[size=25]الكاتب: هانى على الرضا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
هذه
كلمات ليس فيها جديد يضاف على المسألة المقتولة بحثا ، ولكنها محاولة
لتقريب الفهم وتيسير العبارة ، وإعادة الشرح لعقيدة أهل السنة والجماعة في
هذا الشأن ، وهي في أغلبه نقول أو تقييدات لبعض ما سمعته من مشايخي من
فوائد وإشارات وإحالات .

إني
أعتقد أن منشأ الكثير من الخلاف والاحتراب حول هذه العبارة ، هو عدم فهم
لعبارات علماء أهل السنة ومنطلقاتهن في تنزيه الله سبحانه ، فهذه الكلمات
هنا هي فقط محاولة لإعادة تقديم عقيدة أهل السنة فيهذه المسألة ، في عبارات
أرجو أن تكون سهلة بينة للجميع تناسب العصر، ويفهمها غيرالمتخصص، وهي
موجهة أصلا لعامة الناس ممن أكلتهم فتنة التجسيم في هذا الزمان ،والقصد
أولا وأخيرا لم شمل المسلمين والنصح في الدين ، وليس مقصدي الجدل
والمراءوالله على ما أقول شهيد .


مدخل وتأسيس
إن المعنى الحرفي لـ ( الله في السماء ) يعني أن الله في الحقيقة موجود في أحد مخلوقاته لأن السماء مخلوقة.
ولايجوز
أبدا في الإسلام اعتقاد أن الله يكمن، أو يقيم، أو يحل في شيء من مخلوقاته
. يعتقد النصارى أن الله حل في عيسى عليه السلام، أو كما يعتقد الهندوس
والبوذيين، أن الآلهة تتجسد وتتقمص أجساد أشخاص بعينهم ،ومن اعتقد أن الله (
في السماء ) حقيقة فقد ماثل قولُه قولَ النصارى والهندوس بلا شك.

الله عند المسلمين الموحدين له حق توحيده واحد أحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
يجب علينا كمسلمين أن نعتقد أن الله هو (الغني) الذي لا يحتاج إلى ما سواه من خلقه وكل ما سواه من خلقه محتاج له قائم بمنه وكرمه.
يقول الله بأوضح بيان في سورة العنكبوت
((إن الله لغني عن العالمين))
ويذكر الله صفة ( الغِنَى ) هذه عن نفسه في حوالي سبعة عشر موضعا من القرآن.
إن ( غِنَى ) الله هو نقطة رئيسة في العقيدة الإسلامية ومحور مهم يقوم عليه كل إيمان المسلمين .
إنه
بسبب هذا ( الغِنَى ) لا يمكن أبدا عند المسلمين أن يكون الله هو عيسى عليه
السلام، أو يكون أي شخص، أو شيء آخر ذا جسد وبدن، أو شكل وكيف :

لأن
الأبدان والأجساد والأجسام والأشكال وذوات الكيف، كلها تحتاج إلى الحيز (
المكان)الذي تحتله، ولا يمكن أن تتواجد بدونه ،والزمان الذي تتحرك وتحيا
فيه وخلاله، ولا يعقل وجودها دونه .

فالحيز والبعد الزمني كلاهما لازمين ذاتيين لوجودنا ولوجود أي جسم.
إذاً،
كل ذا جسد أو جسم أو بدن أو كيف لا يمكن أن يتواجد دون توفر هذين البعدين
الذين هما في نفسيهما مخلوقان من خلق الله ،فإذاً كل ذا جسم وكيف ( هيئة )
يفتقر وجوده لوجود الزمان والمكان.

أما
الله (الغَنِيُّ ) عند المسلمين، فلا يجوز أن يفتقر أو يحتاج إلى ما سواه،
وهو الذي وَصَفَ نفسه بالغِنَى المطلق في الكتاب الكريم

الله
تعالى يقوم بذاته ولا يحتاج لما سواه وكل ما سواه محتاج له، لهذا السبب
عينِه يستحيل أن يكون لله تعالى جسم أو كيف أو مكان أو زمان.

هذه
هي " عقيدة القرآن " ، وهي العقيدة التي صرح بها القرآن الكريم في أكثر من
موضع ، وهي العقيدة التي أبقاها السادة العلماء من السلف والخلف في ذهنهم
خلال قراءتهم وفهمهم لآيات قرآنية أخرى أو أحاديث نبوية، فلم يفهموا تلك
الآيات والأحاديث بعيدا عن هذه العقيدة القرآنية المحورية بل فهموا كل تلك
الآيات والأحاديث في ضوء هذه العقيدة المهمة التي تفرق المسلمين الموحدين
عن غيرهم من عبدة الأوثان والكفرة المجسِّمين من يهود ونصارى .

