولذا أحال الناظم على ما تقرر في مواضعه فقال: (حسبما) أي مثلما (عرف) من حاله.
    [right]122– وَعِنْدَنَا الشَّيْءُ هُوَ المَوْجُودُ وَثَابِتٌ فِي الخَارِجِ المَوجُودُ
    123– وُجُودُ شَيْءٍ عَيْنُهُ وَالجَوْهَرُ الفَرْدُ حَادِثٌ عِنْدَنَا لاَ يُنْكَرُ


    (وعندنا) معاشر أهل السنة (الشيء) حيث أطلقناه (هو الموجود) خارجا، لا المعدوم خلافا للمبتدعة (وثابت) خبر مقدم (في الخارج) عن الذهن (الموجود) مبتدأ مؤخر.
    يعني أن مذهب أهل السنة أنّ الشيء هو الموجود، لا المعدوم خلافا للمعتزلة، وأنّ الموجود هو الثابت في الخارج.


    (وجودُ) كل (شيء) واجبا كان أو ممكنا (عينُه)، أي عين ذاته. وهذا مذهب الشيخ الأشعري. وقيل: ليس وجود الشيء عين ذاته، بل زائد عليها.
    (والجوهر الفرد): وهو الجزء الذي لا يتجزأ، ولا يقبل الانقسام لا فعلاً ولا وهماً ولا فرضاً، (حادث) لقيام البرهان على اختصاصه تعالى بالقدم وحده، ولأنّ ذاته العلية لا تقبل الصغر ولا الكبر. وقوله: (عندنا) يتعلق بقوله: (لا ينكر)، أو بـ"حادث"، أو تنازعاه.
    وعند الفلاسفة لا وجود للجوهر الفرد، وتركب الأجسام إنما هو من الهيولى والصورة.
    والدليل على وجود الجوهر الفرد كما قاله السعد التفتازاني: أنه لو وضع كرة حقيقية على سطح حقيقي لم تماسّه إلا بجزء غير منقسم، إذ لو ماسته بجزأين لكان فيها خط بالفعل، فلم تكن كرة حقيقية. انتهى.
    124– ثُمَّ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا قِسْمَانِ صَغِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فَالثَّانِي
    125– مِنْهُ المَتَابُ وَاجِبٌ فِي الحَالِ وَلاَ انْتِقَاضَ إِنْ يَعُدْ لِلْحَالِ
    126– لَكِنْ يُجَدِّدْ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفْ وَفِي الْقَبُولِ رَأْيُهُمْ قَدْ اخْتَلَفْ

    (ثم الذنوب) التي نهى الله ورسوله عنها (عندنا قسمان): إمّا (صغيرة) وهي كلّ ذنب لم يرتّب عليه الشرع حدًّا أو لم يصرح بالوعيد عليه؛ وإمّا (كبيرة) وهي ما ليس كذلك، أي ما رتّب عليه حدًّا أو صرّح بالوعيد عليه.

    (فالثاني) وهو ما كان كبيرة فلا يكفره إلا التوبة والاستغفار ولذا قال: (منه المتاب)، أي الندم كما قال عليه الصلاة والسلام: « الندم توبة »( أخرجه ابن ماجه). وهو يستلزم نية عدم العود والإقلاع. وبهذا تعرف أنّ من حمله من العلماء على معظم التوبة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - « الحج عرفات »( أخرجه الترمذي) غير محتاج إليه لاستلزام الندم جميع ما زادوا من الشروط، بخلاف: « الحج عرفات »، فيتعيّن حمله على معنى ركنه الأعظم.
    (واجب) على الفور (في الحال) بلا تراخ ولا تسويف, لأن تأخير المتاب من الذنب ذنبٌ آخر يجب التوبة منه، وهكذا كلما أخر فتأخيره ذنب مضاف إلى ما سلف.
    ويجب على المكلف التوبة كلما اقترف ذنبا, ولو عاد في اليوم مرات كثيرة، ولا تنتقض توبته بسبب عوده كما نبه عليه بقوله: (ولا انتقاض) أي ولا بطلان لتوبته (إن يعد) أي يرجع للذنب الذي تاب منه أو غيره (للحال) الأول من المعصية وهذا من فضل الله جل جلاله وكرمه وحلمه علينا، بل تصح توبته الأولى ويجدد توبة أخرى تمحو ما اقترفه ثانيا، كما قال: (لكن يجدد) هذا العائد للذنب (توبة) صادقة (لما اقترف)، أي اقتحم من الذنب.
    هذا، وإن الموفَّق من داوم على الأعمال الصالحة إلى الممات. ويرحم الله القائل: ويمكن وصل الحبل بعد انقطاعه ولكنه تبقى به علة الربط.
    وقد قطع بقبول توبة الكافر إذا آمن وتاب من كفره.

