وأما القسم الثاني
وهو الحب العنصري
جداول الحب
فهو وإن كان طبيعياً ... فبين القسمين فارق ....
وذلك أن الطبيعي لا يتقيد بصورة طبيعية..
.. وهو مع كل صورة ...كما هو مع الأخرى في الحب
وأما العنصري.. فهو الذي يتقيد بصور طبيعية.. وحدها كقيس ليلى.. وقيس ولبنى.. وكثير عزة ..وجميل بثينة ..
ولا يكون هذا إلا لعموم المناسبة بينهما
كمغاطيس الحديد ..ويشبهه في الحب الروحاني ..
ومامنا إلاله مقام معلوم
ويشبهه من الحب الإلهي ..
التقييد بعقيد واحدة دون غيرها ..
كما يشبه الروحاني الطبيعي في الطهارة ..
ويشبه الإلهي الطبيعي ..
في الذي يراه في جميع العقائد عينا واحد..
واعلم أن الحب كما قلناه ..وإن كان له أربعة ألقاب
.. فلكل لقب حال فيه ..ما هو عين الآخر..
فلنبين ذلك كله فمن ذلك الهوى
ويقال على نوعين
وهما في الحب النوع الواحد سقوطه في القلب
وهو ظهوره من الغيب إلى الشهادة
و القلب يقال هوى النجم إذا سقط
يقول تعالى " والنجم إذا هوى "
فهو من أسماء الحب في ذلك الحال والفعل منه هوى يهوى بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها
في المستقبل والاسم منه هوى وهو الهوى
وهذا الاسم هو الفعل الماضي من الهوى
الذي هو السقوط يقال هوى بفتح عين الفعل
في الماضي يهوى بكسرها في المستقبل
والاسم منه هوى
وسبب
حصول المعنى الذي هو الهوى في القلب أحد ثلاثة أشياء أو بعضها أو كلها أما
نظرة أو سماع أو إحسان وأعظمها النظر وهو أثبتها فإنه لا يتغير باللقاء
والسماع ليس كذلك فإنه يتغير باللقاء
فإنه يبعد أن يطابق ما صوره الخيال بالسماع صورة المذكور
وأما حب الإحسان
فمعلول تزيله الغفلة مع دوام الأحسان
لكون عين المحسن غير مشهودة
وأما الهوى الثاني فلا يكون ألا مع وجود
حكم الشريعة وهو قوله لداوداً حكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى
يعني لا تتبع محابك بل أتبع محابي
وهو الحكم بما رسمته لك ثم قال " فيضلك عن سبيل الله " أي يحيرك ويتلفك ويعمى عليك السبيل الذي شرعته لك وطلبت منك المشي عليه
وهو
الحكم به فالهوى هنا محاب الإنسان فأمره الحق بترك محابه إذا وافق غير
الطريق المشروعة له فإن قلت فقد نهاه عما لا يصح أن ينتهي عنه فإن الحب
الذي هو الهوى سلطانه قوى ولا وجود لعين العقل معه قلنا ما كلفه إزالة
الهوى فإنه لا يزول إلا أن الهوى كما قلنا يختلف متعلقه ويكون في موجودين
كثيرين وقد بينا أن الهوى الذي هو الحب حقيقته حب الإتصال في موجود ما أو
كثيرين فطلب منه تعالى أن يعلقه بالحق الذي شرع له وهو سبيل الله كما يعلقه
بسبل كثيرة ما هي سبيل الله فهذا معنى قوله ولا تتبع الهوى فما كلفه ما لا
يطيق فإن تكليف ما لا يطاق محال على العالم الحكيم أن يشرعه ...
طلب
منه توحيد الأمر له خاصة وهو محبوب الحق وهو يحب توحيده أن يظهر في هؤلاء
الموجودين فهو وأن أحب واحداً فأحبه من كثيرين فمن أتصف به أحبه الله لكون
محبوبه وهو التوحيد ظهر فيه ومن أبغضه فلكون محبوبه لم يظهر فيه
المؤمنون أشد حبا و يبقى حب الألوهية
وأما الحب فهو أن يتخلص هذا الهوى في تعلقه بسبيل الله دون سائر السبل
فإذا تخلص له وصفاً من كدورات الشركاء
من السبل سمى حباً لصفائه وخلوصه
ومنه سمى الحب الذي يجعل فيه الماء
حباً لكون الماء يصفو فيه ويروق
وينزل كدره إلى قعره
وكذلك الحب في المخلوقين إذا تعلق بجناب الحق سبحانه وتخلص له من علاقته
بالأنداد الذين جعلها المشركون شركاء لله في الألوهيةسمى ذلك حباً
بل قال فيه تعالى " والذين آمنوا أشد حباً لله " وسبب ذلك أنه إذا كشف الغطاء
وتبرأ الذين أتبعوا من الذين أتبعوا
وقال " الذين أتبعوا لو أن لنا كرة
فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا
فزال حبهم إياهم في ذلك الموطن وبقي المؤمنون على حبهم لله فكانوا أشد حباً لله
بما زادوا
على أولئك في وقت رجوعهم عن حبهم آلهتهم
فإنهم في الدنيا أحبوه وأحبوا شركاءهم
على أنهم آلهة
ولولا ذلك التوهم والغلط ما أحبوهم
فكان محبوبهم الألوهة وتخيلوها في كثيرين
فأحبوه وأحبوا الشركاء فإذا كان في القيامة
كما ذكرنا لم يبق عندهم سوى حبهم لله تعالى
فكانوا في الآخرة أشد حباً لله منهم له في الدنيا لكون حبهم كان منقسماً فاجتمع عليه في الآخرة
لما لم يعاين محبوبه وهو الألوهة
إلا فيه خاصة فلذلك كان سبق الرحمة