يرفع
المسلمون أيديهم إلى السماء عند دعاء الله لأن السماء هي(قبلة)الدعاء وليس
لأن الله – سبحانه – يحتل تلك الجهة المعينة تماماً،مثلما أن الكعبة هي
قبلة الصلاة التي يتوجه إليها المسلمون في صلاتهم

ولا
أحدَ من المسلمين البتة، يعتقد أن الله في جهة الكعبة أو داخلها، بل كما إن
الله خلال حكمته قد جعل القبلة علامةً، وآيةً،ورمزَ وحدة للمسلمين بكافة
طوائفهم وفرقهم ، فهو سبحانه قد جعل السماء علامةً، وآيةً،ورمزاً، وإشارةَ
رفعته ومجده وعزه، ولا تناهيه، ولا محدوديته ،سبحانه وتعالى

فكلما
يأتي ذِكرُ السماء، يتذكر المسلمون رفعةَ الله وعزَّه ومجدَه ولا تناهيه،
كما أنه كلما ذُكِرَت الكعبة، شعر المسلمون وتذكروا وحدتهم وتوحد مصيرهم
وأصلهم وأمتهم

وهذا
المعنى الدال على رفعة الله وعلوه وعزته، هو الذي يتملك قلب كل مؤمن موحِّد
حالَ رفعه يديه إلى السماء، ودعاءه رب السماء والأرض سبحانه وتعالى .

لقد
اقتضت حكمة الله البالغة أن تضمن هذه المعاني في السنة النبوية، لترفع من
قلوب الناس الذين كانوا أول من سمعها، ولِتُوَجِّهَهُم ليلحظوا ويعرفوا مجد
الله وعلوه ورفعته ولا تناهيه من خلال أعظم وأكبر آية إلهية محسوسة لهم :
السماء المرئية التي رفعها الله فوقهم .

العديد
من أولئك الذين سمعوا هذه المعاني أول مرة من فم النبي صلى الله عليه
وسلم، وبالأخص عندما كانوا حديثي عهد بكفر وفارقوا لتوهم الجاهلية ،كانوا
مرتبطين بشدة ومنجذبين إلى الواقع المادي المحسوس ولم يكن لديهم أدنى تصور
عن وجود غير مادي أو محسوس كما تشهد بذلك أوثانهم التي كانت تماثيلَ وصوراً
منصوبةً على الأرض أمامهم، ذات جسم وجسد وجهة تتحيز فيها ويرونها أمامهم.

وبالطبع،كانت
لغة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لإيصال معاني رفعةِ الله ومجدِه
وعزِّه وعلوِّه وسموِّه ولا تناهيه إلى هؤلاء القوم الماديين حتى النخاع،
كانت ولا بد أن تكون بمصطلحات وألفاظ ،يسهل عليهم إدراكها وفهمها

ومن هنا كان استخدام مجاز السماء أمامهم ليقود عقولهم إلى إدراك لا تناهي الله ولا محدوديته وسموه وعلوه
فاستُخدمت
السماء كرمز يشير إلى كل هذه المعاني الغائبة عن عقول هؤلاء الوثنيين
،فكانت الإشارة إلى ما يعلمون لا تناهيه، ويرون ويحسون سموَّه وعلوَّه أمام
أعينهم ( السماء ) ليسهل عليه إدراك سموِّ وعلوِّ ورفعةِ ولا تناهي ما لا
يرون ولايحسون ولا يعلمون ( الله عز وجل) وكل ذلك بالطبع مع قيام الفارق
العظيم ، وقيام معنى(ليس كمثله شيء) شاهداً على القلوب فلا يقاسالله بسمائه
سبحانه وتعالى .

يقول
الإمام القرطبي – مفسر القرآن الشهير والعالم الرباني القدير من القرن
السابع – في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) في تفسير قول الله
تعالى((أأمنتم من في السماء)):

(والأخبار
في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة، مشيرة إلى العلو،لا يدفعها إلا ملحد أو
جاهل معاند ، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت ، ووصفه بالعلو
والعظمة لابالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام) . انتهى

وقـال الشاطبي في (الموافقات) 4/154- تحت مسألة مالا بد من معرفته لمن أراد علم القرآن- :
(ومن
ذلك معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل ،
وإن لم يكن ثم سبب خاص لابد لمن أراد الخوض في علوم القرآن منه ، وإلا وقع
في الشُبه والإشكالات التي يتعذرالخروج منها إلا بهذه المعرفة – ...... ثم
ذكر أمثلةً على ذلك ومنها قوله، والثالث:

قوله
تعالى (يخافون ربهم من فوقهم) (أأمنتم من في السماء) وأشباه ذلك ، إنماجرى
على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرِّين بإلهية الواحد
الحق ، فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيهاً على نفي ماادَّعوه في
الأرض ، فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة البتة. ) انتهى من الموافقات

