أعدّوا لرمضان ما استطعتم من قوة

المراقب العام العمر : 50

غدا الإعدادُ اليومَ فناً، والتدريبُ منهجاً، وافتتحت فروعٌ لكليات علمية متخصصة في مهارات التأهيل والتدريب، في شتى مجالاته، العلمية والمهنية والإدارية والتربوية... وغيرها.

وليس في السوق العالمية اليوم، بشركاتها ومؤسساتها ورجالاتها ومنظّريها... مجالٌ إلا للمتدربين والمتأهلين، ولا تستقبلُ شركةٌ تحترمُ اسمَها ومكانَها بين مصافّ الشركات العالمية رجلاً محسوباً عليها، يمثّلُها وينطق باسمها، وإلا وتُخضعه لدوراتٍ تدريبية توعوية، تؤهِّله من خلالها ليكون وكيلاً أو عميلاً أو مندوباً، يحترفُ عمله، ويحترم المكان الذي يعملُ فيه ويُنسَبُ إليه.

ولن تجد تاجراً متميزاً، أو معلّماً موهوباً، أو صناعياً محترفاً... وإلا وله اطّلاعات واسعة، واهتمامات متواصلة بالبرامج التدريبية والتأهيلية في المجال الذي يمارسه.

وعلى صعيد العبادات وبعض الشعائر الدينية... بدأت بعضُ الدول الإسلامية المتقدمة فكرياً وإدارياً إقامةَ دوراتٍ تدريبيةً لعبادة الحج والعمرة ينال المتدرّبُ فيها وثيقةً تؤهله وتخوّله لأداء هذه الشعيرة باحتراف وإتقان.

وصار مألوفاً في عدد لا بأس به من البلاد الإسلامية اليومَ إقامةُ دورات تأهيلية للحياة الزوجية، يتدرّبُ فيها المقبلون على الزواج على الخوض في غمار هذه الحياة والتدرّب على حل مشكلاتها، وتجاوز عقباتها، والحذر من الأخطاء فيها، كذلك الأمر ؛ ينال المتدربون وثيقةً في ذلك.

وكلامنا هذا ـ في هذه السطور ـ توطئةٌ للحديث عن الإعداد والاستعداد لاستقبال الضيف الكريم، والمنحة الربانية، ومحطة الخير التي يتزوّد منها المؤمنون ويتلهّفون لها، إنه " شهر رمضان المبارك" ميدان التعبّد والتزلّف والتقرّب لله تعالى، ومنطلَق الأوبة إلى الله، والحينُ الذي يصطلح فيه العباد مع ربهم، فيقبلون وينشطون ويبتهلون ويتضرعون، ويصقلون بذكر الله تعالى القلوب الصدئة، ويحيون بالتقرب إلى الله القلوب النائمة السادرة.

ولأنّ كثيراً من الناس يشكو قسوةً في قلبه في رمضان!!

ولأن عدداً لا بأس به يشكو فتوراً ومللاً وكسلاً في رمضان!!

ولأن شباباً يتألمون على عودتهم إلى سالف تقصيرهم بعدَ رمضان !!

كان الكلام عن الاستعداد له والتحضير لاستقباله... كلاماً لازماً درءاً لمفاسد الغفلة والقسوة والبُعد... في زمن الحب والقرب والصلة بالمولى سبحانه وتعالى.

ننطلق من قوله سبحانه وتعالى مثرّباً على المنافقين محذّراً من فعلهم في عدم تحضيرهم وإعدادهم لعبادة " الجهاد في سبيل الله "، وأنهم لو صدقت نواياهم وعزائمهم وإراداتهم لتأهبوا وأعدّوا، ولكنهم ليسوا كذلك... قال سبحانه: {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً}.

وكذلك الحال ونحن مقبلون على عبادة سنوية، هي ركن من أركان هذا الدين (صوم رمضان) ومن تمام حقّها أن نعطيها ما تستحق من التدريب والتحضير والتأهيل.

وهذه ـ أيها الإخوة القرّاء الفضلاء ـ ومضتان اثنتنان في نوعين من أنواع الإعداد لشهر رمضان؛ هما الاستعداد النفسي، والاستعداد العملي.

أما الاستعداد النفسي، فهو كلماتٌ ومعانٍ يناجي فيها العبد قلبَه ونفسَه، وخواطرُ تنداحُ في حناياه، مِلؤها الندمُ والأسفُ على التقصير في جنب الله سبحانه، وفيها من العزم والإصرار على الأوبة والإقبال على الله تعالى، يقول فيها العبد لقلبه:

يا قلبُ ! ها هو ذا شهرُ الخير أقبَل، وها هي البُسط والموائدُ الربانية مُدّت، فكيف هو استعدادُك؟ وكيف هي همتك ؟

أما يكفيك ـ يا قلبُ ـ من الغفلة والسهو والقسوة ما تجرّعتَه كلَّ عامِك المنصرم ؟!

