ابن الرفاعى المشرف العام
العمر : 45
| موضوع: عظمة الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الثلاثاء أغسطس 16, 2011 10:45 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم أللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ٱلوَصـفِ وَٱلوَحْيِ وَٱلرِّسَالَةِ وَٱلحِكْمَةِ وَعَلى آلِهِ وَصَحـبِهِ وَسَلِّمْ تَسليماً
عظمة الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إنَّ من يقف متحدثاً عن حضرة المصطفى سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) يقف في مقام المتحير , فحقيقته (صلى الله تعالى عليه وسلم) لا يعرفها إلا الله جل وعلا , والعقول مهما آتاها الله (سبحانه وتعالى) من فطنة وأدراك أنْ تحيطَ بهذا النور الرباني الذي تمثل في صورة سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقال ربنا تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) (1). أن هذا النور الإلهي هو العماد الرئيسي والأساسي لهذا الكون إذ هو علة الوجود وسبب كل موجود وقد أجاد ابن نباته المصري حين قال : لولاهُ ما كانَ أرضٌ لا ولا أفقٌ ....... ولا زمانٌ ولا خلقٌ ولا جيلُ ولا مناسكٌ فيها للهدى شُهبٌ ....... ولا ديارٌ فيها للوحـي تنزيلٌ من هذا لابد أن نعرج متبركين على شخصية الحبيب المصطفى (صلى الله تعالى عليه وسلم) مشيرين إلى نزر من المنح واللطائف الإلهية التي أختص بها سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) في كتاب الله العزيز عَلّ الله (سبحانه وتعالى) أن يجعلنا من الذين فرحوا برسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) كي يفرح بنا . قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (2). نبدأ من هذه الآية المباركة لفهم بعض السمات الإلهية التي خص الله (سبحانه وتعالى) بها سيدنا محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) إذ لم يذكر الحق (سبحانه وتعالى) من هو هذا الرسول ولكن يتبادر إلى الذهن ابتداءً انه رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) , والإبهامُ في مثل هذا المقام يفيد التعظيم فكما في قول الله تعالى : ( محمد رسول الله ) على ما يقرره العلماء فإن هذا يسمى ( مفهوم اللقب ) , ومفهومُ اللقب لا ينزِع صفةَ الرسالة عن غير رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) من الأنبياء والمرسلين , ولكن يشيرُ هذا المفهوم إشارةً إلى أن تحقق هذا الوصف ( أي وصف الرسالة ) على كماله وتمامه في شخص رسولنا (صلى الله تعالى عليه وسلم) فكأن الله تعالى قال : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) , أي أرسل أعظم رسله , ثم قال تعالى : ( بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ) والهدى هو نقيض الضلال , ودين الحق هو الدين الذي جاء مطابقا للواقع ذلك على تعريف المتكلمين للحق بأنه الحالةُ المطابقة للواقع , إذ أنَّ هذا الدين هو دينُ الفطرةِ التي فطر الله الناس عليها وهذا ما قرره الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله : ( كلُ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ حتى يُعرَب عنه لسانهُ , فأبواه يهودانه وينصرانه ) (3). فالإسلام هو دين الحق كونه قد طابق الفطرة البشرية التي فطر الناس عليها , ثم قال تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) , وفعل الظهور هنا مسند إلى ضمير مبهم وهو ( الهاء ) وعائديةُ الضمير لابدَّ أن تكون على اسمٍ ظاهرٍ , والآيةُ الكريمة فيها اسمان ظاهران هما ( الرسول والدين ) , فإذا كان الضمير عائداً على الاسم الظاهر ( الرسول ) فإن تفسير الظهور في هذه الآيةِ المباركةِ يأتي بمعنى ( الإطلاع ) , فكأن الله (سبحانه وتعالى) قال : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ ) . ولفظ ( الدين ) جاء معرفا ( بالألف واللام ) المفيدةِ للاستغراق , فكأن المعنى سيكون : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليطلِعهُ على الأديانِ كلِّها . أما إذا كان الضمير عائداً على الاسم الظاهر الثاني ( الدين ) , فقد تقرر المعنى على شكل آخر , فكأن الله (سبحانه وتعالى) في قوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ ) قد قال : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليرفع شأنه على الأديان كلها , فالظهور هنا جاء بمعنى الرفعة , وكما يقول القائل : ظهر بنو فلان على بني فلان , أي انتصروا عليهم وارتفعوا شأناً عنهم . مما تقدم لابد أن تدرك ما هي أسباب هذا الظهور لهذا الدين الحنيف على بقية الأديان ؟ أن سبب ظهور هذا الدين الحنيف على بقية الأديان بموجب قاعدة ربط الأسباب بالمسببات هو رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) , فالله (سبحانه وتعالى) قد أعطى سيدنا محمداً (صلى الله تعالى عليه وسلم) ما لم يَعطِ غيره من الأنبياء والمرسلين من الإكرام والمِنَح الإلهية الربانية , وقال الإمام الشافعي ( رحمه الله ) : ما من رحمةٍ أُصيب بها أهلُ الأرض والسماء إلا عن طريقِ رسولِ الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) . فكلُّ رحمةٍ وصلتْ إلى الأنبياء والمرسلين وكل منحةٍ إلهيةٍ مُنِحَ بها نبيٍّ مرسلٌ ما جاءت إلا عن طريق سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) الذي قال : ( أنا كنت نبياً وآدمُ بين الماء والطين ) (4). فإكرامه (صلى الله تعالى عليه وسلم) قد سبق ظهوره , والذي يقرر هذه المسألة ما قاله الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم : ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) (5). إنَّ تفضيلَ رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) على بقية الأنبياء والمرسلين أمرٌ واجبٌ ومشروعٌ لا يُستدل على نفيهِ بقول الله تعالى : ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) (6). فالتفريقُ المقصودُ في هذه الآية الكريمة بين الرسل يكون بالإيمان , أي نؤمنُ بهذا ونكذب ذاك , فاللهُ تعالى قال في موضع آخر من القرآن الكريم : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض ) (7). فلم ينل أحدٌ من الأنبياء والمرسلين والأفضلية التي نالها رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) وهذا ما يوضحه ويبينه قول الله تعالى : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) (8). إنَّ هذا الخطاب موجهٌ من الحق (سبحانه وتعالى) إلى الناس كافة فقال تعالى : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) , أي لا ينبغي لأحدٍ منكم أيها الناس أنْ يُعامل رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) كما يعاملُ بعضكُم بعضاً لأنه ذو منزلةٍ وقدسيةٍ خاصةٍ , ثم تابع الحق قوله : ( وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) , فـ ( رسولُ اللهِ ) كما أسلفنا أنه مفهوم اللقب الذي يوضح لنا تقدَمهُ وأفضليَتهُ على بقية الأنبياء والمرسلين ولكن نقف عند قول الله تعالى في هذه الآية الكريمة : ( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) بفتح التاء , فلم يقل الحق (سبحانه وتعالى) : خاتِم النبيين بكسر التاء , فما الفرق بين اللفظين ؟ . الخاتِم للشيء ( بكسر التاء ) : هو الذي يأتي في أخره , أما الخاتَم ( بفتح التاء ) فهو الذي يكون به الابتداء والانتهاء , لذلك سُمي الخاتَم خاتَماً لأنه محيط بالإصبع من كل جانب فيُبتَدَأ به ويُنتَهي إليه , فالله (سبحانه وتعالى) يقرر في هذه الآية الكريمة بأن هذا النبي الأعظم (صلى الله تعالى عليه وسلم) هو محيط دائرة الأنبياء أجمعين منه المبتدئ واليه المنتهى . إضافة إلى ما تقدم فقد ختم الله (سبحانه وتعالى) هذه الآية الكريمة بقوله تعالى : ( وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) فالذي يناسب هذا المقام لا يكون إلا بمثل هذا الانتهاء , ففيه إشارة إلى أن الله تعالى هو الوحيد الذي يعلم الحقيقة المحمدية ولا يمكن لأحد معرفة ذات رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلا بمشيئة الله (سبحانه وتعالى) فقد قال الله (سبحانه وتعالى) : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (9). لِنُدقق