الفصل السادس: حقيقة انفاذ الإرادة بالقدرة عند النقشبندية:
يقول الناقد الكريم في كتابه "الطريقة النقشبندية" [ص: 165 – 168]، ما نصه:
يقولون للشيء كن فيكون
قال صاحب نور العرفان «وسئل أحد أكابر الائمة عمن قال: أن من كرامات الولي أن يقول للشيء كن فيكون. فنهى أحدهم هذا القائل عن ذلك؟ فقال - أي لمن نهاه - من أنكر ذلك فعقيدته فاسدة. فهل ما ادعاه صحيح - أي أن من كرامات الولي أن يقول للشيء كن فيكون؟ فأجاب بأن ما قاله صحيح اذ الكرامة الامر الخارق للعادة يظهره الله تعالى على يد وليه» (1).
وقال الدهلوي «وللنقشبندية تصرفات عجيبة من التصرف في قلوب الناس» (2).
فمن ذلك تصرف الشيخ عبد الله الدهلوي في باطن المريدين والقاء الفيوضات والاسرار في صدورهم، ومن كراماته أيضا أن زوجة أحد أصحاب هذا الشيخ قد مرضت، فالتمس من حضرته أن يدعو الله تعالى بتخفيف مرضها فلم يفعل، فالح عليه، فقال له لا تبقى هذه المرأة أكثر من خمسة عشر يوما، فبقدرة الله تعالى توفيت يوم الخامس عشر» (3).
وقالوا عن محمد الخواجكي الامكنكي «ليس من ذرة في العالم الا وهو يمدها بالروحانية» (4).
أفلا تصدق أيها الغيور أن هذه الامة قد ابتليت بالتشيع وركبت سنن من قبلها؟
أهذه التعاليم التي نادى بها سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه؟
من تصرفات الاولياء
وحكى محمد أسعد صاحب زادة أن للأولياء الكاملين ثلاثة أنواع من التصرفات:
الاول: التجسد والتمثيل بالصور: كتجسدهم في الصور في أمكنة متعددة في وقت واحد. وتسميه الصوفية بعالم المثال: وبنوا عليه تجسد الارواح وظهورها في صور مختلفة.. واستأنسوا بقوله تعالى {فتمثل لها بشرا سويا} (5). وأكد ذلك خالد البغدادي وأن الروح تظهر في سبعين الف صورة في دار الدنيا (6).
الثاني: التصرف في الاجساد النورانية كجسد نبينا محمد لأن أصل خلقته نوراني وروحانيته سر ملكوتي: فلهذا يعتقدون أن النبي لا ظل له (7).
وكما أن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي فكذلك لا يستطيع أن يتمثل بصورة الشيخ ولذا تظهر صور المشايخ في مناطق مختلفة في آن واحد، ويمكنهم الله من الظهور بصور عديدة بلا حصر وقد يكون لهم صورة واحدة تملأ الكون. (8).
------------------------
(1) ورد في "نور الهداية" لزاده [ج1/ص: 60] ..
(2) ورد في "شفاء العليل" للمعصوم [ج1/ص: 104]؛ وفي "نور الهداية" لزاده [ج1/ص: 36] ..
(3) ورد في "المواهب السرمدية" للزملكاني [ج1/ص: 249]؛ وفي "جامع الكرامات" للنبهاني [ج2/ص: 129]؛ وفي "الأنوار القدسية" للسنهوتي [ج1/ص: 216 – 217] ..
(4) ورد في "المواهب السرمدية" للزملكاني [ج1/ص: 169]؛ وفي "الأنوار القدسية" للسنهوتي [ج1/ص: 178]؛ وفي "الحدائق الوردية" للخاني [ج1/ص: 177] ..
(5) ورد في "نور الهداية" لزاده [ج1/ص: 55] ..
(6) ورد في "تحقيق الرابطة" لذي الجناحين [ج1/ص: 7] ..
(7) ورد في "نور الهداية" لزاده [ج1/ص: 24] ..
(8) ورد في "نور الهداية" لزاده [ج1/ص: 55] ..
=====================================
الجواب:
حول أنهم يقولون للشيء كن فيكون أي إن لله عباد إذا أرادوا أراد؛ أي توافقت إرادتهم مع ما يريد الله، وهذه الولاية ..