    (وفي القبول)، أي وفي القطع بقبول التوبة من العاصي وعدم القطع بقبولها (رأيهم)، أي العلماء، أي قولهم (قد اختلف) فبعضهم قال مقطوع بقبول توبة العاصي، بمعنى أن الله تعالى وعد التائب من الذنب توبة صادقة وعده الذي لا يخلف, أنه يقبل توبته ويبدل سيئاته حسنات وهو الاصح ان كانت التوبة مستوفية الشروط ، ومنهم من قال لا يقطع بقبولها وإنما هو غلبة ظن ولعل الله لا يقبل منه, وهو خلاف قوله: { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات } [الشورى: 25].

    127– وَحِفْظُ دِين ثُمَّ نَفْسٍ مَالٍ نَسَبْ وَمِثْلُهَا عَقْلٌ وَعِرْضٌ قَدْ وَجَبْ

    128– وَمَنْ لِمَعْلُومٍ ضَرُورَةً جَحَدْ مِنْ دِينِنَا يُقْتَلُ كُفْرًا لَيْسَ حَدّْ
    129– وَمِثْلُ هَذَا مَنْ نَفَى لِمُجْمَعِ أَوْ اسْتَبَاحَ كَالزِّنَا فَلْتَسْمَعِ



    قوله: (وحفظ دين) أي الذي دان به الأنبياء من التوحيد، مبتدأ، (ثم) حفظ (نفس) و(مال) و(نسب) ، وقوله: (ومثلها عقل وعِرْض) جملة معترضة بين المبتدأ وخبره وهو جملة:(قد وجب) في جميع الملل والشرائع.
    يعني أن هذه الأشياء الستة مجمع على وجوب حفظها عند جميع الأنبياء والرسل، ولم تختلف فيها الشرائع، ولم يقع في شيء منها نسخ.
    أولها: التدين بالتوحيد الذي هو: إثبات ذات غير مشبهة للذوات, ولا معطلة عن الصفات, مما لم يُختلف فيه في شريعة من الشرائع، حتى لو ألف أبونا آدم كتابا في علم الكلام لكان يقرأ ويقرر في زماننا ومن قبلنا كذلك.
    ثانيها: حفظ النفس مما هو واجب في جميع الملل. وأمّا الجهاد فليس من إتلاف النفس في شيء بل سبب لحياتها دنيا وأخرى؛ فقد ذكر أن خمسة أشياء تزيد في العمر: بر الوالدين، وصلة الرحم، وإعطاء الصدقة، ودوام الوضوء، والجهاد في سبيل الله.
    وثالثها: العقل. فإن حفظه وصيانته مما يفسده واجب. وهو زينة الإنسان, وهو عقاله, وهو ضابطه ورئيسه وملاك الأمور كلها؛ منّ الله علينا بالعقل الذي يعصمنا من مخالفة موهبه لنا ويدلنا على طاعة ربنا.
    ورابعها: حفظ الأنساب فإنه مجمع عليه أيضا. فالزنا مجمع على تحريمه؛ لأنه ذريعة إلى اختلاط الأنساب.

    وخامسها: حفظ العِرْض، فلا يحل الاستهانة به ولا يجوز عدم مراعاته. مثاله: من يدخل على حريم وليس معه غيره، ولم تلحقه حمية الدين وغيرة المسلمين. وكذا من تكشف عورته ولا يتغير كله من عدم المروءة وعدم حفظ العرض.
    وسادسها: حفظ المال، فإنه مجمع على وجوب حفظه، وقد قال تعالى: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } [النساء: 5]، وفي الحديث: « أنهاكم عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال »


    (ومن لمعلوم ضرورة) أي ان الامر الذي معرفته لازمة لكل مسلم (جحد) أي انكر وكذب ، و(من ديننا) يتعلق هو و"ضرورة" بـ "معلوم"، و(يقتل كفرا) الخبر (ليس حد)، أي لا حدّا،

    يعني أنّ من نفى شيئا من الدين قد علم منه بالضرورة، واجبا كان كجحد الصلاة أو ركن منها، أو محرما كإنكار تحريم الزّنا؛ فإنّه يقتل محكوما عليه بالكفر، فلا يصلّى عليه ولا يفعل به مثل ما يفعل بجنائز المسلمين إلا مواراته. بخلاف من أقر بالوجوب وامتنع من الفعل, فهذا يقتل أيضا لكن حدًّا لا كفرًا، فيصلى عليه – غير أولي الفضل – ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه ورثته.
    ثم مثّل ذلك بقوله: (ومثل هذا) الذي نفى ما علم من الدين ضرورة (من نفى لمجمع) على وجوبه كالصلاة والزكاة، (أو) نفى تحريم ما أجمع على تحريمه كمن (استباح) المحرّمات المعلوم تحريمها ضرورة (كالزنا) وشرب الخمر، (فلتسمع).

