العلامة محمد حسن فضل الله
لا يزال الحديث عن المرأة في الإسلام، حديث المفكرين الإسلاميين الذين يعملون على تحديد شخصية المرأة ودورها في الفكر الإسلامي وفي الشريعة الإسلامية من أجل إعطاء الصورة المشرقة التي تتمثل في النظرة الإسلامية إلى إنسانيتها الأصيلة فيما هي القيمة الروحية والإنسانية في عالم الدنيا والآخرة.
معالم المنهجهل السبيل إلى اكتشاف طبيعة المرأة وعقلها وإيمانها هو النصوص الدينية، أو الاستغراق في دراسة عناصر الشخصية الذاتية للمرأة من خلال الواقع الحي في حركة وجودها، وفي مستوى انفتاحها على الآفاق العلمية، فيما هو الفكر في عمقه وفي سعته، وفي طبيعة رؤيتها للأشياء من حولها، فيما هو الرأي والنظرة للأمور، وفي نوعية التزامها الداخلي بالعقيدة في خطِّ الارتباط بالإيمان بالله ورسله وكتبه وشرائعه، والتزامها الخارجي في خطِّ العمل والمعاناة والمراقبة لله في دائرة التقوى الروحية والفكرية في ذلك كله.. وفي قدرتها على مواجهة التحدّيات في الصراع الفكري في ساحة الدعوة، أو في المشاكل الواقعية في ساحة الجهاد.
إننا نعتقد أن الدراسة الواقعية على مستوى الاستغراق في الواقع الإنساني للمرأة كما هو الواقع الإنساني للرجل، هو السبيل الأفضل للوصول إلى النتائج المتوازنة.. ثم ندخل إلى فهم النصوص على أساس ذلك، لنتعرف إلى طبيعة الظروف التي تحركت فيها، والنظرة التي انطلقت منها. فلعلنا نجد هناك بعض القرائن التي تصرف النص عن ظاهره، ليكون له تفسير آخر لا يختلف عن الواقع الخارجي، أو لنكتشف عدم سلامة الحديث لمخالفته للأصول الثابتة للعقيدة، ما يجعله مخالفاً للضرورة الدينية من الكتاب والسنة ونحو ذلك.
مريم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] المثال الأعلى القرآني :وفي ضوء ذلك، فقد نلاحظ في المقارنة بين الرجل والمرأة اللذين يعيشان في ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية متشابهة، أن من الصعب التمييز بينهما، بحيث يكون وعي الرجل للمسألة الثقافية والاجتماعية والسياسية أكثر من وعي المرأة لها، بل قد تجد هناك نماذج متعددة لتفوّق المرأة على الرجل في سعة النظر، ودقة الفكر، وعمق الوعي، ووضوح الرؤية، بلحاظ بعض العناصر الداخلية أو الخارجية المميِّزة لها بشكل خاص. وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف الملائمة في نشأتها العقلية والثقافية والاجتماعية، فقد استطاعت أن تؤكد موقعها الفاعل في مواقفها الثابتة المرتكزة على قاعدة الفكر والإيمان، وهذا ما حدثنا الله عنه في شخصية مريم وامرأة فرعون، وما حدثنا التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى أم المؤمنين وفاطمة الزهراء وزينب ابنة علي.. فإن المواقف التي تمثلت في حياة هاتيك النسوة العظيمات، تؤكد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي عاشت في حياتهن على مستوى حركة القوة في الفكر والمسؤولية والمواجهة للتحديات المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرِّق بينهن وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهن، بأيِّ ميزة عقلية أو إيمانية في القضايا المشتركة بينهن وبينهم. وإذا كان بعض الناس يتحدث عن بعض الخصوصيات غير العادية في شخصيات هاتيك النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلاَّ الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النموّ الروحي والعقلي والالتزام العملي، بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النموِّ الذاتي.. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول في وجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأيّ إثبات قطعيّ، مع ملاحظة أن الله سبحانه تحدث عن اصطفاء بعض النساء هي مريم عليها السلام، من خلال الروحانية التي تميزها والسلوك المستقيم في طاعتها لله، فيما قصَّه الله علينا من ملامح شخصيتها عندما كفلها زكريا وعندما واجهت الموقف الصعب في حملها لعيسى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وفي ولادتها له. وإذا كان الله قد وجَّهها من خلال الروح الذي أرسله إليها، فإن ذلك لا يمثّل حالةً غيبيةً في الذات، بل يمثِّل لطفاً إلهياً في التوجيه العملي والتثبيت الروحي، على أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها، تماماً كما هي المسألة في الرجل في الحالات المماثلة.. فإننا لا نجد هناك فرقاً بين الرجل والمرأة عند تعرض أيٍّ منهما للتجربة القاسية في الموقف الذي يرفضه المجتمع من دون أن يملك فيه أيَّ عذر معقول، ما يخرج فيه الموقف عن القاعدة المتمثلة فيه، فيما هي القيمة الاجتماعية السلبية في دائرة الانحراف الأخلاقي.
