بسم الله والحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد:
فكلمة الضمير جارية على لسان المسلم و الكافر، و البر والفاجر، و الرجل و المرأة ، نرى صادقاً أو أميناً فنصفه بأنه إنسان ذو ضمير , ونسمع بمن يغش أو يسيئ معاملة الناس , فنقول : عديم الضمير , وأحياناً نناشد الضمير العالمي، أو يستصرخ البعض أصحاب الضمائر الحية , وقد نمر بالأزمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية فيعبر فريق عنها بقوله: الأزمة أزمة ضمير , وكأنه متى وجد الضمير فقد وجدت الخيرات و البركات , ومتى غاب الضمير كان الخراب و الدمار !! وبقى السؤال ما المقصود بالضمير ؟! وهل هذه الكلمة المتداولة يقصد بها الفطرة السوية , و المراقبة و التقوى و اليقين وغير ذلك من معاني الإيمان ؟! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نستخدم المصطلحات الشرعية الواردة في الكتاب و السنة , والتي تكلم بها سلف الأمة ؟! ونعدل عنها إلى كلمات تحتمل الحق و الباطل أو إلى مصطلحات مستوردة فيها من الميوعة و اللبس ما يشوش على عقول أبناء الأمة ؟! ويضيع به مفهوم الولاء والبراء ,ونحسن به القبيح , ونقبح به الحسن ؟! لقد نهى المسلمون عن النطق بكلمة راعنا وقيل لهم : (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ) وكان اليهود ينطقون بهذه الكلمة , ويقصدون بها التنقص من شخص رسول الله صلى الله عليه و سلم , وعلى الرغم من أن المسلم إذا نطق بهذه الكلمة فلا يمكن أن يقصد ذلك , ولكن حتى لا يتشبه بيهود . وما من كلمة مستوردة أو مصطلح وافد إلا وله مفهوم ومدلول عند أهله، ككلمة الاشتراكية و الديمقراطية .... فالترويج لهذه الكلمات , ترويج لمعناها عند أهلها , وقد يتصادم هذا المعنى مع ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم , ومن ذلك كلمة الإنسانية التي روج لها اليهود , وأصبح العميان يرددونها دون وعي , فنفذ بها اليهود خلال المجتمعات , وبدلاً من أن يصبح الحب في الله و البغض في الله , صار العمل لأجل الإنسانية و الحب و البغض في سبيلها , بل من عجيب الأمر ومن مظاهر الغربة , إساءة استخدام المصطلحات الشرعية ككلمة أهل الإيمان ، و يقصدون بها اليهود و النصارى و المسلمين !!! وكذلك كلمة المتدينين , وكلمة الأديان السماوية , ومن المعلوم أن دين الحق واحد لا يتعدد ) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ( " آل عمران : 19 " ,) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( " آل عمران : 85 " , وبالتالى فنسبة الأديان إلى السماء خطأ , نعم تعددت الشرائع , وشريعة الإسلام حاكمة و مهيمنة على سائر الشرائع , وفى الحديث الذى رواه مسلم: " والذى نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " فماذا بعد الحق إلا الضلال , ولذلك وجب الحذر من الملاحدة و الزنادقة و الجهال الذين يلبسون الحق بالباطل , ويشوهون الحقائق , وقد ورد فى حديث حذيفة - رضي الله عنه - عن رفع الأمانة من القلوب وفيه :" .... فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة , فيقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً , ويقال للرجل : ما أعقله ، وما أظرفه ، وما أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ". رواه البخاري , أي أن الموازين الشرعية الإيمانية تتغير , وتصبح المقاييس هي العقل و الظرف و الجَلَد , ولذلك يحق لنا أن نتعجب من استخدام كلمة الضمير وما شابهها على هذا النحو الواسع المطرد , بل و نتخوف من أن تصبح البديل عن كلمة الإسلام الواضحة , أو يروج بها للأفكار الفاسدة وننبهر بسببها بالملاحدة و الزنادقة , نحن لا ننكر أن الحق مقبول من كل من جاء به , وأن الباطل مردود على صاحبه كائناً من كان , وأن الحق ما وافق الكتاب و السنة , والباطل ما خالف هذا المنهج القويم ، و التعاون لإقامة العدل ورد الحق لنصابه , وتفريج الكربات و قضاء الحاجات , كل ذلك مطلوب و مشروع , بل شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلفاً في الجاهلية , في دار عبد الله بن جدعان , وكان لنصرة المظلوم قرشياً كان أو غير قرشي، وقال صلى الله عليه و سلم :" لو دعيت به في الإسلام لأجبت ". وعلى العبد أن يتقي ربه و يراقبه في غضبه ورضاه , وفي سره و علانيته , وفى معاملته للمسلمين و الكفار , وأن يحذر الظلم على نفسه حتى في علاقاته بأعداء الإسلام و المسلمين , وهذه المعاني نطقت بها نصوص الكتاب و السنة , فهل إذا تكلم الكافر أو الفاجر بكلمة الضمير سيقصد هذه المعاني المذكورة ؟! إن كل إناء بما فيه ينضح , فالإسلام ينضح طهارة و عفافاً و خيراً , والكفر ينضح نجاسة و خبثاً ودماراً , ولذلك قال سبحانه :) إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ( " التوبة : 28 بينما تنادى الملائكة على المؤمنين على أبواب الجنة و تقول :) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ( " الزمر : 73 ".