    وأمّا نفي شيء من الأحكام الشرعية التي لم يعلم وجوبها أو تحريمها بالضرورة فلا يحكم بكفر من نفاها عند كثير من المحققين.
    130– وَوَاجِبٌ نَصْبُ إِمَامٍ عَدْلِ بِالشَّرْعِ فَاعْلَمْ لاَ بِحُكْمِ العَقْلِ
    131– فَلَيْسَ رُكْنًا يُعْتَقَدْ فِي الدِّينِ وَلاَ تَزِغْ عَنْ أَمْرِهِ المُبِينِ
    132– إِلاَّ بِكُفْرٍ فَانْبُذَنَّ عَهْدَهُ فَاللهُ يَكْفِينَا أَذَاهُ وحْدَهُ
    133– بِغَيْرِ هَذَا لاَ يُبَاحُ صَرْفُهُ وَلَيْسَ يُعْزَلْ إِنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ

    (وواجب) شرعا على المسلمين (نصب)، أي إقامة وتوقيف (إمام) أي أمير على المسلمين, لاجتماع كلمتهم، وحماية بيْعتهم، وإصلاح حالهم، وترتيب نظامهم، وسد ثغورهم، وإقامة حدودهم، وقهر البغاة، وردّ اللصوص والعداة، وإقامة الجمعة والأعياد، ورفع المنازعات الواقعة بين العباد, إلى غير ذلك من المصالح العامة.
    لو لا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
    (عدل) حرّ, ذكر, مجتهد, شجاع, ذي رأي وكفاية، فطن, سميع, بصير, ناطق, قرشي. فإن لم يوجد من هو مستوفى الشروط فلا بد من تولية غيره من المسلمين. ولا يشترط فيه العصمة كما قاله الإمامية، واحتجوا بقوله تعالى: { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124] وأجيب بأن الظالم: المرتكب الكبيرة أو الكافر، لا غير المعصوم كما توهموه.

    وتنعقد الإمامة:
    ـ ببيعة أهل الحل والعقد، من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، من غير اشتراط عدد.
    ـ وباستخلاف الإمام له وعهده، كما فعل أبو بكر.
    ـ وبجعله شورى، كما فعل عمر.
    ـ وتنعقد أيضا بالقهر والاستيلاء.
    ولا يجوز نصب إمامين في وقت واحد.
    وإذا ثبتت الإمامة بالقهر، وجاء آخر فقهره، انعزل وصار القاهر إماما.
    ويمتنع خلع الإمام بلا سبب، ولو عزل لم تنعقد بيعة غيره.
    وتنحلّ بيعته بـ: رِدّة، أو جنون مطبق، وعمى، وصمم، وخرس، وأسرٍ بحيث لا يرجى فكُّه.
    وفي عزله بالفسق قولان، إلا أن يترك الصلاة فيعزل، ويستخلف غيره.



    (بالشرع فاعلم) متعلق بـ "واجب". يعني أن وجوب نصب الإمام بحكم الشرع (لا بحكم العقل) خلافا للمعتزلة في قولهم إنها تجب بالعقل.
    (فليس) نصب الإمام (ركنا) أي عقيدة من عقائد الإيمان بحيث (يعتقد في) أصول (الدين) وإن ذكر فيه. نعم هو ركن لكل مصلحة متوقف عليه صلاح العباد والبلاد، ولذلك ذكره أهل أصول الدين وأهل الفقه وغيرهم.
    (ولا تزغ)، أي ولا تمل (عن أمره) أي أمر الإمام الذي عقدت له البيعة (المبين إلاّ بكفر) يظهر منه بسبب ردّة أو غيرها، فتجوز مخالفته ونقض بيعته وعزله كما أشار إلى ذلك بقوله:(فانبذن) فاطرحن (عهده) الذي عاهدته بالبيعة، (فالله يكفينا) يدفع عنا (أذاه) شره (وحده).
    (بغير هذا) أي الكفر (لا يباح) أي لا يجوز، يُمنع (صرفه) أي عزله. فلو طرأ الفسق بعد البيعة باستيفاء الشروط لا يعزل إلا أن يترك الصلاة كما أشار إليه بقوله:(وليس يعزل) الإمام إذا وقعت له البيعة (إن أزيل) أي لأجل زوال (وصفه) الذي استحق به الإمامة قبل.
    134– وَأْمُرْ بِعُرْفٍ وَاجْتَنِبْ نَمِيمَهْ وَغَيْبَةً وَخَصْلَةً ذَمِيمَهْ
    135– كَالْعُجْبِ وَالكِبْرِ وَدَاءُ الحَسَدِ وَكَالمِرَاءِ وَالْجَدَلْ فَاعْتَمِدْ