ولكن .... الجارية تقول : الله في السماء !!!
حديث الجارية :
أورد الإما م مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم قال :
(قلت:
يا رسول الله ، إني حديث عهد بجاهلية. وقد جاء الله بالإسلام. وإن منا
رجالا يأتون الكهان. قال "فلا تأتهم" قال: ومنا رجال يتطيرون. قال "ذاك شيء
يجدونه فيصدورهم. فلا يصدَّنَّهم (قال ابن المصباح: فلا يصدَّنَّكم)

قال قلت: ومنا رجال يخطُّون. قال "كان نبي من الأنبياء يخط. فمن وافق خطه فذاك"
قال: وكانت لي جاريةٌ ترعى غنماً ليقِبَل أحد والجوانية. فاطَّلعتُ ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها.
وأنا
رجل منبني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله ، أفلا أعتقها؟

قال
"ائتني بها" فأتيته بها. فقال لها : "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "من
أنا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها. فإنها مؤمنة.) صحيح مسلم

ويعلق الإمام النووي على الحديث في شرحه على مسلم قائلا :
(هذا الحديث من أحاديث الصِّفات، وفيها مذهبان تقدَّم ذكرهما مرَّات في كتاب الإيمان:
أحدهما:
الإيمان به من غير خوض في ((( معناه )))، مع اعتقاد أنَّ الله ليس كمثله شيء،وتنزيهه عن سمات المخلوقات.
والثَّاني:
(((تأويله ))) بما يليق به.
فمن
قال بهذا – أي التأويل - قال: كان المراد امتحانها هل هي موحِّدة تقرُّ
بأنَّ الخالق المدبِّر الفعَّال هو الله وحده، وهو الَّذي إذا دعاه
الدَّاعي استقبل السَّماء،كما إذاصلَّى المصلِّي استقبل الكعبة،وليس ذلك
لأنَّه منحصر في السَّماء، كما أنَّه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك
لأنَّ السَّماء قبلة الدَّاعين، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين.

أو هي
من عبدة الأوثان العابدين للأوثان الَّتي بين أيديهم، فلمَّا قالت: في
السَّماء علم أنَّها موحِّدة وليست عابدة للأوثان. ) انتهى من شرح النووي
على مسلم

جدير
بالملاحظة هنا أن الإمام النووي لا يذكر فهم هذا الحديث حرفيا على ظاهره -
كما يفعل الحشوية المجسمة كالوهابية عندما يقولون هو في السماء، تُفهم على
ظاهر معناها الذي هو الجهة - كأحد أراء العلماء أو مواقفهما لمعتبرة أبدا
!!

وقد
يتصور البعض أن موقف النووي هذا نابع من كون هذاالحديث من أحاديث الآحاد
التي لا يستدل بها في العقائد لكونها ظنية الثبوت ظنية الدلالة، ولكن الأمر
أبعد من ذلك وأعمق بكثير !!

فنوع هذه الأحاديث تقبل كأدلة في العقيدة لدى أهل السنة والجماعة إن توفرشرط مهم وهو كون العقيدة المذكورة فيها سالمة من المعارضة .
وهذا الشرط غير موجود هنا في حديث الجارية هذا لعدة أسباب:
أولا :
القصة
المروية في الحديث وألفاظها ومضمونها قد وصلت إلينا فيعدة صور وألفاظ أخرى
صحيحة ثابتة تختلف كثيرا عن نسخة وصورة ( أين الله؟ .. الله في السماء.)

أحد هذه الصور المغايرة مروي في صحيح ابن حبان بسند حسن وفيه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية :
(من
ربك ؟) ،فترد قائلة : الله ، ثم يسألها : (من أنا ؟) ،فتقول : أنت رسول
الله ، فيقول عندها الرسول صلى الله عليه وسلم : أعتقها فإنها مؤمنة.

(الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ، مؤسسة الرسالة 1988)
وفي
نسخة أخرى من الحديث مروية في مسند عبد الرزاق بسند صحيح ، يسأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجاريةإن كانت تشهد أن لا إله إلا الله ،فتقول نعم ،
فيسألها إن كانت تشهد أنه هو رسول الله ،فترد بنعم ،فيسألها إن كانت تؤمن
بالبعث بعد الموت ، فترد بنعم فيأمرالرسول صلى الله عليه وسلم سيدها أن
يعتقها .

( المصنف – المجلد 9 صفحة 175 طبعةالمجلس العلمي 1970)
وهذه
هي قواعد الإيمان الثلاثة المذكورة في القرآن في أكثر من موضع: الإيمان
بالله ورسوله واليوم الآخر ويناسب أن يُسأل عنها من يراد أن يتحقق من
إيمانه !

وفي نسخة أخرى نجد الجارية بَكْماء لاتستطيع الكلام،ولكنها فقط تشير إلى السماء في الجواب .
ويعلق
الحافظ أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني أن هنالك تناقض عظيم في
ألفاظ الحديث في نسخه المختلفة ( تخليص الحبير – المجلد الثاني طـ الكليات
الأزهرية 1979)

وعندما
يكون لحديث ماهذا العدد من الصور والنسخ المتضاربة فإن هنالك احتمالاً
قوياً أن يكون هذا الحديث قد رواه بعض الرواة في بعض طبقات السندب المعني
لا باللفظ !!