حُكم النساءوعندما ندرس التاريخ في جانب آخر غير الجانب الإيماني في القصص القرآني، فإننا نجد ملكة سبأ، فيما قصة القرآن الكريم علينا من أمرها في حوارها مع قومها عند وصول رسالة سليمان إليها، فقد جمعت قومها لتستشيرهم حول الموقف الذي يجب أن تتخذه من تهديد سليمان لها ولقومها، ونوعية الردّ الذي تردّه على الرسالة، ولعلَّ هذا اللجوء إلى الاستشارة يوحي بوجود عقل راجح فيما تتميز به شخصيتها، بحيث لا تعطي الرأي الذي تملك إقراره من موقعها كملكة، إلاّ بعد استشارة أهل الرأي من قومها فيه، وهذا هو شأن الشخصية القيادية المتزنة المنفتحة على لمسؤولية بشكل دقيق، وهذا هو ما حدثنا الله عنه في سورة النمل:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]29[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]30[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][النمل/29ـ32]. وهكذا أرادت من رجال قومها أن يقدِّموا إليها "الفتوى السياسية" التي تعينها على استيضاح الموقف الذي ينبغي لها أن تتَّخذه في المسألة الخطيرة، ولكنهم أرجعوا إليها الأمر لترى رأيها، باعتبار ثقتهم بالمستوى الكبير للرأي عندها، وهي صاحبة القرار الأول والأخير.. أما دورهم فهو تنفيذ أوامرها فيما يملكونه من القوة والبأس الشديد في مواجهة كل التحديات التي يطلقها الملوك الآخرون ضد سلطانها ومواقع الحرية في حياتهم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]33[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]34[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [النمل/33 ـ35].
وكأن رأيها العاقل المتزن المرتكز على الحسابات الدقيقة في الحل الأفضل للمشكلة التي لا تكون القوة السبيل الأمثل لمعالجتها، فلا بدّ من دراسة شخصية سليمان، هل هو ملك يهدف إلى السيطرة الغاشمة التي تلغي وجود الآخرين وحريتهم في قرارهم وتفسد عليهم حياتهم، وتفرض عليهم الذلّ في واقعهم المعاش كبقية الملوك الذي يتميزون بهذه الخصائص الشريرة.. وفي هذه الحال لا بدَّ من دراسة المسألة في إمكانات الحلَّ السلمي، وفي تقدير حجم قوتهم فيما يستطيعون معه المواجهة أو فيما لا يستطيعونه منها؟ أو هو داعية حق ورسول هدى يمكن التفاهم معه أو الدخول في حوار معه في القضايا التي يدعو إليها؟ واستقر رأيها على أن ترسل إليه بهدية، لترى الجواب في مضمونه السلمي أو الحربي أو القوي أو الضعيف، فلو كان ملكاً لأمكن للهدية أن تجتذبه إذا كان حجمها كبيراً، أو تثيره إذا كانت أهدافه كبيرة في غير هذا المستوى، وإذا كان داعية حق فلا يتنازل تحت تأثير أي شيء مادِّي مهما كان كبيراً.
وهكذا فعلت في قرارها الحاسم في المسألة، الذي يدلّ على شخصية عاقلةٍ متزنةٍ تحسب للأمور حساباتها الدقيقة قبل أن تتخذ أيّ قرار، وتعمل على أساس استنطاق عقلها بدلاً من استثارة عاطفتها وانفعالاتها، لا سيَّما إذا كانت تملك الوسائل التي تمنح لهذا الانفعال القاسي فاعليته في القضية التي تهدد عرشها، من خلال قوة قومها وبأسهم الشديد.
إن القرآن يقدم إلينا المرأة في صورة ملكة سبأ كإنسان تملك عقلها ولا تخضع لعاطفتها، لأن مسؤولتيها قد استطاعت إنضاج تجربتها وتقوية عقلها، حتى أصبحت في مستوى أن تحكم الرجال الذين رأوا فيها الشخصية القوية العاقلة القادرة على إدارة شؤونهم العامة.
وإذا أردنا استنطاق هذه الصورة، فإنها تدلّ على إمكانية انتصار المرأة على عوامل الضعف الأنثوي الذي قد يؤثر تأثيراً سلبياً على طريقتها في التفكير أو في إدارة المواقف، ما يوحي بأن الضعف ليس قدرها الذي لا تستطيع التخلص منه.
وهكذا كانت نهاية المطاف أن دخلت في الإسلام مع سليمان، بعد أن اقتنعت بذلك من خلال المعجزة التي نقلت عرشها إلى موقع سليمان، أو من خلال الحوار الذي دار بينها وبين سليمان، ما يضيف دليلاً جديداً إلى الفكرة في صورة المرأة التي تقرر وتلتزم وتنتمي من خلال الفكر الخاضع للحسابات الدقيقة التي قد لا يملكها الكثيرون من الرجال.
المرأة كمثال للقوةوقبل أن ننطلق بعيداً عن استعراض النماذج، لا بد من التوقف عند شخصية امرأة فرعون التي كانت تعيش في القمة من الجاه والنعيم، ولكنها تمردت على ذلك كله، لأنها لم تنفتح ـ من خلال إيمانها ـ على هذه الحياة المستكبرة اللاهية الطاغية التي تعيش الإثارة والأنانية والطغيان فيما تتلهى به من آلام المستضعفين وجوع الجائعين، كما تعيش التمرد على الله والبعد عن مواقع الخير في حياة الناس.. كانت تحب أن تعيش إيمانها في إنسانيتها، ولكنها لا تجد أيّ فرصة للقيام بذلك، لأن زوجها كان يملأ الحياة من حولها بكل ما هو غير إنساني في اضطهاده للمستضعفين هناك.. وهكذا انطلقت صرختها إلى الله لتعبر عن رفضها الروحي والعقلي لكل ما حولها، لتطلب من الله أن يقوّيها في موقفها العملي ليكون التحدي في موقعها أكبر، ليبني لها بيتاً في الجنة تتطلع إليه في أحلامها الإيمانية كلما زحفت إلى مشاعرها نقاط الضعف التي قد تعمل على أن تزلزل مواقعها مواقفها.. ولينجّيها من فرعون وعمله لأنها لا تطيق شخصيته المشوّهة وعمله الاستكباري، ولينجيّها من القوم الظالمين الذي يحيطون به ليتزلفوا إليه ويدعموا ظلمه ويتحركوا ـ في ساحته ـ من أجل أن يكونوا الظالمين الصغار في خدمة الظالم الكبير.