    ثم أرشد إلى حكم له تعلق بالإمامة, وهو الأمر بالمعروف، وإلى بعض ما يجب على المكلف اجتنابه بقوله:(وأمُر) أيها الإمام, أو من ولاه, أو يا من يتأتى منه الأمر بالمعروف, (بعُرف) أي بمعروف, وانه عن منكر؛ فإنهما واجبان من فروض الكفاية، وإذا لم يقم بهما أحد عصوا جميعا. ويشترط في الآمر والناهي:
    أن يكون عالما بما أمر به ونهى عنه.
    ولا يؤدي إلى منكر أعظم منه، وجوبا.
    وأن يكون المأمور ممن يقبل، استحبابا.

    والتغيير يكون باليد واللسان والقلب؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « إذا رأى أحدكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -( أخرجه مسلم).
    (واجتنب نميمة) وهي أن تجري بين المسلمين بالإفساد، وقيل هي إفشاء السر. (و) اجتنب (غيبة) وهي ذكرك أخاك بما يكره لو سمع ما قلت، ولو كان فيه. وهذان ذنبان كبيران – عافانا الله من جميع المخالفات– ولو لم يكن في ذم الغيبة والتنفير منها إلا قوله تعالى: { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } [الحجرات: 12] وفي النميمة إلا قوله: { ويل لكل همزة لمزة } [الهمزة: 1] وفي الكِبْر: { سأصرف عن آياتي } [الأعراف: 146] الآية. وفي الحسد: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } [النساء: 54] لكان كافيا.
    واجتنب (خصلة ذميمة) أي مذمومة على لسان الشرع, سواء كانت من جرائم اللسان أو غيره وذلك (كالعجب) المهلك صاحبه، (والكبر) القاصم من تخلق به، (وداء الحسد) القاتل صاحبه غما أو فعلا؛ ففي الحديث: « ثلاث مهلكات: شح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه » وفيه عن الله تعالى: « الكبرياء ردائي, والعظمة إزاري, فمن نازعني في واحد منهما قصمته »( أخرجه أبو داود).

    (وكالمراء والجدل) المحرّمان (فاعتمد) على حكم الشرع، فامتثل ما أمر به، واجتنب ما نهى عنه.
    136– وَكُنْ كَمَا كَانَ خِيَارُ الخَلْقِ حَلِيفَ حِلْمٍ تَابِعًا لِلْحَقِّ
    137– فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ
    138– وَكُلُّ هَدْيٍ لِلنَّبِيِّ قَدْ رَجَحْ فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ
    139– فَتَابِعِ الصَّالِحَ مِمَّنْ سَلَفَا وَجَانِبِ الْبِدْعَةَ مِمَّنْ خَلَفَا



    (وكن كما كان خيار الخلق) - صلى الله عليه وسلم - حسبما علم منه من مكارم الأخلاق, ومزيد الإشفاق, واتباع الحق, والحلم, والرحمة بالخلق، كما قال الناظم: (حليف حلم) أي حليما على من جهل عليك, حتى يصير خلقا غالبا على الغضب، (تابعا للحق) أينما كان قابلا له من كل أحد, رفيعا كان أو وضيعا، وإياك أن تكره الحق أو تأبى قبوله من أحد, فإنه تليفة كل مؤمن.
    (فكل خير) دنيوي أو أخروي كائن (في اتباع من سلف) أي في الإقتداء بمن تقدم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: « خيركم قرني, ثم اللذين يلونهم, ثم اللذين يلونهم » الحديث(1).
    (وكل شر في ابتداع) أي في إحداث (من خلف) أي تأخر.
    (وكل هدي للنبي قد رجح) على هدي غيره مما ابتدعه من خلف. بل لا يسمى ذلك هديا إذا لم يكن له أصل في الشرع, بل هو بدعة.
    وإذا علمت أن الهدي الذي ينبغي إتباعه هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - (فما أبيح) أي أجيز وأذن فيه على لسان الشرع (افعل ودع) أي اترك ممتثلا (ما) أي الذي (لم يبح) فعله.
    (فتابع) السلف (الصالح ممن سلفا) فإن السلامة والخير في إتباعهم، (وجانب البدعة ممن خلفا) فإن السلامة في مجانبتها واجتنابها.
    [right]140– هَذَا وَأَرْجُو اللهَ فِي الإِخْلاَصِ مِنَ الرِّياءِ ثُمَّ فِي الْخَلاَصِ

