الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
اهلا وسهلا بك اخى الكريم فى موقع الطريقة النقشبندية العلية والتصوف السنى عرف بنفسك او قم بالتسجيل حللت اهلا ونزلت سهلا نرجوا لك ان تقضى اسعد الاوقات وان تفيد وتستفيد حياك الله وبياك
محمد النقشبندى
الطريقة النقشبندية العلية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطريقة النقشبندية العلية

دروس وخطب فقة حديث توحيد سيرة تصوف اسلامى اداب و سلوك احزاب و اوراد كتب مجانية تعليم طب بديل واعشاب بخور اسرة وطفولة اكلات قصص واشعار
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
عدد الزوار عند الاقسام

.: عدد زوار منتدى الطريقة النقشبندية العلية

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» اصدق شيخ لعلاج السحر والمس والحسد عن بعد مجرب
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:20 am من طرف ام سطام

» جوهرة عجيبة من أسرار الشريف اسماعيل النقشبندى
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:14 am من طرف ام سطام

» هديتي اليكم افضل شيخ مغربي مجرب لعلاج السحر والمس صادق
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأحد ديسمبر 24, 2023 10:05 am من طرف ام سطام

» علاج الكبد الدهني - اعشاب للقضاء على دهون الكبد - اعشاب للمحافظه على الكبد
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:14 pm من طرف زاشيائيل

» الحزب الكبير الأول لسيدى أحمد البدوى قدس الله سره
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالجمعة مارس 18, 2022 3:02 pm من طرف زاشيائيل

» النفاق والمجاملة والفارق بينهما
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس مايو 13, 2021 9:24 am من طرف ابوعمارياسر

» حكم من مات وعليه صيام أو كفارة
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس مايو 13, 2021 8:50 am من طرف ابوعمارياسر

» البحر المسجور
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:59 am من طرف صبحى0

» الحفظ أثناء النوم
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:54 am من طرف صبحى0

» دور القرآن في علاج الأمراض
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:47 am من طرف صبحى0

» الفرق بين ( العشي والإبكار ) وبين ( العشي والإشراق )
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالسبت أغسطس 15, 2020 10:40 am من طرف صبحى0

» التحذير من خطر التكفير
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأربعاء أغسطس 12, 2020 5:17 pm من طرف عاشق الصوفية

» وصية نبوية عظيمة
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالجمعة يناير 31, 2020 12:59 am من طرف ابوعمارياسر

» معاني الكبير في القرآن الكريم
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأحد نوفمبر 17, 2019 5:56 pm من طرف ابوعمارياسر

» تحميل ابحاث مجلة الشريعة
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:34 am من طرف ابوعمارياسر

» الامام أحمد المقري التلمساني
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:29 am من طرف ابوعمارياسر

» قصيدة مترجمة رائعة في مدح الرسول
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:20 am من طرف ابوعمارياسر

» رائعة من كتاب الاتقان في علوم القرآن
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالأربعاء مايو 22, 2019 4:16 am من طرف ابوعمارياسر

» الامام أحمد المقري التلمساني
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس مايو 09, 2019 1:16 am من طرف ابوعمارياسر

» اذى الخلق لسيدي ابن عجيبة
الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس مايو 09, 2019 1:12 am من طرف ابوعمارياسر

المواضيع الأكثر نشاطاً
عرف بنفسك
كيف تتلذذ بالصلاة
كتاب الغيبة
كتاب السير والمساعي في أحزاب وأوراد السيد الغوث الكبير الرفاعي
ديوان الحلاج
خلفاءالشريف اسماعيل قدس الله أسرارهم
ديوان ابن دريد
ما هي الطريقة النقشبندية
مكتبة الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلى
فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث النبوية
مواضيع مماثلة
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى

    اذهب الى الأسفل 
    3 مشترك
    كاتب الموضوعرسالة
    ابو منار
    مراقب
    مراقب
    ابو منار



    العمر : 49
    ذكر
    الوسام مبدع بمواضيعه

    الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Empty
    مُساهمةموضوع: الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى   الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالإثنين أبريل 11, 2011 9:52 am

    وقد هاجم بعض المفكرين من معاصري أحمد آراءه في الخلافة .. واتهموه أنه ينسب إلى الرسول والصحابة نقيض آرائهم، فالرسول يأمر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويحذر المسلمين أن يسكتوا على الظلم والفجر، لأنهم إذا سكتوا عنه عمهم الله بالعقاب .. والصحابة قوموا أولياء الأمر منهم وردوهم إلى الصواب .. ثم إن هؤلاء المفكرين اتهموا أحمد بالدعوة إلى الإذعان والرضا بالظلم وبالمعصية ..

    غير أن أحمد رد عليهم أن خير التابعين عاشوا تحت مظالم الأمويين فلم يدعوا الرعية إلى الخروج عليهم .. وهو إنما يدعو إلى الطاعة مع استمرار النصيحة، لا إلى السكوت عن المظالم .. وإذا كانت طاعة الحاكم الظالم ظلما، فالخروج عليه ظلم أفدح، لأن الخروج مجلبة للفتنة، وفي الفتنة تنتهك الحرمات، وتهدر دماء الأبرياء كما حدث في كل الثورات في العصر الأموي والعباسي..! ومهما يكن من شيء، فما تجرأ أحد من معاصري أحمد على اتهامه بأنه ينافق الخلفاء، ولكنهم عابوا رأيه، واعتبروه خطأ في تقدير ضررين أيهما أقل، وأيهما أكثر فيدفع..

    على أن الإمام أحمد بن حنبل لم يكن بدعا في هذا الرأي، بل كان فيه متفقا على نحو ما مع ما أفتى به الأئمة الثلاثة من قبله: أبو حنيفة النعمان، ومالك ابن أنس، والشافعي، فكلهم رأى أن طاعة الحاكم الظالم مع توجيه النصح له، خير من الثورة عليه لما يصاحب الثوارت من عدوان على الأنفس والحريات والأموال .. إلا الإمام أبا حنيفة، فقد أيد ثورة الإمام زيد ابن علي وأوشك أن يخرج معه مجاهدا ضد مظالم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ..
    وعلى الرغم من أن ابن حنبل كان شديد التأثر بالشافعي، فقد اختلفا في بعض شروط الخلافة، فالشافعي يجعل العدالة شرطا لصحة الخلافة .. وإن لم يؤيد الثورة على الخليفة إن كان ظالما. والجدير بالذكر أن الإمام الليث ما كان يشترط أن يكون الخليفة عربيا .. ولكنه اشترط العدالة والبيعة..!