والمعنى
هنا هوما فهمه ذلك الراوي من الحديث لا حقيقة ما حدث فعلا وبالتالي
فإن(فهم) شخص ما،لا يصلح لتبنى عليه عقيدة في الله تعالى .

ثانيا :
هذا
الاعتبار السابق مهم جدا لموضوع البحث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدبين
بوضوح تام أركان العقيدة الإسلامية وقوائم الإيمان في الإسلام، وذلك في
الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عندما أجاب على أسئلة
جبريل عليه السلام قائلا :

(الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و تؤمن بالقدرخيره وشره)
ولم يذكرالرسول صلى الله عليه وسلم أي شيء عن كون الله في السماء كركن من أركان الإيمان يعرف بها إيمان المرء من عدمه !!
لو
كانت ( الله في السماء ) نقطة حاسمة وامتحان فاصل لإيمان المسلم من عدمه -
كما تشير إلى ذلك نسخة - أين الله - من هذا الحديث - لكان لزاماً وواجباً
حتمياً على النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذه النقطة في جوابه لسؤال
جبريل عن ما هو الإيمان ؟!!!

ثالثا :
لو
فهم شخص ما حديث الجارية حرفيا على ظاهرهواعتقد أن ( الله في السماء )
حقيقة ، فإن ذلك يتناقض مع أحاديث أخرى صحيحة، لها هي الأخرى الحق في أن
تفهم حرفياً على ظاهرها كما فهم حديث الجارية على ظاهره، ولا تؤول ولا تصرف
عن الظاهر ،

ومن أمثلة هذه النصوص :

1 - مثلاً الله ( قريب) منا حال سجودنا :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء) صحيح مسلم – كتاب الصلاة – باب ما يقال في الركوع والسجود.
بينما لو كان الله حرفياً (في السماء ) لكان أقرب إلينا حال وقوفنا !!

2 - الله سبحانه (أمامنا) حال قيامنا وصلاتنا :
عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أحدكم في صلاته فلا
يبصق((أمامه)) فإن ((ربه أمامه))وليبصقعن يساره أو تحت قدمه فإن - قال سريج
لم يجد - مبصقاً ففي ثوبه أو نعله.)

مسند الإمام أحمد بن حنبل – المجلد الثالث – مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
فهل الله فوقنا في السماء أم هو أمامنا أو هو قريب منا !!؟؟؟

3 - الله((معنا)) حال ذكرنا له :
عن أبي هريرة رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى :
(أنا((مع))عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)
رواه أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الحاكم والسيوطي كذلك في الجامع الصغير .

فأين الله بالضبط ؟؟
في السماء أم معنا - على الفهم الحرفي لـ ( مع ) - أم أمامنا أمقريب منا !!!؟؟

4 - الله ليس ( في السماء):
وأخيرا
.. في حديث المعراج يمر النبي صلى الله عليه وسلم بكل السماوات السبع ويقص
علينا ما شاهد في كل سماء ومن التقى وهو بصحبة جبريل عليه السلام ،ولكنه
لا يأتي على ذكر التقائه بالله سبحانه وتعالى في أي من تلك السماوات السبع .

فلو كان الله تعالى ( في السماء ) حقيقة لأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقى رب العزة في السماء كذا وكذا !!!
والآن ..
عندما
يقرأ المسلم كل هذه الأحاديث وغيرها الكثير الكثير ويفهمها كلها حرفيا على
ظاهرها - كما تقول وتريد طائفة المجسمةالحشوية - فإنه يصيبه الارتباك ولا
شك ويتبادر إلى ذهنه وجود التناقض بين نصوص الدين الحنيف ،والحقيقة أن ما
من تناقض ولكن التناقض يكمن في عقله الضعيف فقط !!

فإذاً،
الفهم الحرفي الظاهر ييؤدي بالمسلم إلى الحيرة والتناقض،فلا يستطيع تحديد
مكان ربه بالضبط - تعالى سبحانه عن المكان - ولا يمكنه الجمع بين كل هذه
النصوص البتة إن فهمت كلها ظاهريا وحرفيا دون اللجوء إلى التأويل في بعضها
على الأقل، ومن فهم هذه النصوص وغيرها ظاهريا فإنه سيتصور إله اًيتحرك هنا
وهناك، مرة قرب العبد، ومرة معه، ومرة فوقه ومرة أمامه وووووووووو ، ومثل
هذا الإله المتوهم هو قطعاً ليس الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون ،
وفساد هذا الاعتقاد بيّن لا يحتاج إلى كثير كلام .

