الصمت على قسمين , صمت باللسان عن الحديث بغير الله تعالى مع غير الله جملة واحدة , وصمت بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون الأكوان البتة , فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره , ومن صمت لسانه وقلبه طهر سره وتجلى له ربه , ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة , ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له , فصمت اللسان من صفات منازل العامة وأرباب السلوك , وصمت القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات , وحال صمت السالكين السلامة من الآفات , وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس .
فمن التزم الصمت في جميع الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه , فإن الصمت على الإنسان محال في نفسه فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه كان نجياً مقرباً مؤيداً في نطقه إذا نطق نطق بالصواب لأنه ينطق عن الله , قال تعال في حق نبيه عليه الصلاة والسلام : ( وما ينطق عن الهوى ) , فالنطق بالصواب نتيجة الصمت عن الخطأ , والكلام مع غير الله خطأ بكل حال وبغير الله سوء من كل الوجوه , قال تعالى : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) , بكمال شروطها وقال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) , ولحال الصمت مقام الوحي عن ضروبه , والصمت يورث معرفة الله تعالى .