النظر في موطن آخر من القرآن الكريم ولِنُعرّج على الآية الكريمة التي أمر الله (سبحانه وتعالى) العباد بالصلاة على رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (10). إن هذا الأمر الرباني في الآية الكريمة جاءنا بصورة قرآنية جديدة تتميز وتختلف عن بقية صيغ الأوامر الربانية الأخرى في القرآن الكريم , فقد قال الله (سبحانه وتعالى) : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) (11). وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (12). وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (13). وقال : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (14). هذا إلى ما شاكله من صيغ الأوامر التي تقتضي طلبَ الفعل , ولكن حينما كان الأمر بالصلاةِ على رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) جاء الأمر بصيغةٍ أُخرى فابتدأ الله (سبحانه وتعالى) هذه الآية الكريمة بقوله : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) , ليشير إلى أنَّ مقامَ الصلاةِ على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) مقامُ تشريفٍ للعبادِ إضافةً إلى أنه مقامُ تكليفٍ يُراد به طلبُ الفعل , فالصلاةُ على النبيِّ (صلى الله تعالى عليه وسلم) مقامُ تشريف وتكليف في آن واحد , فكأن الله (سبحانه وتعالى) يقول لعبده : أنا أُصلي على حبيبي وملائكتي يصلون على حبيبي فإذا صليتَ عليه كنتَ حاضراً معي ومع ملائكتي في هذا المقام الرفيع . ومن ناحية أخرى إذا ما نظرنا إلى تنفيذ أمرِ الصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) في هذه الآية الكريمة فإن كيفيةَ تنفيذِ هذا الأمرُ قد جعل الصحابة الكرام يسألون رسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) عنه , فقالوا يا رسول الله علمنا الصلاة عليك , فكيف نصلي عليك ؟ فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم) قولوا : ( اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيمَ وبارك على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمين إنك حميدٌ مجيد ) . فهكذا يكون تنفيذُ أمرِ الصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) , ولننظر إلى تنفيذ الفعل للأوامر في بقية الصيغ القرآنية الآمرةِ , ففي قول الله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) فعلينا في هذا الأمر تنفيذُ وأداءُ فعل يبدأ بالتكبير وينتهي بالتسليم . وفي قول الله تعالى : ( وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) , فما علينا إلا أن نُخرجَ جزءً من مالنا امتثالا لهذا الأمر الرباني , ولكن حينما أُحيل الفعلُ على العبادِ لتنفيذِ أمر الصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) بقوله تعالى : ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) قال العباد : اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد , أو يقولون : اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما , إلى ما شابهها من صيغِ الصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) , وفي هذا إشارةٌ من العباد إلى تفويضِ أمر الصلاة على النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلى الله تعالى , فكأنَّ العبادَ يقولون : يا ربِ إذا كنت أنتَ وملائكتكَ قد صليتُم على نبيك فلا طاقة لنا على أداءِ هذا الفعل , لذلك يقول بعض المفسرين : إنَّ الأمر التكليفي الوحيدَ الذي عجزَ عن أدائه العبادُ هو الصلاةُ على رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) , ففيهِ يتحققُ الذلُّ والانكسارُ والتجردُ إلى الله تعالى والإقرارُ بالضعفِ . إنَّ الله (سبحانه وتعالى) لم تغادر رعايته ولطفُه حبيبه محمداً (صلى الله تعالى عليه وسلم) وهذه حقيقةٌ قد أكدها اللهُ (سبحانه وتعالى) في كتابهِ العزيز بقولهِ : ( وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) (15). إنَّ عِظمَ هذهِ الرعايةِ الإلهيةِ لسيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) ورفعتها