وهكذا ضربها الله مثلاً للمؤمنين والمؤمنات، لتكون القدوة لهم في النموذج الأمثل للقوة الإيمانية الإنسانية المتمردة على سلطان الظلم بكل إغراءاته وملذاته، كما ضرب الله مريم ـ من بعدها ـ لهم مثلاً في الصفة الأخلاقية في مستوى القمة، كما كانت النموذج الأمثل في التصديق بكلمات ربها وكتبه، وفي القنوت الخاشع لله في حياتها كلها، حتى كانت حياتها صلاةً كلها.. وهذا ما جاء في قول الله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]11[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (التحريم/11 ـ 12) .
ونحن نعرف أن اعتبار المرأة المؤمنة القوية قدوةً ومثلاً حياً للرجال والنساء من المؤمنين والمؤمنات، يدلُّ دلالة واضحة على أن القرآن يعترف للمرأة بقدرتها على أن تكون الإنسان القوي الذي يستعلي على كل مواقع السقوط، ويتمرد على كل نوازع الضعف.. ما يدل أن على المرأة في نموذجها الأمثل، يمكن أن تكون المثال للرجل كما هي المثال للمرأة، من موقع الإنسانية المشتركة التي تستطيع أن تندفع في عطائها الإنساني الأخلاقي في الموقف، بالمستوى الذي تُلغى فيه فوارق الجنس أمام وحدة العقل والإرادة والحركة والموقف.
وإذا كنا نتحدث عن بعض النماذج القرآنية، أو بعض الأسماء التاريخية الإسلامية التي تمثل البطولات الكبيرة للمرأة، فإننا سنلاحظ في قراءتنا للتاريخ، النسوة اللاتي جسّدن التفوق في مجتمعهن فيما يملكنه من قدراتٍ ومواهب ومواقف.. تؤكد القدرة الإنسانية للمرأة على أن تتجاوز نقاط ضعفها لتحوّلها إلى نقاط قوة لتبلغ بها المستوى الرفيع.
وفي العصور المتأخرة، وفي العصر الحاضر، نجد التجربة الإنسانية في العلم والثقافة والحركة السياسية والاجتماعية تقدم لنا الكثير من النساء اللاتي استطعن أن يؤكدن وجودهن وتجربتهن الرائدة المعبرة عن مواقع القوة الإنسانية الدالة على قدرة المرأة على التحدي والثبات والإبداع في مختلف المجالات العامة والخاصة، ما يوحي بوجود نوعٍ من التوازن في القدرات الإنسانية في الظروف المشتركة بين الرجل والمرأة.
هذه صورة عن الواقع الحيّ الذي يعيشه الرجل والمرأة في الواقع الإنساني الذي يوحي بأن اختلاف الجنس في الطبيعة الإنسانية لم يمنع الاتفاق على الوحدة في القوة الفكرية والإرادة الصلبة والمرونة العملية لدى الرجال والنساء، مع توفّر ظروف القوة والإبداع. فما هي النظرة الإسلامية حول هذا الواقع؟ فهل هناك نظرة سلبية للمرأة بحيث تجعل منها إنساناً دون الرجل في العقل وفي الإيمان وفي حركة الحياة؟ وهل تلتقي هذه النظرة التي قد تطبع الذهنية الشعبية الإسلامية العامة وبعض ذهنيات العلماء والمفكرين المسلمين، مع النظرة القرآنية أو أنها لا تلتقي معها، بالدقة الإسلامية؟ هذا هو ما نريد أن نناقشه في هذا الحديث.
صورة المرأة في القرآنولا بد لنا، قبل الدخول في البحث بشكلٍ مباشر، من التأكيد على نقطة مهمة، وهي أننا لسنا بصدد عمل تأويلي يستهدف تأويل النصوص القرآنية أو النبويّة لمصلحة هذا الاستنتاج النظري في دراسة الواقع، على أساس التوفيقي بين التجربة الإنسانية ومضمون النصوص تبعاً لبعض النظريات المرتكزة على النهج التوفيقي بين النظرية الإسلامية في التشريع وبين تطورات العلم في حركة الواقع.. لأننا لا نتبنى المنهج التوفيقي الذي ينطلق من الرغبة في التوافق مع فكرة عصرنة الإسلام في خضوعه للمتغيرات الطارئة المنطلقة من سيطرة فكرٍ معين أو قوة معينة على حركة الإنسان في العصر بعيداً عن حقائق الحياة في أصالتها الواقعية.
إن المسألة عندنا، هي الانطلاق من حقائق الإسلام فيما تتضمنه النصوص القرآنية القاطعة، أو النصوص النبوية الثابتة في مستوى الحقيقة من خلال عناصر الوضوح الكامنة في ظواهر النصوص، فذلك هو الذي يؤكد لنا القناعات الإسلامية في ما نلتزم به من فكرٍ أو نتحرك فيه من شريعة.. وإذا كنا نلاحظ دراسة الحياة في عناصرها الأصيلة، فإننا نفعل ذلك من خلال القناعة بأن الإسلام لا يتنكر للحقائق، بل يؤكدها ويتحرك في تشريعه على أساس الانسجام معها، بما يجعلنا نعيد دراسة النصوص الظاهرة في خلاف ذلك، لنعمل على اكتشاف بعض العناصر الخفية التي قد تؤدّي إلى فهمها بطريقة أخرى، ليكون ذلك بمثابة القرينة الداخلية على إرادة خلاف الظاهر. وهذا هو ما نريد إثارته في حديثنا عن اكتشاف النظرية الإسلامية الحقيقية للمرأة في إنسانيتها الكاملة على مستوى مسؤوليتها أمام الله.