    انصرف أحمد يجمع السنن وآثار الصحابة، ويبحث من خلالها عن أحكام تنقذ الناس من الضلال .. وكان يجمع ما رواه الصحابة من أحاديث، كل على حدة، ويسند إلى الصحابي ما رواه .. فكان لابد أن يجمع ما رواه الإمام علي بن أبي طالب لا يبالي في ذلك أن يتهمه أحد بالتشيع أو بالميل إلى العلويين .. وفي الحق أنه ما كان متشيعا ولا صاحب ميل للعلويين .. ولكنه تعلم من أستاذه الشافعي أن الإمام علي كان أحق بالخلافة من معاوية، وأن معاوية كان باغيا، ودافع أحمد عن رأي أستاذه في مواجهة منتقديه .. وقد روى أحمد عن أستاذه الشافعي: "قال رجل في علي: ما نفر الناس منه إلا أنه كان لا يبالي بأحد. فقال الشافعي كان في علي كرم الله وجهه أربع خصال لا تكون منها خصلة واحدة لإنسان إلا يحق له ألا يبالي بأحد، كان زاهدا، والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها، وكان عالما، والعالم لا يبالي بأحد، وكان شجاعا والشجاع لا يبالي بأحد، وكان شريفا والشريف لا يبالي بأحد. وكان علي كرم الله وجه قد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بعلم القرآن، لأن النبي عليه الصلاة والسلام دعا له وأمره أن يقضي بين الناس. وكانت قضاياه ترفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيمضيها."

    وقد رأى أحمد بن حنبل أن اتباع أحكام الإمام علي سنة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر جميع أحكامه، فكأنه هو الذي حكم .. ثم أنه قد خصه بعلم القرآن .. وعجب علماء الشيعة والمفكرون الذين يؤيدونهم لأمر الإمام أحمد.! لقد حسبوه عدوا لهم، وعدوا للإمام علي منذ أفتى بأن طاعة الحاكم واجبة حتى إن كان ظالما أو فاجرا، والثورة عليه خروج على الإسلام!. وكان الشيعة يرون أنه لا طاعة لحاكم ظالم، ويجب على الرعية أن تثور عليه، فإن سكتوا عنه فليس سكوتهم طاعة له واجبة، بل اتقاء لظلم أفدح، وانتظارا للفرصة المناسبة .. وإذن فرأى أحمد بن حنبل أن طاعة الخليفة الظالم الفاجر واجبة شرعا، وأن الثورة عليه مخالفة للسنة، إنما هو إدانة للشيعة ولإمامهم الحسين بن علي سيد الشهداء رضى الله عنه، وموافقة على مقاتل الطالبيين، وشرها تلك المذبحة الوحشية الفاجرة في كربلاء..!!
    ما بال أحمد يسند بفتواه قتلة الإمام الحسين، وقتلة الإمام زيد، وغيرهم من أئمة الشيعة، ثم هاهو ذا يمدح الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويعتمد على فقهه؟!! كان اللجاج شديد في ذلك العصر بين دعاة الحرية السياسية والاجتماعية من حماة العدل وبين غيرهم من الفقهاء .. ومن أجل ذلك اشتدوا على أحمد ابن حنبل، لأنه كان يرى الطاعة للحاكم الظالم الفاجر، ويرى الخروج عليه مخالفة للسنة .. فهو إذن يؤيد الظالم الفاجر يزيد بن معاوية، ويرى أن خروج الحسين كان مخالفة للسنة!!.. وهذا رأي فاسد!..

    وفي الحق أن أحمد ما رأى ذلك وما أفتى به .. فقد كان يرى معاوية باغيا على الإمام علي كرم الله وجهه خرج عن طاعته وثار عليه، فهو مخالف للسنة .. أما عن خلافة يزيد بن معاوية، فإن أحمد بن حنبل يرى أن معاوية أكره الناس على هذه البيعة .. ولا إكراه في البيعة، وليس على مستكره يمين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    وما كان أحمد بن حنبل من الذين يخوضون غمرات الصراع السياسي المتأجج، ولكنه كان يقول ما يؤمن به اتباعا للسنة مهما يكابد في سبيل رأيه، فهو أحرص الناس على التأسي برسول الله، وكان يقول "صاحب الحديث من يعمل به." .. وما كان يجيز طعن الصحابة من الخلفاء الراشدين، كما يفعل بعض غلاة الشيعة، وكان هذا سببا آخر لخلاف هؤلاء معه .. وقد تحدث أمامه جماعة من الناس فذكروا خلافة علي بن أبي طالب وتناولوا أمير المؤمنين بالتجريح، فتغير وجه أحمد وقال لهم: "من طعن في علي كرم الله وجهه فهو مخالف للسنة، وليس للسلطان أن يعفو عنه" .. ثم رفع رأسه وقال: "إن الخلافة لن تزين عليا بل علي زينها".