تتجلى لنا بوضوح إذا ما قورنت بالرعاية الإلهية لسيدنا موسى (عليه السلام) , إذ قال الله (سبحانه وتعالى) في حقه : ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) (16). وأما قولُ الله تعالى في حق نبينا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) : ( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (17). فالفارقُ واضحٌ في الرعاية الإلهية العظيمة الرفيعةِ لسيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) من رعاية الله تعالى لسيدنا موسى (عليه السلام) , ومن ناحية أخرى فقد كانَ هنالك ميعادٌ لسيدنا موسى (عليه السلام) فقال تعالى : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) (18). أما رسولُ الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) فلم تفارق رعايةُ الله (سبحانه وتعالى) ذاته الشريفة في أي حالٍ من الأحوال فقال تعالى : ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) . إنَّ حقيقةَ هذه العظمة وهذه الرفعة التي خصَ اللهُ (سبحانه وتعالى) بها سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) , قد خاضَ في بحرِها وغاص في معانيها كثير من الأعلام العارفين وقد عبر عن هذه الحقيقة الشيخ محيي الدين بن عربي وسماها بـ( الحقيقة المحمدية ) والتي اعتبرها العمادَ الذي قامت عليه ( قبةُ الوجودِ ) فهي صِلةُ الوصلِ بين الله والناس وهي القوةُ المدبرةُ التي يصدرُ عنها كلُّ شيءٍ , ولندع ابن عربي يشرح هذه المسألة بفهومه : « اعلم أنَّ الله لما خلق الخلق جعلهم أصنافاً , وجعل في كل صنفٍ خياراً , وأختار من الخيار خواصاً وهم المؤمنون , وأختارَ من المؤمنين خواصاً وهم الأولياء , واختارَ من هؤلاء الخواص خلاصةً وهم الأنبياء , واختار من الخلاصةِ نقاوةً وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم , واختار من النقاوةِ شرذمةً قليلين هم صفاءَ النقاوةِ المروقةِ وهم الرسل أجمعهم , واصطفى واحداً منهم , ليس منهم هو المهيمن على جميع الخلائق جعله الله عمداً أقامَ عليه قبة الوجود , وجعله الله أعلى المظاهر واسناها , صحَ له المقام تعييناً وتعريفاً , فعلمُه قبلَ وجودِ طينةِ البشرِ وهو محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) لا يُكاثَر ولا يُقاوَم , وهو السيدُ ومن سواه سوقة »(19). وقد بحث في تحرير هذه القضية ( القاشاني ) فقال : « إنَّ محمداً (صلى الله تعالى عليه وسلم) أولُ التعينات الذي تُعيَّنُ به الذاتِ الأحدية قبلَ كل تَعيُّن فظهر به ما لانهاية له من التعينات , فهو يشمل جميع التعينات , فهو واحدٌ فردٌ في الوجودِ لا نظيرَ له : إذ لا يتعين من يساويه في المرتبة , وليس فوقه إلا ألذاتِ الأحدية المطلقة المنزهة عن كلِّ تَعيُّنٍِ وصفةٍ واسمٍ ورسمٍ وحدٍ ونعتٍ , فله الفرديةُ مطلقاً , ومن هذا يُعلمِ إن الاسمَ الأعظمَ لا يكون إلا له دون غيره من الأنبياء , ومن فرديته يُعلمُ سرُ قولهِ : ( كنتُ نبياً وآدمُ بين الماء والطين ) كونه خاتَمَ النبيين وأولَ الأولين وآخرَ الآخرين , ومن أوليته وجمعيته سرُ قوله : ( أُتيتُ جوامعَ الكلم ) وكونه أفضلَ الأنبياء فإنهم في التصاعدِ وسعةِ الاستعدادِ والمرتبة , ينتهون إلى التعين الأول ولا يبلغونه , والتعينُ الأولُ هو محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) الذي تَرجعُ إليه جميع التعيُّنات فهو البرزخُ بين ألذات الأحديةِ وبين سائر الموجودات »(20). ومن هنا يتضح لنا بأنَّ جميع الأنبياء عليهم السلام من نورِ سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) الذي هو أصلُ الوجودِ وأولُ تعيُّنِ للذات الأحدية وعنه نشأت جميع التعينات ومن أجل ذلك كان سيدُ جميعِ الناسِ وكان خاتماً للأنبياء . وقد لخص هذه الحقيقة الشيخ محمد البكري رحمه الله في هذه الطائية : (21) قبضةُ النـورِ مـن قديمٍ أرتنا ..... فـي جميعِ الشؤون قبضاً وبسطاً وهي أصلُ لكلِ أصلٍ تَبدّى ..... بَسطَتْ فضلها على الكونِ بسطا وهي وترٌ قـد أظهرتْ عدد ..... الشفعِ بعلمٍ فجلَّ حصراً