رابعا :
الفهم الحرفي لكون الله في السماء يتناقض مع أصلين من أصول العقيدة الإسلامية أصَّلَهما القرآن الكريم :
الأول:
هو
كون صفات الله مخالفة لصفات الحوادث ( المخلوقات)فلا تماثل شيئا من خلق
الله البتة لقول الله تعالى في سورة الشورى : (ليس كمثله شيء.)

فلو
كان الله حرفياً في السماء، لكان هنالك عدد لا يحصى من الحوادث مماثلة له
في كونها في السماء لها ارتفاع ومكان وجهة وتحيز وهلم جرا كالطائرة
والملائكة والشمس والقمر والكواكب،وبما أن الله ليس كمثله شيء فهو قطعاً
ليس بجسم متحيز،لأن ماسواه أجسام متحيزة، وهو ليس كمثله شيء فليس جسماً
قطعاً وتحقيقاً ،وكلما تبادر إلى ذهنك كونه الله فالله خلافه!!

الله يقول : (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجاً وقمراً منيرا)
فهاهي
البروج والشمس والقمرفي السماء بنص الآية ، فلو كان الله أيضاً في السماء
لماثلها ولكننا نعلم أنليس كمثله شيء، فنتج انتفاء كونه في السماء على ظاهر
اللفظ كما هوالحال مع البروج ووجب تفويض المعنى أو تأويله.

الثانى:
الأصل
الثاني الذي تخالفه هذه العقيدة التجسيمية هوصفة ( غِنَى ) الله وعدم
احتياجه البتة لشيء من خلقه سبحانه ، وهوأصل مبثوث في عدد من آي القرآن
الكريم ، لذا وبموجب اعتقاد غِنَى الله المطلق، فإنه يستحيل كون الله جسماً
أو كينونةً جسمية، لأن الأجسام تحتاج المكان والزمان لتتواجد فيهما، والله
لا يحتاج البتة إلى زمان أو مكان، بل هو سبحانه قبل أن يكون زمان ومكان،
والزمان والمكان خلقٌ منخلقه (الله خالق كل شيء.)

خامسا :
الفهم
الحرفي الظاهري لمقولة الله ((في))السماء ، يعني ويفيد أن السماء تحيط
بالله سبحانه وتعالى من كل الجهات بحيث يكون سبحانه أصغر منها لتحويه، وهو
بالطبع تصور متهافت يرفضه حتى الأطفال الذين لم يبلغوا السعي .

وصرف
معنى مقولة الله((في))السماء إلى((على السماء)) كما يفعل المجسمة عندما
يغلبون في المناظرات ، هونوع من التأويل الذي يفر منه هؤلاء الظاهرية
ليقعوا فيه ولا بد !!

فإن (( في )) غير (( على )) وجعل أحدهما بمعنى الآخر هو تأويل وإن ادَّعوا أنه ليس تأويلا .
لكل
هذه الأسباب ولأسباب أخرى يطول ذكرها ، رأى السادة العلماء ضرورةً ولزوما
لفهم المجازي الرمزي لهذا الحديث ولغيره من النصوص الحاوية لمثل هذه
التعابير والاستعارات الموهمة للتشبيه والتجسيم، بحيث يتوافق المعنى مع
استعمالات اللغة العربية دون أن يعارض الثوابت القرآنية أو الحديثية الدالة
على تنزيه الخالق سبحانه وتعالى .

أأمنتم من ( في السماء)
لنأخذ مثلا على ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور)
ولننظر
كيف فهمه وفسره أئمة أهل السنة والجماعة،ومدى توافق فهم المجسمة الحشوية
كالوهابية مع فهمهم أو اختلافه عنه وبناء عليه نستطيع أن نحكم من هم أهل
السنة :

القرطبي
( قال
المحققون: أمنتم من فوق السماء؛ كقول: { فسيحوا في الأرض } أي فوقها
لابالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير. وقيل: معناه أمنتم من على السماء
؛كقوله تعالى: { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي عليها. ومعناه أنه مديرها
ومالكها؛ كما يقال: فلان على العراق والحجاز؛أي وإليها وأميرها.) انتهى .

الجامع لأحكام القرآن .

الشربيني الخطيب
يذكر
أن هنالك عدة وجوه تأويل لقول الله ( من في السماء ) ، منها أنها تعني :
الذي في السماء سلطانه وسيادته، لأن السماء هي حيث تقطن الملائكة وتسكن
وهناك عرشه أعظم المخلوقات وكرسيه واللوح المحفوظ الذي منه تتنزل أحكامه
وقضاءه وكتبه وأوامره ونواهيه .

ويذكر كذلك تأويلا آخر وهو أن ( من في السماء) حذف منها إضافة وتقديرها :
أأمنتم
من خالق الذي في السماء، ويقصد الملائكة الذين يقطنون السماء لأنهم هم
المأمورون بإيقاع الرحمة الإلهية ( إرادته سبحانه الخير ) أو الغضب
والانتقام الإلهي ( إرادته سبحانه الشر) .