والسؤال الآن: هل في القرآن ما ينافي النظرة إلى العناصر المشتركة في شخصية المرأة والرجل فيما هي عناصر الشخصية الإنسانية في أصالتها؟
ربما تثار في هذا المجال عدة نقاط:
النقطة الأولى: التشريعات المتنوعة التي توحي بأن حق المرأة المالي أو قدرتها العقلية يساوي نصف ما لدى الرجل، وذلك في الإرث كما في قوله تعالى :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (النساء (/11 وفي الشهادة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (البقرة . (282 وقد نجد هناك في النصوص الدينية استيحاء نقصان حظوظهن من الآية الأولى، ونقصان عقولهن من الآية الثانية.. كما قد نلتقي في هذا السياق بالتعبير بنقصان إيمانهن من خلال قعودهن عن الصلاة والصيام في أيام الحيض لتحريم ذلك عليهن.
النقطة الثانية: قوامة الرجل على المرأة التي قد توحي بأن مستواها دون مستواه، وذلك من خلال ما نستفيده من الآية الكريمة:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( النساء34.)
ومن خلال ما صرحت به الآية الأخرى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]َلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ..[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( البقر228) فهناك أفضلية للرجل على المرأة، ما يجعل درجة الرجل في التقويم تعلو على درجة المرأة.
النقطة الثالثة: قوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ( الزخرف(18 فقد نستفيد منها أن القرآن ينظر إلى المرأة بإعتبارها إنساناً معداً للزينة في أجواء الحلي من أجل شهوة الرجل وخاضعاً لعناصر الضعف الكامنة في شخصيته، ما يجعله غير قادر على الدخول بقوة في ساحة الصراع في الحياة.
ولنا ملاحظات أمام هذه النقاط.
أما النقطة الأولى: فإن التشريعات الثلاث لا تدلّ على الدونية في إنسانية المرأة من حيث المستوى، بل كل ما تدل عليه هو طبيعة حركة توزيع الثروة على الصعيد الاقتصادي، وذلك تبعاً للمسؤوليات التي يتحملها الورثة في الوضع الاقتصادي في التشريع الإسلامي، حيث حمَّل الرجل مسؤولية الإنفاق على البيت الزوجي بالإضافة إلى المهر بما لم يحمّله للمرأة، ما اقتضى نوعاً من التوازن في تحديد حصة الرجل. وهذا ما نلاحظه في مفردات الحصص التي قد تعلو فيها حصة الأبناء على الآباء مما لا نستطيع أساساً اعتباره في استيحاء تفضيل الأبناء على الآباء في القيمة الإنسانية في التشريع. أمَّا الشهادة، فقد علَّلت الآية المسألة بالاحتياط للعدالة، فقد تدفع النزعة العاطفية التي قد تكون قوتها في المرأة أكثر مما لدى الرجل. إلى انحراف عن الحق في الشاهدة مما أراد فيه الإسلام أن يكون الموضوع موضوع تشاور وتذكير من إحداهما للأخرى، ليستقيم الحق في دائرة التوازن في الوعي للمسألة، ولعل في تذكير المرأة للمرأة، إيحاء بأن المرأة الأخرى تملك أمر التركيز للشهادة من خلال اتزان النظرة، بحيث لا يكون العنصر الأنثوي سلبياً بشكل مطلق، بل يحمل إيجابية التسديد للحق، تماماً كما هو ضمّ الرجل إلى الرجل في الشهادة في البينة التي لا بد فيها من رجلين عادلين، مما لا نستطيع استيحاء النقصان في قيمة الرجل الواحد في مقام الشهادة من حيث طبيعته العقلية أو الإنسانية.
وفي ضوء ذلك، فإننا لا نستطيع اعتبار التعبير المرويّ عن الإمام علي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في نهج البلاغة منطلقاً من عمق النظرة إلى المرأة في دائرة التأكيد على نقصان إنسانيتها في الحظ والعقل والإيمان، بل قد يكون خاضعاً لبعض الظروف والأجواء الخاصة التي قد تعرض لوناً من ألوان التعبير الإيحائي، أو الواقع الذي تعيشه المرأة بشكل عام من خلال تاريخ الجهل والتخلف المفروض عليها في طريقة تربيتها وتأهيلها للحياة الاجتماعية بالقياس إلى الرجل، ما جعل حركتها في الواقع خاضعة لطبيعة الأسلوب والمنهج التربوي في نتائجه السلبية على انفتاح شخصيتها في قضايا الحياة، بعيداً عمَّا هو النقص الذاتي في الطبيعة الإنسانية.
أما مسالة نقصان الإيمان، فإننا لا نتصوره تعبيراً وارداً على نهج التعبير الحقيقي في دلالة الألفاظ عل معانيها، لأن المسألة هي أن قعودها عن الصلاة والصيام يمثل تخفيفاً عن المرأة وانسجاماً مع الحالة الجسدية المضادّة للطهارة التي تحتاجها العبادة في روحيتها، تماماً كما هو القصر في الصلاة والإفطار في السفر تخفيفاً عن المسافر وحاجة العبادة إلى نوع من الاستقرار المفقود في السفر.
وربما تعيش بعض النساء المؤمنات روحية العبادة في إخلاصها لله وانفتاحها عليه في تلك الحالة بالمستوى الذي تتمنى فيه لو أن التشريع أباح لها الصلاة والصيام، فتلجأ إلى الدعاء والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوه مما ينفتح على ذكر الله، وربما نستوحي، من استحباب جلوس المرأة في مصلاَّها أثناء الصلاة في حال الحيض، أنّ المسألة ليست نقصاً في الإيمان فيما هو الوعي الروحي للعقيدة والشعور، بل هو لونٌ من ألوان التخطيط لحركة الإنسان في العبادة فيما هو الجانب المادي لجسم العبادة من حيث شروطها الخاصة، الأمر الذي يحب فيه التشريع للمرأة أن تستمر في الجو، لتكون العبادة في التأمل والذكر والدعاء تعويضاً عن عبادة الصلاة، كما أن تشريع القضاء للصيام في غير أوقات العادة يدل على أن المسألة لا تمثل حرماناً في العمق، بل تمثل تنظيماً لأوقات الصيام على أساس الظروف الذاتية للإنسان.
وأمَّا النقطة الثانية: فإنها تمثِّل نوعاً من أنواع التنظيم للحياة الزوجية التي جعلت الرجل قائماً على شؤون المرأة من خلال مسؤوليته المالية عن البيت الزوجي، ومن خلال بعض الخصائص الذاتية التي يتميز بها الرجل بالمستوى الذي قد يجعل قدرته على مواجهة الموقف بها أكثر من المرأة في خصوصيات الحياة الزوجية أو الحاجات الذاتية الخاصة، وليس من الضروري أن تكون المسألة اختلافاً في مستوى إنسانية المرأة بالقياس إلى إنسانية الرجل فيما هو العقل والحكمة والبصيرة ووعي الأمور، من خلال العناصر الطبيعية للشخصية في إمكاناتها الخاصة.
وإذا كان بعض الناس يرى أن القوامة في الآية عامّة لجميع الأمور العامة، كالحكم والقضاء ونحوهما، فإننا لا نرى ذلك مفهوماً من الآية التي يوحي جوها العام بالحديث عن البيت الزوجي، وذلك من خلال التفريع الذي لا يعتبر مجرد تفريع جزئي لأمرٍ عام شامل، بل يمثل ـ بحسب الظهور العرفي ـ تفريعاً ذا دلالة على نطاق الشمول في الحكم، ولولا ذلك، لكان الحديث عن القضاء والحكم والجهاد أولى من الحديث عن فرض النظام في البيت، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنَّ الآية تتحدث عن القوامة في الدور الذي يقوم به الرجل إزاء المرأة، لتكون القضية في كل جزئياتها التطبيقية قضية رجل وامرأة، وهذا ممّا لا تتكفّل به قضية القوامة في موضوع الحكم والقضاء، فإن الهيمنة فيهما على كل الناس الذين يتعلق بهم الحكم والقضاء، ولكن من غير الجو الذي تعيش فيه الآية بحسب مدلولها اللفظي.. وقد نضيف إلى ذلك ملاحظة ثالثة، وهي أن القوامة انطلقت في الآية من نقطتي الإنفاق والتفضيل بلحاظ بعض الخصائص، ما يدل على أنها الأساس في الحكم معاً، وهذا مما لا يتناسب مع استفادة القوامة في الأمور العامة إذ لا علاقة للإنفاق بها إذا كان التفضيل هو الأساس في تشريعها. وهكذا نجد أن القوامة ـ في نطاق مدلول الآية ـ لا تمثل خصوصية في انحطاط البعد الإنساني في المرأة عن البعد الإنساني في الرجل، بل تمثل خصوصية معينة في المسؤولية عن الحياة الزوجية.
أما النقطة الثالثة: فإنها لا توحي بالضعف من خلال الطبيعة، بل كل ما هناك، هو أن هناك أسلوباً معيناً في التنشئة قد يترك تأثيراته السلبية على طريقة نموّ الشخصية في المرأة، ما يجعل لاستبدال التربية بأسلوب آخر تأثيراً قد يكون إيجابياً في طريقة تطوّر القوة الشخصية في حركة الوجود الإنساني للمرأة.
وعلى أيّ حال، فإن الفقرة المذكورة في الآية لا توحي بالعنصر الذاتي للضعف الإنساني في شخصية المرأة إذا لم توح بخلافه.
وربما نستوحي من بعض الآيات القرآنية انفتاح المرأة على إيجابيات القيم الروحية بنفس انفتاح الرجل عليها، وصلابة الموقف المتمرد على نقاط الضعف في داخل الشخصية في الرجل، ليكون الجزاء الإلهي هو الثواب والمغفرة واحداً في النتائج الكبيرة عند الله، وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيـراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَـدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِـرَةً وَأَجْـراً عَظِيماً[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][الأحزاب ـ35].
إنه حديثٌ عن المجتمع في الدائرة الواسعة التي تتضمن الرجال والنساء في ما يريد الإسلام أن يصل إليه في مجال التربية الروحية والعملية التي تؤكد على مواقع القوة والالتزام في الشخصية الإسلامية، وعلى الانتماء الفاعل للإسلام وللإيمان والانفتاح الكبير على الله، لجهة القنوت لله والصدق في الكلمة والموقف والنية والصبر في مواقع الشدّة وفي حالات الاهتزاز، والخشوع الذي يعيش فيه الإنسان الشعور العميق في انفعالات روحه وفكره بعظمة الله، والعطاء المتمثل بالصدقة في بذل المال حتى في حالات الضيق في سبيل الله، والصوم الذي يوحي بالإرادة الصلبة في تحمّل الجوع والعطش والحرمان الغريزي والعفّة عن الحرام في مواجهة ثورة الغريزة الجنسية، وذكر الله في كل حال في وعي الفكر، وفي حركة الموقف.
إنها الخطُّ المستقيم، والحركة الملتزمة القوية الواعية، والقيم الروحية المنفتحة على الله وعلى الحياة والإنسان من خلاله..
إنه مجتمع المرأة الملتزمة والرجل الملتزم في الإخلاص لله، وهو الذي يحمل أكثر من دلالة على أن التربية الإسلامية الواعية يمكن أن تبدع هذه العناوين الكبيرة في الرجل والمرأة معا إذا عاشا الظروف الواحدة والخط الواحد.