أوَ ما اكتفيتَ من إعطاء جسدك ودنياك من المرفّهات والملهيات ما جعلك تنسى الأمرَ الجللَ الذي له خُلقت؟

أما آن ـ يا قلبُ ـ أن تذوقَ حلاوةَ الصلة بالله سبحانه، والأُنسِ بقربه، والبكاءِ بين يديه، والاطّراح على أعتابه؟

أوَ ما تغارُ وقد رأيت المتبتلين والمتهجدين، والنادمين والعاشقين؟ أوَ ما تغار أن لا تجد نفسك بينهم؟ وقد سُقيتَ من الماء الذي سُقووا، ولقيتَ من الرعاية والعناية التي تلقّوا !

ألا يحزنك أن لا ترى اسمك مسجّلاً في ديوان المقرّبين والمحبوبين والمقبولين ؟!

بمثل هذه المعاني يحدّث العبدُ نفسَه، مقتدياً بقدواته من السلف الصالح، الذين كان يعاتبُ أحدُهم نفسه ويخاطب قلبَه، امتثالاً لقوله سبحانه: { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة: 2].

يقول الإمامُ الحسنُ البصري في هذه الآية: إن المؤمن ـ واللهِ ـ ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردتُ بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قُدُماً ما يعاتب نفسه.

ويقول عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله: { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال: تلومُ على الخير والشر: لو فعلتُ كذا وكذا.

هذا الاستعدادُ النفسيُّ لاستقبال رمضان له الأثر الكبير في إعطائه حقّه، فلا يمرّ غريباً، دون أن يغتنم وتستثمَرَ لحظاته ودقائقه بالنافعات والمقرّبات.

وأما الاستعدادُ العمليُّ؛ فهو إنصافٌ وعدلٌ يمارسهما العبدُ مع نفسه، يسجّل بهما العبد لائحة منطقية معقولة من الطاعات التي يهفو لها قلبه، وتطمئن لها نفسُه، ليتقنها ويواظب عليه ويحترفها، كأن يجعل له برنامجاً ففيه التأكيد على الصلوات جماعةً في المسجد، وخدمة الفقراء بالصدقات، أو السعي فيها، أو توصيلها، أو حضور مجالس العلم، أو الإكثار من تلاوة القرآن الكريم مع تدبّره، أو التأكيد على بر الوالدين، وصلة الرحم... وغيرها من الطاعات التي يرغب العبدُ في إتقانها واحترافها.

ومثله برنامج لأخطاء مستعصية، وذنوب في القلب مستحكمة، حاوَل تركها فعجز، وكرّر هجرها فضعُف، فجعل من رمضان بأجوائه الإيمانية وسيلةً للتخلص منها، كإطلاق البصر في الحرام، والكذب وقطع الرحم، وغيرها من المهلكات الذنوب... هي الفرصة الرائعة للتخلص منها، بالاتجاء إلى الله عزوجل، أن يصلح هذا القلب ويزكي هذه النفس، إذ هو سبحانه ـ كما يقول نبيّه عليه الصلاة والسلام ـ «أنت خير من زكّاها» [رواه مسلم] بأن يتكرّم على الله تعالى ليعتقه من أسر ذلك المرض الإيماني، أو تلك الشهوة المستحكمة، فهو السميع، البصير، المعين... سبحانه، وأيام رمضان ولياليه من أروع الأوقات والأزمنة لهذه المعاني من العبودية له سبحانه.

بهذين النوعين من الاستعداد ـ النفسي والعملي ـ لعلنا نكون قد أدركنا جزءاً ـ ولو يسيراً ـ من التأهب لموسم الخير، وقد فاتنا تمامُ الاستعداد شأنُ الصالحين في استعدادهم كلّ العام،خصوصاً بدخول شهر رجب الفرد وبعده شعبان.

اللهم بلِّغنا رمضان وأنت راضٍ عنا، واكتبنا فيه من المقبولين عند يا كريم.

إدارة المنتدى العمر : 47

مشكووور أخى الفاضل
موضوع رائع وجميل وطرح مميز ابداع رائع وطرح يستحق المتابعة
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى
دمت ودام عطاءك للمنتدى وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» كيف نستعد لرمضان الكريم
» إستعد لرمضان: أسطوانة رائعة بعنوان (( الإصلاحات قبل شهر الرحمات ))