حمداً لله تعالى مشفوعاً بالتوحيد والتقديس حمداً لله الذي خَصّ نبيَّه محمّداً وأهلَ بيته عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم بالاجتباءِ والاصطفاء، والتطهيرِ والتكريم، وأمرَ بالصلاةِ عليه وعليهم كما أمرَ بالصلاةِ على إبراهيم وآلِ إبراهيم، وجعل معرفتَهم براءةً من النار، ومحبّتَهم جوازاً على الصراط، وولايتَهم أمْناً مِن العذابِ الأليم.
والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ النبيِّ الأُمّيِّ الذي هو على خُلُقٍ عظيم، وبالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.وعلى ذريّتهِ وأهل بيته وعترته الذين بذِكْرهم تُستدفَعُ نوازلُ البلاء والضرر، ويُستعاذُ من سوء القضاء وشرّ القَدَر، ويُستنزل بهم في المُحول نَوافعُ المطر، ويُستقضى بهم على غلَبات اليأس وجوامعِ الوَطَر, جَمالُ ذي الأرضِ كانوا في الحياةِ , وهُم بـعـد المـمـاتِ جـمالُ الكُتْـبِ والـسِّيَـرِ
شائقة العبير من روض النبوة العامر ببدائع الجمال العلوي، ونجمة عجيبة السناء في سماء آل البيت الزاخرة بالنور الدري
قال الإمام فخر الدين :
فالشمس ذات والمنير محمد = والنجم آل البيت في الفرقان
إنها حفيدة الزهراء وبنت سيد الشهداء رضي الله عنهم أجمعين
سليلة البيت النبوي الشريف الطاهر أنها السيدة العفيفة الطاهرة الزكية التقية الورعة السيدة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنها وأرضاها وصلى الله عليها وعلى آلها وجدها الحبيب الأعظم وسلم.
ميلادها وإخوتها:
السيدة فاطمة النبوية هي بنت أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمى
وقد ولدت رضي الله عنها وأرضاها فى أوائل العقد الثالث من الهجرة بين ثلاث أخوات وستة إخوة من أبناء الإمام الحسين رضي الله عنهم أجمعين
الذكور هم السادة :
الإمام على الأكبر رضي الله عنه وأرضاه
الإمام على الأوسط رضي الله عنه وأرضاه
الإمام على الأصغر الملقب بزين العابدين رضي الله عنه وأرضاه
الإمام محمد رضي الله عنه وأرضاه
الإمام عبد الله رضي الله عنه وأرضاه
الإمام جعفر رضي الله عنه وأرضاه
والإناث هن السيدات :
السيدة أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاها
السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها
السيدة سكينة رضي الله عنها وأرضاها
السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها
وقد توفى كل الذكور في حياة أبيهم وأكثرهم قد استشهد في كربلاء ولم يبق إلا الإمام زين العابدين وهو الذي منه فيه ذرية الإمام الحسين رضي الله عنهم أجمعين إلى عصرنا، وبارك الله فيها وبسطها شرقا وغربا.
علمها رضي الله عنها وأرضاها:
وصاحبة السيرة العطرة الزكية تعد من التابعيات الراويات للحديث النبوي، فلها العديد من الأحاديث المرسلة عن جدتها الزهراء رضي الله عنها وأرضاها , وعن أبيها الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه وعمتها السيدة زينب بنت الإمام على رضي الله عنهما وأرضاهما , وأخيها الإمام على زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه , و أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها , وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما, والسيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأرضاها , وسيدنا بلال رضي الله عنه وأرضاه مؤذن الرسول صلي الله عليه وسلم
ومن ذلك ما رواه عنها الإمامان أحمد وابن ماجه عن أبيها الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه , عن سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكرها وإن قدم عهدها فيحدث لها الإسترجاع إلا كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب ، وقد روى عنها بنوها كذلك بروايتها رضي الله عنهم أجمعين.