    ولقد سئل أحمد عن حق علي في الخلافة فقال: "لم يكن أحد أحق بها في زمن علي من علي! ورحم الله معاوية!". وسئل عن تأييد أم عائشة لطلحة والزبير ضد علي فقال: "أكان طلحة والزبير يريدان أعدل من علي رضوان الله عليهم أجمعين؟". وسمع أحد غلاة الشيعة بهذا فقال: "هذه الكلمات أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض". وقد بنى أحمد آراءه في قتال أهل البغي على سيرة الإمام علي كرم الله وجهه، متبعا في ذلك رأى الإمام الشافعي، فلما عاتبه أحد أصحابه قال: "ويحك" .. يا عجبا لك! فما عسى أن يقال في هذا إلا هذا؟! وهل ابتلى أحد بقتال أهل البغي قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؟"

    وفي الحق أن الشافعي أثر في أحمد كما لم يؤثر أستاذ في تلميذه. حتى لقد قال أحمد بعد أن أصبح إماما كبيرا: "إذا سئلت عن مسألة لا اعرف فيها خبرا (أي حديثا أو أثرا عن الصحابة) أخذت فيها برأي الشافعي."
    وقد بلغ تقديره للشافعي أنه أنكر على شيوخه أن يكتبوا فقههم في كتب .. إلا الشافعي .. أنكر على مالك كتابة الموطأ وقال عنه: "ابتدع ما لم تفعله الصحابة رضى الله عنهم" وقرأ كتب شيخه أبي يوسف، وكتب محمد ابن الحسن، وأنكر عليهما أنهما كتبا فقههما .. وأبى على أصحابه أن يكتبوا آراءه أو فقهه هو نفسه .. ولكنه عندما وصله كتاب الرسالة الجديدة الذي وضعه الشافعي في مصر، وبهر بالرسالة، وقرأها على أصحابه .. وحضهم على تعلمها، واحتفظ بها في خزانة كتبه كما يصون كنزا .. وهكذا صنع مع كل كتب الشافعي التي وضعها في مصر، وهي كتب تأثر فيها الشافعي إلى مدى بعيد بفقه الليث بن سعد إمام أهل مصر. ولقد حمل أحمد عن الشافعي تقدير كبير للإمام الليث، فكان لا يذكره إلا بالتقدير.

    وقد كان أصحاب أحمد يعرفون ميله للشافعي وإكباره إياه .. وكان هو يوصيهم بقراءة كتب الشافعي قائلا إنه "ما من أحد وضع الكتب منذ ظهرت اتبع للسنة من الشافعي". وكان الشافعي يبادله هذا التقدير، وقد عده الشافعي من العجائب: "ثلاثة من العلماء من عجائب الزمان: أعرابي لا يعرف كلمة وهو أبو ثور (وكان كثير اللحن)، وأعجمي لا يخطئ في كلمة وهو الحسن الزعفراني، وصغير كلما قال شيئا صدقه الكبار وهو أحمد ابن حنبل".

    كما قال عنه الشافعي: "رأيت في بغداد شابا إذا قال!! قال الناس كلهم صدقت." قيل من هو قال: "أحمد بن حنبل" .. وقال عنه: "خرجت من بغداد، وما خلفت فيها رجلا افضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى، من أحمد بن حنبل". وكان أحمد يضع شيخه في أعلى مكان، ويقول إن الله يبعث على رأس كل مائة عام إماما صالحا من عباده، يحيى به السنن ويرفع شأن الأمة، وقد كان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، وعسى أن يكون الشافعي على رأس المائة الثانية". على أن أحمد بن حنبل، منذ وقف يتدبر أحوال المسلمين، ويتلمس طريق الخلاص، ووسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة، التمس طريقا يستنبط به الأحكام، فلم يجد افضل من أصول فقه الشافعي.

    اجتمعت لأحمد خلال رحلاته عشرات الأحاديث النبوية، فأخذ يرويها للناس ويعمل بها .. وتأدب بأدب الرسول .. روى الحديث: "كل معروف صدقة ومن المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق" .. فكان لا يلقي الناس إلا مبتسما، ويقدمهم عليه إذا مشوا في طريق، أو دخلوا مكانا أو اصطفوا لصلاة الجماعة .. ويروي أحد أصحاب أحمد أنه دخل معه مكانا، فإذا بامرأة معها طنبور (آلة للعزف)، فكسر صاحب أحمد الطنبور، وسئل أحمد عن ذلك فيما بعد فقال: "ما علمت بهذا، وما علمت أن أحداً كسر طنبورا بحضرتي إلى الساعة". ذلك أن أحمد ترك المكان مستنكرا الأمرين جمعيا: عزف المرأة على الطنبور، وعدوان صاحبه عليها! .. فهو يكره لأصحابه أن يغلظوا، ويطالبهم حين يأمرون بالمعروف، أو ينهون عن المنكر أن يتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما علمه الله تعالى:

    { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } (النحل،الآية:125) .

    وكان أحمد يكره الشطرنج ويراه لهوا يصرف الناس عن جد الأمور فسمع أن صاحبا له دخل على جماعة، حول رجلين يلعبان الشطرنج فطوح به ونهر الجماعة، فغضب الإمام أحمد لما صنعه صاحبه بأصحاب الشطرنج..! كانت سماحته تسع الذين يسيئون إليه مهما تكن الإساءة فادحة! .. وشى به رجل إلى الخليفة، وزعم أن ثائرا علويا يختفي في داره .. ولو صحت الوشاية لقتل الإمام أحمد بإخفاء الثائر العلوي. فلما تبين للخليفة كذب الوشاية أرسل الواشي مصفدا إلى أحمد، ليفتي برأيه في عقابه فقال أحمد: "لعله يكون صاحب أولاد يحزنهم قتله!".

    وهكذا أخذ أحمد نفسه بالتأدب بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم .. وكان يقول: "إذ أردت أن يدوم لك الله كما تحب، فكن كما يحب". إن أبرز ما يميزه لهو التواضع .. قال له أحد الناس "جزى الله الإسلام عنك خيرا فغشاه الحياء .. جزى الله الإسلام عني خيرا؟ ومن أنا؟! ومن أنا؟!". عرف شيوخه منه هذا التواضع منذ كان يطلب عليهم العلم، فأشادوا به.
    ذات يوم ضاق أحد شيوخه بالطلاب في الحلقة، وغاظه عجزهم عن فهم الدرس، فصاح الشيخ: "ألا تفقهون؟" فقال الطلاب: "كيف لا نفقه وفينا أحمد بن حنبل". فقال الشيخ "أين هو؟" ودخل أحمد فقالوا: "هاهو ذا" وجلس أحمد حيث انتهى به المجلس كما تعود، وكما عاش يفعل إلى آخر العمر، فقال الشيخ لأحمد: "تقدم يا أحمد" فقال أحمد: "لا أخطو على الرقاب". فصفق الشيخ فرحا: "الله اكبر .. هذا أول الفقه".