يتجلى ذلك في قوله تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء : 87] ..
وجد ذي النون نبي الله يونس عليه السلام، أن السلامة أن يكون مريد لما يريده الله فكانت النتيجة: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء : 88]
أما التصرف بالقلوب فيكون بالسلب والوهب، على قدر الاقبال والإعراض، فالسلب يكون من المعجب بذاته المغرور بعلمه المتكبر على أقرانه، أو من دونه ..
والوهب يكون لمن تواضع لعظمة الله وافتقر إليه بالحاجة، فتجري مشيئة الحق بالسلب والوهب على يد العارف والولي ..
وهذه القوة النفسية يحررها الحق في الدماغ البشري بتحرير الخلايا النبيلة وفق مفهوم أهل الحق، أو المساحات الصامتة وفق مفهوم علماء ما وراء علم النفس أو الخلايا الاستنادية وفق تسمية علماء الطب ..
بعد أن تتواصل مع خلايا التحكم الأمية في القلب فتقوى السيطرة أو الهالة الكهرومغناطيسية للجملة العصبية عند الولي ليسيطر على جملة المريد أو المعرض ..
أما موضوع التجسد الصوري فهو تجسيد لنورانية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، في سبعين جسد، بدل يحمل أو يظهر نورانية التبعية بدرجات مختلفة أعلاها درجة الصديق الأكبر وباقي الراشدين، ومن ثم المهدي المنتظر فالأدنى ثم الأدنى وهكذا ..
عَنْ أَنَسٍ بن مالك، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وأَبَو أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنهم، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: ( وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي، سَبْعِينَ أَلْفًا بِلا حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ )؛ (1) ..
والرد هنا مختزل نسبياً لتكرار الناقد لهذا الوجه من النقد غير مرة، ولأن الرد عليه بالأدلة واحد ..
إلا أن هناك حيثية أدرجها الناقد هنا تشكل شبهة ظاهرها شنيع وباطنها بديع:
وقالوا عن محمد الخواجكي الأمكنكي «ليس من ذرة في العالم الا وهو يمدها بالروحانية» ..
نقول قالوا أي لم يقل وكثير ما يقول المريد ومن شطحات وأوهام عن شيخه هو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ..
إلا أن هذا القول أقره العارف الرباني أمين الزملكاني في "المواهب السرمدية" [ج1/ص: 169]: ( فَلَاّ ذَرْةُ فِيْ الْعَاَلَمِ، إِلْاَ وَهُوَّ يَمِدْهُاّ بِالْرُوّحَاَنِيِةِ ) اهـ
لذلك نقول الروحانية من الروح والروح خصوصية إلهية من خصوصيات الحق وشأنه وأمره، لقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء : 85] ..
كما أن للأنبياء والصديقين خصوصية الخصوصية بالروح الإلهية، لقوله تعالى: { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر : 29] و [ص : 72] ..
وهي الروحانية الإلهية الموحية للنبي الملهمة للعالم، والتي خص الله بها أهل العلم من أنبياء وصديقين:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ, وَكُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ٍ)؛ (2) ..
الملائكة تضع أجنحتها لخصوص روحانية طالب العلم، ويستغفر له من في السموات والأرض؛ هذا مع طالب العلم فكيف مع العالم الرباني ..
------------------------------
(1) رواه الشيخان: البخاري في "صحيحة" [ج5/ص: 2375/ر:6107]، ومسلم في "صحيحة" [ج3/ص: 86/ر:524]؛ ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 540/ر:2437]، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2437]؛ ورواه ابن ماجه في "سننه" [ر:3/ص: 531/ر:4286]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:3478]؛ وحكمه: [متفق عليه] ..
(2) رواه البخاري معلقا في" "صحيحة" [ج1/ص: 37]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 341/ر:3641]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3641]، ورواه الترمذي ] في "سننه" [ج5/ص: 47/ر:2682]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2682]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 124/ر:223]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:183]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 104/ر:348]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 254/ر:21208]، وصححه ابن حبان في "الثقات" [ج1/ص: 289/ر:88]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:3065]؛ ووافقه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:6297]، وحكمه: [صحيح] ..
================================