أزواجها وأولادها:
تزوجت السيدة فاطمة رضي الله تعالي عنها وأرضاها أولا من ابن عمها سيدنا الحسن بن الإمام الحسن السبط بن على بن أبى طالب المعروف بالحسن المثنى رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين
وقد روى في قصة زواجها بابن عمها , رضي الله عنهما أنه حين خطب سيدنا الحسن بن الإمام الحسن إلى عمه الإمام الحسين قال له: يا ابن أخي قد كنت هذا منك، انطلق معي فخرج به حتى أدخله منزله، فخيره في ابنتيه السيدة فاطمة والسيدة سكينة فاستحيا، فقال له الإمام الحسين: قد اخترت لك فاطمة فهي أكثر شبها بأمي فاطمة رضي الله عنها وأرضاها بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم .
وأنجبت منه سيدنا عبد الله الملقب بالشريف المحض رضي الله عنه وأرضاه , لأنه كان أول حسنى يجمع بين نسب الحسنين، وكان يشبه رسول الله صلي الله عليه وسلم , وقد صار شيخ بني هاشم في زمانه
ومما يروى عنه رضي الله عنه وأرضاها أنه قيل له: لمَ صرتم أفضل الناس؟
فقال: لأن الناس كلهم يتمنون منا ولا نتمنى أن نكون من أحد.
وأنجبت رضي الله عنها وأرضاها , أيضا من سيدنا الحسن المثنى: سيدنا إبراهيم الملقب بالقمر لجماله رضي الله عنه وأرضاه ، وسيدنا الحسن المثلث رضي الله عنه وأرضاه, لأنه الحسن بن الحسن بن الحسن وكل منهم له عقب.
وقد روي أنها بعد وفاة سيدنا الحسن المثنى رضي الله عنه وأرضاه امتنعت السيدة فاطمة رضي الله تعالي عنها وأرضاها عن الزواج وفاءا له، وأقامت على قبره سنة في قبةأقامتها، وظلت تقوم الليل وتصوم النهار، وكانت تشبه بحور العين لفرط حسنها وكمالها رضي الله عنها وأرضاها
ولكن أمها ألحت عليها لقبول الزواج حتى أنها وقفت ساعتين فى الشمس وأقسمت أنها لن تبرح عنها أو تستجي لرغبتها فى تزويجها، فقبلت رضي الله عنها وأرضاها شفقة بأمها وتزوجت بسيدنا عبد الله بن عمرو بن الإمام عثمان بن عفان الملقب بالمطرف لوسامته وأبهته
وأنجبت منه القاسم ومحمدا الملقب بالديباج لجماله، ورقية ..وقد مات عنها سيدنا عبد الله بن عمرو ولم تتزوج بعده.
مواقف من حياتها رضي الله عنها وأرضاها:
إن آل البيت مع عظيم مكانتهم عند الله والتي تنقطع عن دركها أفهام الأذكياء خصوا بأعظم أنواع البلاء، ففضلا عن حسد صنائعهم وربيبى نعمتهم وغمط فضلهم من شانئيهم وعجز محبيهم واضطهاد الحكام وعوادي الأيام, فليس أشد على نفس المحب من فقد محبوبه بين كل الأدواء والألام
فقد مرت السيدة فاطمة النبوية رضي الله تعالي عنها وأرضاها فى منتصف شبابها بمحنة من أشد ما مر على آل البيت، وكم مرت بهم من محن وكم دهتهم من خطوب ولكن لن يكون إلى آخر الدهر مثل يوم كربلاء الرهيب
فقدر للسيدة فاطمة النبوية رضي الله تعالي عنها وأرضاها أن تكون مع أبيها الإمام الجليل رضي الله عنهما وأرضاهما ساعة استشهاده هو وأكثر أهل بيته وأولاده، ثم تؤخذ مع الرهط النبيل المفجوع إلى قصر يزيد حيث جبههم بغليظ الكلام والسيوف حولهم مشهرة والعيون بالرثاء أو الشماتة ناظرة، غير أنه سرعان ما استخذى أمام جرأة سيدنا الإمام زين العابدين والسيدة زينب بنت الإمام على رضي الله عنهم أجمعين ، وتطامن كبرياؤه أمام ثبات جنانهما وقوة حجتهما، وصرخت فيه السيدة فاطمة في استنكار: أبنات رسول الله صلي الله عليه وسلم سبايا يا يزيد ؟ ! ...