    على أن تواضع أحمد وحياءه لم يمنعاه من الجهر بالحق .. بل كان على النقيض شديد على الباطل، لا يبالي في ذلك لومة لائم .. لاحظ أن بعض الفقهاء يفضلون العباس على الإمام علي بن أبي طالب، نفاقا للخلفاء والأمراء من بني العباس .. وسمع أحمد بن حنبل، هذا الفقيه يذكر الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه بما لا ينبغي، ويشكك في حقه في الخلافة، فأنبري أحمد يقول للفقيه على مشهد من الناس: "من لم يثبت الإمامة لعلي فهو أضل من حمار..! سبحان الله! .. أكان علي كرم الله وجهه يقيم الحدود ويأخذ الصدقة ويقسمها بلا حق وجب له!؟ .. أعوذ بالله من هذه المقالة .. بل هو خليفة رضيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلوا خلفه، وغزوا معه، وجاهدوا، وحجوا، وكانوا يسمونه أمير المؤمنين راضين بذلك غير منكرين، فنحن له تبع" .. ثم قال: "ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه".

    وعلى الرغم من أن أحمد بن حنبل كان يرى أول الأمر أن طاعة الخليفة واجبة وإن كان ظالما أو فاجرا، ألا أنه عدل عن رأيه عندما ما أنضجته التجربة فيما بعد .. فعاد واعتبر طاعة الخليفة الظالم لونا من النفاق يجب أن يبرأ منه المؤمن!
    ذلك أنه سمع قصة عن شيخه عبد الله بن المبارك ظلت تضنيه إلى آخر العمر .. فكانت دموعه تفيض من الندم ومن الرحمة والإشفاق، كلما تذكر ما حدث لأستاذه عبد الله بن المبارك .. وهو الأستاذ الذي لزمه أحمد وإن لم يره قط .. فقد كان كلما لحق به في مكان ليسمع منه، وجده قد رحل عنه، حتى مات الشيخ، فلزم أحمد آثاره وفقهه وتتبع سيرته واهتدى بها، وسمع أحمد فيما سمع أن شيخه ابن المبارك مر وهو في طريقه إلى الحج بمزبلة قوم، فرأى فتاة تأخذ طائرا ميتا وتلفه، فسألها عن أمرها فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار وليس لنا قوت إلا ما يلقي على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ ثلاثة أيام (أي أن الجوع اضطرهما إلى أكل الميتة)، وقد كان أبونا له مال، فظلم وأخذ ماله وقتل .. فقال ابن المبارك لوكيله: "كم معك من النفقة؟". قال: "ألف دينار" فقال: "عد منها عشرين دينار تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي. فهذا افضل من حجتنا هذا العام"، ورجع..

    ما ذكر أحمد هذه القصة إلا بكى .. فما فتواه إذن بوجوب طاعة خليفة ظالم؟! أيطاع خليفة يظلم رجلا فيقتله ويستولي على ماله ويترك أبناءه جياعا ينقبون في المزابل عن الطعام، فلا يجدون إلا الميتة؟!! .. يا حسرتا على العباد!!.. وإذن ما جدوى العلم والفقه وما جدوى كل شيء؟!

    وما الإسلام إن كان على وجه الأرض من يلتمس القوت في المزابل، وفي الأمة مع ذلك مسلمون يملكون آلاف الآلاف؟! .. وفيها فوق ذلك علماء يمجدون الفقر ويدعون إليه باسم الزهد؟! .. أي زهد هذا!؟ بل إنه لإعانة للظالم على ظلمه..!. ثم ما الانشغال الكامل بالمجردات، والقضاء، والقدر، وخلق القرآن، والجبر، والاختيار؟! ما الاهتمام بهذه الأمور والحوار المصطخب حولها، والعدل معطل!!؟. إن المفكرين ليخبطون في العشوات، ويتركون الحكام يقتلون المظلومين ويصادرون أموالهم!. كم في الأمة من رجال ونساء يسقطون في الأوحال بدلا من أكل الميتة أو البحث عن القوت وسط المزابل؟!!. وكم من العلماء فكر في هؤلاء الجياع والمظلومين!! .. أعلماء وفقهاء هم، أم هم أوتاد وخشب مسندة يرتكن إليها الباغون!!

    إن كل ما في أيدي الخلفاء والأمراء والأغنياء حرام عليهم، مادام في الأمة جياع! وستكوى ظهورهم وجنوبهم في نار جهنم بما يكنزون من ذهب وفضة، كما أنذرهم الله تعالى في كتابه الكريم!! .. والعلماء والفقهاء الذين يزينون لهم سيرتهم على أي نحو من الأنحاء، وحتى الذين يسكتون على هذا المنكر، إنما هم جميعا شياطين خرس، سيعاقبهم الله تعالى عقاب الشياطين يوم يقول الحساب!!

    إن من هؤلاء الفقهاء والعلماء من يضلل الناس عن الحقيقة جهلا منه أو غفلة أو رياء للحكام. إنهم ليحببون الفقر لعامة المسلمين، وإنهم ليعظون عامة المسلمين ألا يفكروا في غير ذكر الله، عسى أن تطمئن قلوبهم .. ولكن ما جدوى ذكر الله إذا لم يعمل بهذا الذكر، إذا كنت تأكل الحرام؟! .. إن من أكلي الحرام من يستطيع أن يذكر الله أضعاف أضعاف غيره من المشغولين بالسعي في طلب الرزق!! .. ولكن ذكر الله ليس ما يتحرك به لسانك، وإنما هو عمل الصالحات! ..
    ولقد طاف رجل على فقهاء بغداد يسألهم واحدا بعد الآخر: "بم تلين القلوب؟" قالوا: {أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ} (الرعد،الآية:28).. ثم لقي أحمد بن حنبل فسأله فقال أحمد: "بأكل الحلال". فعاد الرجل يطوف بهم جميعا ويذكر لهم جواب أحمد .. وكأنه نبههم من غفلة، وفتح عيونهم على الحقيقة فقالوا: "جاءك بالجوهر. الأصل كما قال". ألف الناس أن يسألوا أحمد بن حنبل كلما لقوه، فيجيبهم بعد التروي، وكثيرا ما كان يقول: "لا أدري" ..