لابد من جهاد كبير لإحلال المفاهيم الشرعية محلها اللائق بها , حتى تصير واقعاً فى حياتنا و حياة الناس , وحتى يصطلح كل فريق على حقه . إن الإسلام دعوة عالمية: ) تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( " الفرقان : 1 " والواجب علينا أن ننصبغ بصبغة الإيمان: ) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( " الأنعام : 162 " والإسلام شامل لكل ناحية من نواحى الحياة ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ( " المائدة : 3 " .
إن العقول تفسد و الفطر تنتكس بإعراضها عن منهج الله , وقد يصبح الحق باطلاً و الباطل حقاً , والمنكر معروفاً و المعروف منكراً , إذا امتلأت القلوب من معاصي الله , ونصير كالمستجير من الرمضاء بالنار إذا أحسنا الظن بأعداء الله , فضمائر أغلبهم ميتة كقلوبهم , والضمير العالمي الذي نناشده ما هو إلا وهم و سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه , والله سريع الحساب , خذ وصفهم من خالقهم ولا ينبئك مثل خبير، قال تعالى: ) وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء ( " النساء : 89 " وقال :) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ( " هود : 113 " وقال: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ( " آل عمران : 118 " وقال :) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ( " البقرة : 217 " من أجل ذلك كان الواجب أن تتعلق قلوبنا بالله في جلب النفع و دفع الضر , وأن نسعى في تربية النفس و الدنيا من حولنا على معاني الإيمان و المراقبة لله تعالى حتى تحيا القلوب و الأرواح بنور العلم النافع و العمل الصالح , فتكون الخشية في السر و العلن ، و الغضب و الرضا قال عبد الله بن دينار : خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مكة , فانحدر علينا راع من الجبل , فقال له : يا راعي , بعنا شاة من هذه الغنم ؟ فقال : إني مملوك , فقال : قل لسيدك : أكلها الذئب ؟ قال : فأين الله ؟ قال : فبكى عمر , ثم غدا إلى المملوك واشتراه من مولاه , وأعتقه , وقال : أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة " . وقال أبو حفص : إذا جلست للناس فكن واعظاً لنفسك وقلبك , ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك , وسئل ذو النون : بم ينال العبد الجنة ؟ فقال : بخمس : استقامة ليس فيها روغان , واجتهاد ليس معه سهو , ومراقبة لله تعالى في السر و العلانية , وانتظار الموت بالتأهب له , ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب " .
إن المعاني الطيبة التي تنطوي عليها كلمة الضمائر , لا تخرج عما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وما سوى ذلك لا يلزمنا , وكلنا يقين أن النبي صلى الله عليه و سلم قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة و نصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , فما ترك خيراً يقرب الأمة من ربها إلا ودلها عليه ، وما ترك شراً يباعد الأمة عن الله عز و جل إلا وحذرها منه و نهاها عنه وأمرها باجتنابه , فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته. نحن بحاجة لإقامة الدنيا على أساس من دين الله , وأن نعود لمثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم , وصحابته الكرام , فقد كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً
وكل خير فى اتباع من سلف وكل شر فى ابتداع من خلف
وما لم يكن يومئذ ديناً فليس باليوم ديناً , ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يذل فيه أهل معصيتك و يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.