فخجل يزيد وقال: بل حرائر كرام وأدخلهن على أهله وبالغ فى التودد إليهن محاولا أن يصلح من وقع جريمته الشنعاء على قلوب المسلمين
حتى أنه قالت السيدة سكينة رضي الله تعالي عنها وأرضاها متهكمة على ما يفعله: ما رأيت رجلا كافرا بالله خيرا من يزيد ابن معاوية!
وكانت تردد ما سمعته من عمتها السيدة زينب رضي الله عنهما وأرضاهما
ماذا تقولون إن قـال النبي لكم = ماذا فعـلتم وأنتم آخـر الأمم
بعترتى وبأهلي بعد مفتقـدى= منهم أسارى ومنهم ضمخوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم= أن تخلفوني بسوء في ذوى رحمي
ومن دلائل جودها الفريد ما حدث منها في رحلة الرجوع للمدينة من كربلاء فقد كان يصحبها وأهلها رجل من أهل الشام بعثه يزيد لرفقتهم، فلم تنس السيدة فاطمة النبوية رضي الله تعالي عنها وأرضاها في مثل موقفها العصيب وحزنها الدامى أن تهتم به وأن تفكر في مكافأته فأخذت من أختها سكينة سوارين ودملجين وبعثت بهما إليه، إلا أن الرجل ردها قائلا أنه صنع ذلك لقرابتهم من الرسول صلي الله عليه وسلم .
حكمتها رضي الله تعالي عنها وأرضاها:
ومما يروى من مأثورات أقوالها الحكيمة ما حدث به أبنها محمد بن عبد الله بن عمرو قال : جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين فقالت: يا بني ما نال أحد من أهل السفه بسفههم شيئا ولا أدركوا من لذاتهم شيئا إلا وقد أدركه أهل المروءات بمروءاتهم، فاستتروا بستر الله.
ومما يدل على عميق خبرتها بالنفوس والقلوب أنها أعطت أولادها من سيدنا الحسن المثنى كل ميراثها منه، وأعطت أولادها من عبد الله بن عمرو كل ميراثها منه؛ فوجد أولادها من الحسن فى أنفسهم من ذلك لأن ميراثها من عبد الله بن عمرو كان أكثر، فقالت لهم : يابنى إنى كرهت أن يرى أحدكم شيئا من مال أبيه بيد أخيه فيجد فى نفسه، فالأجل ذلك فعلت ذلك.
وذُكرت السيدة فاطمة رضي الله تعالي عنها وأرضاها بعد وفاتها يوما عند الإمام عُمر بن عبد العزيز رضي الله تعالي عنه وأرضاه وكان لها معظما فقيل: إنها لا تعرف الشر، فقال: عدم معرفتها الشر جنبها الشر.
وفاتها رضي الله تعالي عنها وأرضاها:
وقد توفيت رضي الله تعالي عنها وأرضاها بعد أن قاربت التسعين سنة وقد روي أن وفاتها بين عامي 116 أو 118 هـ وقد شرُفت بمقامها فيها أرض مصر , كما شرفت من قبل بسادات وسيدات آل البيت النبوي الطاهر رضوان الله عليهم أجمعين
وللسيدة الطاهرة الزكية فاطمة النبوية بالدرب الأحمر بمصر مسجد جليل وضريح عظيم عليه من المهابة والجمال والأسرار والأنوار ما يسر قلوب الناظرين صلوات الله وسلامه عليها وعلى آل البيت أجمعين.