    وأغراه بعض المعجبين به أن يتخذ له حلقة في الجامع، ويجلس ليعلم الناس ويفتيهم، فيصير إماما .. ولكنه تحرج .. فقد كان يرى أنه يجب ألا يجلس للفتوى والتدريس حتى يبلغ الأربعين .. أي في سن النبوة! .. ثم إنه لا يستطيع أن يفتي وبعض أشياخه حي، فالشافعي أستاذه ما يزال حيا بمصر! .. وأمر آخر: إنه يريد قبل أن يجلس للفتوى والتدريس، أن يفرغ من تنسيق الأحاديث إلى جمعها في رحلاته العديدة المضنية، يريد أن يسند الأحاديث إلى رواتها من الصحابة ويخص لكل واحد منهم مسندا .. وعمل كبير كهذا يقتضيه الاعتزال في بيته..

    وبدأ يعتكف ليجمع مسنده، ويمحص ما فيه من الأحاديث، وعاتبه بعض الذين ألفوا لقاءه، فطلب منهم أن يتركوه ليعمل ما هو أجدى من غشيان مجالس ليس فيها غير أحاديث يثرثر بها قوم ألفوا السكوت على الباطل وظلم العباد .. كان قد بدأ يدون (المسند) منذ بدء عنايته بالحديث، وقد تعين عليه الآن أن يجمع شتات ما كتب، وأن يسطر على الورق كل ما حفظ، وأن ينظر في هذه الأحاديث مع إمعان النظر في نصوص القرآن، ليحسن استنباط الأحكام. وجمع (المسند) في كتب متفرقة، وظل يعمل فيه إلى آخر أيام حياته، لينسقه ابنه ويصنفه من بعده.

    وكان أحمد يكتب في مسنده كل ما يحفظه من أحاديث .. وقد قال هو فيما بعد لابنه عبد الله الذي روى فقهه وبوب مسنده، بعد أن سأله عبد الله عن حديث جاء في المسند، رويت بخلافه أحاديث أخرى قال أحمد لابنه: قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث.

    لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. وقد لاحظ ابن الجوزي أن بعض فقهاء الحنابلة فيما بعد قد اعتبروا كل ما جاء في المسند من أحاديث صحاحا على الرغم من تنبيه أحمد بن حنبل نفسه. حزن ابن الجوزي لهذا، وكتب: "قد غمني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم صاروا كالعامة، وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا: قد روى. والبكاء يجب أن يكون على خساسة الهمم ولا حول ولا قوة إلا بالله".

    أصبح أحمد بن حنبل وما في بغداد أحفظ منه للحديث، ولا أعمق منه بصرا بآثار الصحابة وفتاواهم، فضلا عن فقهه بعلوم القرآن. وشهد شيوخ بغداد بفضله وعلمه وتقواه، وجدارته بالتدريس والإفتاء. وهاهو ذا يبلغ الأربعين، وقد مات الإمام الشافعي، ووجب على أحمد أن يتخذ له حلقة للتدريس والإفتاء بالمسجد الجامع ببغداد. وحدد موعدا لحلقته بعد صلاة العصر كما فعل الإمام أبو حنيفة منذ أكثر من خمسين عاما .. استقر لأحمد بن حنبل الآن منهج في استنباط الأحكام، خالف فيه أبا حنيفة ومالك بن أنس. وتابع فيه أستاذه الشافعي. وإذن فقد أصبح أحمد بن حنبل إماما ..
    وشرع الإمام أحمد يفسر القرآن، ويروي الأحاديث ويفسرها، ويشرح للناس مذهبه في استنباط الأحكام، ويفتي فيما يطرح عليه من مسائل. وفي هذه الحلقات علم الناس أن من روى حديثا صحيحا ولم يعمل به .. فقد نافق! وفي هذه الحلقات تفجر فقهه أصولا وفروعا .. وأجاب على آلاف المسائل .. وازداد شهرة، وتزاحم الناس على حلقاته، وتركوا حلقات الفقهاء الآخرين، حيث وجده الناس غزير العلم، حسن الرأي، حلو الحديث، رفيع الذوق، كثير الحلم، جميل المعشر .. ووجدوه حفيا بالفقراء من طلاب العلم، بسواد الناس يقربهم ويهش لهم .. وقد جر عليه هذا كثيرا من العناء! فقد نفس عليه بعض فقهاء بغداد، وتبدل في قلوبهم إعجابهم به، ورضاهم عنه، لتشتعل الغيرة منه.
    ثم إن طلاب العلم تابعوه إلى بيته، ولم يتركوا له وقتا للراحة أو العمل .. وعاتبه أحد أصدقائه لأنه لم يعد يلقاه كما ألف من قبل فقال له: "إن لي أحباء هم أقرب إلى ممن ألقاهم في كل يوم، لا ألقاهم مرة في العام.