    141– مِنَ الرَّجِيمِ ثُمَّ نَفْسِي وَالْهَوَى فَمَنْ يَمِلْ لِهَؤُلاَءِ قَدْ غَوَى
    142– هَذَا وَأَرْجُو اللهَ أَنْ يَمْنَحَنَا عِنْدَ السُّؤَالِ مُطْلَقًا حُجَّتَنَا
    143– ثُمَّ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الدَّائِمُ عَلَى نَبِيٍّ دَأْبُهُ المَرَاحِمُ
    144– مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعِتْرَتِهْ وَتَابِعٍ لِنَهْجِهِ مِنْ أُمَّتِهْ


    (هذا) أشار إلى ما أرشد إليه في قوله "وأمر بعرف" إلى هنا، أو في جميع الكتاب، وأنا (أرجو الله) الذي لا يخيب من رجاه (في) نوال (الإخلاص) في هذه المنظومة وفي غيرها من الأعمال (من الرياء) وهو التصنع للناس والعمل لأجل الناس، فإنه الشرك الأصغر أعاذنا الله من ذلك.
    (ثم) أرجوه تعالى (في الخلاص) أي السلامة والحفظ (من) الشيطان (الرجيم) المرجوم الملعون المطرود، (ثم) من (نفسي) الأمارة.
    والأنفس ثلاثة: أمّارة وهي التي استجار المصنف من شرها، ولوامة، ومطمئنة. وقد ورد القرآن بالثلاثة في قوله تعالى: { إن النفس لأمارة بالسوء } [يوسف: 53] و { لا أقسم بالنفس اللوّامة } [القيامة: 2] و { يا أيتها النفس المطمئنة } [الفجر: 27].
    (و) من (الهوى) بالقصر، وهو الميل إلى الشهوات وكل ما تهواه النفس. (فمن يمل) يطع ويركن (لهؤلاء) الثلاثة (قد غوى). أي فقد ضل أو خسر أو انخدع.
    (هذا) كرره للتنبيه على عظم مقام الدعاء والاهتمام بشأنه، (وأرجو الله) الجواد الكريم (أن يمنحنا) يعطينا (عند) هول (السؤال) من الملكين (مطلِقا) بكسر اللام (حجتنا) بان ينطقنا ما هو خير لنا(ثم الصلاة) الدائمة (والسلام الدائم) من الله ومن الملائكة والمؤمنين (على نبي) كريم حليم (دأبه) عادته وخلقه (المراحم) لعباد الله، (محمّد) بدل (و) على (آله) أقاربه (وعترته) أتباعه (وتابع) بإحسان (لنهجه من أمته) المكرمة به.
    وختم الكتاب بالصلاة والسلام كالابتداء تحصيلا لكمال البركة ورجاء للقبول؛ لأن الكلام إذا ابتدئ وختم بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أقرب للقبول؛ لأنه ورد أن الدعاء إذا ابتدئ وختم بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مقبولا؛ لأن الكريم إذا قبل الطرفين قبل ما بينهما.
    وصلى الله على سيدنا محمد أكمل العالمين وأشرفهما، وعلى آله وأصحابه زينة السموات والأرض وما بينهما، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    [/right]
    [/right]
    [/right]
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    احفظ معنا جوهرة التوحيد
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » شرح جوهرة التوحيد للعلامة الشيخ إبراهيم الباجوري
    » جوهرة الكمال
    » ثلاث جواهر ......كل جوهرة بالدنيا وما فيها

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الطريقة النقشبندية العلية  :: المنتدى الاسلامى العام :: منتدى العقيدة والتوحيد-
    انتقل الى:  
    جميع الحقوق محفوظة
    الساعة الان بتوقيت مصر
     ® 
    جميع الحقوق محفوظة لمنتدى الطريقة النقشبندية العلية
    حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010
    موقع الطريقة النقشبندية العلية
    المشاركات المنشورة بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط ولا يتحمّل الموقع أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في منتدي الطريقة النقشبندية العلية  ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    ادارى المنتدى : محمد عبده النقشبندى
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit    

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات