لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة ، فإن رفع الحدث وإزالة النجاسة سواء كانت في البدن أو الثوب أو المكان المصلى فيه شرطان من شروط الصلاة . فإذا أراد المسلم الصلاة وجب أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر ، أو يغتسل إن كان حدثه أكبر ، ولا بد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو أتى الغائط لتتم الطهارة والنظافة ، وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك :
- فالاستنجاء بالماء واجب لكل خارج من السبيلين كالبول والغائط ، وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء ، إنما عليه الوضوء . لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة ها هنا . والاستجمار يقوم مقام الاستنجاء بالماء ويكون بالحجارة أو ما يقوم مقامها ، ولا بد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة فأكثر ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من استجمر فليوتر)) [1] ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا : ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه)) [2] رواه أبو داود . ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار ، رواه مسلم . ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة ، والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة ، وما أشبهها كالمناديل واللبن- اليابس من التراب والجص- ونحو ذلك ، ثم يتبعها الماء . لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل ، فيكون أبلغ ، والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها ، أو الجمع بينهما . عن أنس رضي الله عنه قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء) متفق عليه . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لجماعة من النساء ((مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله)) قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ، لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر ، وهو أبلغ في التنظيف ، وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقي بهن المحل فإن لم تكف زاد رابعا وخامسا حتى ينقي المحل ، والأفضل أن يقطع على وتر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من استجمر فليوتر ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى ، لقول سلمان في حديثه : ((نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بيمينه)) [3] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) [4]
وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما ، استجمر بيمينه للحاجة ولا حرج في ذلك ، وإن جمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء ، كان أفضل وأكمل . ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة ، خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة ، قال تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [5] وقال سبحانه : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[6] وقال عز وجل : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [7] وقال عليه الصلاة والسلام : ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) [8] وقال : ((إن الدين يسر)) [9] فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث ألا كبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه ، فإنه يتيمم وهو : أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة ، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه لقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ[10] والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء ، لقول الله سبحانه : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[11] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))
وللمريض في الطهارة عدة حالات :
1- إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا مخوفا ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شينا فاحشا وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوهما ، أو كان ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه ، فهذا لا يجوز له التيمم . لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه ؛ ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله .
2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس ، أو تلف عضو ، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة ، فهذا يجوز له التيمم . لقوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[12]
3- وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم .
4- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب ، جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي .
5- إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما ، فإنه يصلي على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة ، لقول الله سبحانه : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[13]
6- المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح ولم يبرأ بمعالجته ، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه ، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن تيسر له ذلك . لقوله تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[14] وقوله تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[15] وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته . وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت ، فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء أو التيمم إن كان لا يستطيع الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة وهي التي يستمر معها الدم غير دم الحيض . ويبطل التيمم بكل ما يبطل به الوضوء ، وبالقدرة على استعمال الماء ، أو وجوده إن كان معدوما ، والله ولي التوفيق .
[1] رواه البخاري في ( الوضوء ) برقم ( 156 ) ، ومسلم في ( الطهارة ) برقم ( 350 ).
[2] رواه أبو داود في ( الطهارة ) برقم ( 36 ) ، والدارمي في ( الطهارة ) برقم ( 668 ).
[3] رواه مسلم في ( كتاب الطهارة ) باب الاستطابة برقم ( 386 ) .
[4] رواه مسلم في ( كتاب الطهارة ) برقم ( 392 ).
[5] سورة الحج الآية 78 .
[6] سورة البقرة الآية 185 .
[7] سورة التغابن الآية 16 .
[8] رواه البخاري في ( الاعتصام بالكتاب والسنة ) ، برقم ( 6744 ) واللفظ له ، ومسلم في ( الفضائل ) برقم ( 4348 ).
[9] رواه البخاري في ( الإيمان ) برقم ( 38 ).
[10] سورة النساء الآية 43 .
[11] سورة التغابن الآية 16 .
[12] سورة النساء الآية 29 .
[13] سورة التغابن الآية 16 .
[14] سورة الحج الآية 78 .
[15] سورة البقرة الآية 185 .
منقول