    أسرف عليه طلاب العلم ومحبوه، فأزعجوه، وما كان له حجاب ينظمون مواعيد الناس، كما كان للإمام مالك والإمام الليث من قبل، وما كان يستطيع أن يمتنع عن لقاء زواره إذا كان يعمل أو يستريح في بيته كما تعود مالك والشافعي .. وأثقل عليه أصحاب المسائل، وطلاب مودته، فخشي أن يفتن نفسه، أو يدهمه الغرور والكبر والزهو أو المراءاة وشكا همه إلى الله تعالى، وتمنى عليه لو أهمل ذكره، أو ألقى به في شعب من شعاب مكة حيث لا يعرفه أحد..!
    ما كان الناس يتركونه ليستريح، والحياء بعد يمنعه من صدهم. ولاحظ أن في حلقاته من يكتب إجاباته وفقهه، فنهاه فما كان يحب كتابة الفقه .. وسأله سائل: "لم تنهي عن كتابة الفقه وابن المبارك الذي نعرف موقعه منك كتب فقه أهل الرأي في العراق؟" فأجاب: "ابن المبارك لم ينزل من السماء. وقد أمرنا أن نأخذ العلم من فوق." "أي من القرآن والسنة."
    ذلك أن الإمام أحمد كان يخشى إذا دون الفقه أن تتجمد الأحكام، ويشيع التقليد فيما يأتي من العصور، والفقه ينبغي أن يتجدد بالضرورة وفق مقتضيات الزمان، يضبط هذا كله ما جاءت به نصوص القرآن والسنة وآثار الصحابة، فهي وحدها الجديرة بالتدوين، بوصفها المعيار الموضوعي الثابت، ووعاء الأحكام الشرعية جميعا، إما بظاهر نصوصها، أو بدلالاتها الواضحة أو الخفية، وإما بالقياس على ما في النصوص من أحكام إذا تشابهت العلل والحكم. وتعود الإمام أحمد في حلقة درسه بعد كل صلاة عصر، أن يفتي الناس وطلاب العلم عما يسألون، وأن يشغل نفسه وأهل الحلقة بما اشتغل به السلف: القرآن وتفسيره.

    وكان يعلمهم أن آيات القرآن يفسر بعضها بعضا، أو تفسيرها الأحاديث الشريفة، وآثار الصحابة الذين تلقوا علمهم من الرسول صلى الله عليه وسلم .. فموضوع الدرس إذن هو القرآن والسنة وآثار الصحابة. ثم إنه ليأخذ أهل الحلقة بإتقان اللغة العربية وآدابها وعلومها، ليسهل عليهم فهم القرآن والأحاديث ..

    أما سائر المعارف التي انتشرت في عصر الإمام أحمد، فما كان ليسمح بطرحها في الحلقة .. وبصفة خاصة الكلام في العقيدة .. وكان المعتزلة قد أحدثوا حركة فكرية عنيفة، وتصدوا للرد على الزنادقة والملحدين بما عرفوا من علوم المنطق والفلسفة، ثم أخذوا منذ حين يطرحون هم وغيرهم من صفاته، ووضع القرآن: أمخلوق هو أم قديم". ولقد تصاول المفكرون والفقهاء من قبل حول عدد من هذه القضايا مثل الجبر والاختيار، فمنهم من ذهب إلى أن الإنسان حر في حدود علم الله وتقديره.

    ومنهم من قال بالجبر، فالإنسان في كل أفعاله مجبر فهو مسير لا اختيار له. ومنهم من أنكر هذا كله، وقال بأن الإنسان حر الاختيار، وأن حريته هي مناط التكليف وأساس الحساب، فإذا لم يكن الإنسان حرا فعلام يحاسب، وفيما الثواب والعقاب؟! .. إنه لعبث إذن وهو ما يتنزه الله تعالى عنه .. ومنهم من قال إن صفات الله جزء من ذاته العلية. ومنهم من قال أن ما هو حسي من هذه الأوصاف والصفات يجب أن يؤول عن ظاهرة معناه وأطالوا الحوار في أسماء الله تعالى أهي الذات أم صفات غير الذات العلية، وفي كيفية رؤيته يوم القيامة. والعلم الذي يتناول هذه الأمور جميعا يسمى بعلم الكلام .. وكان علماؤه أشداء في الجدال، متمرسين بأساليب الحوار ..

    إلا أن الإمام أحمد بن حنبل رفض الحوار، أو التفكير في علم الكلام كله، وحث الناس على ألا يتناولوا من أمور الدين إلا ما جرت عليه السنة وأثار الصحابة .. قال: "لا أرى الكلام إلا ما كان في كتاب أو سنة أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أما غير هذا فإن الكلام فيه غير محمود". رفض أن يطرح في حلقته أمر من العقائد، على الرغم من أن الحياة الفكرية خارج حلقته كانت تضطرب بهذه الأفكار التي تصطرع حولهما عقول المفكرين والعلماء والفقهاء. وهو صراع طرح نفسه على مجالس الخلفاء، فشجعوه وأقاموا له ندوات الحوار ..

    ولقد تلقى الإمام أحمد كتابا من أحد أصحابه يسأله عن مناظرة علماء الكلام، فرد عليه الإمام أحمد: "الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ". والحق أن الإمام أحمد بن حنبل كان شديد التمسك بسيرة السلف وآثار الصحابة فيما يمس العبادات والعقائد.

    أما أحكام المعاملات فقد تطور بها، وتوسع فيها، ووضع لها من القواعد ما يفتح أبواب الاجتهاد للفقهاء في كل عصر كلما دعت الحاجة. فالرجوع إلى الحق فضيلة وهو خير من التمادي في الباطل. من ذلك أنه أباح كتابة بعض فقهه لمصلحة رآها. وكان يغير آراءه ومواقفه، كلما تبين له وجه أصوب في الأمر..

    ومن ذلك أنه غير موقفه من علم الكلام .. إذ تبين له أن لا مصلحة في السكوت عن علم الكلام .. وما كان العصر ليترك مثل الإمام أحمد في صمته عما يثيره المتكلمون، فوجد أن مصلحة الشريعة تقتضيه أن يقول آراءه فيما يشغل الحياة الفكرية والفقهية من حوله، فهذا أجدى على الدين من الصمت، والنهي عن الحوار أو التفكير!.

    فأعلن آراءه في قضايا الإيمان، والقدر، وأفعال الإنسان، وصفات الله .. ولكنه دعا عددا قليلا من خاصة العلماء والفقهاء وصفوة الصحاب ليذيع فيهم هذه الآراء .. ذلك أن حلقته في الجامع كانت قد أصبحت تضم آلافا من طلاب العلم ومحبي آرائه .. وإنه ليخشى أن يتسع الحوار حول العقائد بين هذه الأعداد العديدة من الناس، فيزيغ بصر، أو يضل عقل، أو تزل قدم بعد ثبوتها، أو يستقر خطأ ما في قلب من لم يؤهله علمه بعد لبحث أمور العقائد!