(راجع السراج المنير طـ دار المعارف بيروت المجلد الرابع)

فخر الدين الرازي
يذكر
أن ( من في السماء ) تعني الملك الموكل بايقاع العذاب والعقاب – جبريل عليه
السلام - ،وقوله ( يخسف بكم الأرض ) يعني بأمر الله وإذنه .

(تفسير الفحر الرازي ط دارالفكر بيروت 1985)

أبو حيان النحوي
يذكرأن
سياق هذه الكلمات قد يكون وفق معتقدات المخاطبين بهذا الوعيد ( المشركين )
لأنهم كانوا مجسمة يجسمون الله ويتصورنه جسما كما يجسمون بقية آلهتم في
شكل أوثان وأصنام وتماثيل ، فخاطبهم وفق معتقدهم لاموافقة لهم وإقرارا بل
تنبيها على خطله وزيفه ، وعلى هذا يكون المعنى :

أأمنتم ممن تزعمون وتعتقدون كونه في السماء؟ بينما هو أعلى وأرفع من سائر المكان والزمان .
(تفسير النهر المدد من البحر المحيط ط دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية 1987 بيروت)

القاضي عياض
ينقل
الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم في شرح حديث الجارية بعد أن بَيَّن
موقف السلف من أحاديث الصفات - وهو الموقف الذي أوردته أعلاه – كلامَ
القاضي عياض في ذلك :

قال القاضي عياض :
لاخلاف
بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدِّثهم ومتكلِّمهم ونظَّارهم ومقلِّدهم أنَّ
الظَّواهر الواردة بذكر الله في السَّماء كقوله تعالى: (أأمنتم من في
السماء أن يخسف بكم الأرض) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم،
فمن قال بإثبات جهة فوق، من غيرتحديد ولا تكييف من المحدِّثين والفقهاء
والمتكلِّمين تأوَّل في السَّماء أي : على السَّماء.

ومن
قال من دهماء النظَّار والمتكلِّمين وأصحاب التَّنزيه بنفي الحدِّ واستحالة
الجهة في حقِّه سبحانه، تأوَّلوها تأويلات بحسب مقتضاها، وذكر نحو ما سبق -
أي ما سبق للنووي إيراده من مواقف العلماء من أحاديث الصفات-قال: أي
القاضي عياض

(ويا
ليت شعري! ما الَّذي جمع أهل السُّنَّة والحقُّ كلّهم على وجوب الإمساك عن
الفكر في الذَّات ، كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل، واتَّفقوا على تحريم
التَّكييف والتَّشكيل، وأنَّ ذلك من وقوفهم وإمساكهم غير شاكٍّ في الوجود
والموجود،وغير قادح في التَّوحيد بل هو حقيقته، ثمَّ تسامح بعضهم بإثبات
الجهة خاشياً من مثل هذا التَّسامح ،وهل بين التَّكييف وإثبات الجهات فرق؟.

لكن
إطلاق ما أطلقه الشَّرع من أنَّه القاهر فوق عباده، وأنَّه استوى على العرش
مع التَّمسُّك بالآية الجامعة للتَّنزيه الكلِّي، الَّذي لا يصحُّ في
المعقول غيره، وهوقوله تعالى:

(ليس كمثله شيء ) عصمة لمن وفَّقه اللَّه، وهذا كلام القاضي -رحمه اللَّه. )
انتهى من شرح النووي على مسلم

هل يكفر من يقول أن الله في السماء حقيقةالآن ؟؟
نأتي الآن لمثال أخير .. الحديث المروي في صحيح مسلم:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةإلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول:
من يدعوني فأستجيب له! ومن يسألني فأعطيه! ومن يستغفرني فأغفر له! .)

صحيح مسلم – الجزء الأول – كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه .
لو
تأملنا هذا الحديث للحظة ،لفهمنا أنه لا يتعلق ولا يقصد بيان عقيدة وليس
موضوعه عن العقيدة ،ولكنه يقصد تأسيس نقطة عملية تعبدية ،وهي أنه يفترض بنا
فعل شيء ما في الثلث الأخير من الليل : أن نقوم ونصلي وندعوالله!!

لهذا السبب عندما عَنْوَن الإمام النووي صحيح مسلم ،وبَوَّبه تبويبه وتقسيمه الموجود عليه حالياً ،عَنْوَن لهذا الحديث بـ :
(باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه)
ولم يترجم له بـ ( باب نزول الله ) مثلا ..
أما في ما يتعلق بمعنى ( ينزل ) الواردة في الحديث فإن الإمام النووي يعلق قائلا :
(هذا الحديث من أحاديث الصِّفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أنَّ:
أحدهما:
وهو مذهب جمهور السَّلف وبعض المتكلِّمين:
أنَّه
يؤمن بأنَّها حقُّ عَلَى ما يليق باللَّه، وأنَّ ظاهرها المتعارف في
حقِّنا غير مراد، ولايتكلَّم في تأويلها، مع اعتقاد تنزيه الله عن صفات
المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق.


