جولة في رحاب المرحوم العلامة سيدي أحمد لسان الحق

بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
أما بعد إخواني في الله وأحبابي في الله..فقد ودعنا إلى دار البقاء أخونا الحبيب في الله تعالى فضيلة الدكتور الفقيه المرحوم العلامة سيدي احمد لسان الحق مقدم الطريقة القادرية البودشيشية بالرباط الذي توفي صباح الثلاثاء 21 يونيو 2011 بمدينة فاس حيث وري جثمانه الطاهر بنفس المدينة..رحمه الله تعالى وجدد عليه الرحمات آمين في كل لحضة وحين.
وقد عرف المرحوم بتفانيه الكبير في طلب العلم ونشره ونفع الناس به جزاه الله عنا أحسن الجزاء..حيث أمضى حياته شابا نشأ في عبادة الله..لا يعرف إلا الجد والكد والصدق وتعظيم السنة.. وطلب محبة الله ونبيه الكريم.. وطلب مكارم الأخلاق التي ذاقها الصحابة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما..كان سيدي لسان الحق يتوق منذ شبابه إلى هذه المعالي..والأمثال العليا التي تطهر الإنسان من الأكدار وتصله بالله خالقه ومولاه..وما بحثه رضي الله عنه عن الشيخ العارف بالله حتى التقى بشيخه الأول سيدي الحاج العباس القادري البودشيشي قدس الله سره إلا ذليلا على ذلك فهنيئا له وما أسعده ويابشراه..لأنه فاز وغنم وربح مع مولاه ..وشهدت له الألوف المؤلفة من خيرة أهل الله وكل أهل الله أخيار عند الله..أنه بحق قد فاز فوزا عظيما وتبث مع أهل الله تباثا مشهودا حتى الرمق الأخير..وهذه لعمري هي العظمة .."لمثل هذا فليعمل العاملون "
لقد أمضى حياته في التحصيل والدرس والتدريس في مختلف العلوم الشرعية بكل من جامعتي بن يوسف بمراكش وجامعة القرويين بفاس منذ كان يافعا إلى أن استوى عالما فقيها مجدا ومجتهدا يحبب للناس الفقه في الدين وعلم الشريعة ودقائق السنة.. كل ذلك بأسلوب فيه مرح وطرافة..كل مذاكرات سيدي لسان الحق كانت ممتعة..حلوة..وبأسلوب غير ممل ولا متنطع أو متشدد.."إنما الفقيه الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله ".. وكان رحمه الله فقيها حتى النخاع لكنه معتدل لطيف ذوبركة في حديثه و لايشبع من كلامه إنسان والفقراء القدامى أطال الله في عمرهم أعلم الناس بذلك ،
لان سيدي لسان الحق ايضا يمتاز بروح الدعابة..وبروح النكتة ،التي كانت تجعل مجالسه حقا روضة صوفية من رياض الجنة لا يشبع منها إنسان جدد الله عليه الرحمة والغفران والرضى كذا الرضوان..مع سيدي لسان الحق تحلو المذاكرة..وفي رحاب سيدي لسان الحق يحلو الحديث عن أهل الله.. فسبحان من جعل الزهر ألوانا والماء واحدا....لقد كان رجلا بكل ما في الكلمة من معان ..طودا عظيما في مختلف المعارف والعلوم يجيب السائل بطلاقة على كل سؤال..وهذه علامة على العلم اللذني الذي كان يغترف منه سيدي لسان الحق رحمه الله..وما ذاك إلا ببركة الصحبة وقوة التوجه الذي حباه الله بها..كان عالما عاملا من أجل علماء المغرب الكل يقف عنده بالتعظيم والإجلال والتقديروالترحيب وهيبة أهل الله لا تفارقه أينما حل ورتحل رضي الله عنه وأرضاه .. شغوفا بالاقتصاد الإسلامي الذي ألف فيه كتابا عنوانه " منهج الاقتصاد الإسلامي " أتى فيه بأفكار جديدة أبانت عن علو كعبه ودقة فهمه ووفرة سهمه في المضامير الفقهية والأصولية وواسع اطلاعه على سياقات العصر ومقتضياته جزاه الله بهذا البحث عن أمة محمد خير الجزاء ، كما ألف رحمه الله كتابا آخر يعتبر عمدة عندنا في طريقتنا القادرية البودشيشية المباركة عنوانه " الحقيقة القلبية الصوفية الكبرى" وهو كتاب مأذون لا غنى للمسلم عنه فضلا عن الفقير الذاكر..
كان سيدي لسان الحق مثال الفقيه الرباني غير المتعلق بفقهه ولم يكن من المحجوبين بعلمهم وشواهدهم العلمية..كما يحدث لكثير من علماء الظاهر الذين لم يصحبوا الفحول من أولياء الله..بل كان رضي الله عنه متواضعا لله في كل شيء..ولم يقل يوما أنا عالم..أوأنا دكتور..أو أنا فقيه ضليع وإنه والله لكذلك..وقد حاز على الدكتوراه في الفقه الإسلامي..ومع ذلك كان متبريا من علمه وشواهده غير واقف مع الفكر..وعلم الأوراق..بل كان ببساطة فقيرا بودشيشيا غارقا في أرض العبودية لله..وكفى بذلك نعمة..يقول سيدي لسان الحق" كنا مع العلم ..مع الشهادات ومع الأفكار..ومع ذلك كنا غافلين عن الله ..عليك أن تحفر في قلبك وشعورك ووجدانك كما يحفر الفلاح في الأرض بحثا عن الماء " ..هذه كلماته رحمه الله..كلمات خرجت من القلب بالحال وبالمحبة تعبر عن ربانية سيدي لسان الحق وذوقه
الشريف وإدراكه لمعاني أهل الله..وليست مجرد كلام من أجل الكلام..فأهل الله كما تعلمنا منهم يتكلمون بما يجدون في قلوبهم ولا يتكلفون شيئا كما قال سيدي لسان الحق "الفضل فضله والكرم كرمه "..
"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي "
والسلام عليكم ورحمة الله
عبيد أهل الله
خالد الفنون
حي النهضة - الرباط