    قال الإمام أحمد في الحلقة التي يعقدها في داره "إن الإيمان قول وعمل، وهو يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان. ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو برد فريضة من الفرائض جاحدا لها. فإن تركها تهاونا بها وكسلا كان في مشيئة الله. إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه". أما رأي الإمام أحمد في مرتكب الكبيرة فهو ليس كافرا، ولا هو في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان، وليس معفوا عنه، وإنما عليه أن يتوب، وأمره إلى الله .. فمن زعم أنه كافر "فقد زعم أن آدم كافر، وأن أخوة يوسف حين كذبو أباهم كفار." .. وقال: لا يكفر أحد من أهل التوحيد وإن عمل بالكبائر.

    وما كان للإمام أحمد ليجهر بهذه الآراء في حلقته العامة، فيسيء فهمها أحد ويجسر الناس على اقتراف الكبائر .. بل خص بآرائه أهل العلم في حلقته الخاصة في داره، حيث الجو الصالح للتفكير والحوار في أمور حرجة كتلك .. وأما عن القضاء والقدر فقد قال: "أجمع سبعون رجلا من التابعين وأئمة المسلمين وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضاء بقضاء الله، والتسليم لأمره، والصبر تحت حكمه، والأخذ بما أمر الله به، والبعد عما نهى عنه، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين". وقال: "الناظر في القدر كالناظر في شعاع الشمس كلما ازداد نظرا ازداد حيرة".

    أما عن صفات الله وأسمائه مما جاء في القرآن أو السنة، فيرى الإمام أحمد روايتها واتباعها كما جاءت، فلا نقحم عليها ما لا يصلح لضبطها وهو العقل .. فهي أمور اعتقادية ينبغي على المؤمن أن يسلم بها كما هي .. وكذلك رؤية الله تعالى يوم القيامة، يجب فيها أن نؤمن بما جاء في الأحاديث الشريفة، وقد رأى الرسول ربه، ويجب أن نفهم الأحاديث بظاهرها. على أن أحمد يرى في انشغال الفكر بهذه الأمور ترفا يصلح أن يتلهى به الخلفاء والأغنياء في قصورهم!. هو ترف يصلح للذين لا يعنيهم العدل، وقد تؤذيهم إقامته. والانشغال بهذا الجدل هو بعد إقصاء للفكر عن شئون الحياة ومجافاة لمقاصد الشريعة التي تتوخى مصالح العباد .. فالفقيه الحق الفاضل يجب أن يشغل من أمور الدين بما يقيم المجتمع الفاضل الذي أراده الشارع الحكيم أي بما يحقق مصالح الناس.

    وإذن فينبغي ألا يشغل الفقيه التقي إلا بما يفيد الناس في حياة كل يوم .. إلا بما تحته نفع كما قال الإمام مالك بن أنس من قبل، وكما صنع الأئمة العظام أبو حنيفة والليث بن سعد وابن المبارك والشافعي. أما ما يعنيه الخلفاء والأمراء والأغنياء من شغل العلماء والفقهاء والمفكرين بغير واقع حياة الناس وصرفهم إلى التصارع العقلي في المتاهات فهذا كله لا جدوى منه، وهو استدراج لهم لينشغلوا عن مصالح الأمة، وعن استنباط الأحكام والضوابط التي تكفل هذه المصالح، ليخلص للخلفاء والأمراء إلى ما هم فيه من ترف وظلم واستبداد؟! وليظل في الرعية من يبحث عن الطعام وسط المزابل، والرعاة متخمنون!!

    هكذا كان الإمام أحمد ينظر إلى اشتجار الخلاف من حوله في أمور العقائد، وإلى انشغال الفكر بها، وحرص الخلفاء والأمراء على تشجيع الانصراف إليها .. لكأن ولاة الأمور لا يريدون للفقه أن يعني بأحوال الرعية، وأن يقيم العدل، وأن يضع الميزان .. إن هؤلاء الحاكمين ليشجعون الزهاد على تمجيد الفقر، والانصراف عن هموم الحياة، وكأن الإسلام دعوة إلى الفقر! .. ثم إنهم في الوقت نفسه يحضون أهل الفقه والعلم والفكر على الانصراف عن الواقع إلى ما وراء الواقع .. عن الحياة إلى ما قبل الحياة وما بعد الحياة .. فمن بعد ذلك يحاسب الحكام على ما لم يفعلوه للرعية، وعلى ما يقترفون!!؟ ومن ذا الذي يدافع عن المعدل والحق ومصالح الناس؟!!

    ما كان للفقهاء الأبرار الذين وقفوا جهودهم على خدمة الشريعة أن يقعوا في الفخاخ!! وهكذا جعل الإمام أحمد كل همه إلى ما يفيد الناس. وفي الحق أن الإمام أحمد بن حنبل لم يهاجم ظلم الحاكم علنا، كما فعل من قبله أبو حنيفة الذي حرض صراحة على الثورة، ولكن آراء الإمام أحمد عن العدل وعن الأسوة الحسنة، وعن حقوق ذوي الحاجة، ثم فتاواه .. كل أولئك قد أوغر ضده الصدور.

    وكان استنباطه للأحكام والفتاوى يعتمد على نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة وآثارهم، ثم القياس. قال أحمد عن القياس: "سألت الشافعي عن القياس فقال يصار إليه عند الضرورة". وهذا هو ما فعله أحمد، فهو لا يلجأ إلى القياس إلا إذا لم يجد حكما في نص القرآن أو السنة أو أقوال السلف، والسلف عنده هم الصحابة والتابعون. فإذا اختلفت أقوال الصحابة اختار أقربها إلى نصوص القرآن والسنة. وإذا اختلفت أقوال التابعين اختار منها ما هو أقرب إلى القرآن والسنة أو ما وافق الصحابة مجتمعين أو أقرب أقوالهم إلى النصوص.