والثَّاني:
مذهب أكثر المتكلِّمين وجماعات من السَّلف، وهو محكيٌّ هنا عن مالك بن أنس والأوزاعيِّ:
أنَّها تتأوَّل عَلَى ما يليق بها بحسب مواطنها، فعَلَى هذا تأوَّلوا هذا الحديث تأويلين:

أحدهما:
تأويل مالك بن أنس وغيره معناه: تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال: فعل السُّلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره.

والثَّاني:
أنَّه عَلَى الاستعارة، ومعناه: الإقبال عَلَى الدَّاعين بالإجابة واللُّطف، واللَّه أعلم.
( انتهى من شرح الإمام النووي على مسلم)

ويلاحظ
العلامة علي قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) : أن الإمام
مالك والإمام الأوزاعي والذين هما من السلف قد تأول كلاهما (ينزل ) تأويلا
مفصلا دقيقا ،وكذلك فعل الإمام جعفر الصادق

بل إن
جمهور السلف والخلف قالوا بأن كل من يؤمن بأن الله يوجد في جهة حسية هو
كافر كما نص على ذلك العراقي بكل وضوح قائلاً أن هذا هو موقف أبو حنيفة
ومالك والشافعي والأشعري والبلقيني.

(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – ط بيروت طار إحياء التراث المجلد الثاني صفحة 137)
ويجدر
بنا هنا أن ننبه أن العراقي قد وصل رتبة حافظ ،(شخص قد حفظ أكثر من مائة
ألف حديث عن ظهر قلب ) ، بينما الملا علي قاري هومحدث له أعمال مرجعية في
الأحاديث الموضوعة، ما يعني أن كلاهما كان له المؤهلات والمقومات الكافية
للتأكد من سند أي موقف يروي انه، ولهذا السبب فإن روايتهما لموقف العلماء
من القائل بالجهة الحسية وتكفيرهم له لها وزنها واعتبارها ووجاهتها .

ولكن
لعله من المناسب اليوم أن نقول أن المسلم الذي يعتقد أن الله موجود في
السماء، أو في أعلى ليس كافرا، وذلك لأن شبهة نشر بدعة التجسيم من قبل
البعض بأموال البترودولار بهذا الشكل المكثف الذي يقلب الليل نهاراً
والنهار ليلا، تجد له عذر الجهل وعموم البلوى.

وقد
كانت بدعة التجسيم هذه محصورة فيما مضى في بضعة أسماء تعد على اليد من
مجسمة الحنابلة الذين تم فضحهم ودفعهم مرة تلو الأخرى من بقية فضلاء
الحنابلة المتقدمين أنفسهم من أمثال ابن الجوزي الذي خاطب رفقائه الحنابلة
في كتابه النفيس القيم،دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه قائلا :

(وقد
أخذوا - أي بعض الحنابلة - بالظاهر في الأسماء والصفات .. ولم يلتفتوا إلى
النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء
ما توجبه الظواهر من سمات الحَدَث، ولم يَقْنَعُوا بأن قالوا : ( صفة فعل )
حتى قالوا: (صفة ذات)، ثم لما أثبتوا أنها صفات، قالوا : لا نحملها على
توجيه اللغة، مثل ( يد ) على معنى نعمة وقدرة ، ولا ( مجيء وإتيان ) على
معنى بِرٍّ ولطف ، ولا ( ساق ) على شدة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها
المتعارفة

والظاهر
هو المعهود من نعوت الآدميين .. ثم يتحرجون من التشبيه ، ويَأْنَفُون من
إضافته إليهم، ويقولون : ( نحن أهل السنة) !! ، وكلامهم صريح في التشبيه،
وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت التابع والمتبوع ، فقلت لهم : يا
أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل واتِّباع ، وإمامكم الأكبر أحمدبن حنبل رحمه الله
يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يُقَل ؟،

فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثم قلتم في الأحاديث :
(تُحْمَل
على ظاهرها ) !! ، وظاهر القدم، الجارحة، فإنه لما قيل في عيسى عليه
الصلاة والسلام : ( روح الله ) ، اعتقدت النصارى لعنهم الله تعالى أن لله
سبحانه وتعالى صفةً هي روح وَلَجَت في مريم !! ، ومن قال : (استوى بذاته
المقدسة ) فقد أجراه سبحانه مجرى الحِسِّيَّات !! ، وينبغي أن لا يُهْمَل
ما ثبت به الأصل ، وهو العقل ، فإنا به عرفنا الله تعالى ، وحكمنا له
بالقِدَم ، فلو أنكم قلتم : (نقرأ الأحاديث ونسكت ) ، لما أنكر أحد عليكم ،
وإنما حَمْلُكُم إياها على الظاهر قبيح

فلا
تُدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا
المذهب شيناً قبيحاً حتى صار لا يُقال حنبلي إلا مجسم ، ثم زينتم مذهبكم
أيضا بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته،

وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم : لقد شان المذهب شيناً لا يُغسل إلى يوم القيامة.
انتهى كلام الإمام ابن الجوزي منتقدا مجسمة الحنابلة في كتابه النفيس ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) المكتبة التوفيقية 1976 .
ويبدو
من استقراء التاريخ أن هذه العقائد الفاسدة المجسِّمة تمكنت من البقاء حية
لبضعة قرون في نواحي خراسان وأفغانستان وبعض المواضع الأخرى من الشرق ..
وقد لاحظ الإمام العلامة الكوثري قدس الله سره أن ابن تيمية الحنبلي قد وقع
على تفاصيل هذه العقائد الفاسدة من بعض المخطوطات عن النحل والفرق عندما
تدفقت مكتبات العلماء على دمشق مع القوافل الهاربة من غزو المغول والتتار
الهمج القادمين من الشرق ..

وقد
قرأ ابن تيمية رحمه الله هذه المخطوطات دون معونة أستاذ أو شيخ متوقد الذهن
ثاقب الفكر ،ونتيجة لذلك غاب عنه فساد ما في هذه المخطوطات، وآمن واعتقد
بما فهمه منها وتطور به الأمر إلى أن أصبح داعية لهذه العقائد ومنافحا عنها
في كتبه وأعماله .

( راجع السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل.)
وقدحوكم
وسجن بسبب هذه العقائد الفاسدة عدة مراتقبل موته وقدن قل الإمام النويري
وكذلك ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عنه أنه تاب عن هذه العقائد
الفاسدة وعاد إلى اعتقاد أهل السنة والجماعة بعد محاكمته واستتابته من قبل
علماء زمانه وشهد على نفسه أنه يعود أشعريا رحمه الله وغفر له خطأه إن صدقت
توبته.

وقد صنفت مصنفات منقبل علماء من أمثال أبو حيان النحوي(ت 745 هـ )
وتقي الدين السبكي(ت 756)
وبدر الدين ابن جماعة(ت 733 )
والأمير الصنعاني صاحب سبل السلام ( ت 1182)
وتقي الدين الحسني صاحب كفاية الأخيار ( ت 829)
وابن حجر الهيثمي(ت 974 هـ )
في الرد على عقيدة ابن تيمية ..
وقد
بقيت عقيدته مرفوضة من قبل جمهور المسلمين، وكل أهل السنة والجماعة
لمدةأربعة قرون أخرى، حتى ظهرت حركة محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن
عشر الميلادي، وكما هو معلوم فقد اتَّبعت هذه الحركة ابن تيمية في نقاط من
العقيدة واتخذت منه مرجعيتها وسلفها .

ولكن هذه العقائد لم تلقَ انتشارا ويتفاقم أمرها إلا بعد وصول الطباعة إلى العالم العربي وطباعة كتب ابن تيمية .
ويذكر
البعض أن تاجراً غنياً من وجهاء جدة دفع تكاليف طباعة كتاب منهاج السنة
وعدة كتب أخرى لابن تيمية في العقيدة في مصر في نهايات القرن التاسع عشر
الميلادي ،وبعثت من جديد هذه العقائد الفاسدة تحت اسم السلفية .

ومن
ذلك الحين حملت هذه الكتب والعقائد إلى كل الأنحاء مدفوعة بفيضان من
التمويل الغزير المتدفق من دولة أو اثنتان من دول الخليج الغنية ..

ونتيجة لهذه الجهود امتلأت المساجد في أنحاء العالم كله بكتب ومطويات وكتيبات تشرح هذه العقائد الفاسدة وتنشرها
وأيضا
امتلأت المساجد بشباب غِر يدفعون بهذه العقائد وينسبونها جهلاً إلى السلف
الصالح من التابعين وتابعيهم وأئمة المسلمين الأوائل ، بمعونة سند ابن
تيمية المشكوك فيه أصلا، أو فيكثير من الأحيان دون أي سند

ومن
هنا تبرز لنا أهمية عدم تكفير عامة المسلمين إن قالوا بهذه العقائد
الفاسدة، لأن مثل هذا النوع من الدعم المادي الضخم، يشتري النفوذ والإعلام
والدعاية التي تقلب الحقائق وتلبسها على الناس البسطاء، والذين هم في
أغلبهم لا يملكون القدرة أو الوقت على البحث والتنقيب والتعلم بأنفسهم ..

لذا
من المناسب، بل من الضروري عذر الناس بالجهل هنا إلى أن يُعَلَّموا أن الرب
في الإسلام هو بشكل لا محدود أعظم وأعلى وفوق أن يكون رجلا ضخما أو شابا
أمردا كما يصفه البعض

كما أنه سبحانه أعظم من أن يكون محدودا بمكان وزمان اللذان هما في النهاية خلق من خلقه سبحانه وتعالى .

الخلاصة[/size:2a03