إنها إيحاءات هذه الآية.. وكم في القرآن الكريم من أمثال هذه الإيحاءات التي تجعل الإنسان في إنسانيته في موقع النداء الإلهي الذي يريد أن يجعل الحياة على صورة رسالته. وفي ضوء ذلك، قد نفكر بضرورة تنمية هذا العمق الإنساني الذاتي في المرأة، وذلك بالتخطيط لبناء شخصيتها على أساس تقوية الطاقة العقلية لديها بالتجربة الحية، والمعرفة الواسعة، والعمل على انفتاح طاقاتها على القضايا الإنسانية الكبرى فيما هي المسؤولية الشاملة في قضايا الحياة، لتؤكد نجاحاتها في هذه الدوائر، فإن مسألة النموّ العقلي والعلمي والحركي في شخصيتها الإنسانية ليست شيئاً بعيداً عن طبيعة الأشياء في وجودها، فيما لاحظناه من النتائج الإيجابية الكبرى في أكثر من صعيد، وفي أكثر من أفق، ما يوحي بأن ما تعيشه المرأة من ضعف وما تعانيه من تخلّف ليس هو القضاء والقدر الذي لا بدَّ منه في حياتها، بل هو نتيجة للإهمال الكبير لعناصر القوة والوعي في تربية شخصيتها وبناء وجودها، كما هو الحال في الرجل الضعيف في فكره، المتخلف في وعيه وحركة حياته، فإن ذلك ليس ناشئاً عن طبيعته في الذات في هذه المنطقة أو تلك، بل هو ناشئ من تقصير في تهيئة عوامل التقدم والقوة في الظروف المحيطة به.
الأنثى والضعف والحجاب والاختلاطوإذا كان العنصر الأنثوي يختزن بعض الضعف في شخصيتها انطلاقاً من الجانب العاطفي الأكثر بروزاً في مشاعرها، أو الجانب الجسدي الذي لا يستطيع تحمل المهمات الشاقة أو حمل الأثقال كما هو الرجل، فإن ذلك لا يمنع من تحويل هذا الضعف إلى قوة، بتربية الفكر بالمعرفة، وتقوية العقل بالممارسة، وإضعاف العاطفة بالوعي القائم على مواجهة الأمور بطريقة موضوعية من خلال منهج تربوي عملي متوازن، وتدريب الجسم على اكتساب القوة بدرجة معقولة، فقد رأينا في الواقع الكثير من النساء اللاتي يملكن صلابة الإرادة وقوة الموقف ووعي الواقع أكثر من الكثيرين من الرجال الذين أهملوا إمكانات القوة في شخصياتهم، ما يعني أن نقاط الضعف في التركيبة الإنسانية ليست من الأمور الذاتية المرتبة بالتكوين الإنساني الذي لا يقبل التغيير بل هي من الأمور الطبيعية القابلة للتكيف والتطور من خلال الجهد الإنساني في الدائرة الإيجابية أو السلبية.
وإذا كان البعض يرى الحجاب وما يستتبعه من قيود والتزامات عملية لا يسمح بالحركة القوية المتوازنة للمرأة، لأنه يمنعها من الاختلاط بالرجل، والاندماج في المجتمعات العامة، ما يؤثر تأثيراً سلبياً على حركتها في المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية في مواقعه المتنوعة.
إذا كان البعض يطرح القضية في هذا الاتجاه، فإننا لا نجد ذلك مانعاً من القيام بالدور الملائم لإمكاناتها والتزاماتها ، فهناك الدائرة النسائية الواسعة التي تحتاج إلى عناصر نسائية مثقفة واعية متحركة ، من أجل القيام بمهمة التوعية والتثقيف والتعبئة الروحية، والنشاط السياسي والاجتماعي، انطلاقاً من حاجة المرأة إلى ذلك في القيام بواجباتها ومسؤوليتها الإسلامية في حركة الحياة، لأن إهمال هذا الجانب من المرأة، من خلال إهمال دور المرأة الداعية إلى الله، المتحركة في اتجاه خط التغيير وإبعادها عن ذلك، وابتعاد الرجل عن القيام بهذا الدور كنتيجة للحواجز الشرعية المانعة من انفتاح الرجل على المرأة، لا بدَّ أن يؤدي إلى مجتمع نسائي متخلِّف من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية، منحرف من الناحية الدينية على مستوى الالتزام والانضباط في طريق الله. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الإسلام لم يمنع من الاختلاط بين الرجال والنساء بشكلٍ إلزاميّ، إلاّ في الدائرة التي تؤدي إلى الإنحراف الأخلاقي، أما الاختلاط المتوازن الذي يضع الحدود الأخلاقية في نطاق متوازن، فإنه لا يبتعد عن الإباحة الشرعية على أساس التربية الإسلامية التي تعمل على تأكيد الالتزام الإسلامي في شخصية كلّ من الرجال والنساء. ولعل كثيراً من التجارب التي عاشتها المسيرة الإسلامية في الماضي والحاضر، تدلّ على أن قضية الانضباط في الحدود الشرعية ليست أمراً بعيداً عن الواقعية فيما هي التجربة الإنسانية الحية.. وإذا كان البعض يقدّم بعضاً من الوقائع السلبية في الدائرة الأخلاقية في مسألة الاختلاط، فيما تمثّله من انحرافات عن الخطوط الشرعية، فإنا لا نجد في ذلك مشكلة كبيرة في ما نعالجه، لأن سقوط التجربة في بعض المواقع ليس بدعاً من الأمور في كل الدوائر الأخلاقية العامة في المجتمع كله، لأنَّ طبيعة الضعف الإنساني قد تفرض الانحراف بفعل الغفلة من الاحتراس من السقوط، حتى في الدائرة الذاتية الفردية في دائرة الرجل أو المرأة، فقد لا تخلو أيةّ حالة إنسانية من ذلك كله.. ما يستدعي العمل على تأكيد الضوابط في النطاق الاجتماعي والفردي من دون حاجة إلى إلغاء أيّ تجربة في نطاق المسؤولية في أيِّ جانبٍ من جوانب الحياة العامة والخاصة، لأنها لا تنفصل في بعض مفرداتها عن الانحراف بدرجة وبأخرى.