    وهو على خلاف من سبقوه، يقدم الحديث الضعيف على القياس .. مادام الحديث قد صح عنده وتأكد أنه غير موضوع .. أما الإجماع فهو يرى أنه لم ينعقد بعد الصحابة .. وقال في ذلك: "ما يدعي الرجل فيه الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا .. ما يدريه؟ فليقل لا نعلم مخالفا". وقال: "قد كذب من أدعى الإجماع". أما الصحابة فهم معروفون بأسمائهم، والعلم بإجماعهم وخلافهم ميسور. والإمام أحمد يلحق إجماع الصحابة بالسنة، لأنهم لا يجمعون إلا على ما علموه علم اليقين عن الرسول صلى الله عليه وسلم إما رواية عنه أو اجتهادا منهم أقرهم عليه..

    فالإمام أحمد لا ينكر الإجماع بعد الصحابة ولكنه لا يتصور حدوثه .. ولهذا اعتمد على القياس بعد النصوص وآثار الصحابة .. على أنه إذ يعتمد القياس أصلا من أصول فقهه، إنما يفعل ذلك اتباعا للسنة والسلف الصالح .. ويقول: "القياس لا يستغني عنه والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ به، وأخذ به الصحابة من بعده".

    ويتسع القياس عند الإمام أحمد أكثر مما يتسع عند غيره من الأئمة، فالقياس عند الإمام أبي حنيفة شيخ فقهاء الرأي وشيخ القياسيين هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لاتحاد العلة أو تشابهها، وعلى هذا سار الفقهاء الآخرون حتى الشافعي. أما الإمام أحمد فلم يقتصر في القياس على علة الحكم وحدها، بل التفت إلى الحكمة.

    وعلة الحكم هي سببه، أما الحكمة فهي هدفه .. وهي المصلحة التي يريد تحقيقها والمضرة التي يريد تجنبها فعلة الحكم بإفطار المسافر هي السفر، أما الحكم فهو حفظ النفس ودفع المشقة .. وأخذ بالحكمة يباح إفطار من كان في عمله مشقة بحيث إذا صام لم يتمكن من العمل .. وعلى هذا النحو من التوسع في القياس الأخذ بالقياس الظاهر والخفي، وبمراعاة الحكمة إلى جوار العلة، أدخل الإمام أحمد في أقيسته الأخذ بالمصالح، وهي التي لم يقم دليل على تحريمها أو إباحتها.
    والإمام أحمد يأخذ بها قياسا على روح الشريعة المستوحاة من نصوص الكتاب والسنة، وإن لم يكن قياسا على نص خاص. ثم إنه أخذ بالاستحسان وهو الحكم في مسألة بغير ما حكم به في نظيرها، ورعاية للمصلحة على خلاف أستاذه الشافعي الذي قال: "الاستحسان تلذذ". وأخذ الإمام أحمد بالاستصحاب وهو مصاحبة الواقع، فما ثبت في الماضي ثابت في الحاضر.

    كما أخذ بالذرائع وهي الطرق والوسائل المؤدية إلى الفعل وتوسع فيها كما لم يتوسع إمام من قبله. فهو يرى أن الطرق لتحقيق المقاصد تابعة لها، فوسائل المحرمات محرمة ووسائل المباحات مباحة كما قال ابن القيم أحد شراحه. والأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة التي هي أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ .. ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها، علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها" ..

    من أجل ذلك اهتم الإمام أحمد بالباعث على الفعل، وبنتيجة الفعل .. فمن أراد أن يقتل رجلا بسهم ولكنه أخطأه وأصاب حيه كانت تريد أن تلدغ خصمه فهو آثم عند الله. لأن الباعث على فعله كان شرا وهو نية القتل .. ومن سب آلهة الوثنيين، وكانت نتيجة فعله أن سبوهم الله ورسوله. فهو آثم، لأن سبهم الله ورسوله نتيجة لسبه آلهة الوثنيين.
    ومهما يكن اعتبار الإمام أحمد للذرائع والاستحسان والاستصحاب والمصالح: أأصول مستقلة هي، أم تدخل في باب القياس، فإن اعتماد أحمد على هذه الضوابط قد وسع فقه، وجعله خصبا، غنيا، متحررا، متجددا أبدا، قادرا على مواجهة كل ما تطرحه الحياة على عقول المجتهدين والقضاة، حرصا على مصالح العباد. ويبدو هذا في فروع الإمام أحمد وإجاباته على كثير من المسائل .. وفي كل ما عرف عنه من فتاوى وأحكام..
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الكوماندا
    عضو مميز
    عضو مميز
    الكوماندا



    العمر : 31
    ذكر
    الوسام وسام ذهبي

    الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى   الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس أبريل 14, 2011 10:21 am

    بارك الله فيك
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    ابن الرفاعى
    المشرف العام
    المشرف العام
    ابن الرفاعى



    العمر : 44
    ذكر
    الوسام وسام التميز

    الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى   الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى Emptyالخميس سبتمبر 15, 2011 9:51 am


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    واكثر من رائع
    بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
    دمت بحفظ الله ورعايته

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    الامام احمد بن حنبل الجزء الثانى
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الامام احمد بن حنبل الجزء الثالث
    » الامام احمد بن حنبل الجزء الرابع
    » الامام ابن حزم --الجزء الاول

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الطريقة النقشبندية العلية  :: السيرة والتراجم والتاريخ :: سيرة ومناقب الاولياء والصالحين-
    انتقل الى:  
    جميع الحقوق محفوظة
    الساعة الان بتوقيت مصر
     ® 
    جميع الحقوق محفوظة لمنتدى الطريقة النقشبندية العلية
    حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010
    موقع الطريقة النقشبندية العلية
    المشاركات المنشورة بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط ولا يتحمّل الموقع أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في منتدي الطريقة النقشبندية العلية  ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    ادارى المنتدى : محمد عبده النقشبندى
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit    

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات

    قم بحفض و مشاطرة الرابط الطريقة النقشبندية العلية على موقع حفض الصفحات