و ضبطاً ولدت شكلاً فأنتجَ أشكلاً ..... بشرياً أقام للعـدل قسـطا طَلَسمٌ حارتِ العقولُ عليهِ ..... كنزُ بحرٍ قد شطَ في الدركِ شطا إنَّ الوسيلةَ الكبرى والعظمى للعباد هو حضرة المصطفى (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقال تعالى : ( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (22). فهو بلا شكٍ ولا ريبٍ وسيلتنا ووسيلةُ أبينا آدم (عليه السلام) , فمن أرادَ الرحمة والمغفرة والقرب في الدارين من الله تعالى فما عليه إلا أن يبادر إلى طرقِ بابِ المصطفى (صلى الله تعالى عليه وسلم) ويناديه بلسانِ العاشقينَ وبقلبِ المحبينَ وبروحٍ فانيةٍ بمحبته (صلى الله تعالى عليه وسلم) كي ينالَ مبتغاه ومرامه , ولكن الذي يضيرُ ويجعلُ القلوبَ تتقطر ذلك الجدلُ العقيم الذي لجت به الألسنُ في المجالس وهو هل إنَّ للنبيِّ (صلى الله تعالى عليه وسلم) جاهاً عند الله أم لا ؟. إذا كنا نناقش في هذا الأمر إلى يومنا هذا فمتى نعرف قدر نبينا ؟ !! إن مجرد المناظرة في هذه المسألة تُعدُّ إساءةُ أدبٍ عظيمةٌ مع حضرة المصطفى (صلى الله تعالى عليه وسلم) وتفريط في حقه فهو الباب الذي لا يوصد ولا يُدخل إلى رحمة الله تعالى إلا من خلاله , قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) (23). وإن من عظمة الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) وعِظم جاهه عند الله (سبحانه وتعالى) أن جعل الأرزاق منوطةً به (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقد روي عن الرسول أنه قال : ( إن الله معطٍ وأنا قاسم ) (24). وكان الصحابة يرددون ( هذا ما أتانا الله ورسوله من فضله ) . وقد صدق القائلُ : ما أرسلَ الرحمنُ أو يرسلُ ........ من رحمةٍ تَصعُد أو تنزلُ إلا و طه المصطفى عبدُه ........ نبيهُ مـختارُه المـرسلُ واسطةٌ فيها ووصلٌ لهـا ........ يفهم هذا كلُّ من يعَقلُ فحُط أحمالَ الرجا عندهُ ........ فهو شفيعٌ دائماٌ يقبلُ ذلك إن الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) هو الشارعُ الأشهر والخليفة الأكبر , نور الله اللامعُ وبرقه الساطع وسيفه القاطع ومعناه الذي هو في أُفقِ كل قلبٍ سليمٍ طالعٍ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ الهوامـــش (1 - المائدة : 15 ) ( 2 - التوبة : 33 ) ( 3 - الحديث أخرجه الطبراني في الكبير عن الأسود بن سريع ورواه الحاكم والبيهقي ) ( 4 - الحديث ورد في شرح القاشاني على الفصوص ص 266 ) ( 5 - آل عمران : 81 ) ( 6 - البقرة : 285 .) ( 7 - البقرة : 253 ) ( 8 - الاحزاب : 40 ) ( 9 - النور : 35 ) ( 10 - الاحزاب : 56 ) ( 11 - الاسراء : 78 ) ( 12 - البقرة : 183 ) ( 13 - البقرة : 178 ) ( 14 - آل عمران : 97 ) ( 15 - الضحى : 1 , 2 , 3 ) ( 16 - طه : 39 ) ( 17 - الطور : 48 ) ( 18 - البقرة : 51 ) ( 19 - الشيخ ابن عربي - الفتوحات المكية ج 2 ص 97 ) ( 20 - شرح القاشاني على الفصوص ص 266 – 267 ) ( 21 - ديوان الحقائق ص 285 ) ( 22 - المائدة : 35 ) ( 23 - النساء : 64 ) ( 24 - صحيح البخاري : ج1 /ص 39/ برقم 71 ـ و صحيح مسلم /ج2/ص 719/ برقم 1037 ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ المصدر : السيد الشيخ محمد الكسنـزان ــ كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية . | |
|
النقشبندى إدارة المنتدى
العمر : 47
| موضوع: رد: عظمة الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الإثنين أغسطس 29, 2011 8:10 pm | |
| | |
|
قلب محب المراقب العام
العمر : 51
| موضوع: رد: عظمة الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الجمعة سبتمبر 02, 2011 10:39 am | |
| | |
|
ابن الرفاعى المشرف العام
العمر : 45
| موضوع: رد: عظمة الرسول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الإثنين سبتمبر 05, 2011 1:58 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أجــمل وأرق باقات ورودى لردكم الجميل ومروركم العطر تــحــياتي لكم كل الود والتقدير دمتم برضى من الرحــمن لكم خالص احترامي | |
|