وقد يثير البعض مسألة الأمومة كمسألةٍ مهمةٍ أساسيةٍ فيما هو الدور الإسلامي البارز للمرأة، بل ربما يكون هو الدور الإنساني الأبرز لها من خلال الالتزامات الطبيعية التي تفرضها أوضاعه المعقَّدة من الحمل والإرضاع والتربية.. فقد نستوحي من هذه المسألة تأكيد أصالة الدور الإنساني للمرأة في شخصية الأم في حياتها، بالإضافة إلى شخصية الزوجة في ذلك الدور. ويؤكد البعض على الموانع التي تمنع المرأة من ممارسة أيّ دور آخر في النطاق الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، ما يعني للمرأة، أنّ عليها أن تقوم بدور الاختيار بين دورها كزوجة وأمّ لا بدَّ من أن ترعى زوجها وأولادها، وبين دورها كعاملة في الحقول العامة لا بد لها من أن ترعى الأمة كلها بنشاطها العام. فلا مجال لإيجاد حالة من التوازن بين الدورين، فلا بد أن يطغى جانب على جانب، بحيث قد يلغيه في بعض الظروف العامة.
ولكننا نتصوَّر أنَّ الأمومة في مسؤولياتها ومشاكلها كالأبوة في بعض هذه المسؤوليات والمشاكل، وإن اختلفت عنها في الطبيعة، فيما هو الحمل والإرضاع والتربية للأولاد والخدمة لهم وللزوج في البعد الواقعي العملي للمسألة ما لا يعيشه الأب أو الزوج ولا يستغرق فيه.. غير أن المسؤولية الشرعية التي يحمّلها الإسلام للزوج وللأب في الإنفاق على البيت الزوجي ورعاية الزوجة والأولاد، تأخذ أكثر الوقت، وتستهلك أكثر من الطاقة، فالمسألة في هذه الدائرة العائلية متقاربة في ضغوطها ومشاكلها، ولا تقلّ إحداهما عن الأخرى في حجم المسؤولية.
غير أن ذلك لا يمنع الرجل من أن يملك بعض حرية الحركة في ممارسة شخصيته كإنسان، وكمسلم، فيما تفرضه عليه إنسانيته من نشاطات عامة وخاصة على مستوى الثقافة والاجتماع والسياسة، في ما يحتاجه المجتمع الإنساني من حوله، أو في ما يفرضه إسلامه من دعوةٍ وجهادٍ وتقويةٍ وتنميةٍ في حركة الإسلام كرسالة، أو في واقع المسلمين كمجتمع أو كأمة، ولذلك فلا بدَّ له من رعاية ذلك في عمله تبعاً للإمكانات التي يملكها من وقت أو جهد، لأنّ الإنسان لا يتجمد في دوره كزوج أو كأب، بل إن الزوجية أو الأبوة تمثّلان عنوانين من عناوين العلاقات الإنسانية التي أراد الله لها أن تحرّك الحياة في حلقات متصلة، في الوقت الذي يفرض فيه الإسلام عليهما الخضوع للخطوط الكبرى التي تحكم كل العناوين الإنسانية في حركة الإنسان.. وعلى هذا الأساس، فلا بدّ من العمل في الدائرة العامة من أجل حماية الواقع كله من كل الاهتزازات والثغرات والأوضاع السلبية التي تنحرف به عن الخط المستقيم الذي يريده الله للإنسان في حركته الفاعلة في الحياة.. وهذا هو الذي يفرض عليه أن يعطي جهده للرسالة في ما تحتاج إليه من جهدٍ فكري وعملي للوصول إلى الأهداف، الأمر الذي يدفعه إلى أن يجعل لوقته مساحة احتياطية للعمل العام في نطاق العمل الخاص في مفرداته المتصلة بحاجات الرسالة، أو نطاق العمل العام في تطلّعاته الواسعة إلى الآفاق الرحبة.
وهكذا نواجه المسألة في شخصية المرأة ـ الزوجة، أو المرأة ـ الأم، فإن ذلك لا يلغي شخصيتها كإنسان لا بدَّ أن تضيف إلى الإنسانية شيئاً من عطائها الثقافي والاجتماعي والسياسي في المجالات التي تستطيع أن تحرّكها في هذه الاتجاهات، ولا يجمّد حركتها كمسلمة يحتاجها الإسلام في دعوته وجهاده وحركته العملية من أجل التغيير.. ما يفرض عليها أن تحتفظ للإنسانية في عنوانها العام، وللإسلام في حركته الشاملة، ببعض من وقتها وجهدها خارج نطاق مسؤوليتها كزوجة وأم، وربما كانت نشاطاتها في الحقل العام تؤكد حيوية المعنى الإنساني والإسلامي في نشاطاتها في حقل الزوجية والأمومة.
إن التأكيد على مهمة المرأة في دور ربّة البيت، كالتأكيد على مهمة الرجل في دور "رب البيت"، لا يلغي ضرورة التحرك في الخطِّ الإنساني الممتد في واقع الإنسانية على هدى انفتاح الإسلام على كل قضاياه الكبيرة والصغيرة في استقامة الطريق في خطِّ الأهداف، وفي الوقوف في وجه الانحراف.
وهذا هو ما نستوحيه من الآية الكريمة التي تحمّل المؤمنات مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تحمّل المؤمنين ذلك، وتتصاعد القضية في ايحاءاتها الاجتماعية لتؤكّد على الاندماج الإنساني الإسلامي في الولاية، بحيث يكون بعضهم أولياء بعض في العمل والنصرة والتأييد والتعاون في كل المجالات المشتركة، وذلك هو قوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة].
إنها صورة المجتمع المؤمن المتكامل في وقوف المؤمنين والمؤمنات معاً في علاقة الولاية المنفتحة على المسؤولية في مواجهة الانحراف الاجتماعي والسياسي والعقيدي المتمثل في إهمال المعروف وتشجيع المنكر، ليتحركوا جميعاً في وحدة إيمانية شاملة في إعادة الحياة إلى خطَّ المعروف وإبعادها عن خطِّ المنكر، وذلك بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله في كل شيء مما تتضمنه رسالة الله في حركة العقيدة في مفاهيمها وامتداد الشرعية في أحكامها، وذلك هو وحده الذي يمنحهم رحمة الله ويدخلهم جنته الخالدة في نعيمها ويرفعهم إلى الدرجة الكبرى التي تتقدّم على ذلك كله، وهي رضوان الله الذي هو غاية كل مؤمن ومؤمنة في كل وجوده في الحياة. ونجد، بإزاء هذه الصورة المشرقة المتحركة في آفاق رحمة الله ورضوانه ، صورة أخرى، وهي صورة المنافقين والمنافقات، في الواقع السلبي المنحرف الذي يمثله المجتمع القائم على الارتباط العضوي بين المنافقين والمنافقات بحيث يتصل بعضهم ببعض ويقوّي بعضهم بعضاً في إبعاد الحياة عن المعروف وتقريبها من خط المنكر، وفي منعها عن الانفتاح على العطاء، وفي نسيانها لله الذي يهملها ويهمل أهلها في ما يوحي به نسيان الله لهم، وذلك قوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]67[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][التوبة/67 ـ68]
إنه المجتمع الذي تتكامل فيه عناصر الانحراف لتبتعد به عن الله، حيث يتحوَّل النفاق في الرجال والنساء إلى وضع شاذّ يعرِّض أصحابه إلى نار الجحيم، حيث يتساوى المنافقون والكفار في استحقاقهم لغضب الله، وهكذا نجد كيف يتحدث القرآن عن الرجال والنساء معاً في حياتهم الحركية بعيداً عن الأبوَّة والأمومة والزوجية، في الدائرة الإيجابية والسلبية، من دون أن يجعل للرجال دوراً أكبر أو أخطر من دور النساء، أو يعزل أياً منهما عن مسؤوليته في واقع الحياة في خط الاستقامة أو الانحراف، ما يعني أن الأدوار العامة في حياة الرجال والنساء لا تغيب عن مسؤوليتهما الإنسانية في غمرة انشغالهما بالأدوار الخاصة فيما هي الأمومة والأبوّة والزوجية، بل ربما كان الدور العام هو الذي يمنح الدور الخاص مضمونه الإنساني أو الرسالي فيما يترك من تأثيراته الإيجابية على فكر الإنسان وروحه، فيمتد إلى واقعه العملي بكلِّ قوة وإيمان.
المرأة " لا الجنس"إنَّ هناك مشكلةً معقَّدةً في ذهنية الكثيرين من الناس من إسلاميين وغيرهم، وهي أنهم ينظرون إلى المرأة كما لو كانت كائناً جنسياً ينفتح على الحياة من موقع الانفعال الجنسي في طبيعته الغريزية وفي نتائجه التناسلية، وبذلك تختصر حياتها في هذه الدائرة، على مستوى الالتزامات الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية والنوازع الذاتية، فلا مجال عندهم لأيِّ تصور ينطلق بالمرأة نحو الأبعاد الإنسانية الواسعة كإنسان يملك طاقات فاعلة فيما يمكن أن تمنح الحياة فكراً وحركة وانطلاقاً في عملية الإبداع.. بل وربما تجد البعض يسخر من هذه الفكرة ويعتبرها نوعاً من أنواع المزاح، أو التفكير الخيالي الذي لا يملك أيّ إمكانات واقعية للحياة.
ولكنهم لا ينظرون إلى الرجل هذه النظرة، في الوقت الذي لا نجد فيه فرقاً بين الرجل والمرأة فيما هي الوظيفة الإنسانية في العامل الجنسي، أي لجهة إشباع حركة الجسد الغريزية، أو لجهة التوالد والتناسل في استمرار النوع البشري، مع اختلاف الخصائص في ذلك بينهما تبعاً للدور الذي يتميّز فيه التكوين الجسدي في أحداهما عن الآخر.
ولكن ذلك لا يوجب أيَّ اختلاف في المسائل الأخلاقية فيما هي عفَّة الرجل والمرأة في الالتزامات الشرعية في المسألة الجنسية، وفيما هي طبيعة الحدود المفروضة في علاقتهما الإنسانية، وفي الإمكانات الفكرية والروحية والعملية.
إن التفكير الإسلامي ينظر إلى إنسانية المرأة والرجل بمنظارٍ واحدٍ في مسألة التكوين، وفي مسألة المسؤولية، ويدعوهما معاً إلى صنع حركة الحضارة الإسلامية في حياة الناس... ويحمّلهما معاً مسؤولية الانحراف والاستقامة بنفس المستوى، ويوزّع بينهما الأدوار والمهمات فيما يميّز به دوراً عن دور، على أساس عملية التكامل الإنساني الذي يضيف فيه كل فريق من الذكر والأنثى شيئاً من خصائصه إلى الفريق الآخر، لتتَّحد الخصائص الإنسانية على مستوى النتائج في تكامل الأدوار والمسؤوليات
منقول